الثلاثاء، 26 مايو 2015

من خشي اللّه أتى منه كل خير



عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-:
(من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) [1]

ما أجمل أن ترزق الخوف من الله، وما أحلى أن تكون وقّافا عند أوامره؛ وما أروع أن تتيقن أنك موعود بالفلاح والنجاح إن اتقيته.. إن مسألة الخوف من الله عز وجل ومراقبته من لوازم الأمور في كل وقت، وفي وقتنا هذا بالأخص الذي أصبح يعج بأنواع المغريات والفتن التي تتعارض مع أوامر الله تعالى ونواهيه.
والخوف هو ألم يلازم القلب المقبل على الله بسبب توقع المكروه في المستقبل. والفرق بين الخوف من الله والخوف من غيره يقول أبو القاسم الحكيم: من خاف شيئا هرب منه، ومن خاف الله هرب إليه. وأخبر الحق جل شأنه عن حال أهل الجنة وهم يذكرون حالهم في الدنيا: { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين، فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم } [الطور:25-27].
وفي الحديث القدسي: (قال الله تعالى: وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين، ولا أجمع له أمنين، فإن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ) [2]
وعلى قدر العلم بالله سبحانه وتعالى ومعرفة العبد بنفسه يكون الخوف والخشية، فكلما قوي إيمان العبد وزادت معرفته بربه زاد خوفه منه وخشيته، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « فو الله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية » [3]
إن الخوف من الله سبحانه وتعالى يبعث على نيل الطاعات وترك المنهيات ولا خير فيمن لا يخاف الله سبحانه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه » [4]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يلج النار من بكى من خشية الله، حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا» [5]
ومن أعظم ثمرات الخوف أنه يقمع الشهوات ويكدر اللذات فتصير المعاصي التي كانت محببة إلى النفس مكروهة، فتحترق الشهوات بالخوف وتتأدب الجوارح ويذل القلب ويستكين، ويفارقه الكبر والحسد والحقد ويصير مستوعباً الهم لخوفه من ربه عز وجل وينظر في خطر عاقبته.
قال الله تعالى: { قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم، من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين } [الأنعام:15-16]
والمتأمل في أقوال السلف يجد العجب العجاب على صلاحهم وطاعتهم وجهادهم. فهذا عمر -رضي الله عنه- كان في وجهه خطان أسودان من الدموع، وكان يأخذ تبنة من الأرض ويقول: (يا ليتني كنت هذه التبنة، يا ليتني لم أك شيئا مذكورا).
وهذا أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- يقول: (وددت أني شاة فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحتسون مرقي).
وهذا عبد الله بن المبارك يقول: (لو أن رجلا وقف على باب المسجد ونادى ليخرج شر الناس لما سبقني إليه إلا رجل أوتي أكثر مني قوة أو سمعا ).
وعن مالك بن دينار قال: بينما أنا أطوف بالبيت إذ أنا بجويرية متعبدة متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول: يا رب كم شهوة ذهبت لذاتها وبقيت تبعاتها، يا رب أما كان لك أدب وعقوبة إلا النار .. وتبكي، فما زال مقامها حتى طلع الفجر.. قال مالك: فلما رأيت ذلك وضعت يدي على رأسي صارخا أقول: ثكلت مالكا أمه.
وكان أبو سليمان الداراني يقول: ما فارق الخوف قلبا إلا خرب.
وقال يحيى بن معاذ: مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة.
وقال ذو النون: من خاف الله ذاب قلبه، واشتد حبه، وصح له لبه.
يقول الغزالي رحمه الله: والمحمود من الخوف هو الاعتدال والوسط، فأما القاصر منه فهو الذي يجري مجرى رقة النساء، يخطر على البال عند سماع آية من القرآن فيورث البكاء وتفيض الدموع، وكذلك عند مشاهدة سبب هائل، فإذا غاب ذلك السبب عن الحس، رجع القلب إلى الغفلة، فهذا خوف قاصر قليل الجدوى ضعيف النفع، وأما الخوف المفرط فإنه الذي يقوى ويجاوز حد الاعتدال حتى يخرج إلى اليأس والقنوط وهو مذموم لأنه يمنع من العمل، فالمراد من الخوف ما هو المراد من السوط وهو الحمل على العمل، ولذلك قيل أن الخوف هو سوط الله يسوق به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالى [6]
قال المناوي: ( من خاف أدلج ) سار من أول الليل ( ومن أدلج بلغ المنزل ) يعني من خشي اللّه أتى منه كل خير، ومن أمن اجترأ على كل شر، وقال في الرياض: المراد التشمير في الطاعة. وقيل: معناه من خاف ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة والمبادرة بالعمل الصالح وخوف القواطع والعوائق. والأظهر أنه ضرب مثلاً لكل من خاف الردى أو فوت ما يتمنى أن يصل إلى السير بالسرى ولا يركن إلى الراحة والهوى حتى يبلغ المنى ( ألا إن سلعة اللّه غالية ) أي رفيعة القدر ( ألا إن سلعة اللّه الجنة ) قال الطيبي: هذا مثل ضربه لسالك الآخرة فإن الشيطان على طريقه، والنفس وأمانيه الكاذبة أعوانه، فإن تيقظ في سيره وأخلص في عمله أمن من الشيطان وكيده ومن قطع الطريق. وثمن هذه السلعة العمل الصالح المشار إليه بقوله: { والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً } [الكهف:46]، وقال العلائي: أخبر أن الخوف من اللّه هو المقتضي للسير إليه بالعمل الصالح والمشار إليه بالإدلاج، وعبر ببلوغ المنزلة عن النجاة المترتبة على العمل الصالح وأصل ذلك كله الخوف [7]

الهوامش
[1] رواه الترمذي في الزهد والحاكم في الرقاق (صحيح) انظر حديث رقم: 6222 في صحيح الجامع. [2] رواه ابن حبان مرسلا [3] صحيح الجامع 5573 [4] رواه البخاري ومسلم [5] صحيح مشكاة المصابيح 3751 [6] إحياء علوم الدين باب الخوف بتصرف [7] فيض القدير للمناوي 2/125 بتصرف

 

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com


الاثنين، 25 مايو 2015

علم بلا عمل ..... هلاك محقق


عن خباب بن الأرت -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: ( إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا ) [1]

العلم النافع والعمل الصالح هما مفتاح السعادة، وأساس النجاة للعبد في معاشه ومعاده، ومن رزقه الله علماً نافعاً ووفقه لعمل الصالح؛ فقد حاز الخير، وحظي بسعادة الدارين، قال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[النحل:97].
إن الكلمة لتنبعث ميتة وتصل هامدة مهما تكن طنانة رنانة متحمسة إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها، ولن يؤمن إنسان بما يقول حقاً إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول، وتجسيماً واقعياً لما ينطق، عندئذ يؤمن الناس ويثق الناس، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق، إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا من رنينها، وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها، إنها تستحيل يومئذ دفعة حياة، لأنها منبثقة من حياة. (2)
قال تعالى: { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }[البقرة:44]. وقال تعالى عن شعيب عليه الصلاة والسلام: {... وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود:88]. وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }[الصف:2-3]
قال المناوي: (إن بني إسرائيل) أولاد يعقوب العبد المطيع ومعناه «عبد اللّه» فإسرا هو العبد أو الصفوة وإيل هو اللّه (لما هلكوا قصوا) أي لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص وعولوا عليها واكتفوا بها، وفي رواية: لما قصوا هلكوا أي لما اتكلوا على القول وتركوا العمل كان ذلك سبب إهلاكهم، وكيفما كان ففيه تحذير شديد من علم بلا عمل (3)
وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ: ( يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِي النَّارِ فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا أَفْعَلُهُ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ ) (4)
وعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ) (5)
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ -رضي الله عنه- قَالَ: لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ كَانَ يَقُولُ: (... إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا ) (6)
وعن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( مَثَلُ الْعَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَيَنْسَى نَفْسَه كَمَثَلِ السِّرِاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ وَيَحْرِقُ نَفْسَهُ ) (7).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: خُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ) (8)
وعن علي -رضي الله عنه- أنه ذكر فتناً في آخر الزمان، فقال له عمر: متى ذلك يا علي؟ قال: " إذا تفقه لغير الدين وتعلم العلم لغير العمل والتمست الدنيا بعمل الآخرة ".
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: " تعلموا فإذا علمتم فاعملوا ".
وعن لقمان بن عامر قال: كان أبو الدرداء -رضي الله عنه-  يقول:" إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عويمر. فأقول: لبيك ربّ. فيقول: ما عملت فيما علمت " وقال الحسن: " لقد أدركت أقواماً كانوا آمر الناس بالمعروف وآخذهم به، وأنهى الناس عن المنكر وأتركهم له، ولقد بقينا في أقوام آمر الناس بالمعروف وأبعدهم عنه، وأنهى الناس عن المنكر وأوقعهم فيه. فكيف الحياة مع هؤلاء؟ "
يقول ابن جماعة رحمه الله: "واعلم أن جميع ما ذكر من فضيلة العلم والعلماء إنما هو في حق العلماء العاملين الأبرار المتقين الذي قصدوا به وجه الله الكريم، والزلفى لديه في جنات النعيم، لا من طلبه لسوء نية، أو خبث طوية، أو لأغراض دنيوية: من جاه أو مال أو مكاثرة في الأتباع والطلاب " (9)
" إن الإيمان الصحيح متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك، والإسلام عقيدة متحركة لا تطيق السلبية، فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور، تتحرك لتحقق مدلولها في الخارج، ولتترجم نفسها إلى حركة في عالم الواقع.ومنهج الإسلام الواضح يقوم على أساس تحويل الشعور الباطن بالعقيدة وآدابها إلى حركة سلوكية، لتبقى حية متصلة بالينبوع الأصيل " (10)
ولهذا ينبغي على العاقل أن يحاسب نفسه قبل أن يقدم على العمل، وينظر في همه وقصده، فالمرء إذا نفى الخطرات قبل أن تتمكن من القلب سهل عليه دفعها، ذلك أن بداية الأفعال من الخطرات، فالخطرة النفسية والهم القلبي قد يقويان حتى يصبحا وسواس، والوسوسة تصير إرادة، والإرادة الجازمة لابد أن تكون فعلا.   
ومما يقوى في الإنسان إرادة الخير الإكثار من العمل الصالح على علم وبصيرة ومعرفة بالحلال والحرام، وفي ذلك يقول الإمام الغزالي: الطريق إلى تزكية النفس اعتياد الأفعال الصادرة من النفوس الزكية الكاملة، حتى إذا صار ذلك معتادا بالتكرار مع تقارب الزمان، حدث منها للنفس هيئة راسخة، تقتضي تلك الأفعال وتقاضاها بحيث يصير له بالعبادة كالطبع فيخف ما يستثقله من الخير.

الهوامش
[1] رواه الطبراني والضياء المقدسي في المختارة وحسنه (صحيح) انظر حديث رقم: 2045 في صحيح الجامع. (2) في ظلال القرآن [1/85]. (3) فيض القدير للمناوي 1/524 (4) رواه البخاري ومسلم (5) رواه الترمذي والدارمي، وانظر الصحيحة للألباني رقم 946. (6) رواه مسلم (7) رواه الطبراني في الكبير [2/165، 167]. قال المنذري: وإسناده حسن إن شاء الله. انظر صحيح الترغيب [1/128] (8) رواه أحمد، وسنده حسن انظر صحيح الترغيب [1/125] (9) [ تذكرة السامع والمتكلم ص13 ] (10) [ في ظلال القرآن [6/114].


د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com



الجمعة، 22 مايو 2015

كن إيجابيا تكن مسلما حقا


عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال -صلى الله عليه وسلم-:
( ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين اللذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون ) [1]

الشخصية المسلمة والشخصية الإيجابية وجهان لعملة واحدة، وما زال المسلمون قديما وحديثا يقولون: «الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص» فالشخصية المتدينة لا تنفصل أبدا عن الإيجابية، بمعني أنه لا يمكن أن يكون الإنسان متعبِّدا وفي الوقت نفسه مُخلا بحياته العملية الطيبة، هذا لا يكون أبدا.
إن الشخصية السوية لا تنفصم إلى واقع عقدي تعبدي وواقع عملي مغاير، والترابط واضح جدا في اثنتين وثمانين آية من كتاب الله حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {الَذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} آمن وعمل صالحا هذا شرط أساسي، العمل هو برهان الإيمان وهذا العمل الذي هو برهان الإيمان يجب أن يكون صالحا.
قال المناوي: ( ارحموا ترحموا ) لأن الرحمة من صفات الحق التي شمل بها عباده فلذا كانت أعلاماً اتصف بها البشر فندب إليها الشارع في كل شيء حتى في قتال الكفار والذبح وإقامة الحجج وغير ذلك ( واغفروا يغفر لكم ) لأنه سبحانه وتعالى يحب أسمائه وصفاته التي منها الرحمة والعفو ويحب من خلقه من تخلق بها ( ويل لأقماع القول ) أي شدة هلكة لمن لا يعي أوامر الشرع ولم يتأدب بآدابه، والأقماع الإناء الذي يجعل في رأس الظرف ليملأ بالمائع، شبه استماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئاً مما يفرغ فيها فكأنه يمر عليها مجتازاً كما يمر الشراب في القمع ( ويل للمصرين ) على الذنوب أي العازمين على المداومة عليها ( الذين يصرون على ما فعلوا ) يقيمون عليها فلم يتوبوا ولم يستغفروا ( وهم يعلمون ) حال أي يصرون في حال علمهم بأن ما فعلوه معصية أو يعلمون بأن الإصرار أعظم من الذنب أو يعلمون بأنه يعاقب على الذنب (2)
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ( ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم ) نظير قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النــور:22]
قال عبد الله بن المبارك: «هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى».
وفيها دليل على أن العفو والصفح عن المسيء المسلم من موجبات غفران الذنوب والجزاء من جنس العمل.
أما قوله -صلى الله عليه وسلم-: ( ويل لأقماع القول ) فيسوقنا لتعريف علماء النفس للشخصية الضعيفة بأنها: الشخصية التي لا تستمر في النمو والتطور، فصاحب العقلية المتحجرة .. ضعيف الشخصية، ومن لا يستفيد من وقته وصحته وإمكانياته .. ضعيف الشخصية، ومن لا يعدل من سلوكه ويقلع عن أخطائه .. ضعيف الشخصية، وقوة الشخصية تعني أيضا القدرة على الاختيار السليم، والتمييز بين الخير والشر، والصواب والخطأ، وإدراك الواقع الحاضر، وتوقع المستقبل .. فالنمو والتطوير شرطان أساسيان لكي تكون شخصيتك قوية ومثمرة في نفس الوقت.
وحين يشعر الإنسان بجسامة الأمانة المنوطة به، تنفتح له آفاق لا حدود لها للمبادرة للقيام بشيء ما، فيجب على كل فرد منا أن يضع نصب عينيه اللحظة التي سيقف فيها بين يدي الله عز وجل فيسأله عما كان منه، وبالعكس علينا أن نوقن أيضا أن التقزم الذي نراه اليوم في كثير من الناس ما هو إلا وليد تبلد الإحساس بالمسؤولية عن أي شيء!!
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ( ويل للمصرين اللذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون ) مقابل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]
فالإصرار هو الاستقرار على المخالفة، والعزم على المعاودة، وذلك ذنب آخر لعله أعظم من الذنب الأول بكثير. وهذا من عقوبة الذنب، فإنه يوجب ذنبًا أكبر منه، ثم الثاني كذلك، ثم الثالث كذلك، حتى يحدث الهلاك .. إن الإصرار على المعصية معصية أخرى، والقعود عن تدارك ما فاتك من الخير بسبب المعصية يعتبر إصرارًا ورضا بها وطمأنينة إليها، وذلك علامة الهلاك.
قال سهل بن عبد الله: "الجاهل ميت، والناسي نائم، والعاصي سكران، والمصرُّ هالك، والإصرار هو التسويف، والتسويف أن يقول: أتوب غدًا؛ وهذا دعوى النفس، كيف يتوب غدًا، وغدا لا يملكه!"
وعلى هذا فالتوبة من المعصية مع بقاء لذتها في القلب، وتمني ارتكابها إن وجد إليها السبيل، وحديث النفس الدائم بلذتها، هذه التوبة تسمى «توبة الكذابين»، وهي التي وصف أبو هريرة صاحبها بأنه كالمستهزئ بربه، فهي توبة غير مقبولة، فضلاً عن الإثم الذي يلحق بصاحبها من مخادعته لله عز وجل.
ولذلك كان من شروط التوبة الاعتذار الذي هو إظهار الضعف والمسكنة لله عز وجل، وأنك لم تفعل الذنب عن استهانة بحقه سبحانه وتعالى، ولا جهلاً به، ولا إنكارًا لإطلاعه، ولا استهانة بوعيده، وإنما كان ذلك من غلبة الهوى، وضعف القوة عن مقاومة الشهوة، وطمعًا في مغفرته وسعة حلمه ورحمته، واتكالاً على عفوه، وحسن ظن به، ورجاء لكرمه سبحانه وتعالى.
وما فعلت ذلك الذنب إلا بسبب ما غرَّك به الغَرور، والنفس الأمارة بالسوء، وستره سبحانه وتعالى المرخَى عليك، وأعانك على ذلك جهلك، ولا سبيل إلى الاعتصام لك إلا به عز وجل، ولا معونة على طاعته إلا بتوفيقه. ونحو هذا من الكلام المتضمن للاستعطاف والتذلل والافتقار إليه عز وجل، والاعتراف بالعجز والإقرار بالعبودية، فهذا من تمام التوبة.
إن المفكر الإيجابي يقرّ بأن هناك عناصر سلبية في حياة كل شخص لكنّهُ يؤمن بأن أي مشكلة يمكن التغلّب عليها . والمفكر الإيجابي إنسان يقدّر الحياة ويرفض الهزيمة . والشخص الإيجابي يفهم أنه من أجل التغيير من حالة المفكر السلبي إلى الأداء الكامل بطريقة المفكر الإيجابي يجب على الإنسان أن يتحلّى برغبة جادّة في التغيير.
الهوامش
[1] رواه أحمد في المسند 10/52،والبخاري في الأدب المفرد 293 والعجلوني كشف الخفاء 1/119 عن عبد الله بن عمر وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 482 [2] فيض القدير للمناوي 2/514

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com


من شرب الخمر غضب الله عليه


عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-:
( من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد في الرابعة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه، وغضب الله عليه وسقاه من نهر الخبال ) قيل: يا أبا عبد الرحمن! وما نهر الخبال؟ قال: نهر يجري من صديد أهل النار. (1)

المعروف أن تناول الخمر اصطبغ بمفاهيم متناقضة عبر العصور والبيئات الثقافية، فلقد رسخ في وجدان بعض الناس أن الخمر تجعل المتعاطي أكثر فحولة وشجاعة في الحياة حتى أن الفرنسيين يقولون مثلا شعبيا: «الخمر للرجال، والماء للضفادع»، وقد يقبل المتعاطي على الخمر لدفع الفشل في الحب أو في الزواج، وهو يفعل ذلك بدعوى النسيان، والبعض يقصد من التعاطي أن يزكي الرغبة الجنسية، وأن تكون له قدرة جنسية أكبر.
 وتحاط الخمر بهالة فلكلورية لها تأثيرها الخاص في جذب المتعاطين، ولشخصية المتعاطي دور في تحديد هذا التأثير واستجلابه، كما تعمل بعض وسائل الإعلام المختلفة وخاصة السينما على نشر التعاطي، فتجعل المتعاطي يبدو في صورة زاهية وكأنه بطل، بما تضفي عليه من التحدي والتمرد والتحرر، وترتبط هذه الصورة في ذهن الشباب بالمتعة الجنسية وكسر التقاليد والقيود.
والخمر برغم أن الكثيرين لا يضعونها في مستوى خطورة عقاقير مثل الهيروين، إلا أنها مثل بقية العقاقير التي يعتاد عليها الجسم وقد يدمنها، وهي من أكثر العقاقير من حيث سوء الاستخدام، وما يجعلها أكثر خطورة من المخدرات أنها مباحة في العالم كله تقريبا ويقدمها الناس في المناسبات وفي الزيارات إظهارا للتودد والكرم، وقد يضطر البعض إلى تناولها تجاوبا مع لطف أصحابها، ومع استمرار تناول الأنخاب في الاحتفالات تزيد الجرعات وتكون لها تأثيرات غاية في الضرر جسديا ونفسيا واجتماعيا، وكثيرا ما يرجع سبب العنة عند الرجال في منتصف العمر إلى إدمان الخمر، وقد تبين من البحوث أن المدمنين يعانون غالبا من تدني عدد الحيوانات المنوية في المني إلى أدنى حد، وتذكر التقارير أن 8% من المدمنين يعانون العنة، وفي حالة علاجهم من الإدمان استمرت العنة مع نصف هذا العدد نتيجة التلف الذي استحدثته الخمر.
ورغم أن للعنة أسبابها النفسية والفسيولوجية، إلا أن للتعاطي تأثيره ومردوده البدني والنفسي أيضا. فقد تبين أن الإفراط في التعاطي يؤثر في أيض هرمون التستوستيرون ويخفضه في الدم، وتكون له تأثيرات على البنية ومظهر الذكورة والسلوك، وقد يكون المتعاطي أجبن من أن يخاطب امرأة بعينها فيستطيع ذلك بعد أن يحتسي بضعة كؤوس من الخمر.
وربما يكون المتعاطي شاذا ويستشعر ميولا عاطفية لا يصرح بها فيجهر بها مع الخمر. فالخمر ترفع الكلفة وتخفف السيطرة على السلوك والتصرفات ويكون المرء مستهترا مع نفسه. وهي تغيب العقل أو تستره وكأنها تسدل عليه خمارا, ومن ثم فقد تختلط الأمور على المتعاطي، ويفقد القدرة على التمييز وتسفر الغريزة الجنسية.
ويصف شكسبير وصفا رائعا تأثير الخمر على المتعاطي على لسان (ماكدوف) في مسرحية «ماكبث»، حيث يسأل محدثه ما هي المسائل الثلاث التي تستحدثها الخمر؟ فيقول: إنها لا تجعلك تميز، وتبعث على النوم، وتدر البول، ثم يردف قائلا: "إنها يا سيدي تستحث الرغبة ولكنها تفقدك القدرة على القيام بما تقتضيه هذه الرغبة "
وبالرغم من أن المدمن على الكحول غالباً ما يستحوذ عليه شعور بالنشاط والحيوية، فإن الكحول يكون عادة محبطا للعزيمة ومكدراً لصفاء النفس مع إحداث تأثيرات تخديرية على الجهاز العصبي، والشعور بالقوة والنشاط يحدث عادة نتيجة لتحرر مراكز الأعصاب السفلى من سيطرة المراكز العصبية العليا الموجودة في المخ. وهذا يطلق العنان لحيوانية الإنسان ويحرره من قيود الخجل والأخلاق ويصبح في حالة اللامبالاة مع زيادة الشعور بالعظمة والثقة بالنفس وبالمقدرة المزيفة على تحمل المخاطر.
ومع ازدياد معدل الكحول في الدم يبدأ تأثيرها الكئيب بالانتشار في مراكز المخ التي تسيطر على التوازن الجسماني وتسبب اختلال التوازن في الكلام وعدم السيطرة على الأطراف لكن مثل هذا التأثير يختلف من شخص إلى آخر تبعاً لعوامل مختلفة كالحالة الصحية ووزن الجسم وكمية الغذاء في المعدة وسرعة تناولها وقوتها ونوعها، أيضا يحدث انهيار الحالة الأخلاقية لدى الشخص المدمن والتي تجلب معها آثاراً اجتماعية خطيرة منها الاعتداءات الجنسية والسلوك العدواني وحوادث المرور التي غالباً ما تؤدي إلى قتل البشر وزيادة حالات الانتحار والجرائم وما شابه ذلك.
وهناك فكرة خاطئة بين عامة الناس أن الخمر يزيد من قوة الشخص وقدرته وتهبه الشجاعة والجرأة فإذا به يعمل من الأعمال ما لا يستطيع أن يعملها بدونه. والحقيقة أنه يعمل ذلك وهو فاقد لشعوره وما تلك القدرة إلا وهم. وهذه القوة والشجاعة إنما هي العقل الذاهب والرأس الدائر .. وهي في الحقيقة أقل من طاقته الحقيقية الواعية.
هذا قليل من كثير حول مضار أم الخبائث, ولذلك فليس مستغربا ولا مستهجنا هذه الحملة الضروس التي شنها الإسلام الطاهر على الخمر مكمن الرجس، وأساس كل شر.
قال المباركفوري معلقا على هذا الحديث الجليل: والمعنى لم يكن له ثواب وإن برئ الذمة وسقط القضاء بأداء أركانه مع شرائطه كذا قالوا.
وقال النووي: إن لكل طاعة اعتبارين: ( أحدهما ) سقوط القضاء عن المؤدي، ( وثانيهما )  ترتيب حصول الثواب، فعبر عن عدم ترتيب الثواب بعدم قبول الصلاة انتهى. وخص الصلاة بالذكر لأنها سبب حرمتها أو لأنها أم الخبائث على ما رواه الدارقطني عن ابن عمر، كما أن الصلاة أم العبادات، كما قال الله تعالى {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت:45]، وقيل إنما خص الصلاة بالذكر لأنها أفضل عبادات البدن، فإذا لم يقبل منها فلأن لا يقبل منها عبادة أصلاً كان أولى . ويتبادر إلى الفهم من قوله أربعين صباحاً أن المراد صلاة الصبح وهي أفضل الصلوات، ويحتمل أن يراد به اليوم أي صلاة أربعين يوماً (2)

الهوامش
 (1) الحديث رواه الترمذي ــ كتاب الأشربة ــ باب ما جاء في شارب الخمر رقم 1862 وقال هذا حديث حسن، والحديث صححه الألباني في صحيحي الترمذي رقم 1517 وصحيح الجامع رقم 6312 (2) تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي ــ المباركفوري ج 5 ص 509 ط دار الفكر بيروت

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com



الثلاثاء، 12 مايو 2015

أبهذا أمرتم ؟



عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى احمر وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال: ( أبهذا أمرتم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه ) (1)

الإيمان بالقدر فرض لازم، وهو أن يعتقد أن الله تعالى خالق أعمال العباد خيرها وشرها، وكتبها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم، والكل بقضائه وقدره وإرادته، غير أنه يرضى الإيمان والطاعة ووعد عليهما الثواب، ولا يرضى الكفر والمعصية وأوعد عليهما العقاب.
والقدر سر من أسرار الله تعالى لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، ولا يجوز الخوض فيه والبحث عنه بطريق العقل، بل يجب أن يعتقد أن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم فرقتين: فرقة خلقهم للنعيم فضلا، وفرقة للجحيم عدلا، وسأل رجل علي بن أبي طالب t فقال: أخبرني عن القدر؟ قال: طريق مظلم لا تسلكه، وأعاد السؤال فقال: بحر عميق لا تلجه، وأعاد السؤال فقال: سر الله قد خفي عليك فلا تفتشه (2)
والقدر لغة بمعنى التقدير، ويُعَرّف بأنه: علم الله تعالى بما تكون عليه المخلوقات في المستقبل، أما القضاء فهو بمعنى الحكم، ويُعَرف بأنه: إيجاد الله تعالى الأشياء حسب علمه وقدرته.
وما أجمل جواب الإمام أحمد عندما سئل عن القدر، فقال: القدر قدرة الرحمن.
والإيمان بالقدر يشمل درجتين:
( الدرجة الأولى ): الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله تلك المقادير في اللوح المحفوظ، قال تعالى: { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً } [الطلاق:12] وقال -صلى الله عليه وسلم-: ( كتب الله تعالى مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء ) (3).
( الدرجة الثانية ): فهي الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد والمفسدين، والعباد فاعلون حقيقة والله خلق أفعالهم وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم (4)
هذا وقد أراد المشركون أن يحتجوا بقدر الله ومشيئته على شركهم، وأنه لو لم يشأ الله تعالى لهم الشرك لما وقعوا فيه، فأبطل الله حجتهم ودحضها بقوله عز وجل: { سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ، قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } [الأنعام:148-149]
وجوابه سبحانه للمحتجين بالقدر واضح كل الوضوح لقيامه على أمرين بديهيين:
( الأول ): أنه تعالى أذاق الكافرين الأول بأسه وأنزل بهم عقابه فلو لم يكونوا مختارين لما ارتكبوه من الجرائم والآثام والكفر لما عذبهم الله، لأنه عادل لا يظلم أحدا، ولا شك في أن عقاب المكره على الفعل ظلم والاحتجاج بقدر الله على معصيته مع ظهور عقابه سبحانه للعصاة فيه نسبة الظلم إليه وهو أمر يتنافى مع الإيمان بالله تعالى، فالظلم نقص لا يليق بالخالق جل وعلا.
( الثاني ): أن المحتج بالقدر على كفره ومعصيته متقول على الله بغير علم، إذ كيف يصح للكافر أو العاصي أن يحتج بأن الله كتب عليه الكفر أو المعصية قبل صدور ذلك منه، وقدر الله قبل وقوعه غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل مع أنه مخاطب قبل إقدامه على طاعة ربه والتزام أمره .. وبعبارة أقرب: كيف يصح لأحد أن يقول: كتب علي ربي أن أسرق فأنا ذاهب لتنفيذ قدره، فهل اطلع على اللوح المحفوظ فقرأ ما فيه حتى يعلم ما كتب الله عليه في وقت كان مخاطبا بالامتناع عن معصية الله (5)
ذاك ما يحتاج إليه المؤمن في القضاء والقدر، فيكفيه أن يعلم معناه ودرجاته وأن يؤمن به، وأن الله عليم بكل شيء وخالق كل شيء، وما لم يشأ لم يكن، وأنه عادل لا يظلم أحدا، وأنه حكيم منزه من العبث، ولا يحتاج هذا الموضع إلى أكثر من ذلك وما علم الله حاجتنا إليه بينه لنا وما طواه عنا لا يجوز أن نتكلف البحث عنه فنختلف ونهلك، فإن عقولنا محدودة خلقها الله للإسهام في عمارة الدنيا وليست وظيفتها اكتشاف الغيب الذي استأثر بعلمه خالقها، وليس أمامنا إلا التسليم والإيمان بما يعرفنا الله عليه من أمور الغيب وقضاياه ومن هذه القضايا: الصلة بين خلق الله للأفعال وإرادة الإنسان وفعله لهذه الأفعال، وليست هذه هي القضية الغيبية الوحيدة التي لا يدرك العقل كنهها، فصفات الله عز وجل ندرك آثارها ولا ندرك كيفيتها شأنها شأن الذات الإلهية التي لا يستطيع العقل البشري إدراكها (6)، ولهذا نهي النبي في هذا الحديث الجليل عن الخوض في القدر والعمق فيه. 
وللإيمان بالقدر فوائد منها:
(أولا): أنه من تمام الإيمان ولا يتم الإيمان إلا بذلك.
( ثانيا): أنه من تمام الإيمان بالربوبية لأن قدر الله من أفعاله.
(ثالثا): رد الإنسان أموره إلى ربه لأنه إذا علم أن كل شيء بقضائه وقدره فإنه سيرجع إلى الله في دفع الضراء ورفعها، ويضيف السراء إلى الله، ويعرف أنها من فضل الله عليه.
 (رابعا): أن الإنسان يعرف قدر نفسه ولا يفخر إذا فعل الخير.
(خامسا): هون المصائب على العبد لأن الإنسان إذا علم أنها من عند الله هانت عليه المصيبة، كما قال تعالى: { وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } [التغابن:11] قال علقمة رحمه الله: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم (7)
(سادسا): إضافة النعم إلى مسديها، لأنك إذا لم تؤمن بالقدر أضفت النعم إلى من باشر الإنعام، وهذا يوجد كثيرا في الذين يتزلفون إلى الملوك والأمراء والوزراء فإذا أصابوا منهم ما يريدون جعلوا الفضل إليهم ونسوا فضل الخالق، صحيح أنه يجب على الإنسان أن يشكر الناس لكن يعلم أن الأصل كل الأصل هو فضل الله عز وجل جعله على يد هذا الرجل.
 (سابعا): أن الإنسان يعرف به حكمة الله عز وجل لأنه إذا نظر في هذا الكون وما يحدث فيه من تغييرات باهرة عرف بهذا حكمة الله عز وجل بخلاف من نسي القضاء والقدر فإنه لا يستفيد هذه الفائدة (8)
الهوامش
(1) رواه الترمذي ــ كتاب القدر رقم 2133، والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي رقم 1732  (2) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي نقلا عن شرح السنة ــ ج 6 ص 278 ط دار الفكر  (3) رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو (4) انظر الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية ص 352، 353 بتصرف (5) الإيمان لمحمد نعيم ياسين ــ مكتبة التراث ــ القاهرة ص 136-137    (6) تبسيط العقائد الإسلامية (7) أخرجه الطبري 28/80، وعزاه السيوطي لعبد بن حميد وابن المنذر، والبيهقي في شعب الإيمان 6/227، كما عزاه ابن كثير لابن أبي حاتم 8/163 (8)شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية / شرحه سماحة الشيخ محمد بن الصالح العثيمين ج2 ص 191 / العلمية للنشر والتوزيع

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com




الأحد، 10 مايو 2015

الخرافة .. جزء من حياة البعض



«أم شراطيط» .. شجرة مميزة على جنب طريق «راشيا القديمة» بلبنان، يعتبرها سكان المنطقة «شجرة مباركة» حيث استظلّها الكثيرون من جميع الطوائف، لاسيما (الشيخ الفاضل)، وانعقدت تحتها الاجتماعات التي أنهت الكثير من الخلافات.
كان أغلبية سكان المنطقة عندما يهاجرون إلى الخارج يمرّون قبل الرحيل على هذه الشجرة، ويعمدون إلى اقتطاع قطعة قماش من ثيابهم ويربطونها بأغصان تلك الشجرة، ويقولون أنهم سيرجعون .. وغالبا ما كانت تأتي الأمهات وتنظرن «الشراطيط» وتتذكرن أبنائهن.
السكان بدورهم يقصدونها حاملين نذورهم، إما لشفاء المرضى أو لعودة المهاجرين، وإما لمن يردن الزواج أو إنجاب الأطفال .. ويشير مدير مركز الشؤون الاجتماعية في راشيا (منير مهنا) إلى أنهم يشعرون برابط روحي يشدّهم إلى هذه الشجرة، ويطلبون عبر بركة (الشيخ الفاضل) أن تحمي أهلهم، وبالتالي علاقتهم بها هي علاقة إيمان وفطرة على حسب قوله.
ويقول (الشيخ سهيل القضماني): "«أم شراطيط» هي شجرة سنديان عمرها أكثر من 500 سنة، ولا زالت تقاليدها موجودة حتى اليوم. وأضاف أن الشجرة كانت تلفت انتباه الكثير من المارين بسبب حجمها الكبير، كما كانت تستعمل كخزنة، فإذا اتفق اثنان على ترك غرض لهما في مكان ما، كانوا يضعونها تحتها كونها أكثر من يحافظ عليه. وأشار إلى أن النذور موجودة عند جميع الطوائف، وبالتالي يقصدها الجميع، إضافة إلى أن السكان يشعرون أنها تحميهم ولا يتجرّأ أحد على قطع غصن منها.

هذا الخبر يذكرنا بقصة الخرافة عند العرب .. حيث تزعم العرب أن رجلا من بنى عذره يسمى (خرافه) غاب عن أهله زمانا، ولما رجع أخبرهم أنه عاش مع الجن، وكان يحدِّث بأحاديث مما رأى يعجب منها الناس، ولكنهم كذبوه، وصار مضرب المثل، وصاروا يقولون لكل حديث لا يمكن تصديقه: «حديث خرافه» .. ويطلق على كبير السن عندما يشتد به الكبر ويتأثر عقله بأنه «شيخ خرف» أي يهذى في القول, ولا يصح أن يؤخذ كلامه على محمل الجد.
والخرافة تكاد لا تخلو منها كافة المجتمعات البشرية على مر عصورها وتنوع ثقافاتها حتى طالت طرفا من المتعلمين وكثرة من الجاهلين .. فبيئة الجهل هي أخصب عش تبيض فيه الخرافة وتفرخ.
والغريب في الخرافات أنها تخللت حياة البشر كلها من أيامهم وأغراضهم وبيئتهم وأرضهم وسمائهم وشخوصهم، وتعلقت بمشاعرهم وأحوالهم من التفاؤل والتشاؤم والرزق والإنجاب والحل والترحال حتى النوم والموت والبعث.
وما انتشرت الخرافات في أمة إلا كانت نذير شؤمها ودليل جهلها وعلامة سقوطها، فالخرافة قرين الفاحشة، وكلتاهما معول هدم الحضارات وتهاوي الممالك والإمبراطوريات، غير أن الفاحشة تؤجج الشهوات والخرافة تؤجج الخزعبلات وتغيب المعقولات.
والخرافة لا تستند إلى نقل صحيح أو رأي حصيف «غير قابلة للتبرير» .. فهي أشبه بالشجرة العظيمة التي لا جذور لها راسخة، فهي على كبرها وضخامتها ما أسهل تهاويها أمام واقعها، لذلك عرفوا الخرافة بأنها ما يستملح من الكذب، فالخرافة لا تخلو من التشويق والتهويل وهذا سر سرعة انتشارها، كما أنها عارية من الدليل النقلي أو العقلي وهذا سر تنوعها وتعددها لأنها محض كلام مرسل لا تعوزه مشقة استجلاب الدلائل. ومن سمات الخرافة أيضا الافتقار للموضوعية، وكذلك احتماء بعضها وراء المفاهيم الدينية والعقائدية وتسترها خلفها لما للدين سلطان على القلوب ووقع في النفوس.
والخرافة تختلف عن الشائعة .. فالشائعات تنفجر لتفسير موقف غامض وسرعان ما تختفي بظهور الأسباب الحقيقية واتضاح الرؤية، المشيع غالبًا ما يتعمد إصدار شائعته لخدمة أغراض معينة يعلم أنها باطلة، أما الخرافة فهي تفسير لظاهرة مستمرة يتكرر حدوثها في حياة الناس.
والعقل وحده ليس معيارا للحكم على مصداقية الخبر من تهاويه، وإلا فالغيبيات المدعومة بأخبار الوحي الصحيحة لا مجال للعقل في الحكم عليها، لأنها خروج عن نواميس الحياة الطبيعة، كعذاب القبر والصراط والجنة والنار والميزان وغيرها.
بل ربما كان الفارق بين الخرافة والحق شعرة، كالفرق بين التفاؤل والتشاؤم مثلا .. فلقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا عدوي ولا طيرة ويعجبني الفأل الكلمة الحسنة والكلمة الطيبة»
والتطير: هو التشاؤم سواء كان بيوم معين أو شخص معين أو حدث معين.
ومن صور التشاؤم: التشاؤم بكثرة الضحك، التشاؤم من ذكر كلمة الموت، التشاؤم من اللون الأسود، التشاؤم من صوت البومة أو الغراب أو الحدأة وطنين الأذن، ورفيف العين، وأكلان اليد وتنميل القدم.
والتشاؤم ينافي كمال التوحيد الواجب لكونه من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، وذلك بتعلق القلب به خوفاً وطعماً، ومنافاته للتوكل علي الله الذي لا ينفع ولا يصده غيره.
وفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ويعجبني الفأل» يقول الإمام النووي-رحمه الله-: "ومن أمثال التفاؤل أن يكون له مريض فيتفاءل بما يسمعه فيسمع من يقول: يا سالم أو يكون طالب حاجة فيسمع من يقول: يا واجد، فيقع في قلبه رجاء البرء أو الوجدان .. والله أعلم".
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعجبه الفَأْل، لأن الفَأْل حسن ظن بالله سبحانه وتعالى، أما الطِّيَرة فهي سوء الظن بالله. فالفأل تأميل بالخير وانشراح بالصدر وتنشيط للعزم، والتشاؤم تأميل بالشر، وضيق بالصدر وتفتير للعزم.
هذا مع جزم اعتقاد المتفائل بأن الأمور كلها بيد الله، فلأبي داود -بسند صحيح- عن عُقبة بن عامر، قال: ذُكِرَتِ الطّيَرَةُ عِنْدَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أحْسَنُهَا الْفَأْلُ، وَلاَ تَرُدّ مُسْلِماً، فَإذا رَأَى أحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلْ اللّهُمّ لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلاّ أنْتَ وَلاَ يَدْفَعُ السّيّئَاتِ إلاّ أنْتَ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إلاّ بِكَ».
فراسة لا خرافة
فراسة الصالحين كالصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين هي أصدق أنواع الفراسة، وأصلها من الحياة والنور الذي يهبه الله تعالى لمن يشاء من عباده، فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد فراسته تخطيء.
قال أبو الفوارس الكرماني: "من غضَّ بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمَّر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنة، وعوَّد نفسه أكل الحلال لم تخطئ له فراسة".
قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]
وللفراسة موردان (الأول): جودة ذهن المتفرس وحدة قلبه وحسن فطنته.
(والثاني): ظهور العلامات والأدلَّة على المتفرّس فيه؛ فإذا اجتمع السببان لم تكد تخطيء للعبد فراسة، وإذا انتفيا لم تكد تصح له فراسة، وإذا قوي أحدهما وضعف الآخر: كانت فراسته مضطربة.
كان عمر –رضي الله عنه- إذا حدثه الرجل بالحديث فيكذب فيه الكلمة والكلمتين، يقول له عمر: "احبس هذه؛ احبس هذه"، فيقول الرجل: والله كل ما حدثتك به حق، غير ما أمرتني أن أحبسه.
وعن ابن عمر قال: بينما عمر -رضى الله عنه- جالس إذ رأى رجلاً فقال: قد كنت مرة ذات فراسة وليس لي رأي إن لم يكن هذا الرجل ينظر ويقول في الكهانة شيئًا. أدعوه لي. فدعوه فقال: هل كنت تنظر وتقول في الكهانة شيئًا؟! قال: نعم.
وروى الطبري أنَّ عمر –رضي الله عنه- لما استعرض الجيوش للجهاد سنة 14 هـ مرت أمامه قبائل السكون اليمنية مع أول كندة يتقدمهم حصين بن نمير السكوني ومعاوية بن حديج أحد الصحابة الذين فتحوا مصر ثم كان أحد ولاتها، فاعترضهم عمر، فإذا فيهم فتية دلم سباط، فأعرض عنهم ثم أعرض ثم أعرض، حتى قيل له: ما لك ولهؤلاء؟ فقال: إني عنهم لمتردد، وما مر بي قوم من العرب أكره إليَّ منهم. فكان منهم سودان بن حمران وخالد بن ملجم وكلاهما من البغاة على عثمان.
قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:75]، قال مجاهد: المتفرسين.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com