الجمعة، 21 فبراير 2014

الاستقامة سبيل السلامة


"أعظم الكرامة لزوم الاستقامة" كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فالاستقامة منهج جليل ومعنى نبيل، وطريق واضح قويم، وهي أقصر السبل للحق المبين.
والاستقامة من المعاني الجليلة الجامعة كالبر والمروءة والإحسان والمعروف .. لذلك نجد تعريفاتها تتنوع  فقال عمر -رضي الله عنه-: "أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب". وقال الربيع بن خيثم رحمه الله: "الإعراض عما سوى الله". ولكي لا يأخذ البعض هذه المفاهيم ويجنحوا للتكلف والتشدد نجد شيخ الإسلام الهروي رحمه الله يعرفها بقوله: "الاجتهاد في اقتصاد".
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: إن معاذ بن جبل أراد سفراً فقال: يا رسول الله، أوصني؟ قال: (اعبد الله لا تشرك به شيئاً). قال: يا رسول الله، زدني. قال: (إذا أسأت فأحسن). قال: يا رسول الله، زد. قال: (استقم ولتحسن خلقك). [صحيح: رواه الحاكم ووافقه الذهبي]
قال السِّرِّي السَّقطي - رحمه الله تعالى -: "خمس من كن فيه فهو شجاع بطل: استقامة على أمر الله ليس فيها روغان. واجتهاد ليس معه سهو. وتيقظ ليس معه غفلة. ومراقبة الله في السر والجهر ليس معه رياء. ومراقبة الموت بالتأهب" [الحلية:10/117].
مراتب الاستقامة
باب الاستقامة الدعاء والتضرع، والسعيد من وفقه الله تعالى، ولذلك أمرنا الوهاب المنان بقراءة الفاتحة في كل ركعة، لما فيها من سؤال الصراط المستقيم المخالف لأصحاب الجحيم. وقال تعالى في شأن موسى وأخيه عليهما السلام: {قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [يونس:89]
أما سبيل الاستقامة فهو لزوم معالم وشعائر الدين الباطنة والظاهرة، العقدية والعملية، فعن سفيان بن عبد الله الثقفي -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: «قل آمنتُ بالله ثم استقم». [مسلم] .. قال ابن عاشور: {ثم} للتراخي الرتبي: وهو الارتقاء والتدرج، فإن مراعاة الاستقامة أشق من حصول الإيمان لاحتياجها إلى تكرر مراقبة النفس، فأما الإيمان فالنظر يقتضيه واعتقاده يحصل دفعة لا يحتاج إلى تجديد ملاحظة.
قال ابن القيم في «الوابل الصيب»: "الأمر الذي يستقيم به القلب تعظيم الأمر والنهي، وهو ناشئ عن تعظيم الآمر الناهي، فإن الله تعالى ذم من لا يعظم أمره ونهيه، قال سبحانه وتعالى: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13]".
أما آفات وكبوات الطريق من التقصير والتفريط فليس لها إلا الاستغفار، قال تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت:6] فالإنسان عرضة للنقص لكن يجبر ذلك بالاستغفار لله الواحد القهار.
الاستقامة الدين كله 
الاستقامة ركن عظيم يشمل الدين كله، لذلك قصرت همم الخلق أن يمسكوا بكافة أطرافه، فعَنْ عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "لَوْ صَلَّيْتُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَالْحَنَايَا، وَصُمْتُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَالْأُوْتَارِ، ثُمَّ كَانَ الِاثْنَانِ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الْوَاحِدِ، لَمْ تَبْلُغُوا الاسْتِقَامَةَ "أي الاستقامة الكاملة، وكأنه أخذ هذا المعنى من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» [رواه أحمد]
قال المناوي: استقيموا على الطريق الحسنى وسددوا وقاربوا فإنكم لن تطيقوا الإحاطة في الأعمال ولابد للمخلوق من تقصير وملال، وكأن القصد به تنبيه المكلف على رؤية التقصير وتحريضه على الجد لئلا يتكل على عمله، ولهذا قال القاضي: "أخبرهم بعد الأمر بذلك أنهم لا يقدرون على إيفاء حقه والبلوغ إلى غايته لئلا يغفلوا عنه، فكأنه يقول لا تتكلفوا على ما تأتون به ولا تيأسوا من رحمة الله ربكم فيما تذرون عجزاً وقصوراً لا تقصيراً".
(واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) أي فإن لم تطيقوا ما أمرتم به من الاستقامة فحق عليكم أن تلزموا بعضها وهو «الصلاة» الجامعة لكل عبادة من قراءة وتسبيح وتكبير وتهليل، وإمساك عن كلام البشر والمفطرات، وهي معراج المؤمن ومقربته إلى جناب حضرة الأقدس، فالزموها وأقيموا حدودها لاسيما مقدمتها التي هي شطر الإيمان فحافظوا عليها فإنه لا يحافظ عليه إلا مؤمن راسخ القدم في التقوى. ‌
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» [مسلم] وهذا في المستحبات لا الوجبات التي قد تسقط مع العجز.
ولذلك قيل: "الاستقامة لا يطيقها إلاَّ الأكابر لأنَّها الخروج عن المعهودات، ومفارقة الرُّسوم والعادات، وهي الخصلة الَّتي بها كملت المحاسن".
عن خارجة بن مصعب، قال: "صحبت عبد الله بن عون أربعاً وعشرين سنة، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة ! [سير أعلام النبلاء 6/366]
وقال الإمام ابن دقيق العيد -رحمه الله-: "ما تكلمت كلمة، ولا فعلت فعلاً، إلا وأعددت له جواباً بين يدي الله - عز وجل –". [طبقات الشافعية 9/212]
ثمرات وخيرات
قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ الله} [القصص:50] فإن لم يكن في الاستقامة إلا طمأنينة النفس وصلاح الأحوال لكفى، بل يبشر الله عباده المستقيمين على دينه بأعظم بشارة تتمناها النفس، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} [فصلت:30-32] أي تتنزل عليهم الملائكة عند الموت وعند الخروج من القبر.
وذكر (التنزل) هنا للتنويه بشأن المؤمنين أن الملائكة ينزلون من علوياتهم لأجلهم، فأما أعداء الله فيجدون الملائكة حاضرين في المحشر يزعونهم ولا يتنزلون لأجلهم {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [فصلت:19] فثبت للمؤمنين بهذا كرامة ككرامة الأنبياء والمرسلين.
{أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} ولما كان الخوف مما يتوقع من المكروه أعظم من الحزن على الفائت قدمه، ثم لما وقع الأمن لهم، بشروا بما يؤولون إليه من دخول الجنة، فحصل لهم من الأمن التام والسرور العظيم بما فعلوا من الخير.
قال محمد بن علي الترمذي: تتنزل عليهم ملائكة الرحمة، عند مفارقة الأرواح الأبدان، ألا تخافوا سلب الإيمان، ولا تحزنوا على ما كان من العصيان، وأبشروا بدخول الجنان، التي تُوعدون في سالف الأزمان {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم:44]
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف:13-14] فنفى عنهم الخوف من المستقبل، والحزن على ما سلف ومضى، ووعدهم صدقا الجنة. وقوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} تدل على الاختصاص بالجنة ولم يقل (أولئك في الجنة، أو أولئك لهم الجنة).
نصيحة غالية
قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود:112] فذكر سبحانه شيئين بعد الاستقامة: لزوم التوبة ومجافاة الطغيان، لأن الذي يعرض للعبد ويحرفه عن الاستقامة إما الذنب وإما البدعة أو الغلو.
فالحمد لله الذي هدنا لشرعه القويم، قال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا} [الأنعام:161] .. (قِيَمًا) أي: أي معتدلاً مستقيماً لا عوج فيه، ولا غلو فيه ولا جفاء، ولا جحود فيه ولا جمود، ولا إفراط ولا تفريط، ولا اعوجاج، إنما هو أمر مستقيم شرع معتدل، وسط في كل شيء.


د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

الأحد، 16 فبراير 2014

التفوق الدراسي .. فن المنافسة على القمة


الواقع العملي لا يعترف إلا بنوابغ المجتمع، فالكل بالإجماع يسعى صوب الطبيب الأمهر والصانع الأجود والخبير المحنك .. لذلك كان التفوق مطلب أصحاب الهمم العالية الذين يبحثون عن مكان راق في الحياة، يحدوهم الإصرار على التميز وعدم الاسترسال مع مطبات وعقبات الطريق، خاصة وأن نصف درجة ممكن أن يغير مسار حياتهم ويهبط بهم في كليه قد لا يرغبونها، وعلى أعتابها تتحطم آمالهم وطموحاتهم.
إن التفوق الدراسي بات عملية ممنهجة ومنظمة، تتبع العديد من البرامج والتوجيهات ولا تعتمد فقط على عامل الذكاء وحده، بل هو منظومة متناسقة من ترتيب الأولويات واستخدام للقدرات الذاتية والبيئة من أجل الوصول لقمة الشرف، وما أجملها من قمة وما أعظمها من رحلة تشوبها محن لكن ثمرتها عبقها يفوح وشذاها يدوم.
توجيهات ذهبية
- تلمح شرف الغاية واعلم أن كل عمل امتزج بالإخلاص فهو قرين النجاح والفلاح، والإخلاص يهون مصاعب الطريق، فبين السفح والقمة مشوار طويل وتعب وكد وكفاح ومشقة ومثابرة وصبر على الانكسارات التى ربما تفوق في عددها الانتصارات، ولن يأتى النصر لمن لا يصبر على بلائه ويواصل اجتهاده فى عمله.
- الدراسة بالأساس مسألة دافع ذاتي, فإن وُجد هذا الدافع لدى الطالب كانت العملية التعليمية تسير بالطريق الإيجابي والمتميز .. اجعل نفسك في حالة نجاح مستمر، وفكر بالتميز دائما، وثق بنفسك أنك تستطيع أن تحصل على المركز الأول، ولا تحتج دوما بالعقبات.
- تحقيق التوازن بين العلم والعبادة: فلا خير فيمن يجتهد فى طلب العلم ويفرط في العبادة، لذا يجب تحقيق التوازن بين الأمرين، ويقول الإمام الحسن البصري: «العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلباً لا تضروا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبا لا تضروا بالعلم، فإن قوماً طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم [يعنى الخوارج] ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا».
كما لابد أن تكون صحيح العبادة؛ فصحة العبادة طريق الصلاح والفلاح والسعادة، وهى علاج القلق والاكتئاب والحيرة وقلة الحيلة، قال تعالى: {يا عباد الله لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} [الزخرف:68] فأد الفرائض واستزد من النوافل واجتهد فى قراءة القرآن الكريم وجاهد نفسك عن المعصية إلى الطاعة.
- عادة يكون البدء في المذاكرة عسيرا، لذا يستحسن البدء بأعمال روتينية كمراجعة درس سابق أو استكمال نقل درس ناقص .. تكون هذه البروتوكولات بمثابة استعداد وشحذ على المذاكرة. ومن المهم استغلال بواكير الصفاء الذهني في مذاكرة الدروس الصعبة وترك المواد السهلة في نهاية فترات المذاكرة حيث لا يبذل الذهن المكدود كثير عناء في الاستيعاب والتحصيل.
- النفس بطبعها ملولة خاصة مع العادات اليومية ومنها المذاكرة، فحاول دوما التجديد في طريقة المذاكره من الكتابة إلى الشرح الذاتي بصوت مرتفع نسبيا مع المشي في الغرفة، أو استخدام الرسوم، أو عمل تلخيص للموضوع، وأيضا تغيير أماكن المذاكرة سواء في البيت أو حتى الذهاب إلى بعض الحدائق أو شاطئ البحر إن تيسر ذلك، ولا تنزعج من النسيان فهو أمر ضروري ولابد من المراجعة أكثر من مرة لتترسخ المعلومة في ذهنك.
- حافظ على وقتك ورتب أولوياتك، ولا يفوتك البكور وبركته، واحذر من معوقات الوقت ولصوص الطاقة: (الزوار والطفيليون، التسويف، عدم التنظيم، الانشغال بأهداف فرعية أو ثانوية، المشاكل العائلية).
- إن كنت تعاني من ضعف الذاكرة أو مشكلة النسيان فاحرص على: المذاكره كتابة لا مشافهة. احذر من الحفظ دون الفهم. اختتم مذاكرة الدرس بحل أسئلة عليه فهذا من شأنه أن يرسخ المعلومات في ذهنك ويدربك فعليا على أجواء الامتحانات.
- دعائم الذاكرة الجيدة ثلاث: التكرار. الربط والخيال. التنظيم .. وإياك أن تربط بين عدد الساعات وحصيلة الاستيعاب لأنه لا علاقة بينهما.
- التسميع (شفوي أو تحريري) هو مرآة الذاكرة، وخير دليل على اختبار مدى رسوخ المعلومة في ذهنك، فهو يكشف لك مواضع ضعفك والأخطاء التي تقع فيها، كما أنه الوسيلة القوية لتثبيت المعلومات وزيادة القدرة على تذكرها لفترة أطول، فالطالب الذي يذاكر من دون تسميع ينسى بعد يوم واحد، ومعدل ما ينساه الطالب الذي يقوم بالتسميع يبدأ بعد 35 يوماً.
- لا تذاكر وأنت مرهق، ولا نعاسان، ولا مشغول الفكر، ولا في الضوضاء، ولا مع المجموعة، ولا في الضوء الخافت، ولا في مكان رديء التهوية، ولا أنت جوعان أو متخم بالطعام بل ينبغي أن تكون المعدة بين الشبع والجوع.
- تحضير الدرس مسبقا من شأنه أن يجعل الدرس مجرد تعزيز للمعلومات في ذهنك، ويفعل المشاركة أثناء الشرح مع المعلم، ويستجلب الانتباه له، وسؤاله عن النقاط الصعبة في الموضوع، وقد قيل لابن عباس –رضي الله عنهما-: "بم تحصلت على هذا العلم؟" فقال: "بلسان سؤول، وقلب عقول"، وكل هذا من شأنه أن يرسخ المعلومة في الذهن لتناولها بطريقة المعايشة، فضلا عن اختزال الجهد المبذول في المراجعة خاصة أوقات الامتحانات.
- الدراسة الاستنباطية من أمتع طرق الدراسة فهي دعامة التفوق والإبداع، وهي تتمحور حول تحليل المعلومة والوصول إلى النتائج ليس بالطريقة النمطية والطرق المملة والعقيمة، وهذا مع ما يكتنفها من الشعور بالمتعة وبتحليل المعلومة.
- عليك بالتزود بمعلومات أكثر من مجرد قراءة الكتاب المقرر، وتفهمها بعمق استعداداً لأي تحليل أو استنتاج أو تطبيق خارج عن التمارين الموجودة في الكتاب المقرر.
- في الفصل الدراسي احرص على الجلوس في المقدمة حتى تصبح بمنأى عن مشوشات الزملاء وحيث يكون المدرس قريبا منك، فكلما ابتعدت عن المدرس كلما زادت فرصة انشغالك، لأنك ستجد عشرات الرؤوس حولك مشاربهم شتى، أما في المقدمة فستجني كل الفائدة، كما ستعطي انطباعاً خاصاً للمدرس بأنك هنا لتنصت وتتعلم لا لقضاء الوقت فحسب.
- ابحث عن صديق بارع تنافسه، فالصاحب ساحب، والمنافسة الشريفة تؤجج الهمة وتقضي على بواعث الكلل والملل.     
- خصص وقتاً مناسبا لممارسة الرياضة وهواياتك وللتنزه وممارسة بعض الأنشطة المدرسية؛ فهذا يريحك نفسياً ويبعث فيك أملاً جديداً، واعلم أن من لا يجيد فن الراحة لا يجيد فن العمل.
- كافة العائلات مهما كان دخلها أو مستواها التعليمي والمادي والاجتماعي تستطيع أن تتخذ خطوات محددة وواضحة من شأنها أن تساعد الطالب على التعلم بصورة متميزة، وهو ما يعرف بـ «عملية الاستغراق» أو «المشاركة الإيجابية» للوالدين، ومن أشهر أبجديات هذه العملية: الحرص على تنمية الحوار مع الأبناء من أجل التعرف أكثر على دواخلهم ومشاكلهم، بل وميولهم وتوجهاتهم وأحلامهم، وبالتالي تحديد طبيعة الدعم البناء الذي يمكن أن يقدماه له. متابعة أدائهم الدراسي ومشاركتهم فيه، كحل بعض الواجبات سويا وتسميع المحفوظات وشرح المفردات الصعبة. إقامة حدود واضحة داخل البيت، كتنظيم أوقات الاستذكار والفراغ واللعب، ومتابعة طريقة قضاء الأطفال لها. خلق بيئة محفزة ومساعدة داخل البيت، وخاصة مصادر الضوضاء وأماكن تواجد التلفاز والكمبيوتر وسائر ما يلفت انتباه الطالب أو يشتت تركيزه.
- من المهم كآباء ومربين أن لا نرسل رسالة سلبية لأبنائنا مفادها أن مكانتهم وقيمتهم لدينا مقرونة بالمجموع الذي سيحصلون عليه نهاية العام, وإنما ينبغي أن تكون المكانة الحقيقة مقرونة بمدى ثقافتهم واستفادتهم ونظرتهم للعلم بحد ذاته كقيمة عليا في الحياة والمجتمع, وبذلك نمكنهم من محبة الدراسة, وتحقيق نتيجة باهرة متميزة من منطلق ذاتي مفعم بالمحبة للعلم وتوقير أهله.

      د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com

الجمعة، 14 فبراير 2014

فقر الصديق الوفي .. أشد صنوف الفقر


حكى الواقدي المؤرخ الشهير قال: كان لي صديقان أحدهما هاشمي والأخر نبطي، كنا ثلاثتنا كشخص واحد. وقد ألمت بي ذات يوم ضائقة شديدة، وحضر العيد فجاءت امرأتي إلي وقالت: أما نحن - أنا وأنت - فنصبر على البؤس والشدة، وأما صبياننا هؤلاء الصغار فقد قطعوا قلبي رحمة لهم لأنهم يرون صبيان الجيران وقد تزينوا في عيدهم وهم على هذه الهيئة الرثة، فاعمل على أن نتدبر مالا بسرعة كي نشتري لهم ثياباً لهذه المناسبة، قال: فكتبت لصديقي الهاشمي أساله المساعدة، فبعث إلي كيساً مختوماً ذكر أن فيه ألف درهم، ولم أكد أهم بفتح الكيس حتى وصلتني رسالة من صديقي الآخر النبطي يسألني فيها المساعدة، فأرسلت إليه الكيس الذي بين يدي كما هو وخرجت إلى المسجد، وأقمت ليلتي متجنباً أن أواجه امرأتي بواقع ما فعلت.
ولما عدت إليها بعد ذلك وأخبرتها بما حصل استحسنت الأمر ولم تعنفني فيه. وبينما أنا كذلك، إذ قرع بابي صديقي الأول الهاشمي وفي يده الكيس نفسه الذي كان قد أرسله لي، وأرسلته أنا إلى صديقنا النبطي، قال صديقي الهاشمي وهو يضع الكيس بين يدي: أخبرني عما فعلته بهذا الكيس الذي أرسلته إليك، لقد أرسلت إلي تطلب مالاً، وأنا لا أملك على الأرض إلا ما بعثت به إليك، وقد أرسلت إلى صديقنا النبطي أسأله المساعدة فبعث إلي بكيسي الذي أرسلته أنت إليه، وختمي ما يزال عليه.
أدهشني جدا ما رواه صديقي الهاشمي، ولم أدر ماذا أفعل بهذا المال العائد إلي، ثم إني اهتديت إلى أمر ففتحت الكيس وأعطيت لامرأتي مائة درهم، وقسمت ما تبقى مع صديقي الآخرين، فحصل كل منا على ثلاثمائة درهم. وقد علم الخليفة المأمون بهذا الذي حدث لي فاستدعاني إليه، وطلب مني أن أروي له قصتي مع صديقي ففعلت، فأمر لنا بسبعة آلاف دينار منها ألف للمرأة، وألفان لكل واحد منا.
الصديق ملمس ناعم، وعبارة دافئة، وعلاقة طيبة، ومؤانسة في وحشات الدنيا، وربما تطور الأمر أيضاً إلى إعانة ونجدة، فكان هذا الصديق - كما يقولون –: «نعم الرفيق في وقت الضيق».
الصداقة عطف متبادل بين شخصين يريد كل منهما الخير للآخر، مع العلم بتلك المشاعر المتبادلة فيما بينهما.
الصديق هو من يعش معك فكريا ووجدانيا، ويتحد وإياك في الأذواق، وتسره مسراتك وتحزنه أحزانك، وبذلك تقوم الصداقة على المعاشرة والتشابه والمشاركة الوجدانية.
الصداقة ركن مهم في حياة الإنسان‏، لا ينبغي له أن يغفلها‏، فنحن نحتاج إلى دعم نفسي في رحلة الحياة‏ .. نحتاج من يشاركنا لحظة الألم‏، ولحظة الفرح‏، ولحظة الزهو والنجاح ‏.. نحتاج إلى كلمة تشجيع تداوي الجراح‏، وتساعد عند الإحساس بالضعف .. فالوحدة تفقد الإنسان عقله، والصديق مهمته جليلة، فهو يحافظ على التوازن النفسي للإنسان.
يقول (د. ليون) الذي أجرى دراسته على 4725 شخصاً في ولاية (كالفورنيا) والتي استغرقت تسع سنوات: إن نسبة الوفيات ترتفع عند الأشخاص الذين لا يسعون إلى تكوين صداقات، أو الذين لديهم عدد محدود من الأصدقاء .. بل إنهم يكونون أكثر من غيرهم عرضة لأمراض القلب والسرطان والتوتر النفسي والشعور بالاكتئاب.
تنحدر الصداقة من الصدق، والصدق عكس الكذب. فالصديق هو من صدقك، أما الذئاب - وهم كثر - فيتزينون بزي أصدقاء وهم براء من الصداقة، نواياهم سيئة وحبهم رياء وكذب .. إنهم وصوليون لا أكثر ولا أقل، ترى واحدهم كما يقول الشاعر:
يعطيك من طرف اللسان حلاوة         ويَروغ منْك كما يَروغ الثعلبُ
الصداقة هي علاقة تتم في إطار كل ما يمكن أن نصفه "بالمتبادل"، أي إطار من المعرفة المتبادلة، الاحترام المتبادل، العاطفة المتبادلة، القبول المتبادل، الولاء المتبادل. ومفهوم التبادل هنا يكون من أجل صالح الطرف الأخر ومنفعته قبل منفعة النفس والحرص على الذات. ويسير مفهوم الصداقة في إطار هذا السلوك المتبادل من إسداء النصائح، مشاركة الصعاب وأوقات المحنة، فالصديق هو من يُظهر رد الفعل الإيجابي الفوري.
والصداقة أيضاً هي تبادل الثقة وتجنب فعل ما يؤذى الغير .. يروى أن رجلاً من الصالحين ذهب إليه صديقه ليقترض منه مبلغاً من المال، فدخل الرجل مسرعاً وأحضر المال، وأعطاه صديقه ثم دخل الرجل منزله وأخذ يبكي، فقالت له زوجته: لماذا تبكي؟! قال: لأنني لم أسأل عن حال صديقي حتى اضطررته أن يسألني.
ومن معاني الصداقة ما حكاه القاضي عياض في «المدارك» أن الإمام سحنون وصاحبيه عون بن يوسف وابن رشيد، دخلوا على أسد بن الفرات، فسألهم عن مسألة، فابتدر لجوابه صاحبا سحنون وسكت سحنون؛ فلما خرجوا قال له صاحباه: لِمَ لَمْ تتكلم؟ فقال سحنون: ظهر لي أن جوابكما خطأ - وبيّن لهما ذلك - فقالا: لِمَ لَمْ تتكلم بهذا ونحن عنده؟ قال سحنون: خشيت أن ندخل عليه ونحن أصدقاء ونخرج ونحن أعداء.
وقضية الصحبة قضية دين وليست دنيا فقط، وتأمل ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» [أبو داود] أي فليتأمل أحدكم بعين بصيرته إلى امرئ يريد صداقته فمن رضي دينه وخلقه صادقه وإلا تجنبه، وقد قيل: الصاحب رُقعة في الثوب، فلينظر الإنسان ما يرقع به ثوبه.
اتخذ أصدقاؤك من الذين يرقون بك شَطْر القمم، واترك الذين ينزلون بك إلى السّفح .. انتق أصدقاءك من أولئك المنشدين المتفائلين المحافظين على فرح القلب .. أرس قواعد صداقتك على من يعادلونك حالة وذوقاً وهدفاً وثقافة، وإذا شئت أن تكون صداقتك صحيحة ثابتة فتعود أن تعطي أكثر مما تأخذ، فهذه شريعة الحب الأساسية، فالصداقة هي محبة تبذل ذاتها.
ولا تحاول أن تجد صديقاً خالياً من العيوب - هذا شيء محال - ولكن مده بالمساعدة ليتخلص من سلبياته، فالصداقة لا تنشأ ولا تترعرع إلا بالصراحة الكبرى والإخلاص العميق الذي يفتح القلب حتى أعماقه .. اخدم صديقك ولا تستخدمه .. أحبب صديقك وليس ما يملك .. أن تحب صديقاً فهذا يعني أن تضع رجاءك فيه، وتكون له وفيا، وتفتح له رصيداً في قلبك، وتُكْبر شَمائِلهُ، وتُقاوِم شوائبه وتحبه وتساعده.
إن الشخص يبدأ في الشيخوخة عندما يعجز عن اكتساب أصدقاء جدد، لأن مداومة الاختلاط بالناس دليل على الاستعداد للتطور واستيعاب الأفكار الجديدة، والحيوية، وحب الحياة. فإنك إذا اكتفيت بصلتك بأصدقائك القدامى وزملاء العمل الذين اطلعت على جميع أفكارهم وآرائهم، توقف تطورك الذهني، وحيل بينك وبين نواحي التجدد التي تطرد السأم والملل.
وخير الأصدقاء الذي لا تتغيّر طباعُه مع مرور الوقت، وتدوم صداقاتهم سنين طوال، يحافظون عليها مهما اختلفت وجهات النظر، ومهما احتدت المناقشات الجارية بينهم، فإنهم سرعان ما يبتسمون ليعودوا إلى الصداقة التاريخية التي دامت عقودا، قال مصطفىَ أمين: "خيرُ الأصدقاء من لا يتلوّن إذا تغيرّ الزمان" .. لكن هذا في الناس عزيز، ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم: «أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما» [رواه الترمذي] أي أحببه حباً قليلاً مقتصداً لا إفراط ولا تفريط فيه فإنه «عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هونا مّا» فإنه «عسى أن يكون حبيبك يوماً مّا» أي ربما انقلب ذلك بتغيير الزمان والأحوال بغضاً فلا تكون قد أسرفت في حبه فتندم عليه إذا أبغضته، أو حباً فلا تكون قد أسرفت في بغضه فتستحي منه إذا أحببته، وقال ابن العربي: معناه أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن فقد يعود الحبيب بغيضاً وعكسه، فإذا أمكنته من نفسك حال الحب ثم عاد بغيضاً كان لمعالم مضارك أجدر لما اطلع منك حال الحب بما أفضيت إليه من الأسرار، وقال عمر -رضي الله تعالى عنه-: «لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً».
وهذه حقيقة مهمة في الحياة لأن الناس ليسوا جدراناً، أو أحجاراً، بل هم «بشر» تؤثر فيهم المؤثرات الاجتماعية، فمن كان منهم جيداً الآن فلا يعني أنه سيبقى كذلك إلى الأبد، ومن كان رديئاً، فلا يعني أنه سيبقى كذلك، إلى الأبد .. فلا ينبغي أن تكون الصداقة «مطلقة»، وبلا حدود .. بل يجب أن تكون مسيجة بحدودها المعقولة، ومحدودة بمقاييسها الإنسانية.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com