الأحد، 23 أكتوبر 2016

الانتحار الزوجي




«الانتحار» كلمة لا تقتصر على الهدم المتعمد للبدن وإزهاق الروح عن قصد، بل إنها تمددت وانتشرت لتشمل كثير من القضايا الفكرية والنفسية والاجتماعية وحتى الطبية، فالانتحار الفكري يعني الشطط العقلي والشذوذ الفكري والميل للجحود والكفران، والانتحار النفسي يعني الاستسلام لأزماتنا النفسية والعاطفية حتى تحطم كل ما نملكه من إرادة، بل وحتى علماء الطب والتغذية يعنون بالانتحار وجوها أخرى كالإسراف في تناول الدهون المشبعة أو المخللات أو الأطعمة الحريفة وما أشبه ذلك.
وفي الحياة الزوجية كان لعبارة «الانتحار» نصيب ومدلول، فالانتحار الزوجي هو مجموعة من السلوكيات الزوجية السلبية الكفيلة بتدمير تلك العلاقة الحميمية والعاطفية بين الزوجين وإصابتهما بنوع من الجفاء والجحود الذي قد يفضي -لا قدر الله تعالى- إلى الانفصال.
من أشهر مظاهر الانتحار الزوجي «كثرة التشكي» خاصة من قبل الزوجات التي يكاد لا يرضيها شيء ولا يعجبها تصرف، وقد تكون الشكوى من قلة ذات يد الزوج أو من سلبيته أو من إهماله أو من غيرته ... ورغم أن لكل منا عيوبه والشكوى منه واردة لكن الأمر هنا يخرج عن حد الاعتدال المقترن بطلب الكمال الذي هو من المحال.
فكم هو مزعج للزوج أن لا يجد في حديث زوجته إلا المرارة الدائمة من تصرفاته، ولا حوار لها صباح مساء إلا عن سلبياته وسقطاته .. وكأنه كتله سلبيات!، وكأنه لا يملأ عينها ولا يشغل وجدانها، وكأنها تريد أن توصل له رسالة بندمها على الاقتران بمثله، أو أنها كل شيء ولا شيء سواها، وبدونها تتعثر الأسرة ولا تخرج من كبواتها، ويزيد الطين بلة والعلاقة جفوة لو خرجت هذا الأمواج المتتابعة من الشكاوي خارج حدود الأسرة للأقارب والجيران وصديقات العمل، وكم هو قاس على مشاعر الزوج أن لا يقابل أحد من معارفه إلا ويجد منه الملامة وربما التوبيخ من تصرفاته مع زوجته التي فضحته عند القاصي والداني. 
هذا في الوقت الذي يحتاج فيه الزوج إلى أن يشعر من زوجته بجدارته كزوج وأب وربان أسرة، فهذا من شأنه أن يشبع رجولته ويرضي قوامته التي فطره الله عليها .. إن الزوجة كثيرة الشكاية زوجة متسخطة على أقدار الله، تنشد الكمال فيمن حولها، رغم أنها في نفسها غير ذلك، ورحم الله أحد السلف حيث يقول: يبصر أحدكم القذة في عين أخيه، ولا يبصر الجذع في عين نفسه.
وما يقال على بعض الزوجات يقال أيضا على بعض الأزواج، لكننا لو نظرنا بعين الإنصاف لحرصنا كل الحرص على مشاعر بعضنا البعض، وخير من الشكوى وتوصيف الأخطاء، النظر في كيفية معالجتها وفق طبيعة الطرف الآخر، فمن الناس من تجدي معه النصيحة، ومنهم من يحتاج لأن نتمثل نحن أمامه نموذجا مثاليا ليقتدي بنا، ومنهم من يحتاج لتدخل ذوي المكانة من الأقارب، ولله في خلقه شئون، أما أن يحملنا الضجر على أن نرى شريك العمر كله عيوب! وأنه لا تجدي معه حلول! فهذا انتحار بالبطيء لن نجني منه إلا الدمار.
إن الحياة الزوجية «شركة» لها طبيعة خاصة جدا، فهي لا تحب أن تخرج أسرارها خارج سياجها الأسري إلا في أضيق الأمور والحدود، وكم هو مزعج بل ومؤلم لشريك العمر أن يرى سلبياته على الملأ فما بالنا لو اقترنت بالتضخيم والمبالغة التي من شأنها أن توغر الصدور وتقتل المحبة.
والشركة الزوجية لا تحب أن يتعالى فيها أحد الشريكين على الآخر، وأن يرى أحدهما أنه كان بالإمكان أن يتزوج الأجمل أو الأغنى أو الأعلم أو الأقوى .. إنها قاصمة الظهر أن تعيش مع إنسان مجبر أن يعيش معك أو يتأفف من القرب منك أو يتحسر على لحظات الأنس التي يقضيها معك .. إن حواجز التعالي أو الكبر في الحياة الزوجية من شأنها أن تعلو وتعلو حتى تحجز تماما بين الطرفين فيصبح كل منهما لا يرى الآخر في حياته، ويعيش معه حالة من الطلاق الروحي مما يؤذن بوقع الطلاق الحقيقي بسبب أصغر شرارة وأقل هفوة. وفي الحديث الشريف: «لا يفركن مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها غيره» [رواه مسلم وأحمد]
والشركة الزوجية لا تحب المنافسة الضروس بين الشريكين، خاصة لو كانت الزوجة عاملة أو عالمة أو لها فضل ميزة على الزوج، فهذا التنافس من شأنه أن يقلب ساحة الأسرة إلى ساحة سجال ونقاش دائم، وترى هذا النوع من الزوجات لا تلبي لزوجها طلبا -ولو صغر- إلا بعد طول مناقشة وجدال ولدد .. إن الحب الحقيقي يقوم على نكران الذات والتفاني في إسعاد الآخر، وحينها تجد سفينة الزوجية تسير سلسة سهلة، أما العناد وكثرة المحاورة والمخالفة فهي نذير خطر، أقل ما فيه أنه يشحن القلوب بالبغضاء، فما تلبث شرارة الفرقة أن تنفجر لأتفه الأسباب، فيصبح الناس يتعجبون ممن طلق زوجته لأنها لم تعد له طبق الحلوى الذي يفضله أو لم تشتر له الأغراض التي طلبها أو غيرها من الأمور البسيطة التي لا تستحق كارثة كالطلاق، لكن لو نظرنا بعين التأمل لوجدنا أنها مواقف بسيطة لكنها تخفي ورائها تراكمات ومشاحنات وسجالات وتناقضات وخلافات.
إن الحكماء يقولون: العافية كلها في التغافل، والمتغافل سيد قومه، وفي الحديث الشريف: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» [رواه الترمذي] قال المناوي: وكان -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس عشرة لهم حتى أنه كان يرسل بنات الأنصار لعائشة يلعبن معها، وكانت إذا وهبت شيئاً لا محذور فيه تابعها عليه، وإذا شربت شرب من موضع فمها، ويقبلها وهو صائم، وأراها الحبشة وهم يلعبون في المسجد وهي متكئة على منكبه، وسابقها في السفر مرتين فسبقها وسبقته ثم قال: «هذه بتلك»، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة، وفي الصحيح أن نساءه كن يراجعنه الحديث.[فيض القدير للمناوي]
والشركة الزوجية لا تحب المقارنة مع أطراف خارجية، وهذا من المروءة وحسن الخلق الذي أوصانا به النبي -صلى الله عليه وسلم- .. فإياك عزيزي الزوج أن تعقد مقارنة بين زوجتك وبين فتيات الإعلانات أو الممثلات على مرأى ومسمع منها، بل وفي قرارة نفسك تأدبا مع الله الذي يعلم السر وأخفى، وإياك عزيزتي الزوجة أن تعقدي مقارنة بين زوجك وبين أحد الغرباء تمدحين على مسمع منه في الغريب صفات لا توجد في زوجك .. إنها قاصمة الظهر التي تستجلب ظلال الكآبة والوحشة على القفص الذهبي والعش الزوجي، وكم هو صعب على النفس أن تحس بالدونية، لكن المؤمن يرى أن الحياة جملة من الأرزاق فالصحة رزق والجمال رزق والعلم رزق والزوجة رزق والزوج رزق .. ومن رضي بما قسم الله له كان أغنى الناس.
والشركة الزوجية لا تحب أن يعشش فيها الشعور بالتقصير .. فحذار أن يشعر أحد الشريكين الآخر بأنه مقصر معه عاطفيا أو وجدانيا فهذا من شأنه أن يؤجج نار العناد ويزيد التقصير تقصيرا قد يصل إلى حد الجحود والجفاء .. إن لغة الإطراء تفتح القلوب المغلقة، وتؤجج المشاعر النائمة، وتضفي على حياة الزوجين مسحة رومانسية دافئة، والكلمة الطيبة صدقة، وأولى الناس بالصدقة ذوي القربى، وما أجمل أن تقترن تلك الكلمات الندية بالهدية التي لها مفعول السحر، بل هي السحر الحلال الذي يؤثر القلوب ويلين القاسي ويقرب الجافي، وهي تعبير عملي على الاهتمام وتفقد مواطن راحة الشريك وسعادته وكفاها من صفات كفيلة بأن تزيل الغشاوة التي صنعتها السنون، والرتابة الزوجية التي زرعتها الأيام مع طول العشرة. 
والشراكة الزوجية لا تحب التبذير ولا الإسراف المادي .. إن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت، وكم من العثرات التي تعتري مسيرة الزوجين، فإذا خيمت على الأسرة ساعة العسرة وضاقت اليد عن تلبيه المتطلبات توتر المشاعر وبدأت الاتهامات والتلاومات، وانفتحت على الزوجين أبواب الاستدانة التي هي هم بالليل وذل بالنهار، كل هذا بفعل نظرتنا القاصرة في إدارة ميزانية الأسرة والسير بمبدأ «عيش اللحظة» وكأن الحياة تصفو دائما وتحلو على طول الطريق وهيهات هيهات.
إن الزوجة العاقلة هي من تحسب للأيام حسابها وتزن للأحداث بميزانها، وتدير أسرتها ماديا بتعقل بلا إفراط ولا تفريط، حتى إذا ألقت الأيام بعسرها على زوجها، وجد زوجة تمد له يد العون مما ادخرته لهذه الخطوب .. حينها تحلو في عينه، وتجلو في نظره، ويزداد رصيد الحب في قلبه لأنها كانت نعم السند وخير المعين، والناس مواقف، وخير الأصحاب أنفعهم لصاحبه.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com
          

الجمعة، 14 أكتوبر 2016

زوجتي تغيرت بعد الزواج !!




تلعب المشاحنات بين الزوجين، والحمل والولادة، وعدم مبالاة الزوجة، واهتمامها المفرط بأولادها .. تلعب دوراً كبيراً في دفع الزوج للتغير. حيث يصل الزوج إلى قناعة أن زوجته بعد أن حملت وأنجبت وتحملت المسئوليات لم تعد كما كانت من قبل، وأنه لم يعد يجد منها الاهتمام والحظوة التي كانت في بدايات الزواج. وربما كانت الزوجة هي المسئولة عن ذلك التغير بتحول كل اهتمامها لأطفالها وبيتها وإهمال زوجها، وكلما التفت الزوج نحوها وجدها قليلة الاعتناء بنفسها مشغولة بأبنائها وبيتها، وبالتالي يشعر أنه أصبح في مرحلة متأخرة من اهتمامها، وأن الأطفال والبيت أصبحوا محور حياتها، فيولي وجهه خارج المنزل بحثا عن أصدقاء يسدون الفراغ الذي في حياته.

من الزوجات من يمثل الزواج لديها قيمة حقيقية وهدفا ساميا، وبالتالي فإن قدرا كبيرا من الاستقرار يشمل حياتها لمجرد أنها أصبحت زوجة، وهذا يحقق لها إرضاء نفسيا وسعادة حقيقية، ولهذا قد تسترخي إلي الحد الذي قد يبدو في عين الزوج أنه تغير وإهمال وعدم عناية، بينما في حقيقة الأمر هو ليس إهمالا عن عمد ولكنه قدر عال من الطمأنينة، أي ضمان ثبات العلاقة واستقرارها حيث لا يصبح هناك ضرورة للمظاهر الشكلية البراقة ولا حاجة أيضا إلي الإبهار بالعناية بمظهرها ووزنها وأناقتها.
فإذا كانت الزوجة حسنة النية ويقابلها زوج يحمل نفس المشاعر ــ وبالتالي نفس المفاهيم ــ فإنه لن يتذمر من هذا التغير الشكلي، أما إذا كان رجلا سطحيا فإنه سوف يعتبر ذلك إهمالا متعمدا أو نقصا في المشاعر، فيقابل ذلك بالتذمر والشكوى، والأخطر أنه قد يجد لنفسه المبرر للانفلات.
وهناك زوجة أخري ينطفئ وهجها بعد الزواج، وخاصة إذا كانت بذلت مجهودا للحصول علي زوج، فبعد الزواج يصيبها الفتور العاطفي ويتراجع اهتمامها بكل ما يتعلق بقضية الزواج، من اهتمام بالزوج واهتمام بالحياة الزوجية ذاتها ومدي حرصها علي استقرار العلاقة واستمرارها، وهنا لا يكون الأمر شكليا فقط ولكن تتضح نيتها أو اهتماماتها المادية البحتة، أو تقديمها لنفسها على زوجها، أو نرجسيتها، أو تأتي احتياجات زوجها في المرتبة الأخيرة، وهذا يعني في البداية أن الزواج لا يمثل قيمة كبري أو هدفا حقيقيا في حياتها، والزوج قد يستجيب لهذا التغير في شخصية الزوجة إما بالاستسلام أو برد الفعل الحاد الذي قد يهدد العلاقة الزوجية بالانهيار.
وقد تتكشف أشياء عن الزوجة كانت خافية علي الزوج قبل الزواج واستطاعت الزوجة أن تخفيها ويفاجأ بها الزوج بعد الزواج، ويبدو الأمر علي أنه تغير حدث في الشخصية، كالمرأة العصبية والعدوانية والغيورة والأنانية والمادية والنرجسية والأهم من ذلك المرأة غير الملتزمة دينيا.
وقد تمثل هموم الأسرة ومسئولية البيت عبئا ثقيلا على بعض الزوجات بالقدر الذي لا تتفرغ فيه لباقي اهتماماتها وخاصة المتعلقة بالزوج، وهذه ليست ظاهرة طبيعية ولها سبب علمي يعود إلى شخصية المرأة وأسلوب نشأتها، فنحن لم نرب أطفالنا على أشياء مهمة منها: حسن استغلال الوقت، وتقسيمه بين المسئوليات المطلوبة منهم مثل المذاكرة، وممارسة الرياضة، والمساعدة في أعمال البيت؛ حتى تستطيع المرأة بعد الزواج تقسيم وقتها بين عملها وبيتها وزوجها وأولادها فلا تجور مسئولية على حساب الأخرى.
كما يعتبر تدريب الفتيات منذ الصغر على أعمال البيت تدريبا تدريجيا لهن على تحمل مسئولية بيوتهن بعد الزواج، وبالتالي تستطيع القيام بواجبها دون التقصير فيه أو في حق الزوج والأبناء.
أيضا نجد أن تعليم الأولاد المشاركة والتعاون في أعمال المنزل يشجعهم على معاونة ومساعدة زوجاتهم أو على الأقل الاعتراف بالمجهود الذي تبذله الزوجة في أعمال البيت. ولا ننكر أن مسئولية البيت والأولاد الملقاة على عاتق الزوجة كبيرة وثقيلة -خاصة إذا كانت الفتاة لم تتعود دخول المطبخ أو الأعمال المنزلية سابقا- ويزداد ثقلها بعدم تعاون الزوج معها أو على الأقل تشجيعها بكلمات تحمل معنى الحب والاعتراف بمجهودها لتعطيها الدافع للاستمرار في العطاء دون كلل أو ملل.
وإذا حدث العكس .. أي قامت الزوجة بمسئوليتها تجاه بيتها وأولادها، ولم تجد الزوج المتعاون معها بدا عليها علامات التغير، المتمثل في إهمالها لمظهرها وعملها وأحيانا بيتها وزوجها، ويظهر نتيجة التغير نفسيا وجسمانيا.
-  نفسيا: أي ليس لديها الدافع للاهتمام بهندامها ورشاقتها ما دام أنها في كل الأحوال لا تعجب زوجها، ولا تسمع منة كلمة إعجاب أو ثناء على أي عمل تقوم به.
-      جسمانيا: متمثلا في الإرهاق البدني والشكوى من الآلام المتنوعة بالجسم.
ويؤكد علماء النفس أن التغير في شخصية الزوجة عموما يختلف حسب موقفها من الزواج وقدرتها علي التكيف مع الطرف الآخر، فإذا كانت حريصة علي زواجها فإنها ستبذل كل جهد لتكون بالصورة التي يحبها عليها زوجها، أما إذا كانت غير حريصة بالقدر الكافي فإنها ستكون لا مبالية ولن تبذل جهدا في الحفاظ علي صورتها وهيئتها.
إن التغير الطبيعي في شخصية المرأة بعد الزواج يجب أن يكون في اتجاه أنها أصبحت اثنين وليس شخصا واحدا، وامتزاج شخصيتها مع شخصية الطرف الآخر، وهذا يمنحها قوة في مواجهة مشاكل الحياة بأنانية أقل وتسامح أكبر ورضا أعمق، وكل هذا يتوقف علي ذكاء حواء‏,‏ فحين ترضي الزوجة الجديدة عن حياتها فسرعان ما تبدأ مرحلة جديدة لبلورة شخصيتها التي ستقود بها البيت، فتتنازل عن آرائها المتعصبة لتوائم حياتها، والأكثر من ذلك أنها تضطر لتغيير عاداتها، بل وصداقاتها إذا كانت لا ترضي الزوج منعا للمشاكل والخلافات، وقد تجد الزوجة أن لها أخلاقا وصفاتاً وطباعا يكرهها الزوج: كالتدخل في شئون الآخرين أو حب التملك والسيطرة وكراهية هواياته أو أصدقائه، فتبدأ في محاولة المسالمة لتقريب التفاهم مع زوجها، وقد يأخذ هذا بعض الوقت‏.
ومغالبة ما تعودت عليه الزوجة سنوات طويلة يحتاج إلي صبر، حتى يتم تقويم الصفات التي تجعلها في أحسن صورة كما يتمناها الزوج. ففترة الفتاة الحالمة كان لها مذاقها وذكرياتها، لكن الواقع يفرض نفسه علي حياتها فلا تنطوي علي نفسها وتصر علي عدم التغيير، حتى لا تندم علي نهاية حياتها الجديدة سريعا بحجة الكرامة والإصرار علي عدم مواءمة مناخها بمناخ زوجها‏.‏

 

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com


الأربعاء، 12 أكتوبر 2016

إما الحوار وأما خراب الديار





إذا لم يكن بين الزوجين حوار واضح ومباشر، وكلاهما يضمر في نفسه ما لا يستطيع مناقشته مع الآخر، ويعيش متكلماً مع نفسه فقط .. فهذا ضرره وعاقبته على الحياة الزوجية فوق كل تصور، لأنه وبعد فترة من الزمن سيكتشف الزوجان أن كل واحد منهما يعيش خصوصياته فقط لا يشاركه فيها أحد .. بمفرده يأخذ القرار، وبنفسه ينفذه، وتدور في ذهنيهما أسئلة: لمَ تزوجت؟.. بماذا أفادني الزواج؟ وتبدأ الأسرة في التفكك الضمني، حتى وإن بدت في ظاهرها أسرة متماسكة، وقد يصل الأمر إلي أن يجعل كل واحد منهما غرفة نوم خاصة به، وتتطور الحالة إلي تناثر وتشتت تام في السلوك اليومي للحياة الأسرية، وبذلك يصبح في البيت الواحد بيتان منعزلان كلياً عن بعضهما البعض.

الانفصال السلوكي والروحي يقيم بين الزوجين حواجز وسدود تعلوا وتعلوا مع مرور الوقت، ومن أجل تحطيم هذه السدود لا بد أن يكون عندهما قناعة بضرورة الحوار في كل أمر من أمورهما .. يتحدثان عن إيجابياته وسلبياته، وهذا يترتب علي قناعة كليهما معاً، وبهذا تصبح قراراتهما مشتركة، مهما صعبت. ومن المفارقات أن هناك دراسة تقول إن المرأة تتحدث في اليوم (13) ألف كلمة والرجل (8) آلاف، فإن لم يكن بينهما حوار عقلاني فأين تذهب هذه الطاقة الحوارية؟
إنها تذهب إلي حوار نفسي سلبي بالطبع، فعلى رأس هرم السعادة الزوجية يأتي الحوار بين الزوجين، وهذه ليست دعوة للرجال لأن يثرثروا مع زوجاتهم، ولا أن تصم الزوجة آذان زوجها بكثرة الكلام، بل المقصود الحوار البناء الذي يشمل الحديث المدروس في التوقيت المناسب.
قواعد أساسية
·       ضرورة التقدير والاحترام المتبادلين، والبعد عن الألفاظ المبتذلة بحجة العشرة والبساطة وطرح التكلف.
·       التخفيف قدر الإمكان من أشكال اللوم والعتاب، فكثرة العتاب تفرق الأحباب وتوغر الصدور.
·       القدرة على ضبط الزوجين انفعالاتهما والتحكم بأعصابهما أثناء ثورات الغضب.
·   أن يكون باستطاعة الزوجين التنازل والتساهل, وهذا شرط من الشروط الأكثر أهمية بالنسبة لنجاح العلاقات الزوجية.
·       تجنب اللجوء إلى أشكال العقاب الشديد لأن الإنسان الذكي يدرك المقصود بمنتهى السهولة.
·   عدم التسرع في قذف الزوجين كل منهما الآخر, بكلمات قاسية وفظة, بل على العكس يجب أن تستخدم قدر المستطاع كلمات رقيقة وحانية .. إن عبارات المديح والثناء مسألة مهمة جدًا وخصوصًا بالنسبة للزوج الشاب, لأنه أكثر صعوبة في التكيّف مع دوره كزوج مقارنة بالفتاة التي هي أقدر على التلاؤم مع دورها كزوجة, لذا يتحتم على الزوجة الشابة أن تعمل على دفع زوجها ليصبح رب أسرة حقيقيا عن طريق مدحه وتشجيعه, وليس عن طريق إصدار الأوامر والمواعظ والإرشادات التي تقتل لديه الرغبة في فعل شيء.
·   حذار من إطلاق بعض الاستنتاجات والتعميمات التي تتسم بالمغالاة والإطناب (إنك لا تريد أن تفهمني أبدًا, إنك تتصرف دائمًا على النحو الذي تريده, طلبت منك ألف مرة,....) فالتعميمات لا تخرج عن وصف الشريك بالفشل, وهذا من شأنه أن يجرح كرامته جرحًا عميقًا قد لا يندمل أبدًا.
·   عدم كتمان الإساءة وكبتها, فكلما كشف الزوجان عن حالات الصراع الداخلي بصورة أسرع كان تأثير ذلك أقل في بنيان الأسرة. ويجب على الزوجين أن يعملا جاهدين على اتخاذ الخطوة الأولى ليلتقي أحدهما الآخر بهدف المصالحة وإزالة مسببات التوتر التي ولدت الأزمة.
·       الدفاع المنصف عن الزوج أو الزوجة في حال نشوء خلافات مع الأصدقاء والأقارب.
·       عدم كشف الخصوصيات الأسرية أمام الغرباء.
·       عدم التحدث عن عيوب الزوج أو الزوجة أو الأطفال أمام الآخرين.
·   من غير المحبذ لكلا الزوجين توجيه أي ملاحظات بحضور أناس غرباء، لأن هذا قد يسبب جرح لعزة النفس والمشاعر ليس بالنسبة لهما فقط, بل وحتى الأطفال عامة والمراهقين خاصة.
·   الإيمان بخصوصية العقيدة الأسرية، وعدم السماح لأي كان بالتدخل في شئون الأسرة الداخلية ولو كان من أقرب المقربين والأصدقاء.
·       أن يكون باستطاعة الزوجين التفاهم والمساعدة والتغاضي, وهذا شرط مهم جدًا.
قام علماء الاجتماع بدراسة شملت مائة من الزوجات بمناسبة اليوبيل الفضي لزواجهن, وتم توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بأفضل الطرق والاستراتيجيات التي تقوي العلاقات الأسرية وتمتنها, فكانت النتائج أن 75% منهن أشرن إلى أن ما يسلح بنيان الأسرة هو الآتي:
ـ الاستعداد لمساعدة كل منهما الآخر.
ـ العفو السريع.
ــ أن يضع كل من الزوجين نفسه مكان الآخر، ويحاول أن يغوص في عالمه الخاص، ويساعده على فهم ما هو جوهري وأساسي, فقد لا يتمكن أحدهما من رؤية تفاصيل الحياة من منظوره الشخصي.
ــ عدم الاختلاف بسبب أمور صغيرة, وعدم السماح بظهور صعوبات وتعقيدات تولد الصراع, والعمل قدر المستطاع على الإيقاف الآني للخلاف كي لا يتطور متخذًا منحى أشد خطورة, فالإنسان الذكي هو الذي يعمل جاهدًا على وقف الخلاف واجتثاث جذوره.
ــ إتباع سياسة أسرية تتصف بالمرونة والدبلوماسية عن طريق تنشيط المشاركة في المسئوليات الأسرية .. إن المحافظة على توازن الأسرة وتقوية دعائمها مسئولية جميع أفرادها, فلو واجهت الزوجة - على سبيل المثال - صعوبة ما سببت لها الإنهاك في الوقت الذي يقف فيه باقي أفراد الأسرة موقف المتفرج الذي يعطي الإرشادات والنصائح من شأنه أن يؤزم الموقف, ويمهّد لظهور الجفاء والفتور بين الزوجين, ويترك أثرًا سلبيًا عسير الزوال.
ــ أن يرفع دائمًا شعار (لا فظاظة ولا خشونة), وليعلم الزوجان أن لاشيء يحطم سعادتهما مثل الفظاظة والقسوة .. إن الحب الكبير والحنان والملاطفة والرقة والثقافة والمعاملة الراقية مهمة جدًا لبناء علاقات أسرية سليمة.
ــ ضرورة الاتفاق على استراتيجيات وأساليب تربوية واحدة بالنسبة لتربية الأطفال وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة, مثل: عدم تقديم التعزيز الإيجابي (حلوى, نقود...) بعد عقاب الطفل من قبل أحد الوالدين.
 وفي النهاية علينا العمل بقدر المستطاع على أن تكون هذه السعادة متبادلة, وذلك فن راق للتواصل الأسري يمتن أركانها ويحصنها ضد مختلف أشكال التفتت والتفكك والضياع.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com