الثلاثاء، 16 أغسطس 2016

الزعماء الآلهة




قال مصدر بالشرطة الفرنسية إن أميرة سعودية تقدمت بشكوى في باريس، الجمعة 5 أغسطس/آب 2016، لسرقة ساعة يد قالت إن قيمتها مليون يورو (1.11 مليون دولار).
وأوضح المصدر أن الأميرة أشارت إلى أنها تعرضت لهجوم من رجلين انتزعا ساعتها قبل أن يلوذا بالفرار.
هذا الخبر كان متزامنا مع خبر آخر يقول:
ساشا أوباما، بنت الرئيس الأميركي باراك أوباما، تركت رفاهية البيت الأبيض لتجرّب عناء الحياة اليومية الذي يتعرض له المواطنون العاديون في الولايات المتحدة.
وبحسب BBC، فإن الفتاة ذات الـ15 عاماً، بدأت العمل في مطعم لتقديم المأكولات البحرية في مطعم بمدينة "مارثا فينيارد" بولاية ماساتشوست الأميركية، كوظيفة صيفية.
ساشا التي استخدمت اسمها الحقيقي في المطعم "ناتاشا"، صاحبها 6 عناصر من المخابرات السرية، بحسب ما نقل موقع "بوستون هيرالد".
وتظهر الصور بنت الرئيس الأمريكي الصغرى وهي ترتدي زيّ المطعم الموحّد، المكون من قميص وقبعة زرق، وتعمل عند درج النقود.
أحد العاملين قال لموقع "بوستون هيرالد"، إن بنت أوباما كانت تعمل بقسم الطلبات الخارجية.
بجانب عملها في خدمة الطلبات الخارجية، فإن ساشا تعمل أيضاً في تحضير المطعم قبل فتحه، وخدمة الزبائن.
وكما يقولون: «بضدها تتميز الأشياء» فالخبران يشكلان تصور سياسي واقعي عن زعمائنا الآلة في وطننا العربي البائس.
زعماء لا يسألون عما يفعلون وهم يسألون .. زعماء هم كل شيء في الدولة: الدستور والقانون، والمزاج والميول، والشخصية والنفسية.
والمحزن في الأمر، أن كل هذه المميزات والمكتسبات على غير موهبة فذة ولا مكانة علمية ولا حتى ملكات شخصية.
فإذا تتبعت المسيرة الملكية التعليمية والشخصية تجد العجب العجاب.
فأحدهم تقول عنه سيرته الذاتية: (نشأ في كنف والدة) وكأن الوالد أحد أساطين العلم، أو جامعة هارفارد الشهيرة (والتحق في طفولته بمدرسة الأمراء) أي المرحلة الابتدائية (ودرس فترة من الزمن في معهد العاصمة النموذجي) أي أنه فشل في إتمام المعهد (وشرع في أواسط العقد الرابع من عمره في تلقي دروس خاصة باللغة الإنجليزية) الله الله على الرسوخ العلمي والفكري (كما تلقى دروسًا مكثفة في مواضيع متنوعة من السياسة إلى الأدب) .. فهل هذه مؤهلات رجل يقود بلاد ذات ثقل ديني وسياسي.
لكن المفدى كانت همته في كونه زائراً متردداً لمدينة ماريبا الإسبانية منذ سبعينات القرن الماضي، ويملك قصره الخاص حيث كانت ولا تزال هذه المدينة قبلة الكثير من الملوك والأثرياء والمشاهير.
أما قبلة همته الأخرى فكانت في الزواج حيث تزوج 14 زوجة، منها فلسطينية مسيحية وحاصلة على الجنسية البريطانية.
ومنهم من تقول سيرته العلمية: نشأ في كَنَفِ والده!!، واستفاد من مدرسته وتجاربه في مجالات الحكم والسياسة والإدارة والقيادة. تلقى تعليمه على يد عدد من المعلمين والعلماء، وكان تعليمه على طريقة الكتّاب ودروس العلماء وحلقات المساجد وغيرها. وله مطالعات واسعة في مجالات متعددة من المعرفة والثقافة وعلوم الحضارة!!
ومن بعده جاء الذي تلقى تعليمه المبكر في مدرسة الأمراء بالرياض التي كان يديرها الشيخ عبد الله خياط إمام وخطيب المسجد الحرام. ختم القرآن كاملاً وهو في سن العاشرة. وتوج حياته العائلية بالزواج خمس مرات.
ومن الغريب أن هؤلاء قبل تولي الملك كانوا وزراء!! سواء للدفاع أو الداخلية أو التربية والتعليم أو غيرها من المناصب الحساسة في الدولة، ولم يحصل واحد منهم على درجة علمية مرموقة، أو رتبة متخصصة في مجاله القيادي أو السياسي أو العسكري أو الأمني أو التربوي.
هذا في الوقت الذي تجد فيه صلاحياتهم صلاحيات مطلقة بصورة لم يحصل عليها رئيس الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا أو غيرها من الدول ذات الرسوخ الديمقراطي العريق.
أما عن حياة البذخ والترف فإنما تدل على انعدام الرقابة الشعبية، والتلاعب بمصير الدولة الآني والمستقبلي، فضلا عن تبديد ثرواتها الغير متجددة .. وهي حياة كما تتسم بالمبالغة تتسم أحيانا كثيرة بالمجون والاستهتار ممن يفترض فيهم أنهم قادة وقدوة يتحملون عبء القيادة ويصطلون بعنائها قبل أن يتنعموا بخيرها وامتيازاتها.
ومواقع النت طافحة بسرديات هذه الحياة وأحداثها ومجونها، وكأنها أساطير من القرون الوسطى، لكن الأسئلة تتزاحم حول هذه القضية الشائكة:
-      كيف تدار هذه الدول بعقلية القرون البائدة أو القبائل الغابرة، في الوقت الذي يحكم العالم المتحضر دول مؤسسات؟
-      وما علاقة الملوك والأمراء بالمغرب وسر تملك قصور بها؟
-      وما هو سر النجاح في تدجين الشعوب بهذه الطريقة اللافتة؟
-      وهل سيستمر هذا التدجين في ظل التطورات الإقليمية خاصة الحروب الطاحنة وتدني سعر النفط؟
-      ومتى ستدرك هذه النخب أننا صرنا في عالم مفتوح، على الأقل إعلاميا وسياسيا، والكل يتحدث وينتقد ويمتعض، ويطرح رؤياه ويبث شكواه على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من مكونات العالم الرقمي.
-      وأخيرا متى تطرح هذه القيادة الأسلوب العتيق في إدارة شئون البلاد، القائم على تجاهل الشعوب، ويغيروا نمط حياتهم السياسية بالتلاحم مع إرادة شعوبهم وأمانيه، بدلا من ولاءات للغرب أو للشرق.

 

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com



  
        

متى يجلس الغرب مع داعش على مائدة المفاوضات




أسطر هذه الكلمات في الوقت الذي يجري فيه إطلاق نار بأحد المراكز التجارية في مدينة ميونخ الألمانية، في هجوم ينفذه ثلاث مسلحين وعدد القتلى الأولي ستة غير الجرحى، وفق ما أعلنته وكالات الأنباء.
كما تفصلنا عن هذه الحادثة أيام قلائل من هجوم لاجئ بالسكين والفأس الذي أصاب أربعة من ركاب قطار وأحد المارة في ألمانيا.
وقبل أسبوع تحديدا خلف هجوم وقع فجر الجمعة في مدينة نيس الفرنسية، 84 قتيلا من جنسيات متعددة، علاوة على إصابة المئات، وكان المهاجم المنفذ محمد لهوج بوهلال التونسي الأصل، أقدم على عملية دهس للمصطفين على الكورنيش أثناء الاحتفالات الوطنية الفرنسية.
هذا في الوقت الذي صرح فيه الإعلام الغربي مهللا أن تنظيم داعش خسر خلال الشهور الخمس عشرة الماضية، نحو 22 % من إجمالي الأراضي التي كان يسيطر عليها سابقا.
فوفقًا لتحليل صدر مؤخرًا، فقد خسر التنظيم في الفترة بين 1 يناير 2015 حتى 15 ديسمبر من العام نفسه، قرابة 16 % من الأراضي التي سيطر عليها سابقًا. وأشارت تقارير إلى أنه خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، خسر داعش مزيدًا من الأراضي، تقدر نسبتها بنحو 8 %.
كما قال مؤخرا "جون كيري" وزير خارجية أمريكا من العراق: إن تنظيم الدولة خسر أكثر من مائة من قادته، وإنه يعمل على تجنيد الأطفال والزج بهم كانتحاريين في أرض المعارك، وأضاف: "داعش يخسر دون شك الأرض، ويخسر قادة، ويخسر مقاتلين، ويخسر الأموال، وليس مستغربا أن عددا من قادته باتوا يفقدون الأمل".
كل هذه المعطيات الإخبارية مجتمعة تشير إلى أن النصر الأخير للتحالف الغربي على داعش لم يكن نهاية المطاف ولا الفصل النهائي في المعركة كما أوهمنا الإعلام الغربي عندما طبل وزمر لهذا التقدم الذي صورة بأنه ساحقا ماحقا، وأن "عددا من قادة داعش باتوا يفقدون الأمل" بحسب وصف جون كيري.
كما أن هذه المعطيات تشير إلى أن داعش تلقى الصدمة وغير التكتيك الحربي، وإن كان قد انسحب من بعض الأرض إلا أنه تمدد في قلب أوروبا، وهذا أخطر وأبشع، لأن نقل المعركة إلى قلب بلاد الخصم أفتك لشعبه وأحرج للقيادة السياسية وأقلق للجماهير التي ربما تمارس ضغوطا على قيادتها لا يمكن التنصل منها أو تجاهلها، فضلا عن تخلخل البنية الاقتصادية والاجتماعية.
وبعيدا عن الضجيج الإعلامي لا يمكن تجاهل قلق الغرب من طبيعة المقاتلين من تنظيم الدولة الذي يختلفون جوهريا عن الضحايا العربية التقليدية.
فقد قالت صحف أميركية إن الشرطة البلجيكية عثرت على دليل يشير إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية يسعى لإنتاج قنبلة إشعاعية "قذرة"، وعلقت إحداها بأن هذه هي المرة الأولى التي يتأكد فيها سعي التنظيم لهذه القنبلة.
وأوردت مجلة فورين بوليسي وصحيفة واشنطن تايمز أن الشرطة البلجيكية أثناء تفتيشها منزل مشتبه في الانتماء إلى تنظيم الدولة عقب هجمات باريس العام المنصرم، عثرت على أفلام لمراقبة أحد كبار الباحثين بمركز نووي بلجيكي ينتج نسبة كبيرة مما ينتجه العالم من "النظائر المشعة"، بالإضافة إلى مراقبة أسرته أيضا.
وأشارت إلى أن الشرطة تشتبه في أن أفراد تنظيم الدولة كانوا يرغبون في أخذ الباحث أو أفراد أسرته رهائن من أجل الحصول على مواد نووية.
وقالت واشنطن تايمز: إن احتمال الحصول على مواد نووية بهذه الوسيلة أمر يثير القلق، نظرا إلى أن هناك مئات الآلاف من المباني الخاصة بذلك حول العالم في المواقع الطبية والصناعية التي لا تتمتع بحماية كافية.
كما رأى مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية جون برينان بهجمات باريس وبيروت وإسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء أولى نتائج حملة لتنظيم الدولة الإسلامية. وقال: إن لجنة في التنظيم تخطط وتضع الأهداف، وتدرب وتمول، لكنها تترك للمنفذين اختيار التوقيت والمكان والأسلوب.
بل خلفت المجموعات الجهادية المسلحة بصماتها على المشهد الأمني في أوروبا وأميركا الشمالية وأفريقيا خلال العام 2015 تاركة الأجهزة الأمنية لدول -كفرنسا وبلجيكا- في حالة استنفار أو تعقب اتخذت أحيانا طابعا دمويا، وفي حالة بلجيكا تم إنزال وحدات من الجيش إلى الشوارع.
إذن العدو اليوم مختلف، ولابد لصناع القرار الغربي أن لا يتجاهلوا هذه الحقيقة، فالزمان تغير، والعناد والغطرسة القديمة ربما لا تخلف اليوم إلا مزيدا من الأشلاء والدماء، بل ربما ستكون الفاتورة باهظة بصورة لم يتعود عليها عالم الكبار الغربي.
أنا لست داعشيا، ولا أفرح بالدماء المسالة في غزة والعراق وسوريا واليمن وبورما وفرنسا وألمانيا وأمريكا، فالدماء دماء، والأبرياء أبرياء مهما اختلفت الديانات والجنسيات.
ولكنه الأفق الغربي الضيق المتغطرس، الذي لا يكف عن آلاف الألوف من الطلعات الجوية التي دكت مدن بأكملها، وتوريد أطنان الأسلحة إلى المناطق الملتهبة، وإنفاق المليارات من الدولارات لإنتاج المزيد من المفقودين والمشردين واللاجئين، ولم تحل المشكلة، بل وتطاير الشرر إليها رغما عنها.
ويلخص الأستاذ عبد الباري عطوان المشهد بقوله: أولويات تتغير في غضون أشهر من النقيض إلى النقيض، وحكومات "تتوب" وتغير مواقفها فجأة عندما ينقلب سحرها عليها، ويبدأ الإرهاب يضرب في عمق مدنها، ويحصد أرواح مواطنيها، ويدمر اقتصادها وأعمدته، ودول عظمى تغير حلفاءها بين ليلة وضحاها، مثلما تغير تكتيكاتها واستراتيجياتها، وفي مثل هذه الأجواء والتقلبات، علينا أن نتوقع امتداد هذه الفوضى إرهابا في الغرب ومدنه وعواصمه.
لقد صدعنا الساسة بالحديث عن البراجماتية السياسية، وأن السياسة لا تعرف سوى لغة المصالح، وأن الغرب يتعامل مع الشرق وفق أجندة المكسب والخسارة ... وأن، وأن
فهل من عاقل غربي يحمل قومه على لغة أخرى غير هذه اللغة العقيمة العفنة، وهل من قيادي متعقل يصغي لمشاكل الشرق الأوسط بعين الإنصاف، وهل من قلب غربي يتألم من مناظر الدماء والأشلاء.
لابد للعالم السياسي أن يتغير، ولابد من حلول منصفة وعادلة للجميع، ولابد من تبني أجندة محايدة تتبنى سياسة «التعايش السلمي» حقيقة لا شعارات جوفاء يرددها الساسة أمام الكاميرات.
لابد للضمير العالمي أن يستيقظ، ولرجال الدين أن يتحركوا يأخذوا على أيدي السفهاء من بني جلدتهم، لابد من تخلي الغرب عن النظرة الاستعلائية تجاه الإسلام والمسلمين، ولابد من تبادل الرحمات كما تتبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية.
لابد ولابد .. والحلول كثر
والخلاصة أنه لابد من سلام عالمي حتى لو اضطر الغرب للجلوس مع داعش على مائدة المفاوضات
وتذكروا جيدا
أنا لست داعشيا، ولكني قلب عاقل يتألم لما يجري

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com


  

الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

استفهامات حول مصطلح «الإرهاب»


رغم الفشل في تعريف مصطلح «الإرهاب» إلا أن الكل يحارب الإرهاب .. أصحاب الفضيلة وأصحاب الرذيلة، الديمقراطيون والدكتاتوريون، العالم الحر والعالم العبد!!
ورغم أن زعيم كوريا الشمالية يناكف السيد الغربي إلا أنه لم يوصف بالإرهابي يوما ما .. بل إن كاسترو خصم أمريكا اللدود لم يوصف بالإرهابي، ولا حتى هتلر الذي أباد اليهود لم يسعده أعدائه بمنحه لقب إرهابي!!
في بورما تتم إبادة جماعية ممنهجة لمسلمي الروهينجا ولم يبد العالم أي امتعاض ولا حتى بنكهة إرهابية، وفي الصين تمنع السلطات المسلمين من إقامة شعائرهم التعبدية حتى في رمضان والأمين العام للأمم المتحدة لم يبد حتى انزعاجه من وضع الحريات العامة في الصين، والمحاكم الغربية تصدر أحكامها بمنع الحجاب رغم تأكيد أحكامها وتشريعاتها على احترام الحريات الشخصية للمثليين والشواذ!!
لا تتحرك أساطيل الدول الكبرى إلا لمحاربة الإرهاب، ولا تقلع الطائرات الحربية الغربية إلا لدك معاقل الإرهاب، ولا تقدم المعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجستي إلا لوأد الإرهاب .. هذا العدو الخفي الذي يتخيل ملامحه ومواصفاته صناع القرار كل وفق حساباته ومصالحه.   
بل تستطيع بعد رؤية واقعية للأحداث الجارية أن تحصر ازدهار مصطلح الإرهاب في منطقة الشرق الإسلامي أو ما يسمونه «الشرق الأوسط».
أما الشيشان وطالبان والبوسنة والهرسك فيمكن أن تضفي لتعريف مصطلح الإرهاب مسحة إضافية تأكيدية بأنه ذو طابع وصبغة إسلامية، أو على الأقل أن كل مسلم قابل لأن يكون إرهابيا.
خراب العراق وأفغانستان وعدد الضحايا المهول لا يوصف بالإرهاب، بل السياق التاريخي يحدثنا أن الحكومات الغربية قد استخدمت المسيحية لمآرب سياسية وغزوات استعمارية وحملات صليبية وإبادة جماعية، بل إن فتكها بشعوب الأرض لا يعادله ظلم في تاريخ العالم كله، ومع ذلك لم توصف المسيحية يوما بالإرهاب.
حدث ولا حرج عن إلقاء القنبلة النووية على هيروشيما ونجازاكي عام 1945 الأمر الذي أدى لوفاة ما يقرب من 150 ألف شخص، ومع ذلك لم يعتذر الرئيس أوباما خلال زيارته الأخيرة لمدينة هيروشيما.
وخلال حرب فيتنام، قامت الولايات المتحدة برّش 12 مليون جالون من العنصر البرتقالي (مبيد أعشاب سام) على مناطق في فيتنام وكمبوديا ولاوس، لرفع الغطاء عن الفيتكونج (الحركة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام) ومقاتلي شمال فيتنام، ومن أجل إبادة المحاصيل الزراعية أيضًا، ومنذ ذلك الحين، قدرّ الصليب الأحمر في فيتنام أن حوالي مليون شخص يعانون من الإعاقة أو مشاكل صحية بسبب التعرض لهذا المبيد السام، فهل يجرؤ أحد على وصم أمريكا بالإرهاب.
ومن نافلة القول أن التقارير تشير إلى أن 120 مليون دولار تنفق سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية لصناعة الإسلاموفوبيا، بمعنى أنها صناعة وليست ظاهرة، والتمويل يأتي من المنظمات الصهيونية واليمين المسيحي المتطرف [وليس الإرهابي]، فمصطلح الإرهاب حكرا على المتطرفين الإسلاميين وحدهم .. ومحور التهمة يدور حول فكرة أن داعش وأمثالها ليست هي الإرهاب بل المسئول عن ذلك الإسلام نفسه بما حوت نصوصه من حث على العنف ودعوة إلى قتال الآخرين.
ويشير تقرير صدر مؤخرًا عن مؤسسة فريدوم هاوس أنَّ رُهاب الإسلام المتنامي في أوروبا يهدّد الديمقراطية. هذا التقرير قدّم صورة قاتمة لحالة القيّم الليبرالية في أجزاء من أوروبا، وسلّط الضوء على عدد من الاتجاهات المقلقة في 29 بلدًا في أوروبا الشرقية والوسطى، وكذلك دول الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى.
وعلاوة على ذلك، وجدت دراسة أجراها مركز «جالوب» عام 2015، أنَّ 38 % من الأمريكيين يرفضون التصويت لمرشح مسلم “مؤهل تأهيلًا جيدًا” لرئاسة الولايات المتحدة. كما أظهر العديد من البريطانيين موقفًا مماثلًا عن طريق التعبير عن وجهة نظرهم بأن الإسلام هو"تهديد للديمقراطية الليبرالية الغربية".
ولمصطلح الإرهاب سمة انتقائية، فبشار الأسد لا يندرج في قوائم الإرهابيين، بل في مقابلاته الإعلامية الأخيرة ينفي أنه طاغية بل محارب شجاع يدحر الإرهاب في بلده، وهذه التصريحات تروق للمجتمع الغربي، لذلك عقبت افتتاحية جريدة التايمز على مقابلة إعلامية له مع أحد القنوات الفضائية بالعنوان «أكاذيب صريحة» .. وقالت: إن هدف الأسد من المقابلة هو إقناع أصحاب الذاكرة القصيرة في منطقة تموج بالعنف بأنه هو الزعيم الذي يمكن للعالم الأوسع أن يتعامل معه.
فيا عقلاء العالم أفيدونا تحديدا:
ما هو الإرهاب؟
ومن هو الإرهابي؟
       

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com



رجل ليس من كوكب آخر


في حواره الأخير مع جريدة «المصريون» بعد خروجه من المعتقل، طرح الدكتور الأزهري (محمود شعبان) رؤيته الإسلامية لما تمر به الأمة من أزمة طاحنة، بل ومستعصية في الحل على ما يسمون أنفسهم بالنخب أو العاملين في مراكز البحوث الإستراتيجية العربية الذين بهرونا بألقابهم، وأردونا إلى ما نحن فيه بمقترحاتهم وأطروحاتهم.
رؤية الشيخ محمود شعبان رؤية عالم رباني .. رؤية بصيغة إسلامية نقية لم نتعودها من نخب العلمانيين والاستراتيجيين والمفكرين والحداثيين والليبراليين والقوميين والبعثيين .. الذين صدعونا بزبالة أفكارهم، ومسخونا إلى «أذناب» للشرق أو للغرب، نتسول منهم سلاحنا ودوائنا وغذائنا وسائر شئوننا، في ظل حكومات الملك المفدى وجلالة السلطان وفخامة الرئيس.
يمتاز طرح الدكتور شعبان بمزج المنظومة الدينية والأخلاقية بأي عملية سياسية تنشد الإصلاح، وهذا المزج حتمي وليس من قبيل الرأي الشخصي، لأنه مدعم بنصوص الوحي الشريف المعصوم من الخلل والذلل، كما أنه مزج مصيري أبدي وليس مرحلي، حيث يلخص -حفظه الله- الأزمة في سرد طاهر وعفيف وصريح، فيقول:
"مصر في حالة حرب مع الله، فدولة قائمة على القروض الربوية وقد أمر الله بالانخلاع من الربا، ثم قال بعدها: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}، فهل تطيق أمة حرب الله عز وجل؟ الإجابة لا.. مصر الحاصلة على المركز 139 من بين 140 دولة في جودة التعليم لم ير رئيس جامعة القاهرة سببًا لتدهور التعليم في مصر سوى النقاب، فحرَّم وجرَّم النقاب في الجامعة، والعُرى والإباحية ليسا مرفوضين لأنهما من باب الحرية، أما المنتقبة فمحرومة من الحُرية بعيدًا عن شرعية النقاب وأنه شرعة العلي الوهاب أين المتشدقون بالحرية؟
عشرات الآلاف في السجون، وخلف كل واحد قصة من المظالم والحقوق الضائعة، والبنات اللائي اغتصبن والأرواح التي أزهقت .. هذا الإفساد الذي حدث يقول إننا في حالة حرب مع الله الذي قال: {إن الله لا يصلح عمل المفسدين}، وقال: {إن الله لا يهدى كيد الخائنين}، وقال: {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} الآيات من سورة يونس ويوسف ويوسف تباعًا، تمثل سنة كونية وقاعدة ربانية .. فعمل المفسدين لن ينصلح، والله إذا أراد أمرًا يسر أسبابه، والعجيب أن الآيات الثلاث أتت في سياقات تتحدث عن مصر؛ فالآية الأولى قالها سيدنا موسى لسحرة فرعون في مصر، والثانية قالتها امرأة العزيز بعد اعترافها بأنها التي راودت يوسف عن نفسه، وبينت أن الله لا يهدى الخائنين، وكان ذلك في مصر، والثالثة كانت تعليقًا على ما أراده الله من الخير لسيدنا يوسف بعد ما فعله إخوته طلبًا للخلاص منه، لكن العزيز قال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا، أتت الجملة تعليقًا على ذلك لبيان قدرته وحكمته سبحانه.
وإراقة الدماء واستباحة الأموال والأعراض وكثرة المظالم في السجون كل ذلك إفساد وليس إصلاحًا، وربنا أخبر أنه لا يصلح عمل المفسدين، والذين يظنون أن القوة العسكرية البشرية والقبضة الأمنية الغاشمة تكفى لحكم الناس بالحديد والنار واستمرارهم في قيادة الأمة، تأتى الآية الأخيرة تخبرهم بأن الله غالب على أمره ولن يعجزه أحد من خلقه مهما كان قدره وقدراته".     
ثم لا يتجاهل الدكتور محمود شعبان دور المنظومة العقدية والتربوية في رسم سبيل النجاة، فيقول بارك الله فيه:
"وانظر إلى فتوى حرمة المجاهرة بالفطر في نهار رمضان، والحرب المستعرة على الأزهر ورجاله ودار الإفتاء، والمقالات التي كتبت تحذر من «أسلمة مصر» تدرك أننا في حالة حرب مع الله؛ فالغرب للأسف يبحث عن أخلاق الإسلام وتربوياته، ونحن أبناء الإسلام نحاربه، وانظر إلى وزير الأوقاف الذي جعل درس القيام سبع دقائق بحد أقصى عشر دقائق، والخطبة ثلث ساعة بحد أقصى ومكتوبة وتقرأ من الورقة، والاعتكاف بالبطاقة وبإذن الأمن، وانظر إلى كمَّ الدعاة والقُراء الممنوعين من الخطابة والإمامة وتجريف منابع الدعوة تدرك أننا في حالة حرب مع الله.
وانظر إلى رمضانهم الذي يريدونه ومسلسلاته وأفلامه وانظر إلى مئات الملايين إن لم يكن المليارات التي أنفقت ليخرج المسلم من رمضان كما يريدون، وانظر إلى عدد مشاهد السجائر والمخدرات والعُرى والرقص والجنس والخيانة، فأنا أتابع ذلك من خلال جرائد مصر وحديثها عن ذلك الذي رفضوه هم ورأوه كثيرًا خرج من حد الاعتدال إلى الابتذال عند أهل الفن أنفسهم، وسل عن علة سكوت الأزهر والأوقاف عن هذا، في وقت الشجب والاستنكار في أماكن أخرى وسياقات أخرى".
أما عن السياسية الخارجية فيذكرنا الدكتور بالخطوط الحمراء التي لا ينبغي أن نتجاوزها تنكرا لعقيدتنا ومقدساتنا، وخاصة «العلاقة مع الصهاينة» التي علت موجة التطبيع معهم -بضغط الصهاينة العرب- في هذا العصر أكثر من غيره، يقول:
"انظر إلى حالة العداء بيننا وبين دول عربية وإسلامية، وحالة الود والصداقة بيننا وبين إسرائيل التي احتلت أرضنا واغتصبت ودنَّست مقدساتنا، تدرك أننا في حالة حرب مع الله".
والدكتور أيضا محاورا متمكنا، يسعفه رسوخه العلمي في دحر خصوم الطرح الإسلامي، فيقول:
"انظر إلى منسوب البحث والعلم ظلمًا وزورًا، وهو لا يجيد أن يقرأ في كتاب الله، ولا أن يفهم كلام السلف، انظر إليه وهو يهاجم القرآن والسنة والتراث الذي دار حولها من كتب التفسير والحديث من أئمة الدنيا، وانظر إليه وهو يكذب على الله في حلقاته، وينفى أن التوراة حُرّفت، ويقول هذا باطل فالتحريف كان في المعنى فقط بحيث يفتون الناس على خلاف ما أمر الله، ويشرح قوله تعالى: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه} يشرحها خطأ، ويتناسى جاهلاً ومُدلسا قوله تعالى بعدها: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيدهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}
وبعد كذبه على الله، وجرأته على تراث السلف الذي يريد أن يلغيه بجرة قلم، وبعد السب والشتم لتراث المسلمين الذي لم يفهم منه قليلا ولا كثيراً لضعف الآلة العلمية عنده، وبعد الحكم عليه قامت الدنيا ولم تقعد دفاعًا عنه، وصنعوا منه بطلاً، وبدأت الدنيا تتباكى على الحرية، وفى السجون عدد لا يعلمه إلا الله من أهل العلم والدعوة والعمائم التي كانت تقوم لها الدنيا احتراماً وإجلالاً، هؤلاء في السجون لا يسأل عنهم أحد ولا يرثى لهم أحد لأنهم قالوا كلمة حق".
أما عن المأساة التي تمر بمصر فيلخص الدكتور المشهد بقوله:
"وحينما تقرأ قول الله: {ومن قُتل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً} من الذي وعد المظلوم بالنصر .. إنه الله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن ربه في الحديث القدسي إنه قال عن دعوة المظلوم: (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)، وحينما تقرأ قول الإمام ابن تيمية: «إن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، لأن الدنيا تقوم بعدل وكفر، ولا تقوم بظلم وإسلام» تدرك ساعتها حجم الواقع الذي نحياه والمظالم التي أصبحت عنوانًا لخلق الله؛ فإننا نحيا ظلما وحربًا على الله يستحيل معه أن تنهض أمة أو تتقدم خطوة".
والله ما أجمله من طرح، وما أجله من فكر استنار بنور القرآن والسنة، حتى باتت كلماته ليست فقط وصفية بل تمتزج بالخطوط الإصلاحية الواضحة النيرة، وباتت كلماته وكأنها معالم على الطريق يبصرها بقلبه من استنارت بصائرهم، ولا يراها من أغلق الله تعالى مدارك فهمه وطمس نور بصيرته، فمن كلماته الرائعة:
- فما أراه أن الله لن يُمهل الظالمين أكثر من ذلك، فهو يُمهل ولا يُهْمل، ويُملى للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته؛ فالظالم زائل لا محالة، والباطل مدحور، والحق منصور كيف؟ لا أدرى، لكنى أدرى أن الله على كل شيء قدير. 
- إن أمةً أكبر مصائبها أنها تحارب الله لابد لها من الصلح مع الله بالتوبة إليه والاستقامة على شريعته، فلا حل لمصر إلا بشرع الله، بل ولا حل لمشكلات العالم كله إلا في شريعة الله.
- الإسلام دين ودولة وهو صالح لكل زمان ومكان ولا حل لمشاكلنا إلا بالإسلام.
- الحل في شرع الله بالقصاص ممن سفك دماً حراماً، فإن عفا أهل الدم تحولنا للدية لأهل القتيل.
- إنهاء حالة العداء والكراهية المتبادلة بين فصائل المجتمع، وذلك لن يكون إلا بالعدل الحقيقي الذي أمر به الله.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com