الخميس، 29 سبتمبر 2016

المرأة الرجولية ورطة زوجية




«المرأة الرجولية» تختلف تماما عن المرأة المسترجلة، فالفارق بينهما بعيد والاختلاف مديد، فالمرأة المسترجلة امرأة تتكلف الرجولة وتعاند فطرتها سواء بالملبس أو سائر التصرفات الذكورية المصطنعة، فهي معنية بتحوير ظاهرها بالدرجة الأولى وتمثيل دور الرجولة رغما عن أنوثتها الدفينة.
أما «المرأة الرجولية» فهي على العكس تماما .. إنها أنثى الظاهر بالدرجة الأولى لكن جبلتها الباطنة أقرب للرجولة منها للأنوثة، وهي لا تتكلف تلك الطباع الخشنة التي تتسم بها، بل إنها سليقة في كينونة شخصيتها التي تتشابه إلى حد كبير بشخصية الرجال.
فظاهر «المرأة الرجولية» يفيض أنوثة، فهي ليست بالضرورة تمتلك ملامح رجولية بل بالعكس تتفاوت في الجمال الأنثوي كتفاوت سائر النساء، بل قد تكون باهرة الجمال فائقة الرونق بهية الطلعة وضيئة البشرة ممشوقة القوام لكن مع طول العشرة تتكشف المواقف والتصرفات عن طبيعة ذكورية غريبة قد تكره بسببها الجمال والجميلات!
ومن هذا المنطلق فلا يمكن الاستدلال على المرأة الرجولية إلا بالمعاملة وامتداد العشرة، وبالتالي فالزوج هو المصطلي الأول بنار هذا النوع الخشن من النساء.
وأخص ما تتسم المرأة الرجولية هي «الإعاقة العاطفية» فهي لا تمتلك المشاعر الرقيقة ولا العواطف الجياشة التي تتسم بها كافة النساء، لذلك فهي ابتداء لا تندفع نحو الزواج بوازع من رغبتها في سكن الحياة الزوجية ومودتها ورحمتها، بل الزواج عندها مرحلة اجتماعية ومحطة عمرية ينبغي أن تحل بها، وعلى أسوأ التقدير هو نوعا من الاقتران الاجتماعي أفضل من وحدة العنوسة ونظرات المجتمع التي لا ترحم.
إن الزواج عند «المرأة الرجولية» عادة اجتماعية بحته لا علاقة لها بالعاطفة لا من قريب ولا من بعيد، وعلى ذلك فهي تتململ من أبيات شعر كتبها الزوج المحب في مغازلتها، وتنظر لهديته على أنها نوعا من المكسب المادي لا تعبيرا عن حبه وأحاسيسه، والطامة الكبرى لو كان الزوج رومانسيا في مشاعره لأنها ترى كل تعبير عن عواطفه نوعا من المراهقة السلوكية والحماقات العاطفية التي من المفروض أنههما كبرا عليها ولا تليق بهما.
والمرأة الرجولية في بيتها لا تتذوق الجمال ولا تستشعر لغة الألوان، فلا تهتم باللمسات الديكورية البسيطة في أركان بيتها والتي تحوله إلى جنة غناء، بل الجمال عندها في كل ما غلا ثمنه من قطع الأثاث والمفروشات، لذلك فهي ليست معنية بباقة ورد تزرعها في شرفة غرفتها، ولا تتحرك همتها كل فترة لتغيير ترتيب الأثاث ليضفي على البيت نوعا من التغيير المريح الكاسر لملل المظهر الروتيني الذي تعودت عليه العين صباح مساء، فهي أقرب ما تكون بعاملة النظافة التي تهتم بالقضاء على الوسخ وترتيب المبعثر لا أكثر ولا أقل.
أما لغة التزين فهي لغة لوغاريتمية صعبة لا تفقهها ولا تريد أن تفك طلاسمها، فأقصى الزينة عندها هي النظافة الشخصية، وهي غير معنية على الإطلاق بالتفنن في اختيار ملابسها على أساس ما يحبه الزوج وما لا يحبه، ولا تكلف نفسها في رحلة التسوق أن تعرج على محل عطور لتشتري عطر أخاذ ينعش بيتها ويبهج زوجها، وصندوق المكياج لديها لا يفتح إلا في المناسبات العائلية عند حضور عرس أو مناسبة عائلية سارة.
والمرأة الرجولية جريئة مقدامة لا تهاب المواقف الصعبة ولا تذرف الدمع إلا في النادر جدا، ففي المطبخ قد تذبح الطيور بكل شجاعة ولا تخاف من منظر الدم أو هيئة الذبح، وتتعامل مع جروحها بنوع من الثبات عكس سائر النساء .. تغسل الموتى، وتتبوأ المناصب الصعبة في وظيفتها، وتختار من التخصصات المهنية ما يتردد فيه أعتى الرجال.
أما حديثها فيتسم بالحدة والصرامة، وحواراتها خشنة تعطيك إحساس أنك تحاور قائد حربي تربى على الجدية، حتى أطروحاتها ومقترحاتها تتسم بالحزم وربما الشدة والعنف أحيانا لا كما هو معهود عند سائر النساء من تغليب لغة العاطفة على لغة العقل.
والمرأة الرجولية قوية الشخصية مولعة بالقيادة بدرجة كبيرة، فكل تصرفاتها لا تذعن للزوج برأي ولا قرار، فهي التي تقرر وتأخذ زمام المبادرة في كل موقف، وأمام عنفوان تصرفاتها واندفاعها تذوب شخصية الزوج .. إنها -مثلا- تتعامل مع مشاغبة أطفالها بالردع المؤلم لا بالصراخ والتهديد بعقوبة الأب عند عودته كعادة الأمهات، وتتصدر لمشاكل أبنائها بنفسها سواء في المدرسة والنادي وسائر المجالات، وتتقمص دور كبير العائلة المعني بحل مشاكل الأخ والأخت والخال والعم.
إن مشكلة المرأة الرجولية أنها امرأة فقدت أنوثتها لكن في الوقت ذاته هي غير متحسرة على هذا الفقد وبالتالي فهي لا تحاول استعادتها ولا ترميمها، وتلك النوع من الزوجات «ورطة زوجية» بكل ما تعنيه الكلمة، خصوصا إذا ارتبطت بزوج قيادي أو قوي الشخصية فهنا تتصارع الأدوار ولا يجد الزوج في زوجته السكن الذي ينشده ولا الطاعة التي يبتغيها ولا دفء العلاقة الزوجية التي كان يحلم بها في شريكة العمر، وهذا النوع من الصراع غالبا ما ينتهي بالانفصال أو العيش على مضض، وحينها تتنكد حياة الزوج المسكين الذي يحسب ألف حساب لبيت سيهدم وأطفال أبرياء ستدفع الثمن، فيدخل بتضحيته في الاستمرار معها إلى حالة من «السكون الزواجي» وتمر أيامه وما شعر بالسعادة الزوجية التي يتحدث عنها البعض وترويها الأفلام والمسلسلات.
لكن المرأة الرجولية ليست كلها مساوئ بل يظهر دورها الإيجابي عند غياب الزوج بسفر أو فقده بموت أو انفصال .. هنا تبرز المرأة الرجولية كشخصية المرحلة، وبجسارتها في مواجهة المواقف تستطيع أن تقود الأسرة ببراعة منقطعة النظير حيث تتقن مسئولية الأب والأم في نفس الوقت، وتشعر جميع أفراد الأسرة أنه لا يوجد أي نقص أو فجوة من غياب الأب.
إنها حالة فريدة من النساء ونمط غريب من الزوجات في دور مقلوب وأحاسيس معكوسة وصلابة في غير موضعها، وهي في حقيقتها نوع من الأزمات الزوجية الدفينة التي لا يبوح بمرارتها الزوج المسكين وتتأوه نفسه بالحسرات على غياب الدفء العاطفي وإلى الله المشتكى.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com
  


  

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016

أخونة أم عسكرة




من الطبيعي جدا في اللعبة الديمقراطية –كما يسمونها- أن تفرض الكتلة المنتخبة شعبيا أيدلوجيتها ورجالها على مفاصل السلطة، ذلك لأنها تحمل أجندة سواء كانت يمينية أو يسارية، وتريد أن تطبقها أملا في الوصول لرفعة البلاد وراحة العباد، ولو حتى وفق منظورها بغض النظر عن كونه صوابا أو خطأ.
وعموما ستنجلي الأمور بعد حين، والمحاسبة الشعبية ستكون عسيرة، وربما لاحقت أذرع القضاء هذه الرموز المنتخبة حتى ولو بعد تركها لكراسي السلطة، وكم سمعنا -في الغرب خاصة- عن محاكمة رئيس دولة أو رئيس وزارة بعد فترات طويلة من تركه منصبه بتهم فساد أو استغلال منصبه.
من هذا المنطلق كان في الأمر سعة، وكان التوجه الحكومي لا غضاضة فيه، وبات معلوما لدي المختصين والمثقفين أن الأخونة أو العسكرة –كما في النموذج المصري- ليست عيبا أو تهمة أو رذيلة كما صورها الإعلام المأجور إبان تولي الرئيس الإخواني محمد مرسي.
لقد صور الإعلام وقتها الأخونة كارثة ستأتي على البلاد والعباد، في حين هو الآن يغض الطرف عن العسكرة ولا يراها إلا حلا منطقيا باعتبار أن رجال المؤسسة العسكرية مشهود لهم بالضبط والربط كما يقولون، رغم أن التحقيقات لم تثبت أي تهمة فساد للإخوان، ولم تكشف عن حادثة رذيلة لإخواني واحد من عهد الرئيس السابق محمد مرسي، وكل تهم الفساد كانت لمحسوبين على نظام مبارك الذين عادوا بقوة بعد الإطاحة بمرسي.
عموما هذه الفسيفساء الوزارية التي تتولى مهام الأمور تجمع في طياتها تناقضات مقلقة للغاية، فرئيس الوزراء مدني والوزراء يتنوعون بين المدني والعسكري، وهذا يثير تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين من يحكم من، وهل الجنرال العسكري سيكون بنفس الطواعية لقرارات رئيس الوزراء المدني، بل هل من الممكن أن يستدعي مجلس الشعب الوزير الجنرال ويقوم باستجوابه، وهل سيجرؤ الإعلام على رصد سقطات الجنرال الوزير، وأخيرا في حالة تورطه بفساد هل سيحاكم أمام محكمة عسكرية أم مدنية.
وإن كانت الأيدلوجية القائمة على انضباط المؤسسة العسكرية ونزاهتها، فلماذا لا تكون الحكومة كلها من رئيس وزراء ووزراء عسكريون ونخرج من المأزق الاقتصادي الذي تمر به البلاد، خاصة وأن المواطن البسيط لا يهمه سوى الانجازات وهدوء الأحوال المعيشية، لكن أن تكون وزارة مدنية كلما سقط منها وزير في براثن الفساد أو الفشل استبدلناه بوزير عسكري فتلك سياسة ترقيعية ستطيل أمد الإصلاحات.
كل هذا الطرح السابق كان من وجهة نظر المنظومة الديمقراطية، لكن قواعد الدين والخلق والعقل والمنطق والتاريخ والتجربة لها وجهة نظر أخرى.
فشرط العدالة ركيزة فيمن يتولى أمر العباد على كافة المستويات .. العدالة في الدين والخلق، والعدالة في حسن السيرة والسريرة، والعدالة في نبوغه في تخصصه.
فلا خير فيمن لا يقيم حق الله في سلوكه وخاصة نفسه، ولا خير فيمن لا رجاحة في عقله ودماثة في خلقه، ولا خير فيمن كان فظا غليظا، ولا خير فيمن لا يحسن التخصص الذي سيتولى أمره.
قال تعالى:
{وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}[الأعراف:142] {إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس:81] {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة:64] {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}[الأعراف:103]
وانظر إلى قول العبد الصالح النبي شعيب عليه السلام لقومه: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود:88]
إن الحل لا في الأخونة ولا في العسكرة .. الحل يبدأ برد المظالم، وأداء الحقوق قبل سؤال الغلابة عن الواجبات، ونشر العدل بين الناس حاكميهم قبل محكوميهم، وتبني الكفاءات العدول، وتوقير العلماء وإقصاء السفهاء.
متى يعلم الجميع أن إقصاء سنن الله تعالى في خلقه نوعا من العبث والجنون.
متى يدرك الجميع أن الدماء البريئة التي أريقت، والحشود القابعة في السجون عقبة كئود أمام الإصلاح.
متى يتفطن الكل أننا أبناء وطن واحد لا فضل لأحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، وأن شيطنة فصيل على حساب فصيل يجرنا للخراب.
متى نفهم أن النهضة معجون متماسك بين الشعوب وقادتها.
متى نجد مخلصون يرثون لحالنا، وينتصرون للحق مع من كان.

د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com