الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

عسل النحل .. الوصفة الربانية لصحة طفلك





عسل النحل هو الهدية الربانية التي يحبها الصغار والكبار، لرائحته العطرية، وطعمه المستساغ، وقيمته الغذائية العالية، بالإضافة إلى خواصه الوقائية والعلاجية العظيمة التي تخلو من الآثار الجانبية السيئة، حتى أنه يمكن استخدامه بأمان تام دون استشارة الطبيب. 
قيمة غذائية عالية
إن ملعقة عسل نحل في غذاء الطفل تجلب له فائدة تفوق 20 - 25 جم من السكر، لأن السكر لا يزيد عن كونه مادة كربوهيدراتية ذات سعرات حرارية عالية فقط، بينما العسل يمثل مادة غذائية عالية القيمة تحتوى على مواد كيميائية وبيولوجية هامة للجسم.
فالعسل يحتوى على: 17%ماء، 82%سكريات (تشمل سكر الفاكهة، وسكر العنب، وسكر الشعير، وسكر القصب), 3%بروتين، ومجموعة ضخمة من الفيتامينات الهامة، هذا بالإضافة إلى الأملاح المعدنية، وعوامل النمو (بيوزس)، والزيوت الطيارة التي تحسن في مجموعها الشهية وتنشط عملية الهضم والنمو.
دراسات وتجارب
في إحدى رياض الأطفال الروسية، أجريت تجربة على مجموعتين من الأطفال، تتكون كل منهما من20 طفلا، تتراوح أعمارهم بين 3- 6 سنوات، لاختبار تأثير تناول العسل لديهم بانتظام،  فلوحظ أن العسل يؤدى إلى زيادة أوزان الأطفال بصورة جيدة، ومن تعرض منهم للإصابة بالحصبة أو التهاب الغدة النكفية كان المرض لديهم أخف كثيرا من إصابة زملائهم الآخرين.
أما في أسبانيا، فقد أجريت تجربة في أحد المستشفيات على30 طفلا، حيث أعطوا العسل بمعدل 2 ملعقة صغيرة يوميا لمدة ستة شهور، وقورنوا بعدد مماثل من أطفال يأخذون غذاء عاديا، فظهرت في الأطفال الذين تناولوا العسل زيادة كبيرة في الوزن، وزيادة في عدد الكرات الدموية الحمراء، وزيادة في خضاب الدم (الهيموجلوبين)، وزيادة في الكائنات النافعة بالأمعاء الدقيقة، علاوة على قدرة تحمل غير عادية.
أفضل من السكر
تحلية الألبان التي يتناولها الأطفال بالعسل أفضل كثيرا من تحليتها بالسكر، لأن السكر (سواء كان من القصب أو البنجر) يجب أن يتحلل في القناة الهضمية إلى جلوكوز (سكر العنب) وفركتوز (سكر الفواكه)، قبل أن يمتص إلى الدم، لكن العسل يحتوى أصلا على سكر الفواكه والعنب، ولهذا يمتص بسرعة وسهولة.
كما أن العسل يحتوى على عنصر الحديد الذي يوجد في لبن الأم والأبقار بكميات قليلة، ومن جهة أخرى، فإن العسل يتميز عن السكر باحتوائه على مضادات حيوية، وهو أيضا ذو خاصية قلوية تطهر الفم والحلق، ومنذ أمد طويل كان الطب الشعبي ينصح باستعمال غرغرة للفم مكونة من محلول 10-15%من العسل في الماء في حالات أمراض الفم والحنجرة.
أما بقايا السكر في الفم فإنها تتحلل بواسطة البكتريا إلى حمض اللاكتيك، الذي يؤدى إلى نقص الكالسيوم بالتدريج من الأسنان، ولذلك يمكن القول بأن العسل يؤثر تأثيرا طيبا على الأسنان.
العسل والصحة
الأطفال الذين يتغذون على العسل نادرا ما يصابون بالتهاب الأمعاء، لأن سرعة امتصاصه تمنع تخمره، وينصح بإضافة1-2 ملعقة صغيرة من العسل إلى وجبة الطفل، فإذا أصبح الطفل ممسكا تزاد كمية العسل بمقدار نصف ملعقة، وإذا أصبح مسهلا تنقص الكمية بمقدار نصف ملعقة.
 أما (د. جولمب) فقد لاحظ أن العسل له دورا فعالا في علاج الإسهال السام المعدي في الأطفال، حيث أن سير المرض كان أقل ضراوة، والشفاء كان أسرع عند تناول عسل النحل.
كما أكدت الدراسات أن للعسل تأثيرا جيدا على عملية تنظيم وتكرار وخواص البراز في حالات الدوسنتاريا البسيطة، وأيضا على استمرارية المرض، فبعد استخدام العسل انتهى وجود الدم في البراز عند جميع المرضى، وكان شفائهم أسرع من المرضى الآخرين الذين لم يتناولوا العسل، وفي حالات الدوسنتاريا المزمنة تصبح ضراوة المرض أقل حدة بفضل تناول العسل، ومع العلاج المناسب تتحقق نتائج شفاء طيبة وسريعة بإذن الله تعالى.
العسل ونزلات البرد  
اشتهر استخدام العسل منذ العصور القديمة كعلاج للزكام ونزلات البرد، ولقد أكد (هيبوقراط) أن شراب العسل يمنع البلغم ويهدئ الكحة. واستعمل العسل كذلك بواسطة العديد من الأطباء الروس، وفي الطب الشعبي الروسي لعلاج الزكام ونزلات البرد، وذلك بعد مزجه بأغذية وعقاقير أخرى، مثل: اللبن الدافئ أو عصير الليمون (عصير نصف ليمونه في100جرام عسل) أو منقوع البرسيم الحلو الدافئ (ملعقة كبيرة من العسل في فنجان شاي البرسيم الحلو) أو عصير الفجل (مزيجا بنسبة50% ).
كما يمكن استخدام مزيجا من فنجان عسل مع ملعقة صغيرة من الزنجبيل وعصير ليمونه واحدة،  وفي حالات الشعور بثقل الصدر والسعال وخشونة الصوت يفيد منقوع البصل مع العسل، حيث ينقع البصل المهروس في الخل في وعاء زجاجي، ثم يصفي بخرقه صوفية، ويخلط بكمية مساوية من العسل.
بل إن الهنود الحمر بأمريكا كانوا يستخدمون وصفة رائعة لعلاج نزلات البرد، وذلك بغلي ليمونه ببطء لمدة 10دقائق، من أجل تليين الليمونة لإخراج عصير أكثر منها، ولتليين القشرة أيضا، ثم تقطع الليمونة نصفين، وتعصر جيدا، ويوضع عصيرها في كوب ويضاف له ملعقتا مائدة جليسرين ويقلب جيدا، وتستكمل الكوب بالعسل، وتؤخذ ملعقة صغيرة عند الاستيقاظ، وملعقة في منتصف الصباح، وملعقة بعد الغذاء، وملعقة وقت العصر، وملعقة بعد العشاء، وأخرى وقت النوم، وكلما تحسنت الحالة تقلل الجرعات تدريجيا.
العسل وتضميد الجروح  
من الصفات المميزة للعسل طريقة امتصاصه للسوائل، فالرباط الشاش المبلل بالعسل يبقى نديا ولا يلتصق بالجرح، ويبدو كذلك أن العسل سريع الامتصاص من سطح الجرح، وما يحتويه من عناصر غذائية يلعب دورا واضحا في التشكيل السريع للأنسجة النامية، ويزيل الألم، ومن حسناته –أيضا- أنه: رخيص الثمن، سهل المنال والتطبيق،  غير سام، ومعقم وقاتل للجراثيم، ومغذي، علاوة على أنه دواء فعال، ويمكن خلطه بكمية من زيت السمك لزيادة فاعليته خاصة في الجروح المتقيحة. 
العسل والتبول اللاإرادي
ينصح الطب الشعبي لأهالي (فرمونت) بأمريكا، الطفل الذي لا يستطيع التحكم في عضلات المثانة البولية بعد سن 2-3 سنوات، بأن يعطى ملعقة صغيرة من العسل قبل النوم، حيث يعمل العسل كمهدئ للأعصاب، وفي نفس الوقت يجذب سوائل الجسم، فيريح الكلى أثناء الليل، حتى يتعود الطفل على عدم التبول ليلا، ويمكن التوقف عن هذا العلاج في بعض الأيام، لاختبار مدى قدرة الطفل على التحكم في عضلات المثانة.
العسل وحالات الاستعداد المرضى للارتشاح   
(الاستعداد المرضى للارتشاح) هي حالة في الأطفال، تجعل أجسامهم عرضة لأنواع مختلفة من التهاب الجلد والغشاء المخاطي، وكلما نما الطفل قلت الحالة، وقد يختفي تماما، ولكن الظروف غير الملائمة (كالحالة الصحية السيئة أو نقص التغذية) قد تسبب عودة المرض إلى الظهور في سن متقدمة وبصورة أبشع، فإذا تضامن الارتشاح مع السل سمي المرض بـ (العقد الدرنية).
وتحدث عدة تغيرات في الغشاء المخاطي وفي العقد الليمفاوية وفي جلد الأطفال المصابين بهذا الارتشاح، مثل: الرمد الحبيبي، والتهاب القرنية، والزكام، مع رشح الجلد، والتهاب الأذن المتقيح، وورم العقد الليمفاوية.
ولقد قام (د. يويريش) الروسي عام 1950باستخدام العسل في علاج أطفال الارتشاح الأوديمى، حيث كشفت النتائج عن الدور الرائع الذي يلعبه عسل النحل في القضاء على هذا المرض.
إننا لا نبالغ إذا قلنا بأن كل أسرة لا تستخدم العسل في وجبات الصغار قد أخطأت الطريق الذي يضمن لها صحة أطفالها، فلذات الأكباد ورجال المستقبل.

المصادر

·         النحل و الطب                    د. ناعوم بيتروفيتش   الهيئة المصرية العامة للكتاب

·         العلاج بعسل النحل               د. ن0 يويريش  ترجمة د/ محمد الحلوجى   دار القلم

·         نحل العسل في القرآن و الطب           د.محمد على البنبى   مركز الأهرام للترجمة والنشر 1987 



د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com


القوامة الزوجية سلطة غير مطلقة





قوامة الزوج على زوجته مسئولية قبل أن تكون ميزة وفضيلة، فالقوامة إن لم ترتبط بالعدل والإنصاف فقدت منحتها وبقيت تبعتها، وهي وإن كانت رفعت الزوج على زوجته فإن مقتضيات هذه الرفعة تتجسد في المودة والرحمة التي تقوم عليها الحياة الزوجية السعيدة .. لكن الإشكالية في القوامة ليس مفهومها العام وإنما التفاصيل التي يكمن الشيطان فيها ليحرفها عن سواء الصراط، ويتلاعب بالجاهل لكي يخفق في التطبيق ويسقط في مستنقع الجور الذي لا نجاة منه.  
 
قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ} [النساء:34]
يروى في سبب نزول هذه الآية أن سعد بن الربيع -رضي الله عنه- أغضبته امرأته فلطمها فشكاه وليها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأنه يريد القصاص، فأنزل الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} فقال وليّ المرأة: "أردنا أمراً الله غيره، وما أراده الله خير". ورضي بحكم الله تعالى وهو أن الرجل قواماً على المرأة يرعاها ويربيها ويصلحها بما أوتي من عقل أكمل من عقلها، وعلم أغزر من علمها غالباً، وبُعد نظر في مبادئ الأمور ونهاياتها أبعد من نظرها، يضاف إلى ذلك أنه دفع مهراً لم تدفعه، والتزم بنفقات لم تلتزم هي بشيء منها .. فلما وجبت له الرئاسة عليها وهي «رئاسة شرعية» كان له الحق أن يؤدبها بما لا يشين جارحة أو يكسر عضواً، فيكون ضربه لها كضرب المؤدب لمن يؤدبه ويربيه، وبعد تقرير هذا السلطان للزوج على زوجته أمر الله تعالى بإكرام المرأة والإِحسان إليها والرفق بها لضعفها وأثنى عليها فقال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}[أيسر التفاسير للجزائري:1/258 بتصرف]
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} أي: قائمون عليهن قيام الولاة على الرعية، في الإنفاق والرعاية والتعليم .. ذلك لأمرين: أحدهما وهبي، والآخر كسبي؛ فالوهبي: هو تفضيل الله لهم على النساء بكمال العقل وحسن التدبير ومزيد القوة في الأعمال والطاعات، ولذلك خُصوا بالنبوة، والإمامة، والولاية، وإقامة الشعائر، والشهادة في مجامع القضايا، ووجوب الجهاد والجمعة، والتعصيب، وزيادة السهم في الميراث، وملك الطلاق. والكسبي هو: {بِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} في مهورهن، ونفقتهن، وكسوتهن.
ولقد ورد النظم الكريم {بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} ولو قال (بما فضلهم عليهن) أو قال (بتفضيلهم عليهن) لكان أوجز وأخصر، ولكنّ التعبير يورد بهذه الصيغة لحكمة جليلة، وهي إفادة أن المرأة من الرجل والرجل من المرأة بمنزلة الأعضاء من جسم الإنسان، فالرجل بمنزلة الرأس، والمرأة بمنزلة البدن، ولا ينبغي أن يتكبر عضو على عضو لأن كل واحد يؤدي وظيفته في الحياة، فالأذن لا تغني عن العين، واليد لا تغني عن القدم، ولا عار على الشخص أن يكون قلبه أفضل من معدته، ورأسه أشرف من يده، فالكل يؤدي دوره بانتظام، ولا غنى لواحدٍ عن الآخر.
ثم للتعبير حكمة أخرى وهي الإشارة إلى أن هذا التفضيل إنما هو للجنس، لا لجميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء، فكم من امرأة تفضل زوجها في العلم، والدين، والعمل.
وقال بعض أهل العلم: من روائع البيان القرآني أنه لم يقل (بما فضلهم على النساء) بل قال: {بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ}، أي أن الرجل مُفَضَّل من بعض الأوجه، والمرأة مُفَضَّلة من أوجه أخرى، كالجانب العاطفي، والرجل هو الذي يدفع المهر ويؤسس البيت وينفق عليه.
وقفات وتنبيهات
- القوامة مشروطة بالإنفاق فإذا كانت الزوجة هي التي تنفق على الزوج فهي تشاركه القوامة، وصحيح أن الله فضله عليها بأشياء جبلية، لكن هي تشارك بالإنفاق عليه من أموالها، فلكي يكون الرجل تام القوامة على امرأته لابد أن يكون هو الذي ينفق، وهو الذي يرشد ويوجه، أما إذا شاركت هي بشيء فهذا جائز لقول الله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء:4] وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لـزينب امرأة عبد الله بن مسعود: (زوجك وولدك أحق من تصدقتي عليهم) .. فإذا شاركت الزوجة في النفقة فقد شاركت الزوج في القوامة، وصارت قوامته عليها غير كاملة.
- هناك مساحة أخرى من القوامة تحتاج إلى وقفة وهي «قوامة الرعاية والاهتمام»، وهي هنا واجب وليست حقا، بمعنى أن الزوج القائم على زوجته يرعاها، ويحنو عليها، ويتفقد احتياجاتها النفسية، ويوفر لها الأمان، وهو عندئذ يكتسب مكانة معنوية عندها تعطيه حقوقًا وصلاحيات إضافية، وهذه لم يكتسبها بالإنفاق، وإنما بالرعاية وحُسن الخلق والقوة والأمانة.
- الزوج هو ربان السفينة الزوجية المسئول عنها، فهو رب البيت وهو من له القوامة، ولكن عليه أن يوازن بين قيادته للأسرة وبين التشاور مع زوجته باعتبارها نصفه الآخر، وعليه أن يكون وسطا فلا يتسول القوامة ولا يرفض على زوجته رأيا لمجرد الرفض البحت، أو يجعل من التشاور مسألة شكلية .. فقرارها مشطوب، ومشورتها من باب رفع العتب.
- من المهم البعد عن استخدام أبجديات «الحقوق والواجبات» حتى لا تتحول العلاقة التي أساسها المودة والرحمة إلى مؤسسة عسكرية أو اقتصادية، وعلى الطرفين أن يؤديا واجباتهما ويراعيا حقوقهما في إطار من الود والتفاهم.
- السعادة الزوجية تقوم على التشخيص الصحيح والعميق للمشاكل والبعد عن التفسير السطحي المهوس بمظهر العناد وفرض القوة؛ فالأمر لا يتعلق بصراع إرادات يحاول كل طرف أن يفرض إرادته.
- عند الاختلاف فالرجل له القوامة، ولكن القوامة لها حدود وهي أن تطيعه الزوجة بالمعروف شرعا وعرفا والبعد كل البعد عن التعامل بندية وعن التحدي.
الوجه الكالح
من الغريب أن يستغل بعض الأزواج منحة القوامة فيقلبها محنة، فالتفضيل لا يكون بأي حال من الأحوال ذريعة للظلم والقهر مما لا يرضاه الله تعالى ويتوعد فاعله بأليم العقاب.
فهل من القوامة أن يضغط الرجل على زوجته ليسترد المهر أو لكي تتنازل عن مؤخر صداقها، أو يصادر راتبها أو يقتر عليها لتستنزفه في متطلبات البيت ؟!.
وهل من القوامة أن يحجبها عن أهلها ويقطع رحمها ولا يترك مساحة للتواصل بالمعروف ؟!.
وهل من القوامة أن يقتحم كل خصوصياتها ولا يترك لها متنفسا في اختيار حتى الصديقات، ويراقب بريبة مكالماتها أو يفتش في أغراضها دون مبرر منطقي سوى حب التسلط وتفريغ عقد الذكورة لديه ؟!
وهل من القوامة أن تقدس رغبات الزوج على كل رغبة للزوجة أو الأولاد ؟!
وهل من القوامة أن يحتكر الزوج القرارات والتصرفات ولا يقبل مشورة أو يستمع نصحا ؟!.
إن القوامة تعني «الرجولة» بمعنى الكلمة بما فيها من الفضل قبل العدل، واحتضان وتحمل مسئولية، وبذل وعطاء، وربما تنازلات أحيانا .. القوامة تعني تكامل الأدوار وتناغم الأهداف وتشارك وتآزر وتآلف.
القوامة تعني تقدير الطرف الآخر لا إلغائه، فمن الجميل أن نترك للزوجة الحرية في ترتيب بيتها واختيار الألوان ومتطلبات الديكور خاصة وأن النساء يتمتعن في هذا المضمار برقة عالية لطبيعتهن الحساسة، ومن المعروف أن نترك للزوجة مساحة لممارسة الهوايات والترويح عن نفسها بما يناسب طبيعتها وميولها كأنثى، فليس من الإنصاف أن يروح الزوج عن نفسه عند تأزم نفسيته مع الأصدقاء والأقرباء، والزوجة المسكينة أسيرة الأولاد ومشاكلهم وكأنها لا تتأزم ولا تملك مشاعر.
كيف يجعل بعض الأزواج القوامة كارت أحمر يشهره في وجه زوجته وأولاده كلما ناقشه أحدهم أو راجعه في أمر ما .. وكيف يتخذ البعض القوامة قنطرة للوصول إلى رغباته ونزواته دون مراعاة لحقوق باقي أفراد السفينة الزوجية، بل يهمش مشاعرهم ويحقر أرائهم ويسفه أحلامهم، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه) أخرجه مسلم.
فالحذر الحذر من مشقة تطال ربان السفينة وتعصف بالحياة الزوجية التي هي من أسمى وأنبل وأطهر العلاقات الإنسانية.

 

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com

الخميس، 27 نوفمبر 2014

الصداقة .. بين تأصيل ابن المقفع وأزمتها المعاصرة





«الصداقة» .. معنى أصيل في الوجدان البشري، تناوله الحكماء بالتوصيف والتحليل، وكان للأديب البارع (عبد الله ابن المقفع) فيه باع فريد، حيث غاص في بحر هذا السلوك الإنساني النبيل، ورسم أبعاده وسماته في نظم بليغ يفتخر به منسوبي هذه الحضارة الإسلامية الراقية، ويزهو به أصحاب العقول الراجحة من عقلاء البشرية، إلا أن المؤسف أن تغيرات واقعنا المعاصر قد شوهت معنى الصداقة الناصع وأصابته في مقتل تارة وبالتجريف تارة أخرى، حتى صار مفهوم الصداقة «أزمة!» تضاف إلى أزمات عصرنا، وتبحث عن حل لا يخلو من العودة إلى معانيها السامية كما رسخها الأوائل إن أرادت أن تدب فيها الحياة كما كانت على عهدها وسالفها.  
ابن المقفع الأديب المحنك
هو عبد الله بن المقفّع، وكان اسمه روزبه قبل أن يسلم. ولد في حور في فارس، ولقِّب أبوه بالمقفّع لتشنّج أصابع يديه على أثر تنكيل الحجاج به بتهمة مدّ يده إلى أموال الدولة. انتقل مع والده من فارس إلى البصرة إحدى حواضر الدولة الإسلامية، وكما تضلع بالفارسية في موطن نشأته، تضلع بالعربية في البصرة.
كان فاضلا نبيلا كريما وفيا، سُئل مرة: "من أدّبك"؟ فقال: "نفسي .. إذا رأيت من غيري حسنا آتيه، وإن رأيت قبيحا أبَيْته".
ومن المواقف التي تدلّ على صدقه ووفائه، أنه لما قُتل مروان بن محمد -آخر خلفاء بني أمية- اختفى عبد الحميد الكاتب، فعُثِرَ عليه عند ابن المقفّع، وكان صديقه. وعندما سئِل الرجلان: أيُّكما عبد الحميد؟ قال كل واحد منهما "أنا" خوفا من ابن المقفع على صاحبه.
ويكاد يجمع المنصفون على براعة ابن المقفع وتفرده أدبيا، فقد قال محمد بن سلام: سمعت مشايخنا يقولون: لم يكن للعرب بعد الصحابة أذكى من الخليل بن أحمد ولا أجمع، ولا كان في العجم أذكى من ابن المقفع ولا أجمع.
ابن المقفع والصداقة
يقول رحمه الله: إذا نظرتَ في حال من ترتئيهِ لإخائك، فإن كان من إخوانِ الدينِ فليكن فقيهاً غير مراءٍ ولا حريصٍ، وإن كان من أخوانِ الدنيا فليكن حراً ليس بجاهلٍ ولا كذابٍ ولا شريرٍ ولا مشنوعٍ. فإن الجاهل أهلٌ أن يهربَ منهُ أبواهُ، وإن الكذابَ لا يكونُ أخاً صادقاً. لأن الكذب الذي يجري على لسانهِ إنما هو من فضولِ كذبِ قلبهِ، وإنما سمي الصديقُ من الصدقِ. وقد يتهمُ صدقُ القلبِ وإن صدقَ اللسانُ. فكيفَ إذا ظهرَ الكذبُ على اللسانِ؟ وإن الشريرَ يكسبكَ العدو. ولا حاجةَ لكَ في صداقةٍ تجلبُ العداوةَ، وإن المشنوعَ شانعٌ صاحبهُ.[الأدب الكبير] أي مستنكر ومستقبح لصاحبه.
ويقول: على العاقل أنْ لا يخادن ولا يصاحب ولا يجاور من الناس -ما استطاع- إلا ذا فضل في الدين والعلم والأخلاق؛ فيأخذ عنه، أو موافقاً له على إصلاح ذلك فيؤيد ما عنده، وإن لم يكن له عليه فضل؛ فإن الخصال الصالحة من البر لا تحيى ولا تنمى إلا بالموافقين والمهذبين والمؤيدين؛ وليس لذي الفضل قريب ولا حميم هو أقرب إليه وأحب ممن وافقه على صالح الخصال فزاده وثبته؛ لذلك زعم بعض الأولين أن صحبة بليد نشأ مع العلماء أحب إليهم من صحبة لبيب نشأ مع الجهال.[الأدب الصغير]
ويقول: الزم ذا العقل وذا الكرم، واسترسل إليهما، وإياك ومفارقتهما؛ واصحب الصاحب إذا كان عاقلاً كريماً أو عاقلاً غير كريمٍ: فالعاقل الكريم كاملٌ، والعاقل غير الكريم أصحبه، وإن كان غير محمود الخليقة، وأحذر من سوء أخلاقه وانتفع بعقله، والكريم غير العاقل، الزمه ولا تدع مواصلته، وإن كنت لا تحمد عقله، وانتفع بكرمه، وانفعه بعقلك؛ والفرار كل الفرار من اللئيم الأحمق.[كليلة ودمنة]
ويقول: واعلم أن انقباضكَ عن الناسِ يُكسبكَ العداوةَ. وأن انبساطكَ إليهم يكسبكَ صديق السوء. وسوءُ الأصدقاء أضر من بغضِ الأعداء. فإنك إن واصلتَ صديقَ السوء أعيتكَ جرائرهُ، وإن قطعتهُ شانك اسم القطيعةِ، وألزمك ذلك من يرفع عيبكَ ولا ينشرُ عذركَ. فإن المعايبَ تنمى والمعاذير لا تنمى.
ويقول: البس للناسِ لباسينِ ليس للعاقلِ بدٌّ منهما، ولا عيشَ ولا مروءةَ إلا بهما: لباسَ انقباضٍ واحتجازٍ من الناسِ، تلبسهُ للعامةِ فلا يلقونكَ إلا متحفظاً متشدداً متحرزاً مستعداً. ولباسَ انبساطٍ واستئناسٍ، تلبسهُ للخاصةِ الثقاتِ من أصدقائك فتلقاهمُ بذاتِ صدركَ وتفضي إليهم بمصونِ حديثكَ وتضعُ عنكَ مؤونةَ الحذرِ والتحفظِ في ما بينكَ وبينهم .. وأهل هذه الطبقةِ، الذين هم أهلها، قليلٌ من قليلٍ حقاً. لأن ذا الرأي لا يدخلُ أحداً من نفسهِ هذا المدخل إلا بعد الاختبارِ والتكشفِ والثقةِ بصدقِ النصيحةِ ووفاء العهدِ.
ويقول: اعلم أن لسانك أداةٌ مُصلتةٌ، يتغالبُ عليهِ عقلكَ وغضبكَ وهواك وجهلكَ. فكُل غالبٍ مستمتعٌ به وصارفهُ في محبتهِ، فإذا غلبَ عليهِ عقلكَ فهو لكَ، وإن غلبَ عليه شيءٌ من أشباهِ ما سميتُ لك فهو لعدوكَ. فإنِ استطعتَ أن تحتفظ به وتصونهُ فلا يكونَ إلا لكَ، ولا يستولي عليهِ أو يشارككَ فيه عدوكَ، فافعل.
أزمة الصداقة المعاصرة
والمتدبر في تاريخ الفكر السياسي يجد أن الصداقة كانت دوما عنصرا مركزيا في تصور المجتمع الفاضل، فالقانون وحده لا يبني الثقة المجتمعية التي لا تحيا المجتمعات الإنسانية إلا بها، ورابطة الدم وحدها لا تكفي لضمان العدالة، ولم تخل فلسفة سياسية من تصور للصداقة منذ تحدث عنها أرسطو في كتاب القيم كأساس متين لعلاقة الأفراد، يمثل الأساس الذي تنبني عليه علاقة المواطنة، ثم اليهودية التي تعتبر دائرة القيم داخل الشعب المختار في حين للتعامل مع الأغيار منظومة قيم مختلفة، مرورا بالتصور المسيحي في فكر أوغسطين الذي يعتبر الأخوة المسيحية ورابطة العقيدة أساسا لتزكية النفس وفهم الذات، وتوما الاكويني الذي يذهب إلى أن «معيار الخيرية» هو العطاء واعتبار الآخرين نظراء في البشرية.
ولكن صعود الحداثة وصعود الأيديولوجيات في القرون الخمسة الأخيرة قدم تصورات عن الاجتماع والاقتصاد والسياسة، جعلت المصلحة والمنفعة معيار التواصل والتفاعل الإنساني وليس التوافق والألفة، وتغيرت بناء على ذلك منظومة العلاقات الاجتماعية، بل والسكانية بنمو المدن التجارية، وصارت «العقلانية» معيار علاقة الإنسان بالآخرين وبالتساكن والارتباط برباط سياسي.
العقلانية وليس العاطفية إذ أطاحت بمركزية الصداقة بكل ما تحمله من معان والتي تأسست على رابط العقيدة (دينية أم ثقافية) أو الجيرة أو الوفاء للذكريات المشتركة التي تقوم على الاختيار المحض والميل القلبي حتى حين تقف على أرضية روابط القبيلة أو الدم، وحل محلها علاقة «المواطنة» القانونية مع الدولة، وعلاقة التعاقد مع المجتمع (العقد الاجتماعي) وعلاقات المنفعة في الاقتصاد، وأصبحت نظرية «الخيار الرشيد» التي تعتبر الإنسان كائنا يبحث عن تعظيم المنفعة الفردية هي الحاكمة، ويقابلها في الماركسية نظريات الصراع بين الطبقات والتنافس على القوة والمال، فتمت «علمنة» العلاقات الوجدانية كالصداقة، فضلا عن تجفيف مواردها بفضل المؤسسية التي صارت وعاء للعلاقات، فمن يشارك بناية السكن ليس الجار بل هو الساكن، ومن يشارك مكان العمل هو زميل العمل، ومن يشارك المهنة عضو في النقابة، ومن يشارك في المال مساهم في نفس الشركة .. وهكذا.
ولكن حتى هذه الأفكار في تجليها الذي قلص من الروابط التي تقوم على المودة خارج المصلحة المادية لم تستطع أن تحل أزمة الثقة بين الأفراد و «فطرة الائتناس» التي فطر الله الناس عليها، فنجد في هوامش نظريات الحداثة مفهوم الإنسانية والخير العام، وتظهر بعد عقود طويلة في نظريات المواطنة فكرة سياسات التعاطف والرعاية، ونجد آثار ذلك في الفكر الماركسي مفهوم الرفاق وما يحيط به من معاني الترابط. [د. هبة رءوف عزت، الصاحب من فهم الذات لتأسيس المجتمعات]
إن المادية الحديثة قضت على كثير من الروابط الوجدانية بين البشر وقادتهم، لحتفهم العاطفي، وحولتهم لآلات صماء تعمل وتنتج بوقود النفعية والمصلحة الذاتية، وهذا بدوره قضى على منظومة القيم والراحة والسكينة النفسية، فتقطعت الروابط بين الناس وزادت معدلات الجريمة وسائر مظاهر الجنوح السلوكي والوجداني، الأمر الذي يحتاج من الجميع التكاتف من أجل رد الإنسان إلى إنسانيته وفضائله النبيلة التي تغذي روحه وتعدل سلوكه.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com