الأربعاء، 24 أبريل 2013

حسن معاملة الأجير


عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاء رجل، فقعد بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم؛ فكيف أنا منهم؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا كان يوم القيامة؛ يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك، وعقابك إياهم؛ فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم؛ كان كفافا لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنبهم، كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم؛ اقتص لهم منك الفضل، فتنحى الرجل وجعل يهتف ويبكي، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أما تقرأ قول الله تعالى: { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } (1) فقال الرجل: يا رسول الله! ما أجد لي ولهؤلاء شيئا خيرا من مفارقتهم؛ أشهدك أنهم كلهم أحرار. (2)

 

 شاء الله عز وجل أن تتباين أدوار البشر وتتنوع مسؤولياتهم وتتعدد اهتماماتهم حتى تتكامل حركة الحياة وتعمر الأرض، واقتضت مشيئته وحكمته سبحانه أن يجعل بعض عباده أغنياء وبعضهم فقراء، وسخّر كلاّ من الطائفتين للأخرى، هذه تنمي المال وتنفق منه على تلك، وتلك تقوم بالعمل مقابل ذلك الإنفاق.

والإسلام يوجه الأغنياء المخدومين إلى التواضع وعدم التكبر على الخادمين، ويجعل لهؤلاء حقوقا على أولئك يجب عليهم أن يؤدوها بدون مماطلة ولا نقص، فالمخدوم ينبغي أن يتواضع مع خادمه ولا يترفع عليه لأنه قد يكون أعظم درجة منه عند الله، وليس الفضل بكثرة الأموال ولا بعظم الأجسام، ولا بغير ذلك من متاع الدنيا وزينتها ومظاهرها وإنما الفضل بالتقوى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }

ولقد ضرب الرسول -صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى في معاملة الخادم، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال "خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين والله ما قال لي أف قط، ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا"(3)

والرسول -صلى الله عليه وسلم- قدوة حسنة لأمته، وهي إذا لم تستطع أن تصل إلى درجة الكمال التي بلغها -صلى الله عليه وسلم- فلتسدد ولتقارب.

قال -صلى الله عليه وسلم-:

- ( من لايمكم من خدمكم فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون، ومن لا يلايمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله ) (4)

- ( لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجاب لكم ) (5)

- ( إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي حره وعلاجه ) (6)

وبلغ من رحمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان لا يطيق أحدا أن يقول: كان عبدي وأمتي، وأنه أمر المسلمين أن يكفوا عن ذلك، وأن يقولوا فتاي وفتاتي (7)

وعن المعمور بن سويد قال: "رأيت أبا ذر الغفاري وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألناه عن ذلك فقال: ساببت رجلا، فشكاني إلى رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-  فقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-:  ( أعيرته بأمه؟! ثم قال: إخوانكم خولكم جعلهم اللّه تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم ) (8)

وعن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- قال: كنت أضرب غلاما لي، فسمعت من خلفي صوتا: ( اعلم، أبا مسعود! لله أقدر عليك منك عليه ) فالتفت فإذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  فقلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله، فقال: ( أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار ) (9)

وعن معاوية بن سويد قال: لطمت مولى لنا فهربت ثم جئت قبيل الظهر، فصليت خلف أبي فدعاه ودعاني ثم قال: امتثل منه ثم قال: كنا بني مقرن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس لنا إلا خادم واحدة فلطمها أحدها، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ( اعتقوها ) قالوا: ليس لهم خادم غيرها. قال: ( فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فيخلوا سبيلها ) (10)

وللخادم على سيده حقوق نذكر منها (11):

ــ أن يعامله معاملة حسنة، ويحلم عليه إذا بدر منه خطأ، قال تعالى: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]

ــ أن يتواضع معه ولا يتكبر عليه، فإن التواضع مع الخادم يؤنسه ويشعر معه بالطمأنينة وعدم الحرج من العسر والفقر، والتكبر عليه يوحشه ويشعر بسببه أنه محتقر لا قيمة له فيضطرب ويعيش كئيبا حزينا، وقد ذم الله الكبر والمتكبرين وأعدّ لهم عقابا أليما كما مدح التواضع والمتواضعين ووعدهم الجزاء الحسن.

قال تعالى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215]

وقال تعالى في وصف المؤمنين: { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54]

وعن عياض بن حمار -رضي الله عنه-  أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  قال: ( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد ) (12)

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي -صلى الله عليه وسلم- فتنطلق به حيث شاءت. (13)

ــ  قد يقوم الخادم بالخدمة في مقابل طعامه وشرابه وكسوته، وقد يقوم بها بأجر معلوم من النقود أو غيرها، وفي كلتا الحالتين يجب على المخدوم أن يؤدي إلى الخادم ما يستحق، ولا يجوز له أن يظلمه بنقص أجرته أو مماطلته فيها فإن فعل شيئا من ذلك فقد ظلمهن.

والله تعالى ذم في كتابه الظلم والظالمين، كما حذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- منه، قال تعالى:{ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [الحج:71]

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ) فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ فقال: ( وإن كان قضيبا من أراك )(14)

وقد حذر الله المستأجر تحذيرا شديدا من عدم إعطاء الأجير أجره, قال البخاري رحمه الله: [باب إثم من منع أجر الأجير] عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-  قال: ( قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ) (15)

وقال -صلى الله عليه وسلم-: ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) (16) أي ينشف، لأن أجره عمالة جسده، وقد عجل منفعته، فإذا عجلها استحق التعجيل، ومن شأن الباعة إذا سلموا قبضوا الثمن عند التسليم فهو أحق وأولى، إذ كان ثمن مهجته لا ثمن سلعته فيحرم مطله والتسويف به مع القدرة، فالأمر بإعطائه قبل جفاف عرقه إنما هو كناية عن وجوب المبادرة عقب فراغ العمل إذا طلب وإن لم يعرق أو عرق وجف (17)

ـ ومن أهم ما ينبغي أن يعتني به السيد للخادم تعليمه ما يجب عليه وما يحرم من أمور دينه, وحثه على التحلي بالأخلاق الفاضلة، فإن في ذلك مصلحة عظيمة للسيد والخادم والمجتمع، كما ينبغي أن يحذره من الأخلاق الرذيلة واقتراف الأمور المحرمة، ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر لأنه أصبح مسئولا عنه كمسئوليته عن بقية أهل بيته.

 

الهوامش

(1) الأنبياء 47 (2) الحديث رواه الترمذي ــ كتاب التفسير رقم 3165 وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم 2531 والمشكاة رقم 5494 والفظ له (3) رواه مسلم رقم 2309  (4) رواه أحمد وأبو داود عن أبي ذر (صحيح) انظر حديث رقم: 6602 في صحيح الجامع.‌ (5) رواه أبو داود عن جابر (صحيح) انظر حديث رقم: 7267 في صحيح الجامع (6) البخاري رقم  5460 (7) البخاري رقم 2552 (8) البخاري رقم 2545 (9) مسلم 1659 (10)مسلم رقم 1658 (11) المسئولية في الإسلام الشيخ عبد الله قادري بتصرف (13)مسلم رقم 2865 (13) رواه البخاري تعليقا انظر رياض الصالحين بتحقيق الألباني رقم 610 (14) صحيح مسلم من حديث أبي أمامة الحارثي رقم 137 (15) البخاري رقم 2270 (16) رواه ابن ماجة عن ابن عمر وصححه الألباني في الإرواء رقم 1498 (17) فيض القدير ــ المناوي 1/254

د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق