الثلاثاء، 31 مارس 2015

اعلم يا بني





ما أجل الكلمات الدافئة التي امتزجت بكل معاني الإخلاص عندما تخرج من قلب أغلى الناس وأحن الخلق وأعطف البشر .. «الوالد» الذي فطره الله تعالى على حب دفين لأبنائه لا يعرف المصانعة ولا التملق ولا النفاق، إنها الكنوز الحقيقية والنصائح النورانية التي يكون الولد في أمس الحاجة إليها لقلة خبرته وضعف حيلته وندره الناصح المشفق.
 
·   اعلم يا بني وفقك الله للصواب: أنه لم يتميز الآدمي بالعقل إلا ليعمل بمقتضاه، فاستحضر عقلك، واعمل فكرك، واخل بنفسك .. تعلم بالدليل أنك مخلوق مكلف، وأن عليك فرائض أنت مطالب بها، وأن الملكين يحصيان ألفاظك ونظراتك، وأن أنفاس الحي خطاه إلى أجله، ومقدار اللبث في الدنيا قليل، والحبس في القبور طويل، والعذاب على موافقة الهوى وبيل.
فأين لذة أمس؟! رحلت وأبقت ندما .. وأين شهوة النفس؟! كم نكست رأسا، وزلت قدما، وما سعد من سعد إلا بخلاف هواه، ولا شقي من شقي إلا بإيثار دنياه.
فاعتبر بمن مضى من الملوك والزهاد، أين لذة هؤلاء وأين تعب أولئك؟ بقي الثواب الجزيل، والذكر الجميل للصالحين، والمقالة القبيحة والعقاب الوبيل للعاصين، وكأنه ما جاع من جاع، ولا شبع من شبع.
واعلم أن الكسل عن الفضائل بئس الرفيق، وحب الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة، فانتبه واتعب لنفسك.
واعلم أن طلب الفضائل نهاية مراد المجتهدين، ثم الفضائل تتفاوت، فمن الناس من يرى الفضائل الزهد في الدنيا، ومنهم من يراها التشاغل بالتعبد، وعلى الحقيقة فليست الفضائل الكاملة إلا الجمع بين العلم والعمل، فإذا حصلا رفعا صاحبهما إلى تحقيق معرفة الخالق سبحانه وتعالى، وحركاه إلى محبته وخشيته والشوق إليه, فتلك الغاية المقصودة وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وليس كل ما يريد مرادا ولا كل طالب واجدا، ولكن على العبد الاجتهاد، وكل ميسر لما خلق له، والله المستعان.
·   واعلم يا بني: أن من تفكر في الدنيا قبل أن يوجد رأى مدة طويلة، فإذا تفكر فيها بعد أن يخرج منها رأى مدة طويلة، وعلم أن اللبث في القبور طويل، فإذا تفكر في يوم القيامة علم أنه خمسون ألف سنة، فإذا تفكر في اللبث في الجنة أو النار علم أنه لا نهاية له، فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا -فرضنا ستين سنة مثلا- فإنه يمضي منها ثلاثون سنة في النوم، ونحو من خمس عشر في الصبا، فإذا حسب الباقي كان أكثره في الشهوات والمطاعم والمكاسب، فإذا خلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيرا، فبماذا تشتري الحياة الأبدية، وإنما الثمن هذه الساعات؟
فانتبه يا بني لنفسك، واندم على ما مضى من تفريطك، واجتهد في لحاق الكاملين مادام في الوقت سعة، واسق غصنك ما دامت فيه رطوبة، واذكر ساعتك التي ضاعت فكفى بها عظة، ذهبت لذة الكسل فيها، وفاتت مراتب الفضائل، وقد كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى يحبون كل فضيلة ويبكون على فوات واحدة منها .. قال إبراهيم بن أدهم: دخلنا على عابد مريض، وهو ينظر إلى رجليه ويبكي، فقلنا: ما لك تبكي؟ فقال: ما اغبرتا في سبيل الله .. وبكى آخر، فقالوا: ما يبكيك؟ فقال: على يوم مضى ما صمته، وعلى ليلة ذهبت ما قمتها.
فاعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاس، وكل نفس خزانة، فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء، فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم ولا ينفعك الندم.      
·   كتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه- إلى ولده الحسين: من عبد الله علي أمير المؤمنين الوالد الفاني، الذام للدنيا، الساكن مساكن الموتى، إلى الولد المؤمل ما لا يدرك، السالك سبيل من قد هلك، عرضة الأسقام، ورهينة الأيام، وأسير المنايا، وقرين الرزايا، وصريع الشهوات، ونصب الآفات، وخليفة الأموات
يا بني إن بقيت أو فنيت فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله، فإن الله يقول: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: 103] وأي سبب يا بني أوثق من سبب بينك وبين الله عز وجل.
أحيي قلبك بالموعظة، ونوره بالحكمة، وقوه بالزهد، وذلله بالموت، وقرره بالفناء، وحذره صولة الدهر وتقلب الليالي، وأعرض عليه أخبار الماضين، وسر في ديارهم وآثارهم، فانظر ما فعلوا، وأين حلوا، فإنك تجدهم قد انتقلوا من دار الغرور ونزلوا دار الغربة، وكأنك عن قليل يا بني قد صرت كأحدهم، فبع دنياك بآخرتك، ولا تبع آخرتك بدنياك، ودع القول فيما لا تعرف، والأمر فيما لا تكلف، ومر بالمعروف بيدك ولسانك وكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله، وخض الغمرات إلى الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، واحفظ وصيتي فلا خير في علم لا ينفع، واعلم أنه لا غنى بك عن حسن الارتياد مع بلاغك من الزاد، فإن أصبت من أهل الفاقة من يحتمل عنك زادك فيوافيك به في معادك فاغتنمه، فإن أمامك عقبة كئودا لا يجاوزها إلا أخف الناس حملا.
وأجمل في الطلب، وأحسن في المكسب، فرب طلب قد جر إلى حرب، وإنما المحروب من حرب دينه، والمسلوب من سلب يقينه، واعلم أنع لا غنى يعدل الجنة، ولا فقر يعدل النار .. والسلام عليك ورحمة الله.
سل الأيام ما فعلت بكسرى               وقيصر والقصور وساكنيها
أمـا اسـتـدعتهم للمـوت طُـرا              فلم تدع الحليم ولا السفيها
دنت نحو الدني بسهم خطب             فأصمـته ولـم تـدع الوجيها
أمـا لو بـيـعـت الدنـيا بفـلس             أنِفـتُ لعاقل أن يشتـريهـا

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com




الجمعة، 20 مارس 2015

أسرتك سر سعادتك




من منا لا ينشد السعادة في الدنيا والآخرة، ومن منا لا يسعى إليها سعيا حثيثا كل حسب رؤيته وميوله وقدراته ورغباته .. فهذا سعيه للمال، وذاك سعيه للجاه، وآخر سعيه لانتهال اللذات، والكل يغدو ناشدا السعادة والهناء، وفق من وفق، وخاب من خاب.
لكن أي قيمة للسعادة بعيدا عن منزل هادئ نظيف، وزوجه رائعة طيعة، وأطفال تتدفق البراءة منهم كتدفق قطرات الماء العذب في جدول الربيع .. هل يمكن لنفس سوية أن تستشعر السعادة وسط ضجيج الأسواق وتوتر البورصات ومعارك النفوذ والمناصب وصخب السهرات والانغماس في الملذات دون حسيب ولا رقيب؟!.
إن السعادة لا تعني إلا السكن والاسترخاء بعد يوم كد وعمل، والسعادة لا تزيد عن رغبة ملحة في العودة لرحاب أسرة يتوقف في أجوائها ضجيج الحياة وعنف الانفعالات ومعاناة التوترات، والسعادة هي السكن والمودة والرحمة الزوجية التي جعلها الله تعالى آية من آياته، فقال جل ذكره ممتنا على عبادة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]
قال المفسرون: {لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} والسكن إلى شيء هو نقيض التحرك، والمعنى إنكم تتحركون من أجل الرزق طوال النهار ثم تعودون للراحة عند زوجاتكم، فالرجل عليه الحركة، والمرأة عليها أن تهيئ له حسن الإقامة، وجمال العشرة وحنان وعطف المعاملة. فالمسئوليات موزعة توزيعاً عادلاً، فهناك حق لك هو واجب على غيرك، وهناك حق لغيرك وهو واجب عليك.
{وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} بعد أن لم يكن سابقة تعارف يوجب التواد، فالزوجان يكونان من قبل الزواج متجاهلين فيصبحان بعد الزواج متحابين، وأن جعل بينهما رحمة فهما قبل الزواج لا عاطفة بينهما فيصبحان بعده متراحمين كرحمة الأبوة والأمومة.
ويقول الشيخ محمد عبده عن الزوجة: "وهى منه بمنزلة البعض من الكل، وألزم له من الظل، وصاحبته في العز والذل، والترحال والحل، بهجة قلبه، وريحانة نفسه، وأميرة بيته، وأم بناته وبنيه"
والمودة من أبواب المحبة التي تتضمن التمني مع اتخاذ الأسباب الموصلة إلى المحبوب، وعلى العكس فهروب الزوج من عش الزوجية لابد أن يكون له من الأسباب والمبررات ما يقض مضجعه ويذبح سكينته فيجد نفسه مضطرا لأن يبحث عن سعادته وراحته في موطن آخر غير القفص الذهبي والعش الوردي. منهم من يبحث عن السعادة على المقهى أو في النادي أو في دور السينما، ومنهم من يهرب هروبا داخليا فيدمن الجلوس على النت أو أمام شاشات الفضائيات، ويكون «الحاضر الغائب» .. حاضرا بجسده غائبا بروحه وفكره.
لكن يبقى للروتين الزوجي العامل الأكبر في هروب السعادة الزوجية ومحاولة كل طرف بالبحث عنها خارج إطار الأسرة وهيهات أن يجدها .. إن النفس ملولة وتعشق التجديد، ورتابة الحياة الزوجية لا تروق لها بحال من الأحوال، وللزوجين دورا في ترسيخ هذه الرتابة بين جنبات المنزل عندما يتخلى كل واحد منهما عن محاولة إنعاش الأحداث وتجديد المواقف وإعادة ترتيب العلاقة بينهما.
فكما أن مسئوليات الزوجية توفير متطلباتها واحتياجاتها المادية، أيضا من متطلباتها الحفاظ على أجواء الود والتآلف، فالزوج عليه أن يخرج عن نمطيته المعتادة بإشاعة جو الدعابة من حين لآخر والخروج للتنزه سويا، ولا ننسى أيضا جلسات تعليم الصغار أمور الحياة التي يتخللها مواقف اللطف والمرح كتعليم الأطفال الوضوء أو الصلاة أو فنون الرياضة والإنشاد بصورة عملية أمام أفراد الأسرة، فضلا عن المسابقات والقراءة مع الصغير ومطالعة المجلات المصورة والفضائيات الهادفة مصحوبة بالتعليقات من كافة الأطراف.
إن اقتطاع رب الأسرة جزء من وقته خاص بأسرته يطرح فيه التكلف الزائد والأوامر الصارمة كفيل بأن يدعم جسور التواصل ويملأ أركان البيت بالبهجة والسعادة، بل ويحسن من مزاجه النفسي ويحرره من ضغوط الحياة التي لا تنتهي.
أما الزوجة فنكاد نجزم بأن جُل مفاتيح السعادة الزوجية بيدها بحكم أنها ربه هذا المنزل وقيمته والمسئولة عن كل كبيرة وصغيرة فيه، وبحكم أنها رئيسة «الجبهة الداخلية» في الحياة الزوجية.
إن اعتناء الزوجة الزكية بمظهرها وجوهرها له بالغ الأثر في استقرار حياتها الزوجية، فضلا عن نظافة بيتها وإعادة ترتيبه كل فترة لإضفاء شكل جديد عليه يقتل النمطية التي تصيب الأبصار بالسآمة والملل، والزوجة الزكية تحسن السيطرة على مفاصل بيتها وضجيج صغارها خاصة وقت تواجد الزوج المتعب الذي ينشد الاسترخاء والراحة .. إن أهم ما يؤثر في الزوج ويجعله أسير الحياة الزوجية أن يحوز الاهتمام الكافي من قبل الزوجة التي تنجح في إضفاء وضع خاص للمنزل عند عودة الزوج المتعب المكدود من عمله، وهذا يشمل جهوزية الطعام الذي يحبه، واختفاء ضجيج الأطفال عبر وسائل أعدتها الزوجة مسبقا كجلوسهم حول برامج الكمبيوتر الهادفة أو الأفلام التربوية الشيقة التي تحجم من فرط حركة الصغار لحظة راحة الزوج واسترخائه.
ومن الأمور التي تروق للزوج «المبادرة بتلبية رغباته» حتى قبل أن يطلبها بلسانه، كسرعة إعداد الشاي بعد الغذاء أو تقديم الفاكهة التي يحبها أو توفير الجريدة التي يفضل قراءتها أو اختيار القنوات التي تروق له .. مما يشعره بأنه سيد مطاع وضيف مرغوب في قربه وتواجده، فالحب ما هو إلا تعبير وتطبيق، ونكران الذات في سبيل راحة المحبوب، وأحب شيء للرجل هو شعوره بأن له مكانة خاصة في قلب زوجته وحياتها، وأنها تبذل كل هذا الود والاهتمام تقديرا لجهده وامتنانا بفضله.
أما السياج الآمن الذي يجعل زوجك أسير منزله وسعيد زمانه فهو مشاركته في هواياته والأنس به في حواراته وفتح قلبه لك في جلسات ودية حميمة يبوح كلاكما بمكنونات صدره وسوانح أفكاره وآرائه وطموحاته. والنبي العدنان -بأبي هو وأمي- سابق عائشة فسبقته وسبقها، وحاورها وحاورته في جلسات ودية تمثل نموذجا راقيا لمن ينشد السعادة الزوجية.    
كما أن الزوجة الزكية تعرف كيف تتحاور مع زوجها ومتى تتناقش، واللحظة التي عندها تطلب أو ترفض أو تخالف أو تعترض .. كل هذا من واقع معرفة وخبرة جيدة بمزاج زوجها ومداخل شخصيته وما يحب وما يكره.
ورغم أن العيوب البشرية تتفاوت لكن الزوج يهرب بالأخص من الزوجة الثرثارة والنكدية والجريئة في علاقاتها الاجتماعية والمبذرة والفضولية والشكاية والمغرورة والمهملة والعنيدة.
أما الزوجة فتنفر من الزوج البخيل والأناني والمتسلط والمطلاق والغضوب والمنحاز لأسرته بشكل جائر والمدخن وأسير النزوات والغيور المفرط والشكاك والمستهتر.
وكل هذه التوجيهات لا تعني بالضرورة أن يكون الرجل حبيس بيته قد سيطرت زوجته على دقائق حياته بل معناه حرص كل طرف على أن يجعل حياته الزوجية قبلته التي تصبو نفسه إليها ويجد عندها سكينته وراحته، وهذا لا يمنع إطلاقا من العلاقات الاجتماعية والأنس بالأصدقاء والأقارب والجيران، فالإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه، لكن في الاعتدال السلامة، وما أجمل أن نعيش الحياة كاملة بوسطية لا إفراط فيها ولا تفريط، وما أبشع أن يصير البيت أتون نار تغلي فيه عواطفنا ومشاعرنا ونهرب من جحيمه بحثا عن السعادة في الطرقات.
وأخيرا ينبغي للزوجين أن يكونا على قناعة تامة بأن الهناء الأسري نعمة وفرصة ربما لا تمنحها الأقدار على الدوام ولذلك فالتمتع بهما والارتواء من نبعهما عين الكياسة، والحفاظ على أسبابهما من مقتضيات التعقل والفطنة، بل إن من دوام استمرار النعمة شكر المنعم، فليتدارك كل منهما نفسه ويصحح مساره كي تدوم أسباب الوصل، ويستمتع بمباهج حياة أسرية مستقرة بدلا من النفرة التي لا مبرر لها على الإطلاق.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com
  

الاثنين، 16 مارس 2015

طور فكرك وتدبر أمرك




كتب مؤسس شركة (سوني) اليابانية والتي يُضرب بها المثل في النجاح، كتب يقول: كنت أفكر في صنع جهاز تسجيل ينطق فقط ولا يسجل. أي لا يمكن تسجيل أي شيء فيه، وإنما يمكن فقط الاستماع إلى الأشرطة المسجلة مسبقاً. فجمعت عدداً من المصممين وقلت لهم: (أريد جهاز تسجيل لا يسجل). فضحكوا من كلامي، وقالوا: (إن فلسفة جهاز التسجيل قائمة على التسجيل والحفظ، وليس على القراءة وحدها). ثم بعد شهر جاءني الخبراء بأربعمائة مخطط مختلف، فاخترت منها أربعة، وتم تصنيعها.
وفي العام الأول لم يجنِ أي جهاز منها أرباحاً، لكنني ربحت في العام الثاني ثمانية ملايين دولار في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها .. لقد كان هذا الجهاز نتاج لحظة من التفكير. هذا يعني أن شيئاً يبدو في الظاهر أنه فاشل قد يكون ناجحاً، إذا أضفنا بعض التفكير إليه، وحتى في الأشياء التي نؤمن بنجاحها تماماً، فإن التفكير قادر على أن يوصلنا إلى ما هو أفضل منها. إن إلغاء التفكير يعني إلغاء التطور.
إن الصناعات الناجحة تدخل في سوق المنافسة، وأصحابها يعلمون أن التطور أمر يومي وأن هنالك في كل يوم بضاعة جديدة، وتحسينات جديدة على البضاعات القديمة. وهكذا فإنه لابد من تطوير كل فكرة، وتحسين كل بضاعة، ولن يحدث ذلك إلا من خلال التفكير المتجدد. بل أستطيع القول إن علينا أن نجدد التفكير في تفكيرنا، وأن نطور أسلوبنا في كل مجالات الحياة بما فيها مجالات التفكير ذاتها.
ولو قارنَّا أنفسنا بالمفكرين والمبدعين والمتأملين في خلق الله تعالى؛ لما وجدنا فروقاً بيننا وبينهم في الخلْق، بل الكل خرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً، كما قال تعالى: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: ٧٨] فالفارق بين من لا يحسن استخدام فكره واستغلال وقته، وبين أولئك المبدعون والمفكرون أنَّهم أحسنوا الاستفادة من وسائل تلقي المعرفة الثلاثة «السمعُ والأبصارُ والأفئدةُ»، واستخدموها للتفكر والتدبر في ملكوت الكون، وفيما ينفع الأمَّةَ من اختراعات وابتكارات.
يقول هنري فورد: سواء كنت تفكر بأنك تستطيع، أو تفكر بأنك لا تستطيع، فأنت على صواب،  فالرسالة واضحة وهي: نعم، أنت تستطيع إذا صممت على أنك تستطيع .. إن كل الإنجازات العظيمة تبدأ أول ما تبدأ في تفكير الإنسان، ويبقى المرء غير قادر على إنجاز أي شيء منها طالما هو متصور أنه ليس بإمكانه القيام بها، ولاستعادة ثقته بذاته عليه التخلص من الرعب والقلق والتشكك في النفس وإمكانياتها .. إن خوف الإخفاق هو أكبر مشكلة في تحقيق النجاح، ومن المؤسف أن الناس لا يدركون أهمية الإخفاق في التمهيد للنجاح، فكل نجاح عظيم يكون الإخفاق قبله أعظم، وهذا ما نلاحظه في كل سير العظماء.
قام باحث أمريكي اسمه (نابليون هل) بمقابلة أكثر من 500 شخص حققوا أعلى درجات النجاح، وفوجئ أنهم واجهوا إخفاقات جبارة، ولكنهم قرروا أن يمشوا خطوة أخرى بعد كل إخفاق ليحققوا ما يريدون، وأعظم مخترع في العصر الحديث (طوماس أديسون) أخفق 10000 مرة في تجاربه على المصباح الكهربائي قبل أن ينجح في اختراعه. فبعد أن أخفق 5000 مرة كتبت الصحف أنه مجنون وأنه يضيع حياته حيث يريد تغيير نظام الإضاءة الذي استعملته البشرية مند أقدم العصور، فرد عليهم قائلا: (إني لم أخفق، بل إني أعرف الآن 5000 طريقة غير ناجحة لعمل المصباح الكهربائي).
وإذا أخفقت في السيطرة على فكرك تأكد من أنك لن تسيطر على أي شيء آخر، وإذا كنت مهملا في ما يخص ممتلكاتك ليقتصر ذلك الإهمال على المادية منها فقط، لأن عقلك هو مملكتك الروحية، وعليك حمايته واستعماله بعناية، وأنت تملك حقا مقدسا بذلك، وأعطيت قوة الإرادة لهذا الغرض.
الطريق من هنا
·  أكثر الوسائل التطبيقية للسيطرة على العقل ذاتيا هي إشغاله بهدف محدد، وأن يكون مشدودا بخطة واضحة، ويمكنك دراسة سيرة أي رجل حقق نجاحا باهرا لترى أنه كان مسيطرا على عقله، وأنه مارس تلك السيطرة ووجهها نحو تحقيق أهداف محددة، ومن دون تلك السيطرة لن يكون النجاح ممكنا.
·  يعتبر الإدراك الواعي لمصادر الخطأ في التفكير هو المصدر الرئيسي الذي نستطيع أن نعتمد عليه لتحسين تفكيرنا. وكلما ازداد تفكيرنا وضوحًا، كلما أصبحنا أفضل في اتخاذ القرارات، وحل المشكلات،  وأيضًا في وضع الأمور في منظورها السليم.
·      فكر في الحصول على المزيد من النتائج الجيدة، أكثر مما تفكر في عمل الأشياء بالطريقة التي ترغب.
·  لا تقلق بشأن تعديل أفكارك أثناء تقدمك، فمن الممكن أن تتحول القناعات والنظريات والافتراضات تدريجيًا بمرور الوقت، أو تتغير فجأة.
·  تجاوز مشاعر الندم وخيبة الأمل والشعور بالذنب والاستياء والرفض أو اللوم .. يفتح الباب أمام تجارب إيجابية جديدة تتدفق في حياة الإنسان.
·      الاستسلام للمألوف يخمد نار الفكر.
·  الانهزامية أمام  سخرية الناس دليل على ضعف الإرادة لدى المرء، والذين يعرفون أهدافهم ويدركون تماما أنها صحيحة وواقعية ينبغي أن يلاحظوا النتائج، تماما كما كان يفعل الأنبياء والمصلحون .. كانوا على يقين راسخ بأهدافهم، وواجهوا استهزاء الناس وسخريتهم بالمزيد من العمل والمزيد من النشاط، وهذا ما يجب أن يفعله الذين يرغبون في النجاح.

 

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com