الجمعة، 29 أغسطس 2014

مقاومة غزة .. وضوح الرؤية والهدف



«الاحتلال لن يعوض إخفاقه في الحرب على طاولة المفاوضات» .. بهذه العبارة الناصعة التي أطلقها (إسماعيل هنية) بدأت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في أول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني على أرضية المقاومة الصلبة التي لم تعهدها إسرائيل من قبل .. بدأت المقاومة نضالها السياسي مرفوعة الرأس واضحة الرؤية والهدف .. بدأت واضحة وفي النور لا كما تعودنا سلفا على المباحثات العربية الإسرائيلية طيلة عهودها السابقة، حيث البنود السرية واستمرار التفوق الصهيوني بشروطه التعجيزية، والدعم الأمريكي السافر والخضوع العربي المخزي.
والمفاوضات مع الصهاينة ليست بالأمر الهين، فمع التفوق العسكري لدولة الاحتلال تمتلك أيضا براعة سياسية مكنتها من عزل مصر عن محيطها العربي والإقليمي وإخراجها من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي من خلال اتفاقية (كامب ديفيد)، والشيء نفسه يقال عن (اتفاقية أسلوا) للحكم الذاتي المحدود التي عقدتها مع منظمة التحرير الفلسطينية ثم تملصت إسرائيل من هذه الاتفاقية ولم تنفذ استحقاقاتها التي تقود لإقامة دوله فلسطينيه مستقلة بحدود الرابع من حزيران 67 كاتفاق إطار لمدة خمس سنوات انتهت بنهاية 1999، ولا يفوتنا (اتفاقية وادي عربه) بين الأردن وإسرائيل حيث الاعتراف المتبادل، هذا فضلا عن تمكن حكومات الكيان الإسرائيلي من إقامة العديد من العلاقات غير مباشره مع العديد من الدول العربي، ونسج خيوط لعلاقات اقتصاديه واستثماريه في العديد من الدول العربية بحيث تمكنت بهذه الاتفاقات من اختراق قرار الجامعة العربية بمقاطعة إسرائيل اقتصاديا.
اليوم الأمر يختلف، فالمفاوضات تلت عملية حربية إسرائيلية تدميرية لكل شيء في غزة، استخدمت خلالها خمسة آلاف طن متفجرات (ما يعادل 12 قنبلة ذرية)، ولكنها لم تؤت أكلها، وخرجت منها إسرائيل ولم تنتصر وغزة لم تنهزم.
هذا فضلا عن أن الجيش الصهيوني قد تآكلت لديه قوة الردع منذ عام 2005 وما تلاه من نصر (حزب الله) بلبنان 2006 ، فأخذ العبرة من مغامرة (الجرف الصامد) بسرعة بعد أن لم يحترم قدرات الخصم بشكل كاف، وتراجع بقواته البرية إلى الوراء وأكمل عدوانه بسلاحه الجوي فقط بعد أن خسر بريا ما خسر، وأسر من جنوده من أسر.
كما بدأت المفاوضات بتوحد كامل لكل الفصائل الفلسطينية المقاومة .. توحد في الرؤية والقرار، وتبصر تام لمناورات العدو الذي يحاول المماطلة لكسب مزيد من الوقت الذي يمكن أن يفجر الأوضاع الشعبية في غزة إثر الوضع الكارثي هناك، ورغم استبعاد هذا الأمر مع اصطفاف الشعب الفلسطيني خلف المقاومة إلا أن المقاومة أعلنت مؤخرا أن الهدنة الثانية لن يعقبها أي هدنة أخرى، وتعول المقاومة على حرب استنزاف طويلة الأمد لا تجعل الصهاينة ينعمون بالراحة في ظل منظومة صواريخ يغطي مداها كافة الأجواء الإسرائيلية، فضلا عن تعطل المطارات والموانئ وإرهاق الاقتصاد الإسرائيلي وتأجيج الحرب النفسية على المواطن الإسرائيلي. علاوة على أن الوضع الدولي لن يسمح بمجازر إسرائيلية طويلة الأمد.
ويشار إلى أن حرب الاستنزاف ستربك سير التعليم في السنة الدراسية الوشيكة، وستؤدي لتراجع عدد السياح، وتكلف إسرائيل دفع تعويضات هائلة للمتضررين منها. ووفق وزارة المالية الإسرائيلية، فقد بلغت تكلفة الحرب على غزة حتى الآن أكثر من ثلاثة مليارات دولار، وتؤكد وزارة السياحة أن أعمال المرافق السياحية تراجعت بنسبة 90% منذ بدء العدوان.
إن الشروط التي تضعها المقاومة بفتح المعابر وإنشاء ميناء بحري ومطار لا يمكن لإسرائيل الموافقة عليها لأن هذا من شأنه أن يعزز من قدرات حماس الحربية، وكل ما تستطيع أن تقدمه دولة الصهاينة هو دعم مادي سخي، وموافقة على إعادة إعمار غزة، وتحسين المرافق والإمدادات الحياتية اليومية بها، وتوسيع رقعة الصيد في المياه الفلسطينية .. كل هذا كنوع من شراء البطون واللعب على وتر المعاناة.
لكن المأزق الإسرائيلي يكمن في أن أوراق الضغط التي تملكها المقاومة اليوم تختلف خاصة مع توحد القوى السياسية المفاوضة وتماسك نسيجها رغم أن أطرافا حاولت تشتيتها ومنعت مشعل وهنية من قيادتها على مائدة التفاوض، على أمل شراء ولاء بعضهم لكن الأمر كان صادما والمؤامرة كانت مكشوفة والفشل كان حليفها.
كانت رؤية المقاومة واضحة في عدم الموافقة الإسرائيلية على نزع سلاحها الذي حمى الهوية الوطنية الفلسطينية، وشكّل صمام أمان لحقوق الشعب الفلسطيني، ورسم حدوداً وخطوطاً وقواعد للموقف السياسي الواعي والمستثمر لحصاد المقاومة على الأرض، والمتناغم معها في خدمة المشروع الوطني في التحرر والاستقلال.
كانت رؤية المقاومة واضحة عندما قررت أن «المكتسبات لابد أن تكون على قدر التضحيات»، وأنها تدرك جيدا -ويدرك العدو معها- أن من يريد الشهادة صعب المغامرة معه، وأن التفوق الحقيقي للمقاومة في روحها المعنوية العالية التي لا يتمتع بها الجندي الصهيوني، خاصة وقد تسربت أنباء عن تهرب البعض من الخدمة العسكرية وإطلاق آخرين الرصاص على أصابع أقدامهم للتنصل من دخول الحرب، وغيرها من المواقف التي تصب في غير صالح حرب إسرائيلية طويلة الأمد.
        

 د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com



حماس .. الرقم الصعب في المعادلة الإسرائيلية



لو سادت الأمم بالكلام دون الفعال لصارت أمتنا سيدة الأمم، فالأمة العربية تمتلك ثروة جبارة ممن يسمون أنفسهم بـ «النخب» التي اكتسبت جماهيريتها خلف الكاميرات، وقبعت في الاستوديوهات الإعلامية المكيفة: تحلل وتنظر وتقرأ المشاهد وتستنبط الرؤى وتقترح الحلول، في برج عاجي لا يمت بواقع المواطن العربي بأي صله، وفي توليفة نادرة جمعت المحلل والاستراتيجي والخبير والمتخصص في الشأن العربي نشأت نظريات وتولدت أفكار واقترحت مشاريع وصممت برامج .. للنهوض تارة ولتحسين المستوى الحياتي تارة أخرى ولمواكبة النهضة الحضارية الغربية، ولتكوين منطقة خالية من الأسلحة النووية والملوثات العضوية والنفايات البيئية .. وغيرها من العناوين الجبارة والشعارات الحماسية الفضفاضة، دون حراك يذكر على أرض الواقع سوى رصد الميزانيات الفلكية وعقد المؤتمرات الدورية ثم تخفت الأخبار تدريجيا وبعدها يدخل المشروع دائرة النسيان.
المحزن أن أعداؤنا تجمعهم أحقادهم تجاهنا على بذل المزيد من الجهود للسيطرة والاستحواذ، وغالبا ما ينجحون .. أعداؤنا يعرفون طريقهم جيدا في الوقت الذي نتلمس في طريقنا ونتحسس فيه سبيلنا للخروج من بوتقة الظلام والفشل العربي دون جدوى.
في وسط هذا المستنقع العربي الآسن كانت «حماس» .. وما أدراك ما حماس.
هذه المنظومة الأبية من الرجال في زمن الانبطاح العربي التي أزعجت عدوها الصهيوني على الرغم من آلة حربة الجبارة، وأثلجت صدور قوم مؤمنين بربهم وقضيتهم.
حماس التي قالوا عن صواريخها أنها عبثية وأنها لا تثقب جدارا، فما فت في عضدها تخذيل المخذلين، ولا يأس المنهزمين، ولا اقتراحات المطبعين .. بدأت رحلة المقاومة، ولأول مرة يخرج من العرب من يتجاوز حدود التصريحات والتنديدات والاستنكارات، ويعلنها صراحة أن ما أخذ بالسيف لا يرد إلا بالسيف، فكفرت بطاولات المفاوضات، وناورت سياسيا لكن أصبعها على زناد البندقية، وقدمت شهداء ودماء وأشلاء في مسيرة التضحية الحقيقية الصادقة.
  وها هي اليوم رغم الشهداء والخراب تبهر العدو قبل الصديق، وتطلق صواريخها النوعية إلى قلب إسرائيل، أقولها بكل فخر «صواريخها» .. ليست صواريخ أمريكية ولا روسية كما هو الحال في كافة الجيوش العربية بلا استثناء.
وأحيلكم إلى هذه الأخبار الغريبة على أسماعنا كعرب بعدما صدئت آذاننا من نغمات التفاوض وضبط النفس وشعارات السلم الدولي والتعايش السلمي .. على مدار عقود لم يتحرر خلالها من القدس شبرا واحدا:
-      أقر محللون عسكريون إسرائيليون بأن كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، "وعدت فأوفت في مشهد غير مسبوق" بتاريخ الكيان الصهيوني. وكانت كتائب القسام قد هددت "الإسرائيليين" بقصف تل أبيب وضواحيها بعد الساعة التاسعة مساء السبت 12/7/2014، ونفذت وعدها في مشهد أصاب الكيان الصهيوني كله بالصدمة والذهول؛ حيث انتظر أكثر من 3 ملايين إسرائيلي يقطنون تجمع غوش دان والذي يضم تل أبيب عملية كتائب القسام الصاروخية التي أعلن عنها سلفًا في مشهد تحدٍّ لم يعتده "الإسرائيليون" في تاريخهم.
ويرى مراقبون أن رسالة تلك الصواريخ أضرت بالأمن الإسرائيلي أكثر من أي معركة أخرى، فقد ضربت كرامتهم العسكرية عندما وقفوا عاجزين يجوبون القطاع من شرقه لغربه بحثاً عن منصة الصواريخ التي ستنطلق منها المفاجئة.
-      الإعلام الإسرائيلي: صاروخ فلسطيني يصيب قاعدة "كناف 2" الجوية قرب مدينة القدس المحتلة بشكل مباشر.
-      وجهت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، صفعة قوية لمنظومة القبة الحديدية "الإسرائيلية" عبر تزويد صواريخها بتقنية تمنع اكتشافها من قبل تلك المنظومة المضادة للصواريخ .. وقالت الكتائب في بيان لها حول تفاصيل عملية قصف منطقة "بيت يام" و"تل أبيب" مساء السبت إن صاروخين من نوع " J80" والذين أطلقا ضمن رشقة صواريخ على منطقة "غوش دان" وسط فلسطين المحتلة مزودين بتقنية تمنع اكتشافهما من قبل القبة الحديدية الإسرائيلية.
-      د. محمود الزهار يتقدم صفوف المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني.
-      قادة إسرائيل من العسكريين والسياسيين محبطون ويتلاومون بينما المقاومة تمطر وتدك تل أبيب والقدس ومدن إسرائيل من حيفا وحتى الجنوب بالصواريخ.
-       تبحث الولايات المتحدة خادمة إسرائيل بالبحث عن وسطاء تقبلهم حماس من أجل وقف إطلاق النار لحماية إسرائيل من صواريخ المقاومة.
-       ميركل وأولاند وأوباما يطلبون وساطة أردوغان، والصهاينة العرب يناشدون حماس أن تتوقف والمقاومة تصر على أن تفرض شروطها وأن تمرغ أنف إسرائيل في التراب.
-      كشف صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أن حكومة الاحتلال الصهيوني، أصدرت قرار الشروع في عملية برية بقطاع غزة مرتين، قبل إلغائه في اللحظات الأخيرة.
إننا إذ ننعى شهدائنا بغزة، ننعاهم اليوم نعيا خاصا مشوبا بالعزة، وبمشاعر يمتزج فيها الحزن بالإيباء والشموخ، وحسبنا أن نقول اليوم بملء الفم: «قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار»، وأننا نموت اليوم بشرف لا أن نساق للموت كما تساق النعاج.
اللهم انصر حماس .. اللهم انصر حماس .. اللهم انصر حماس

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com

   

حرب غزة .. قراءة في مشهدين



في خضم الأحداث الدموية التي تمر بها غزة هذه الأيام، تتباين المواقف من داخل غزة نفسها ومن خارجها في آن واحد، فبينما بدت الفصائل الفلسطينية المجاهدة واضحة الرؤية في مواقفها البطولي، نجد على الجانب الآخر رؤية صادمة للموقف الرسمي المصري وآلة إعلامه الجبارة، وبالرغم من مشاركة آخرين لهذه الرؤية المصرية المشينة إلا أننا رأينا أن نركز على الموقف الفلسطيني الأبي من قلب غزة والموقف المصري المغاير باعتباره محوري في القضية الفلسطينية بحكم ثقل مصر التاريخي والعربي وتماسها الحدودي مع قطاع غزة.

تمر الأحداث سراعا، وتسطر المقاومة الفلسطينية ملحمة بطولية وتكنولوجية في سابقة فريدة لم يعرفها النضال العربي الرسمي طيلة قيادته لملف القضية الفلسطينية، ولأول مرة تحلق طائرات حمساوية بدون طيار فوق مبنى وزارة الدفاع الصهيونية «الكرياة» بتل أبيب التي يقود منها الصهاينة العدوان على قطاع غزة، على الرغم من الغطاء الجوي ومنظومات الاعتراض المتطورة للاحتلال، كما أطلقت كتائب القسام عدة صواريخ على مدينة تل أبيب، بالتزامن مع جلسة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر «الكابينيت».
وحدث بكل فخر عن إسقاط المقاومون الفلسطينيون لأربع طائرات إسرائيل بدون طيار كانت تحلق فوق أجواء قطاع غزة. وإعلان الجيش الإسرائيلي رسميا عن مقتل أول إسرائيلي متأثرا بجراح أصيب بها جراء شظايا صاروخ عند معبر بيت حانون. كما أرسلت كتائب القسام رسائل نصية هاتفية إلى نصف مليون إسرائيلي في إطار الحرب النفسية حيث حذرتهم من أن حكومتهم تقودهم إلى الهلاك.
وفي خضم حالة التخبط التي تعيشها القيادة الصهيونية أقال رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" نائب وزير الدفاع الإسرائيلي "دانى دانون" على خلفية مهاجمته لقيادة الدولة.
وأخيرا خلص المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" الصهيونية إلى إن الحرب التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة قد استنفذت، وأن الجيش لن يحقق إنجازا حاسما، وأن الجيش لا يمكنه تحقيق أهداف الحملة معتبرا أنه استنتاج كئيب لكنها الحقيقة المرة، فبعد بعد ستة أيام من انطلاق الحملة العسكرية حقق الجيش بعض النجاحات لكن ليس بمقدوره تحقيق إنجاز هجومي.
وسخر ممن يدعون إلى "إطلاق يد الجيش لتحقيق الانتصار"، وقال: "إنهم لا يدركون أين يعيشون"، مشيرا إلى أنه "لا يوجد إمكانية عملية لمنح الجيش ما يتطلب لاستنفاذ ذاته – غطاء سياسي وقضائي- لهذا لا معنى لقدرته على تحقيق ما كان في فترات سابقة وبظروف مختلفة يعتبر انتصارا".
وقال: "إذا أصرت إسرائيل على شروط أفضل فإن من شأن ذلك إطالة شد الأعصاب، وزيادة ومعاناة السكان في قطاع غزة دون أي أنجاز حقيقي". واختتم المحلل الصهيوني مقالته بالقول: "سيتطلب من نتنياهو أن يحاول تسويق تنازلات إسرائيل لحماس أو للوسيط الدولي على أنها إنجازات، ولن يشكل ذلك تحديا لنتنياهو، فالجمهور الإسرائيلي يتقبل كل شيء إذا تملقته وحدثته كم هو شعب موحد واستثنائي".
وإن تعجب فعجب من الإعلام المصري الذي تغلي مراجله حقدا من هذه الإنجازات الغزاوية، وتسارع القيادة المصرية كعادتها لتبني مبادرة -بمباركة أمريكية- تخدم الصهاينة سرا وتظهر للإعلام العربي بدور المشفق على أنهار الدماء الفلسطينية التي تسيل، والتي ترى أن مجرد وقف جريانها إنجازا رغم الشروط الخفية المجحفة لإخواننا في النضال، فضلا عن زيادة ساعات فتح معبر رفح لكن بشكل لا يجهض الغرض من الحصار.
فلقد قال المحلل السياسي الإسرائيلي "إيهود يعاري": إن المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة ضبابية وأن النظام المصري يهدف من ورائها إلى تحجيم حركة حماس. وأوضح يعاري أن النظام المصري يهدف من وراء المبادرة إلى منع حماس من تحقيق انتصار في العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة المشتعلة منذ ثمانية أيام.
ومن جهته، قال المحلل العسكري "عاموس هرئيل" في مقال نشرته صحيفة هآرتس، أن القاهرة تحاول الآن أن تضمن مكاسب للسلطة الفلسطينية في التسوية وتشترط إعطاء حماس تسهيلات في معبر رفح بضمان تمثيل السلطة الفلسطينية في المعبر.
ويرى مراقبون أن المبادرة بمثابة غطاء لتجديد الشرعية الدولية للعدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة من خلال إظهار حماس على أنها ترفض وقف إطلاق النار وتواصل إطلاق الصواريخ على الإسرائيليين، بسبب عدم تعاطي المبادرة مع شروط المقاومة الفلسطينية القاضية بوقف جرائم الاحتلال وكسر الحصار المفروض على القطاع.
وحدد مسئولون إسرائيليون ثلاثة أسباب دفعت تل أبيب لقبول المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة، أولها أن المبادرة لا تستجيب لمطالب حماس وخاصة الإفراج عن أسرى، وثانيها أنها تتحدث عن وقف غير مشروط لإطلاق النار، وثالثها أنها ترى أن قبول المبادرة بعد الضربات التي وجهت لإسرائيل يترك حماس في موقف ضعيف.
لكن حماس المقاتلة لا تقل عن حماس السياسية المناورة حيث رفضت المبادرة المصرية المقدمة لوقف إطلاق النار، مؤكدة أن المعركة مع العدو الصهيوني ستستمر وبشكل أشد ضراوة. ووصفت هذه المبادرة بأنها مبادرة ركوعٍ وخنوع، وأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
ومن المواقف المشرفة للدكتور حسام بدران المتحدث الإعلامي باسم حركة حماس، نفيه في تصريحات صحفية أن يكون قد وجه الشكر للقيادة المصرية، وتساءل: علاما نشكرها؟! .. وكانت تصريحات منسوبة للدكتور بدران تم نشرها علي صحيفة "اليوم السابع" المصرية تحت عنوان: «المتحدث باسم حماس: نشكر القيادة المصرية على دعمها، وننتظر المزيد»
وأشار بدران أنه بالفعل أدلى بتصريحات لمحرر "اليوم السابع"، حول الوضع في غزة، لكنه لم يتطرق لتوجيه الشكر للقيادة المصرية. موضحاً أن القيادة المصرية تغلق معبر رفح، وترفض دخول أي شيء لغزة، وأنها منعت وفداً طبياً من أوربا دخول غزة، فكيف يشكرها، وما هو الذي قدمته هذه القيادة حتى يطالبها بالمزيد؟!
ويرى المحللون أن مصر خسرت أحد أهم مواقعها التي كانت تعطيها أفضيلة لدى صانع القرار الدولي، سواء الأممي أو الأمريكي، فالنفوذ المصري في الملف الفلسطيني كان يعادل نصف قيمة الدبلوماسية المصرية في العالم كله، للحساسية العالية للملف الفلسطيني الإسرائيلي في جميع عواصم العالم الكبرى، ومعلوم أن أول اتصال بين قادة العالم وأي رئيس مصري جديد يكون أول جملة فيه بعد التهنئة بالمنصب هو السؤال عن الموقف من القضية الفلسطينية وإسرائيل، فأن تخسر مصر مكانها وموقعها هنا يعني أنها خسرت -بضربة واحدة- نصف ثقلها الدبلوماسي، وهي خسارة تترجم بعد ذلك في تقلصات للدعم السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري وخلافه، لأن العالم لا "يتصدق" عليك إلا وفق القيمة التي يمكن أن يجنيها من ورائك، أو الدور الذي يمكنك القيام به.
ولقد وصل الارتباك بالقيادة الصهيونية إلى إعلانها وقف إطلاق النار من جانب واحد، وهذا ما رفضته المقاومة الفلسطينية بشكل عملي حيث أعلنت كتائب القسام مسؤوليتها عن قصف مدن إسرائيلية، وأطلقت 32 صاروخا وقذيفة بعد ساعات على إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد.
إن المستقبل العربي يعاد صياغته من جديد على يد أبناء لم تستسغ أجسامهم رضاعة ألبان الخيانة والعمالة، ورفضت عقولهم النيرة فكرة أمريكا القائد الأوحد في العالم الذي ينبغي على الجميع الدوران في فلكها، فالمعول الآن على التيار الشعبي العربي الواعي الذي صار أكبر من الكل، والذي على يديه ستتحقق إنجازات –بإذن الله تعالى- تبهر القريب والبعيد، ولعل هذه القراءة هي تجلية لباب الأمل الذي ظلت الشعوب العربية تبحث عنه طيلة عقود وعقود، والحمد لله أننا أدركنا زمانا مرغت فيه أنف الصهيونية في التراب، وقبل الغدارون وقف إطلاق النار من جانب واحد، وهم يرقبون بكل رعب ماذا سيرد المجاهدون الأوفياء عليهم، فكان الرد مدويا، وقريبا سيكون النصر الحاسم بإذن الله العزيز الجبار. 

د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

الخميس، 7 أغسطس 2014

الحياة بين الانتصارات والانكسارات



نجاح .. مكسب .. فرح .. قلق .. خوف .. حزن .. إحباط .. إحساس بالفشل .. استياء.. تختلف المشاعر التي نتعرض لها، وتختلف ردود أفعالنا تجاهها .. ربما نكون جزء من الألم الذي نتعرض له، وربما نكون الضحية بلا ذنب .. قد نجد من يستمع إلينا ويرشدنا إلى بر الأمان.. يذكرنا في حين غفلة أن أمر المؤمن كله خير، وأن رحمة الله وسعت كل شيء .. وقد نجد الأبواب مؤصدة ونبقى أسرى لمشاعرنا حينا من الزمن.
قد تمر عليك لحظات تكون فيها يائسا إلى أبعد الحدود .. ولكن يبقى هناك شعورا غريبا بداخلك يقف بجانبك، وهو الذي يجعلك تستمر وتكابد مصاعب الحياة .. نعم عندما تقفل جميع الأبواب في وجهك، يظل هذا الباب مفتوحا أمامك، وأنت تمني النفس وتبني الآمال أن يكون لهذا الباب الوحيد دورا في تغير حياتك وإبعاد اليأس عنك .. نعم إنه باب «الأمل» فالحياة كلها تدور لحظاتها سريعة وتتفاوت بين اليأس أحيانا وبين الأمل أحيانا أخرى، فهل اليأس هو الحل الوحيد لك وللمشاكل كلها .. بالطبع لا .. فجميعنا لدينا أمل أن تتحسن الظروف ويتغير الحال.
«الأمل» .. تلك القوة الدافعة التي تشرح الصدر للعمل، وتخلق دواعي الكفاح من أجل الواجب، وتبعث النشاط في الروح والبدن، وتدفع الكسول إلى الجد، والمجد إلى المداومة، كما تدفع المخفق إلى تكرار المحاولة حتى ينجح، وتحفز الناجح إلى مضاعفة الجهد ليزداد نجاحه.
الأمل الذي نتحدث عنه هنا ضد اليأس والقنوط .. إنه يحمل معنى البشر وحسن الظن بالله تعالى، بينما اليأس معول الهدم الذي يحطم في النفس بواعث العمل، ويُوهن في الجسد دواعي القوة. ولهذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «الهلاك في اثنتين: القنوط والعُجب».. القنوط هو اليأس، والعجب هو الإعجاب بالنفس والغرور بما قدمته.
قال الإمام الغزالي: «إنما جمع بينهما: لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب، والجد والتشمير، والقانط لا يسعى ولا يطلب، لأن ما يطلبه مستحيل في نظره».
وقمّة الأمل والتفاؤل في اتصال القلب بالرب جل وتعالى؛ فالصلاة تفاؤل، والذكر تفاؤل؛ لأنه يربط الفاني بالحي الباقي، ولأنه يمنح المرء قدرات واستعدادات وطاقات نفسية لا يملكها أولئك المحبوسون في قفص المادة .. إن المؤمن في كل أحواله صاحب أمل كبير في روح الله وفرجه ومعيته ونصره؛ لأنه لا يقف عند الأسباب الظاهرة فحسب، بل يتعداها موقنا أن لها خالقا ومسببا وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، فيمتلئ قلبه توكلا ورجاء وأملا. وهذا ما يفتقده غير المؤمنين؛ لذلك تراهم ينتحرون ويصابون بالعقد والأمراض النفسية الكثيرة، نسأل الله العافية.
ولذلك كان الصالحون يتقربون إلى الله عز وجل بقوة رجائهم، فهذا ذو النون المصري كان يقول في دعائه: "اللهم إليك تقصد رغبتي، وإياك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسأل الخير إلا منك، ولا أرجو غيرك، ولا أيأس من رَوحك بعد معرفتي بفضلك".
قضية اليأس والأمل ليست مجرد قصة تتصل بالحالة النفسية للإنسان عبر نتائجها الإيجابية والسلبية، بل تتصل بالنفس عبر كلام الله تعالى والخط العقائدي .. فأن تكون الإنسان الذي يعيش الأمل في عقله وقلبه يساوي أن تكون مؤمناً قويا في إيمانك .. أما أن تكون الإنسان اليائس يساوي أن تكون المرء الفاتر ضعيف الإيمان.
ونحن قد نعيش في مجتمع سلبي، ونحاط بأخبار سيئة ابتداءً من صحيفة الصباح وحتى أحداث المساء بشكل عام، قد تكون ثقافتنا ليست مشحونة دائما بجو إيجابي، وكل يوم نقوم بخيار ما لنملأ عقولنا إما بأفكار إيجابية أو بأفكار سلبية .. وللهروب من مجرى الأفكار السلبية، فأنت تحتاج لأن تفسح مجالاً لعادة التفكير بإيجابية، فالإسهاب في الأفكار السلبية هو سلوك مكتسب، وما تم اكتسابه يمكن للمرء أن يتخلص منه، لأن التفكير السلبي يشبه القطار الذي تزداد سرعته كلما تحرك مسافة أبعد.
إنك تبرهن عن النجاح أو الفشل طبقا ًلنوعية وطريقة تفكيرك الاعتيادي .. أيهما أقوى في حياتك: أفكار النجاح، أم أفكار الفشل؟ إن كان تفكيرك سلبيا ًفي معظم الأوقات، فلن يكفي التفكير الإيجابي بين الحين والآخر لاجتذاب النجاح. ولكن إن فكرت باستقامة وإيجابية فستعثر على ضالتك وستبلغ غايتك، حتى ولو شعرت أنك محاط بظلمة كثيفة.. أنت الوحيد المسئول عن نفسك.
ولا سبيل إلى جعل مستقبلك أفضل من حاضرك - بإذن الله تعالى - إلا بشيئين:
«الأول»: تخيل صورة ذهنية للمستقبل أفضل من صورة الحاضر.
«الثاني»: بذل الجهد واتخاذ الخطوات العملية التي تستطيع أن تحيل بها تلك الصورة الذهنية المتخيلة إلى واقع متحقق.
فمن الخطأ الجسيم أن ننسى ما يجب أن يكرسه المرء من وقت وجهد وتركيز ومواصلة لتحقيق صورته الذهنية، بل ينبغي في نفس الوقت تخصيص الجهد والوقت والمثابرة والمواصلة حتى نجعل الوسائل المتاحة لدينا ناجعة وذات فاعلية وتأثير في تحويل الصورة الذهنية إلى واقع حي.
فعلى الإنسان المؤمن إذا أحاطت به المشاكل أن يدرسها على أساس الواقع، وأن يدرس الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها، والآفاق التي يتطلع إليها، وأن لا يحبس نفسه في سجن ضيق من التشاؤم ومن اليأس، بل يفتح لنفسه كل أبواب الرجاء وكل أبواب الأمل.
 وقد حدثنا الله تعالى في بعض آياته أن التقوى التي يعيشها الإنسان في عقله وفي قلبه وفي حياته تمنحه المخرج حيث لا مخرج، ويكتشف الحل حيث لا حل، ويحصل على الرزق من حيث لا يحتسب {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق: ٢ – ٣].
ومن يتوكل على الله وهو يسعى لحل مشكلته .. ومن يتوكل على الله وهو يعي طبيعة الواقع .. ومن يتوكل على الله وهو يخطط للمستقبل ..{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣] فإذا أراد الله شيئاً بلغه {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} أي قد جعل الله للمشاكل قدراً محدوداً، ولحلولها قدراً محدوداً، وفتح للإنسان أكثر من أفق جديد، في عقولنا وفي قلوبنا ومشاعرنا.
فأن نكون مؤمنين يعني أن لا يزحف اليأس إلى حياتنا، وأن نبقى محدقين في الشمس عندما تميل إلى الغروب وينتشر الظلام، ونحدق بالنجوم وهي تشير إلينا أن الظلام ليس خالداً، وأن هناك إشراقة الفجر التي تنطلق من كل نقاط الضوء .. فإذا كنت تشعر بالظلام ففكر بنقاط الضوء التي تجدها منتشرة في الحياة حتى تلتقي بالفجر، وفي قلبك أكثر من أمل، وفي قلبك أكثر من انفتاح على الشروق، وأقولها للشباب، عندما ينطلقون في دراساتهم وفي مشاعرهم وفي عواطفهم، وأقولها للثائرين وللمجاهدين الذين يواجهون التحديات .. «ليس هناك ظلام مطلق» .. علينا أن ننتج النور من عقولنا، وأن ننتج النور من قلوبنا، وأن ننتج النور من جهدنا، لنلتقي بالنور الذي يفتحه الله تعالى لنا من خلال إشراقة شمسه.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com









رتب حياتك



وقف الأستاذ أمام تلاميذه ومعه بعض الوسائل التعليمية، ودون أن يتكلم بدأ الدرس بتناول عبوه زجاجيه كبيره فارغة، وأخذ يملأها بكرات الجولف، ثم سأل التلاميذ: أترون؟ .. إنها ممتلئة، أليست كذلك؟ فأجابوا: نعم، هي كذلك.
تناول وعاء صغيرا من الحصى، وسكبه داخل الزجاجة ثم رجها بشده حتى تخلل الحصى كرات الجولف وملأ الفراغات بينها ثم سألهم الأستاذ نفس السؤال؟ فكانت نفس الإجابة من التلاميذ .. تناول كيسا من الرمل وسكبه فوق محتويات الزجاجة فملأ الرمل باقي الفراغات فيها، فكرر السؤال وبالتالي تكررت نفس الإجابة .. سكب الأستاذ بعدها فنجاناً من القهوة داخل الزجاجة فضحك التلاميذ، وبعد أن هدأ الضحك شرع المعلم في الحديث قائلاً:
الآن أريدكم أن تعرفوا إن هذه الزجاجة كمثل حياة كل واحد منكم، وكرات الجولف تمثل الأشياء الضرورية في حياتك: دينك، قيمك, أخلاقك، عائلتك, أطفالك، صحتك, أصدقائك .. فلو فقدت كل شيء وبقيت هذه الأشياء فستبقى حياتك مستقرة ثابتة.
أما الحصى فيمثل الأشياء المهمة في حياتك: وظيفتك, بيتك, سيارتك .. والرمل يمثل الأمور البسيطة والهامشية: الوزن، الرشاقة، ديكورات المنزل، وسائل الترفيه ..
فلو كنت وضعت الرمل في الزجاجة أولاً فلن يتبقى مكان للحصى أو لكرات الجولف، وهذا يسري على حياتك الواقعية كلها، لو صرفت كل وقتك وجهدك في هوامش الأمور فلن يتبقى حيز للمهام الجسيمة التي تهمك .. حدد أولوياتك فالبقية مجرد رمل.
وحين انتهى الأستاذ من حديثه الرائع رفع أحد التلاميذ يده متسائلاً: إنك لم تبين لنا ما تمثله القهوة؟ .. ابتسم الأستاذ وقال: أنا سعيد جدا بسؤالك .. أضفت القهوة فقط لأوضح لكم أنه مهما كانت حياتك مليئة فسيبقى هناك دائماً مساحه لفنجان من القهوة !!

«حياتك أسيرة أولوياتك» .. تلك قناعة ينبغي أن لا تغيب عنا طرفة عين، فترتيب الأولويات يعني توفير الوقت والجهد وإحراز ثمرة العمر التي يتمناها كل النجباء، وإن كانت مسألة الترتيب تمثل إشكالية لدى البعض إلا أن الإشكالية الكبري في كيفية الترتيب، وبمعى أوضح أن نرى المهم مهما فنقدمه والهامشي هامشيا فنؤخره، لأن البعض قد يلتبس عليه الأمر ويظن أن المقصود مجرد الترتيب البحت، وقد يجعل الثانوي أساسيا والأساسي ثانويا وهو يحسب أنه قد أحسن صنعا.
البعض الآخر قد يرتبون أولوياتهم وفق رغباتهم، متجاوزين ما يحتاج إلى جهد جهيد أو همة كالحديد، وهم في ذلك يؤثرون الدعة ويستمرئون الاسترخاء ويشفعون لأنفسهم بأن هذا جهدهم المتاح، متناسين أن الحياة الكريمة دونها مفاوز وقفار، ومن طلب عظيما خاطر بعظيمته.
لذلك يقول علماء إدارة الذات: "عليك التركيز أولاً في الصورة الأكبر لحياتك .. فكر في المثلث بوضعه المقلوب، فكل ما يمثله أعلى قائمتك يجب أن يتضمن المشروعات والأفكار الكبيرة التي تفكر فيها، وأثناء قيامك بأعمالك ضع مشروعاتك الصغيرة وأفكارك حيز التنفيذ، وباحتفاظك بترتيب أولوياتك تأكد من تحقيق أهم الأشياء التي تريد القيام بها".
وعموما لا ينبغي فهم قضية ترتيب الأولويات على أنها تخلّي عن الأمور الصغيرة! أو تخطّي الأشياء غير المهمة! ..إطلاقا، فلحظات الاسترخاء أو الجلسات الاجتماعية مع الأحباب مهمة في تجديد عزيمتنا واستعادة نشاطنا، وليس من الحكمة اعتبارها مضيعة للوقت وتفريغا للجهد، لأننا منطقيا لا يمكن أن نعمل بدأب طيلة العمر، والحكمة تقتضي وضع الأمور في نصابها، وإجمالا: إذا أردنا الاحتفاظ بكل شيء فسوف تعاني من الحمل الزائد، فمن الأفضل أن نختار التخلّي بوعي عن الأمور التي لا تخدمنا كثيراً ونحتفظ بتلك المفيدة.
هناك فرق
هناك خلط شائع بين الأولويات والأهداف، فالأولويات هي الملهم والأساس التي تحدد أهدافك من خلاله، فهي مصدر كل الأهداف، والإطار العام الذي يشملها ويحتويها. أما الهدف فهو مهمة أو إنجاز تريد تحقيقه.
فالرغد المادي والأسرة المستقرة والصحة الجيدة .. كلها أولويات ينضم تحتها العديد من الأهداف مثل زيادة الدخل الشهري والإدخار العام، واختيار الزوجة المناسبة كشريكة العمر، والمدرسة النموذجية للأولاد، والالتزام بالإرشادات الغذائية والفحوصات الدورية من أجل الحفاظ على الصحة .. إذن «كل أولوية هدف، وليس كل هدف أولوية». 
من الأهم نبدأ
أهم قضية ينبغي أن نوليها جل اهتماماتنا هي قناعاتنا الذاتية وثوابتنا الفكرية وأسسنا العقائدية التي تمثل خميرة خصبة لإنجاح أي عمل يأتي بعد ذلك، ذلك لأن المرء يسير دوما وفق تصوراته، وهي التي تحدد فيما بعد رغباته ومنطلقاته وخارطة طريقه.
فعن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً، وأنتم تتعلمون القرآن ثم تتعلمون الإيمان .
وعنه قال: لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها كما تعلمون أنتم اليوم القرآن، ثم لقد رأيت اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدرى ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه.
وفي الحديث القدسي: (وما تَقَرَّبَ إليَّ عَبْدِي بشَيْءٍ أحَبّ إليَّ ممَّا افْتَرَضْتُ علَيْه، وما يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حَتَّى أُحِبَّه) [رواه البُخاري]
وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلاَّ الله، وأدْناها إماطة الأذى عن الطَّريق) [رواه مسلم]
وقال الإمام أبو عبيدة: "مَن شغل نفسَه بغير المهمِّ أضرَّ بالأهمِّ".
آفات خبيثة
«التسويف، التيبس» من أشهر آفات فقه الأولويات التي أنطنا أنفسنا بها، فالتسويف يؤجل المهام حتى تضيع فرصتها وبريقها، ويكسب النفس نوعا من التبلد من الصعب التخلص منه، أما التيبس فهو فقد المرونة المطلوبة في التعامل مع أولوياتك، فالمرء بحاجة دوما إلى المراجعة بعد كل مرحلة يمر بها، يقف فيها لبرهة يرصد عندها الإنجازات والإخفاقات، ومن ثم يتخذ القرار المناسب سواء بالتقدم أو التقهقر أو التعديل في المواقف والأساليب .. التيبس هو نوعا من الجمود الفكري والعناد السلوكي الذي يبدو في ظاهرة رغبة جامحة على الصمود والإصرار لكنه في واقع الأمر عناد لن يجلب لنا إلا الحسرة والندامة.
خير ثمرة
إن ترتيب أولوياتك تجعل منك إنسانا ذو صحة نفسية وجسدية هائلة، وضمان دوام النجاح والفاعلية والارتقاء، وتبعد عنك استنزافك الخاطئ لوقتك ونفسك وجسدك، وبالتالي تجعل حياتك أكثر هدوءا واستقرارا، وتشع منها رائحة الرضى الذاتي والسعادة، وتبعدك عن ضغوط المسئوليات والهم والغم والكآبة التي باتت هذه الأيام صفة موصوفة لدى شريحة كبيرة منا.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com