السبت، 30 نوفمبر 2013

مواقف ليست من الغيبة



الغيبة من أشد آفات النفس الخبيثة، فهي تسبب العداوة والبغضاء والتقاطع والتدابر بين الناس، وتشغل المرء بعيوب الخلق وتُنسيه الانشغال بعيوبه، كما أنها اعتراض ضمني على قدر الله تعالى في خلقه.  
وقد فشت آفة الغيبة في الناس فلا يكاد يخلو منها بر ولا فاجر ولا عالم ولا جاهل إلا من رحم الله تعالى، بل قد تمكن الشيطان في التدخل في هذه الجهة وأجلب بخليه ورجله من هذه الوجوه.
ولا يخفى على كل عاقل ما في كثرة مخالطة الناس من تفشي الغيبة، خاصة وأن وقعها على النفس سار لاسيما إذا كان المستغاب مكروها أو عدواً، فإن سلم المخالط من القول بالغيبة لم يسلم من المشاركة فيها، وإن سلم من المشاركة فيها، لم يسلم من السكوت عليها وضرورة إنكارها لمن كان في مجلس غيبة، وإلا فيفارق ذلك المجلس إن لم يستطع الإنكار، وإن لم يقدر على مفارقة المجلس اشتغل بذكر أو غيره.
لقد تساهل الناس في الغيبة لأنها بطبيعتها سهلة لينة لا تكلف مشقة سوى تحريك اللسان في الفم لاسيما إذا كان المستغاب عدواً لمن في المجلس أو لبعضهم لأنهم يتشفون بذكر معايبه ويتلذذون بما يسمعون عنه من سوء ويذكر به من نقص، كما يتلذذ الظمآن بالماء البارد ليطفي به حرارة جوفه ويبل به صداه.
لكنها في الحقيقة انتقام عاجز وسلاح في يد جبان لأن المغتاب دائماً ينهزم عندما يعلم بحضور المستغاب أو أحد محبيه وربما أبدل هجاءه بمدح وذمه بثناء.
وحد الغيبة بينه –صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما الغيبة؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (ذكرك أخاك بما يكره) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته).
لكن ليس هذا على إطلاقه، بل ذكر العلماء من الأمور التي ليست بغيبة ست حالات، جمعها محمد بن عُوجان (1) في أبيات شهيرة:
القدح ليس بغيبة في ستة ... متظلمٍ ومعرف ومحذر
ومجاهر فسقا ومستفت ومن ... طلب الإعانة في إزالة منكر
- (الأول): التظلُّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان والقاضي، وغيرهما ممَّن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه فيقول: "ظلمني فلان بكذا".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ له: «اذْهَبْ فَاصْبِرْ» فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ» فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ [أبو داود]
- (الثاني): التعريف، فإذا كان الإنسان معروفاً بلقب، كالأعمش (سليمان بن مهران أبو محمد) والأعرج (عبد الرحمن بن هرمز، وهو من أشهر الرواة عن أبي هريرة)، والأصم، والأعمى، والأعور (مسلم بن كيسان) والأحول (عاصم بن سليمان) .. وغيرهم، جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.
بل وجد في المحدثين من نسب إلى أمه وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بـ (إسماعيل بن عُليه)، وكان يقول من نسبني إلى أمي فقد اغتابني، ولكن علماء الحديث ذكروه بأمه لشرفه، لأن إسماعيل بن إبراهيم في الرواة كثير.
وكان ابن معين رحمه الله أحد الحراس الأشداء الأقوياء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولَكَمْ أضرَّ بالكذابين والمغفلين وتوجعوا منه كثيراً! ومع ذلك كان لا يفتأ أن يقذف بالسهام إليهم، ولا يعبأ بنكيرهم ولا بكلامهم. .. قيل له يوماً: ألا تخشى أن يكون هؤلاء الذين تكلمت فيهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟ فقال لهم: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحبَّ إلي من أن يكون الرسول –صلى الله عليه وسلم- خصمي، يقول لي: «لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكذِبَ عن سنتي؟»
وهذا بعكس حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قُلْتُ للنبيّ صلى الله عليه وسلم: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كذَا وكَذَا. [قَالَ بعضُ الرواةِ: تَعْنِي قَصيرَةً]، فقالَ: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ !) لأن الكلام هنا في معرض التنقيص.
- (الثالث): تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة، ولذلك صح عن شعبة بن الحجاج أنه كان يأتي عمران بن حُدَيرٍ ويقول له: «تعال نغتاب في الله ساعة» أي نذكر مساوئ أصحاب الحديث، كقول علماء الجرح والتعديل عن الرواة: هذا مدلس، وهذا مختلط، وهذا وضاع أو كذاب.
ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته ويجب على المشاوَر ألاَّ يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة، ومنها إذا رأى متفقهاً يتردّد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا ممّا يُغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويُلبس الشيطان عليه ذلك، ويُخيل إليه أنه نصيحة فليفطن لذلك، ومنها أن يكون له ولاية، لا يقوم بها على وجهها: إما بأن لا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقاً، ونحو ذلك، فيجب ذكر ذلك، لمن له عليه ولاية عامة ليزيلها، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى إلى أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به.
- (الرابع): أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، وجباية الأموال ظلماً، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يُجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.
- (الخامس): الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظُّلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك فالتعيين جائز، كما في حديث هند أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ فَقَالَ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ).
لكن هناك فرق بين القضاء والاستفتاء، فالقضاء ملزم عكس الفتوى فهي غير ملزمة، والقاضي لابد أن يسمع من الطرفين، عكس المستفتي فإنه يفتي بناء على حكاية الواحد وظاهر الكلام.
فعن زينب بنت أبي سلمة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو مما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار).
- (السادس): الاستعانة على تغيير المنكر، وردّ العاصي إلى الصواب، فيقول لِمَن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما.
الحواشي
(1) محمد بن عُوجان المالكي: ولد بالقدس الشريف، ونشأ في عفة، وصيانة، وديانة، ورزانة، وحفظ القرآن العظيم، والشاطبية، والمنهاج للنووي، وعرضهما على شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني، وقاضي القضاة محب الدين بن نصر الله الحنبلي، وشيخ الإسلام سعد الدين الديري، وشيخ الإسلام عز الدين المقدسي، ثم حفظ ألفية ابن مالك، وألفية الحديث، وقرأ القرآن بالروايات على الشيخ أبي القاسم النويري، وسمع عليه، وقرأ في العربية والأصول والمنطق والعروض واصطلاح أهل الحديث، ورحل إلى القاهرة سنة أربع وأربعين، وأخذ من علمائها منهم ابن حجر، وكتب له إجازة وصفه فيها بالفاضل البارع الأوحد، وفي سنة إحدى وثمانين توجه إلى القاهرة واستوطنها، وتردد عليه الطلبة والفضلاء، وانتفعوا به، وعظمت هيبته، وارتفعت كلمته، ثم عاد إلى بيت المقدس بعد أن ولاه السلطان قايتباي الأشرف مدرسته المحدثة بها في سنة تسعين وثمانمائة.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com


الخوف من المجهول


ذات يوم استعد سائق الباص للانطلاق مؤدياً عمله اليومي. وبينما هو في طريقه توقف في إحدى المحطات حيث ركب الحافلة شخص ضخم الجثة ونظر للسائق وقال له: «جوني الكبير لا يدفع». ولأن السائق كان ضعيفاً نحيل الجسم لم يحاول مراجعته فيما قال، وفضل الصمت. المشكلة أن هذا الموقف أخذ يتكرر يوماً بعد يوم، فلا «جوني الكبير» دفع يوماً، ولا السائق حاول أن يطالبه بالأجرة.
قرر السائق فجأة أن يستعد لمواجهة الراكب الطفيلي، فذهب إلى أحد الأندية وطلب أن يتعلم بعض فنون الدفاع عن النفس لكي يواجه زبونه العملاق. بعد أشهر عدة، وبينما السائق يمر بالمحطة صعد «جوني» إلى الباص وقال كلمته المعتادة: «جوني الكبير لا يدفع».
عندها التفت إليه السائق وهو يستعد لمعركة حامية وقال: (ولماذا لا يدفع جوني الكبير؟). توقف «جوني» فجأة وقال له: ( لأن جوني الكبير لديه اشتراك سنوي ).
هكذا دائماً يدخلنا الخوف من المجهول في أوهام ننقاد إليها وفي النهاية نكتشف أننا على النقيض تماماً من الصواب.
يقول أبو حامد الغزالي في التعريف والتمييز بين الخوف الموضوعي (الطبيعي)، والمرضي (العصابي): " الخوف تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل".
وقسمه رحمه الله إلى قسمين:
( الخوف العادي ): وهو خوف من الله تعالى، وله مقامان؛ أحدهما: الخوف من عذابه، والثاني: الخوف منه .. فالمقام الأول: خوف عموم الخلق، والمقام الثاني: خشية العلماء.
والحاصل أنه خوف من الأشياء الموضوعية التي يكمن الخطر فيها، وهو صفة حميدة لتحقيق العمل الصالح وحفظ الحياة.
( الخوف المفرط ): وهو خوف زائد مذموم. يخرج الإنسان إلى اليأس والقنوط، ويمنعه من العمل، ويسبب له المرض، والضعف، والوله والدهشة، وزوال العقل، وأحياناً يؤدي به إلى الموت، وهو مذموم؛ لأنه معوق، وسبب للقنوط والجزع، والشعور بالعجز والاستسلام للهم.
إذا فالخوف عموما فطرة في النفس، ولا يخلو منه إنسان في أي وقت من الأوقات، بل هو قوة طبيعية لازمة للمحافظة على بقاء النوع الإنساني. وبالتالي فهو موروث من جانب، ولا أمل في اقتلاعه من جانب آخر، وإنما يراعي فيه حسن التوجيه، ولهذا كان للبيت والمجتمع والخبرات الفردية المكتسبة أثرها في التخفيف من عبء هذه الفطرة أو زيادتها، مما يجعلنا نجزم بأن الخوف ( عملية نسبية ) يتفاوت الناس فيها تبعا للعوامل البيئية والجسمية والنفسية التي يمر بها الإنسان.
والخوف من المجهول هو خوف غير مبرر، وهو يعمل على فقدان الثقة بالنفس، وهو المسئول عن إبقائنا في الظل، وهو الذي يوقفنا في أماكننا لأزمنة طويلة وعلى عدة مستويات .. يوسوس لنا أننا لن نستطيع تحقيق أحلامنا، يخبرنا أن نبقى صامتين، ويكبح جماح رغباتنا في التعبير عن أنفسنا بحرية ودون خجل.
إننا نحتاج للابتهاج بالحياة إلى شيئين هامين:
أولهما ( تنظيم الحياة في أنفسنا وفي مَنْ حولنا )؛ فالبيت إذا نُظِّم - أعني نُظِّمت ميزانيتُه، ونظمت حياةُ صغاره وكباره، ونظمت العلاقة بين الزوجين، وبينهما وبين الأولاد - كان أهله أقربَ إلى الابتهاج بالحياة. والموظف إذا نظمت مصلحته، أعني حسنت علاقته بينه وبين رؤسائه ومرؤوسيه كان أهدأَ بالاً، وأسعدَ حالاً .. وكذلك كل ما يتعلق بالإنسان من شؤون إذا نظمت كانت مبعث سعادة وابتهاج.
والأمر الثاني ( الشجاعة )؛ فكثيراً ما يكون سبب الحزن فقدان الشجاعة، يخاف الإنسان من الموت، ويخاف من الفقر، ويخاف أن تنزل به كارثة، ويخاف من المستقبل، ويخاف أن يفشل في عمله؛ فهذا الخوف كله ينغص عليه حياته، ويجعله منقبضاً غير مبتهج.
إن الخوف من المجهول هو لب المتاعب، ومن الحكمة والعقل ألا يجمع الإنسان على نفسه بين الألم بتوقع الشر، والألم بحصول الشر؛ فليسعد ما دامت أسباب الحزن بعيدة عنه، فإذا حدثت - لا قدر الله - فليقابلها بشجاعة واعتدال وصبر، ومن يخشى مصائب الحياة فليتق إذن أسبابها ما استطاع ويفوض أمره إلى الله تعالى بعد ذلك، وليطرح عنه أثقال الخوف، وليتمسك بعقيدة القضاء والقدر فإنها أساس كل خير، قال تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:107]، فإذا ما ملأ المؤمن قلبه بالتوكل على الله لم يبق للجزع في قلبه موضعًا، ولا للاضطراب في نفسه مكانًا، بل تراه ثابت الجنان، واثق الخطى، يعمل للدنيا كأنه سيعيش أبدا، ويعمل للآخرة كأنه سيموت غدا.
وما الحياة إلا مرحلة عابرة لا تستحق أن ينغص الإنسان نفسه فيها بكثرة الألم، ولا شك أن الهم والاستسلام للحزن، والخوف من توقع المكروه، والإفراط في تقدير الآلام .. مما يضعف الحياة، ويضعف الإنتاج، ويزيد الآلام والبؤس والشقاء؛ فحارب الكآبة في نفسك وابتسم للحياة، وابتهج بها في غير إسراف تزد حياتك قوة، وتشعر بالسعادة، وتُشعر بها من حولك.
من روائع الحكمة
- من النعم أن يكون في حياتك رصيد من التجارب التي في غالب الأحيان لا تتوافر إلا باقتحام المجهول.
- الخوف من أي محاولة جديدة طريق حتمي للفشل.
- لن تستطيع أن تمنع طيور الهم أن تحلق فوق رأسك، لكنك تستطيع أن تمنعها أن تعشش في رأسك.
- فكر دائما فيما يسعدك، وابتعد دائما عما يقلقك.
- أن تكون فرداً في جماعة الأسود خير لك من أن تكون قائداً للنعام.
- لا تجعل قطرات المطر في الصباح الباكر توقعك في تفكير طويل: هل ستذهب للعمل أم لا.
- الخوف من المجهول لا يبدو برجفة في الأطراف وجفافاً في الحلق، ولكنه يمارس دوره السلبي علينا لفترات طويلة من حياتنا بهدوء وصمت لا نعلم به.
- الإيمان يذهب الهموم، ويزيل الغموم، وهو قرة عين الموحدين، وسلوة العابدين .

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com




فر من الضغوط فرارك من الأسد


في تجربة تربوية أجريت على مجموعة مصطفاة من أفضل الطلبة كانوا يدرسون في معهد أمريكي لتخريج القضاة .. طلبوا منهم إجراء بحث، وتعمدوا أن يكون إنجاز هذا البحث محتاجا إلى عشرة أيام على أقل تقدير، لكنهم سمحوا لهم بيومين فقط، وسمحوا لهم بالإطلاع على ما يشاءون من مراجع في المكتبة، وأخفوا عنهم أمر كاميرات التصوير التي كانت تراقبهم.
انطلق الطلبة في المكتبة يحاولون إنجاز المستحيل, لكنهم سرعان ما أدركوا استحالة المحاولة، وإزاء هذا الظرف الغير طبيعي نسى الطلبة ما تعلموه, وتراجعت قيمهم وإحساس كل منهم بالآخر، فراح كل واحد منهم يسارع بالكشف في المراجع، ليس لإكمال بحثه، بل لتمزيق الصفحات المطلوبة في البحث وإخفائها حتى لا يستطيع زملاؤه الوصول إليها .. لقد أدرك كل واحد منهم استحالة النجاح، فتحولت مهمته إلى منع الآخر من النجاح.
وخلصت التجربة إلى أنه إذا وضعت إنسانا سويا بل متميزا في ظروف عسيرة أو حرجة، فمن المحتم أن تكون تصرفاته غير طبيعية!
الطريق من هنا
·  بسّط حياتك بدلاً من البحث والنظر في طرق لضغط مهام يومك كي تنجز الكثير مما لا تستطيع عمله في الأربع والعشرين ساعة .. تخلى عن بعض التزاماتك الغير مهمة، واسأل نفسك بكل تجرد: ما هو الواجب علي المبادرة لفعلة؟ وما الذي يُمكنه الانتظار وتأجيل القيام به؟ وما هو الذي لا يلزمني أداؤه أصلا؟
·  حاول أن تنتدب غيرك في المنزل والعمل للقيام ببعض الواجبات أو المهام المطلوبة منك، وحاول أن تُجزّئ الأعمال الكبيرة أو المعقدة إلى مراحل، وأن تنجز الأعمال الواحد تلو الأخرى بدلاً من القيام بمجموعة منها في نفس الوقت.
·  عش ليومك الذي أنت فيه ولا تحاول أن تعالج مشاكل حياتك كلها في يوم واحد، إنك تستطيع أن تفعل أشياء كثيرة خلال اليوم إذا ركزت تفكيرك عليها ولم توزع فكرك في أحداث الماضي أو المستقبل.
·      حاول دائماً أن تكيف نفسك وفقاً لما هو كائن، بدلاً من أن تحاول تكييف ما يحيط بك وفقاً لما تريد أن يكون.
·  لا تتوقع المتاعب، فمن الناس من يتوقع المتاعب قبل وقوعها، فهو دوما يعتقد أن هناك خطأ سيقع منه، أو مرضاً أو نائبة ستحل به.
·  كن دوما جاهزاً، بمعنى أن تُرتب برامجك اليومية مسبقاً، وبشكل مرن قابل للتغير بكل راحة، والأهم أن تضع في ذهنك وبرنامجك مساحة للمفاجآت، سواء كانت من نوع متطلبات العمل وواجبات الأسرة أو من نوع العارض الصحي أو غيره.
·  تقبل الخسارة، وهي خصلة من الصعب على الكثيرين التحلي بها، لكنها قد تكون ضرورية لاستمرار التفاعل مع الحياة وديمومة العطاء. ففقد أمر يجب ألا يكون عائقاً عن إنجاز أمور أخرى، وخسارة شيء لا تعني فقد كل شيء.
·  اضبط سلوكك وتفاعلك، وخاصة في لحظات التوتر والإجهاد. الأهم أن تتعلم كيف تكون منتجاً في لحظات قد ييأس البعض فيها، دون أن يزيد هذا من توترك وإجهادك. والأساس في هذا - بالإضافة إلى التوكل على الله سبحانه وتعالى، والثقة بقدرات النفس - تهيئة النفس لوضع الإيجابيات فوق الأفكار السلبية.
·  من الأفكار غير العقلانية التي تستثير لدينا التوتر والمشاكل النفسية والاجتماعية فكرة السيطرة التي تتمثل في بحثنا الدائم عن منافسات ومقارنات مع الآخرين يجب أن تكون لنا فيها الغلبة والسيطرة والتميز، على نمط «.. لنا الصدر دون العالمين أو القبر»، ونمط «.. ويشربُ غيرنا كدراً وطينا».
·  خصص وقتاً يومياً للاسترخاء تكون فيه مع نفسك ولو لبضع دقائق يومية أثناء زحمة العمل أو القيام بالواجبات الأسرية، وخاصة حينما تشعر أن عضلاتك بدأ عليها التوتر والشد والإجهاد.
·  مارس هواية محببة لديك، فالشخص الذي لا يلهو ولا يستجم مطلقاً ويكرس كل وقته لعمله قد يعجب بنفسه أول الأمر لاسيما حين يجد من يعجبون بتفانيه في العمل ويصفونه بأنه «دينامو»، ولكن هذا الدينامو لا يلبث قليلاً حتى تضعف حركته ويفقد قوته ويضطر إلى التوقف عن العمل، وقد يطول توقفه عشرات الشهور، ريثما تتجدد قواه، وتواتيه القدرة على استئناف المسير.
·  لا تفرط في الأجازات سواء الأسبوعية أو السنوية، واجعل منها وسيلة لتصفية الذهن وراحة الجسم فقط. فليس المقصود بالراحة الانغماس في الكسل والخمول، بل الاسترخاء الذي يجدد النشاط. مما أثبتته الدراسات الطبية الفسيولوجية دوره في راحة البدن والذهن «ممارسة الأنواع المتوسطة القوة من الرياضة البدنية» ولا أفضل في هذا الشأن من «رياضة المشي» والابتعاد قليلا عن مناخ العمل حتى لو كان التواصل معه عبر الهاتف.
·  اضحك وامرح باعتدال، ولا تغفل البتة عن أهمية الابتسامة والفرحة في حياتنا، ولا تنسى أن أطباء القلب والأعصاب يكتشفون كل يوم شيئاً صحياً جديداً حول تأثير الفرحة والانشراح على القلب والأوعية الدموية وهرمونات الغدد الصماء وسلام العضلات وعمل أجزاء الدماغ وحفظ الذاكرة وغيرها.
·  خذ كفايتك من النوم الليلي، ولا تدخل إلى السرير إلا حينما تجد الرغبة لديك في النوم، وإذا لم تخلد إلى النوم خلال ربع ساعة من التقلب على السرير، فقم واعمل أي شيء آخر خفيف كالقراءة مثلا حتى يغلبك النعاس، ولا تنسَ أن المشروبات المحتوية على الكافيين وحتى بعض أنواع أدوية معالجة الصداع تسبب الأرق.
·  ليس لديك مقدرة على تغيير الماضي، استفد من تجاربه ولا ترهق نفسك بأثقاله، ولا تكن حبيسة، فما فات مات، لا الحزن يعيده ولا التحسر يحييه.
·  ثق بأن الله تعالى معك، ومن كان الله عز وجل معه فلن يخاف من أي مخلوق، ولا يفوتك أن تستمتع بكل ما هو جميل، وأن تحب كل ما هو جدير بالحب.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com



الخميس، 14 نوفمبر 2013

الرائعون


الحيوانات المنزلية بين القبول والرفض


في مجتمعات البداوة والريف لا يُسأل الشخص: لماذا تقتني كلبا؟ لأنه يستخدمه في الحراسة اليومية لمنزل متهالك البنيان، بسور قصير وباب شبه مفتوح.. لكن اليوم .. في مجتمعات المدينة.. البيوت أسوارها عالية، والأبواب لا يمكن فتحها إلا بآلات قاسية يصحو لفعلها الحي كله.. ورغم ذلك، تجد بالبيت كلبا! لا صيد هنا ولا حراسة! تدخل إلى الداخل فتجد الطيور .. أسماك الزينة.. القطط.
والسؤال الذي يطرح نفسه.. كيف يستقيم الوضع النفسي والاجتماعي والشرعي في هذه المسألة؟.. بعضها الشرع لا يمنعه، لكن ربما العرف والذوق الاجتماعي يمنع.. والعكس عند البعض الآخر.. بل بعضها قد يجيزه الشرع ويجيزه الذوق الاجتماعي، لكن الرأي الصحي والطبي يرفضه بشدة.
لكن أثناء البحث في إجابات هذه النقاشات، قد نجد أبناء من يربون بعض هذه الحيوانات في بيوتهم أكثر رحمة.. أكثر جرأة وشجاعة.. أكثر قابلية للتعاطي مع ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية.. أي أنك قد تجد النتائج قادتك لتقر بإيجابيات عظيمة تثمرها تربية الحيوانات المنزلية على الأبناء خاصة، وما من نبي إلا ورعى الغنم.
أطباء يحذرون
تقول (د. سومة عمارة)، أخصائية الأمراض الباطنية والصدرية: إن تربية الحيوانات المنزلية تسبب وتنقل كثيرا من الأمراض. فالقطط تسبب مرض «التوكسوبلازما»، كما أنها تتسبب في الإصابة ببعض الديدان عن طريق الأيدي الملوثة ببقايا براز القطة الذي على جسمها، ومن الأيدي تصل إلى الفم ثم الأمعاء. كذلك تنقل أنواعا من البكتريا عن طريق فروها، الذي يسبب حساسية الصدر والأنف والجلد. وكذلك تنقل أمراض تساقط الشعر. أما عن الكلاب فبالإضافة إلى حرمة تربيتها -إلا في نطاق شرعي ضيق- فهي تسبب «داء الكلب» عن طريق العض.
ومن جانبه يقول (د. أحمد طلعت العدوي) مدير عام الأمراض المشتركة بالهيئة المصرية للخدمات البيطرية: هناك أكثر من 200 مرض مشترك ينتقل من الحيوان للإنسان ويهدد صحة الآدميين. في مقدمة هذه الأمراض: السل. أمراض الجهاز المعدي. البروسيلا. الكلب. السعال. الديدان الشريطية وحويصلاتها. الديدان الكبدية. الحمى المجهولة. القراع. أنفلونزا الطيور وأخيرا أنفلونزا الخنازير.
منافع تربوية
يقول (د. عادل صادق) أستاذ الطب النفسي: «أجمع علماء النفس على أن الحيوانات الأليفة تساعد على البناء السليم لشخصية الطفل، فهي تساهم في تعلمه العديد من الصفات الحسنة.. فعندما يتولى الطفل الصغير مسئولية الحيوان، يعتني بمأكله ومشربة، فينمو لديه إحساس بالمسئولية تجاه الحيوان، كذلك اكتساب صفة الرحمة وحب الغير، وكذلك يتعلم النظام لأنه يقدم لها الغذاء في أوقات معينة، بشرط أن يترك له الأبوان مسئولية رعاية الحيوان كاملة. كذلك هي مفيدة للكبار، حيث تقلل الشعور بالاكتئاب، وهو من أكثر الأمراض التي يتعرض لها الناس خلال هذه الأيام، خاصة كبار السن».
وبالنسبة لتربية القطط مثلا- لا يخلو الأمر من بعض النافع التربوية للأطفال منها:
1ـ  القطط من أنظف الحيوانات، فهي تقضي ساعات طوال تنظِّف نفسها، وهي بذلك تمثل أنموذجاً يُحتذى للنظافة العامة·
2ـ  في مراقبة أطفالنا لشيء حي يتحرك وينمو معرفة بقدرة الله تعالى وعظمة خلقه، فيتعلمون احترام الحياة وتوقير الخالق سبحانه وتعالى·
3 ـ  في عناية أطفالنا بتغذية حيواناتهم ورعايتها تعلُّم للرحمة والمسؤولية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عُذبت امرأة في هرة، حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خَشاش الأرض» [متفق عليه]·
4 ـ  الرفقة الجيدة ـ من خلال التعامل مع شيء حي يتحرك ـ بعد قضاء أطفالنا لساعات طوال في المذاكرة والدرس أو أمام الكومبيوتر·
5ـ  يحفز وجود القطط دوافع التعلم والإبداع لدى أطفالنا، فهم يتعلمون منهم السلوك الاستكشافي عندما يدخل القط مكاناً جديداً ـ للمرة الأولى ـ فيتعرف إليه ويستكشفه·
6ـ  مازال القط صائداً ماهراً للفئران يتعلم منه أطفالنا مهارة الصيد والاستعداد له·
7ـ  حتى حين يموت القط، فهو يمهد نفسية الطفل لفقد عزيز عليه في قابل الأيام·
رأي الدين
يقول (د. نور الدين مختار الخادمي): في كثير من البيوت والديار والمنازل أصبحت البيوت بيوتا للكلاب، تقيم فيها مع أهلها وساكنيها، وتتخذ منها سكنا ورزقا حسنا، لهم حق الاقتيات والادخار، وحق التداوي والعلاج، وحق التربية والتعليم، وحق التأمين على الحياة والممتلكات، وحتى حق الدفاع والترافع لدى القضاء والعدالة والمحاكم، وبناء على هذا أصبحت- وأضحت وأمست- هذه البيوت مسخرة للكلاب، لا الكلاب مسخرة للبيوت، وأدى هذا إلى ما أدى إليه من تقهقر في العقيدة والحضارة والسلوك، ومن تبعثر لمنظومة القيم وسلم الأولويات والمشكلات.
بحث علماء الفقه والمقاصد والأصول اتخاذ الكلب في نقاط متنوعة، ومن زوايا كثيرة، فقد تناولها الفقهاء على مستوى أحكامه الفقهية المتصلة بطهارته ونجاسته وولوغه وبيعه وشرائه وإتلافه وضمانه، وغير ذلك، مما هو مبسوط في مظانه من كتب الفقه والحديث وغيرهما.
أما علماء الأصول والمقاصد فقد تناولوا اتخاذ الكلاب أو قد يتناولونه على مستوى الأصول والمقاصد الشرعية المرعية التي يجب على المسلم رعايتها ومراعاتها والالتفات إليها، بغرض جلب المصالح ولمنافع، ودفع المفاسد والمضار، وبقصد تحقيق مرضاة الله عز وجل والفوز بجناته والنجاة من غضبه وأليم عقابه.
فعلى هذا المستوى المقاصدي تكلم العلماء عن كون استعمال الكلاب ينبغي أن يكون موجها لجلب مصالح المستعمل ومنافعه في حياته ورزقه وماله وأمنه وعرضه، ولذلك أبيح اتخاذ الكلاب للحرث والزرع والحراسة من الذئب ومن السارق والغاصب وقاطع الطريق والجناة والبغاة وسائر المخالفين والمعتدين.
كما تكلموا عن ضوابط ذلك وشروطه، فأكدوا على أن يكون هذا الاستعمال مقدرا بقدره، وتدعو الحاجة إليه، وغير مفض إلى الوقوع في الرذائل والأدران والأوساخ، وغير مفوت لصحة العبادات والقربات والتعاملات والسلوكيات، كما تكلموا تصريحا وتلميحا- عن الطابع التميزي للمسلم، وعن ترك الاتصاف بصفات الغير التي تجعله في حكم التشبه والتقليد والانتماء والولاء، ولذلك يتفرع عن هذا لزوم ترك الكلاب المتخذة للتسلية والترفيه والتآلف وسد الحاجات العاطفية والروحية، وشغل النفس بسفاسف الأمور كما يمارسه الكثير من ذوي الحضارات المادية والنفعية والإباحية، وكما يعشقه العديد من أصحاب الحياء المخدوش والمروءة المنخرمة والالتزامية المهتزة أو الضائعة أو الغائبة.
فكم من كلب ضيع دين صاحبه وفوت عليه صلواته وجمعاته وجماعته. وكم من كلب حل محل الأقارب وذوي الأرحام والأصدقاء فمنعت زياراتهم ومواساتهم. وكم من صاحب كلب أصبح على طريقة كلبه، نجاسة وقذارة وتلهثا ودناءة، «فالمرء على دين خليله، ومن جاور العطار نال عطره».
والأسرة المسلمة الناهضة والواعية لا ينبغي أن تشذ عن هذا التوجيه الشرعي (فقها وأصولا ومقاصد)، فلا يجوز لها أن تنشئ أفرادها على عشق الكلاب وثقافة الكلاب وحضارة الكلاب، ولو كان ذلك في أدنى صوره وتطبيقاته كتجميع الصور لأنواع الكلاب وتعليقها في الجدران والتسابق فيها، وغير ذلك مما يصرف عن معالي الأمور وكبريات القضايا والالتزامات.
والأسرة المسلمة كذلك لا ينبغي لها أن تجافي وتعادي الاستعمالات المشروعة للكلاب المأذون في اتخاذها، ككلاب الصيد وكلاب الحرث والزرع وكلاب الحراسة، ولهم في ذلك النصوص الشرعية المبيحة، والقواعد والمقاصد الموجهة والمعللة والمصلحة، ولهم كذلك موقف الفقيه القيرواني المالكي (ابن أبي زيد القيرواني) الذي كان يتخذ كلبا للحراسة من اللصوص والسراق الذين ظهروا في عصره وبلده، وقد قيل له إن الإمام مالكا كان يكره أو يمنع هذا، فال: (لو كان الإمام مالكا حيا لاتخذ أسدا ضاريا).
اشتراطات صحية
·   عند اتخاذ القرار بتربية حيوان داخل المنزل، يجب الانتباه أولاً إلى نقطة هامة وهي أن العدوى من الحيوانات الأليفة تشكّل خطراً على الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من بعض أمراض الحساسية والربو، أو الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة كالمصابين بالسرطان. فإذا كانت داخل الأسرة أي من هذه الحالات، يُنصح بعدم اقتناء حيوان أليف.
·       عندما نفكر في اقتناء الحيوان الأليف يفضل أن يكون من مصدر موثوق به.
·       إعطاء الحيوان اللقاحات اللازمة للوقاية من الأمراض وأهمها مرض السعار.
·       النظافة العامة للأولاد وغسل أيديهم جيداً بعد اللعب مع الحيوان الأليف وقبل الأكل·
·       عدم غسل الحيوان الأليف في حمّام العائلة، وعدم السماح له بالشرب من مياه المرحاض.
·   الرعاية الصحية الجيدة للحيوان، وعدم إعطائه لحوماً غير معروفة المصدر، والمسارعة باستشارة الطبيب البيطري متى ظهرت أعراض غير عادية على حيواننا الأليف ومتابعة الطبيب دورياً.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com

 

     


السيجارة .. قنبلة زوجية


لا شك أن السيجارة جمعت من سوء السمعة وفساد السيرة ما لم يجمعه منتج آخر، فالسيجارة متهمة طبيا ومنبوذة دينيا وأخلاقيا وتعافها الفطرة السليمة، وهي من خوارم المروءة التي تحط من قدر صاحبها، لكن تبقى السيجارة من الويلات العظام كشيطان جاسم على صدر بيت الزوجية الذي تتضرر فيه صحة الأب أو الأم المدخنان فضلا عن آثار التدخين السلبي الذي يعاني منه الطرف البريء الغير مدخن وعلى رأسهم الأولاد الأبرياء، واهتزاز صورة الأب أو الأم كقدوة، وتسريب تلك العادة الخبيثة إلى الأبناء في بواكير فترة المراهقة ليخرج في النهاية إلى المجتمع براعم أشبه بالمسخ تعاني من شخصيات مشوهة وأجسام عليلة وتلك هي الكارثة العظمى والمصيبة الكبرى التي تهون دونها المصائب.
بين شبح الاقتران والانفصال
بات ضرر وخطر التدخين أشبه بالمسلمات التي لا يجحدها أحد، ويكفي أن كل القوانين عالميا قد ألزمت شركات التبغ أن تكتب على منتجاتها تلك العبارة الشهيرة «التدخين ضار جدا بالصحة، ويسبب الوفاة»، لكن على صعيد الحياة الزوجية صار التدخين من أحد أهم المطبات الزوجية التي قد تعوق الارتباط ابتداء أو قد تؤدي للطلاق انتهاء، والإحصاءات والمؤشرات المحلية العربية تدق ناقوس الخطر في هذا المجال، فبحسب تقرير نشرته جريدة «عكاظ» السعودية فإن المحكمة العامة في المدينة المنورة سجلت أكثر من 100 دعوى «طلب طلاق» من قبل نساء رفضن الاستمرار مع «الزوج المدخن»، كما تضمن التقرير الإشارة إلى دراسة أكدت رفض الكثير من الفتيات في المدينة المنورة الاقتران بـ «الشاب المدخن» المتقدم لخطبتهن، ومن طريف المواقف في هذا الصدد الإعلان الشهير «عليك الإقلاع وعلينا الزواج» الذي أطلقته (الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين) في العاصمة السعودية الرياض، لمساعدة بعض الشبان المدخنين غير القادرين على الزواج، شريطة إقلاعهم عن تلك العادة الضارة، وأوضح مسئول التوعية والإعلام بجمعية مكافحة التدخين أن الغاية من المسابقة تقديم مهر يقدر بـ 35 ألف ريال للفائز الأول، والـ19 فائزاً الباقين لهم إعانة تتمثل بتأثيث بيت الزوجية.
سراديب المعاناة الزوجية
بعيدا عن أجواء الطلاق والانفصال يحدونا الفضول للدخول في دهاليز وسراديب الحياة مع زوج مدخن .. تلك الحياة التي تكون غالبا على مضدد حيث يقدم الطرف الغير مدخن تنازلا تلو الآخر على حساب صحته ونفسيته من أجل مصلحة الأولاد، ولكي تستمر سفينة الزوجية حتى ولو سارت متعثرة تارة ومتعرجة تارة أخرى.
ماذا يعني «زوج/زوجه مدخن»؟
- يعني: رائحة فم نتنه، وأسنان صفراء، وزيادة ضربات القلب حتى درجة الهبوط وقصور في الشرايين وبخاصة الشريان التاجي وشرايين العضو الذكري، مسببا صعوبة الانتصاب، ونقص الأكسجين في الدم الذي يؤثر بالسلب علي وظائف القلب، وتأثر نهايات الأعصاب مما يجعل العلاقة الزوجية أقرب للمعاناة منها إلى الإشباع والإعفاف والإمتاع .. يذكر أن التدخين يفاقم العجز الجنسي عند المدخنين أكثر من غيرهم ستا وعشرين مرة كما يقول الأطباء.
- يعني: تأخر فرص الحمل لتأثيره على خصوبة الزوجين بل وجدت الدراسات أن التدخين له تأثير كامن على خصوبة الرجال من خلال ثلاث آليات هي: نوعية النطاف (تشوه الحيوانات المنوية) وقدرة الرجل على إتمام اللقاء الجنسي وشهوته الجنسية.
إن أول أكسيد الكربون الموجود في الدخان يملك تأثيرا كامنا على إنقاص مستويات «هرمون التستستيرون» وهو الهرمون الذكري المسئول عن الإثارة والرغبة الجنسية, أما بالنسبة للسيدات فقد وجدت الدراسات أن الإخصاب عند سيدة تدخن 20 سيجارة يوميا هو 8 % فقط في مقابل 25 % عند امرأة سوية لا تدخن، وفرص الحمل للمرأة المدخنة تقل بنسبة 50% خلال العام الأول بعد الزواج عن مثيلاتها اللاتى لا يدخن، والعقم يزداد بنسبة 13% أما الإجهاض المتكرر فيزداد بنسبة 17%.
كذلك ثبت أن التدخين يلحق أضرارا فادحة بالخلايا الهدبية لقناتي فالوب ويعيق تأديتها لوظائفها، مما يؤثر سلبا على عملية نقل البويضة الملحقة في الثلث الأخير لقناة فالوب نحو الرحم الشيء الذي يؤدي إلى ارتفاع حالات الحمل خارج الرحم.
- يعني: شخير ليلي، وضيق تنفس أثناء النوم، وكحة متواصلة وإفرازات مع بواكير الصباح لطرد البلغم المتراكم طيلة الليل، وعادات سيئة تبدأ من الإفطار على السيجارة، وفقدان لحاسة التذوق، وضعف الشهية والوهن العام، وبخاصة الرئة التي لا تساعده في القيام بأي مجهود، ورائحة دخان منفرة تعلق بالملابس والمفروشات، ومزاج متقلب لا يقيمه إلا إشعال سيجارة تلو الأخرى حتى نبدأ الحوار ونضمن له عدم الانهيار.. فالسيجارة هي الملاذ في لحظات الاسترخاء وعنفوان النرفزة والانفعال وبعد الوجبات وأثناء مشاهدة البرامج والمباريات ومن مقتضيات التركيز عند جلل الأعمال!!.     
- يعني: زوج مريض وأسرة يغتال المرض هنائها الأسري وتخيم على أجوائها سحابة سوداء مجالها بين الأطباء والتحاليل والعقاقير والكلفة الاقتصادية والكآبة النفسية. يقول أحد مشاهير الأطباء: «لقد مضى على معالجتي للسرطان 25 عاماً فلم يأتني مصاباً بسرطان الحنجرة إلا مدخن».    
- يعني: تعجيل سن اليأس عند المرأة وانقطاع الطمث باكرا، كما أنه يمكن أن يسبب العقم بتأثيره الضار على بويضات المبيض، هذا فضلا عن قبح البشرة التي هي محور جمال النساء.ة يقول خبير التجميل (جوزيف بورن): «إن وجوه السيدات المدخنات هزيلة ضعيفة، ضامرة مقرفة، وتصير بشرتهن شاحبة خضراء، وتفقد شفاههن لونها الجميل، وتتجمع الغضون حول زوايا أفواههن، وتمتد شفتهن السفلى إلى الأمام».
- يعني: التدخين الإجباري لكافة أفراد الأسرة الأبرياء من غير مدخنين فيما يعرف طبيا بـ «التدخين السلبي»، فالدخان المنبعث من تدخين المدخنين عبارة عن مزيج معقد لما يزيد على خمسة ألاف مادة كيميائية في شكل جزيئات وغازات في غاية الخطورة، فمنها المسرطنات والمهيجات والمواد المسببة للطفرات الوراثية (الزرنيخ والكروم والنيتروزامين والبنزوابيرين). ومنها سموم ومؤثرات على الجهاز العصبي المركزي (سيانيد الهيدروجين وثاني أكسيد الكبريت وأول أكسيد الكربون والأمونيا والفورمالدهيد) والمواد المسببة لارتفاع ضغط الدم والأورام الخبيثة.
 وأظهرت دراسة حديثة بحسب بيان منظمة الصحة العالمية أن 38 % من الأطفال، و35 % من النساء، و24 % من الرجال يتعرَّضون على نحوٍ منتظم لدخان المدخنين في إقليم شرق المتوسط.
القدوة المقززة
على الصعيد التربوي يقدم الأب المدخن لأولاده صورة «القدوة المقززة» التي تؤثر سلبا على بنائهم الشخصي والنفسي، فالأب المدخن في كيان الطفل هو ذلك الأب صاحب المزاج كريه الرائحة الذي لا تهدأ أعصابه إلا بعد تدخين السيجارة.
- وهو ذلك الأب سيء الخلق الغضوب في نهار رمضان بسبب حرمانه من التدخين حتى إنه يحيل أيام الشهر  الروحانية إلى معارك ومشادات مع كل أفراد الأسرة الذين من المفروض أن يتلمسوا له العذر لأنه بعيد عن السيجارة. بل هو ذلك الأب الذي يفطر على السيجارة عند سماع صوت الأذان، ولا يصوم الست من سؤال أو أي أيام نفل أخرى بسبب التدخين.
- وهو ذلك الأب ضعيف الإرادة الذي قرر مرارا وتكرار الإقلاع عن التدخين ثم يفشل في ساحة الصمود والثبات على موقفه.
- وقد يكون هو ذلك الأب الطريد خارج المنزل إذا اختار السيجارة تجنبا لأذية أسرته حيث تلجئه السيجارة إلى السلم أو البلكون أو السطوح وكأنه مريض بمرض جلدي معدي، وربما هو ذلك الأب محدود الدخل الذي يحمل أولاده تكاليف تدخينه حيث يحرمهم من بعض متطلباتهم واحتياجاتهم ليقتطع ثمن علب السجائر التي يدخنها.
- وهو ذلك الأب الذي لا يتحرج من إرسال ابنه أو ابنته وهم في ريعان الطفولة البريئة أو المراهقة الحرجة ليشتروا له السجائر من البائع، وهو ذلك الأب الذي لا يستطيع أن ينتقد أو يمنع ابنه المراهق من الزلل في أتون التدخين لأن هذا الابن هو أول ضحاياه.

 

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com