الأحد، 25 مايو 2014

شبح منزلي اسمه .. النكد الزوجي



النكد والغم بئر عميق ندفن فيه كل اللحظات السعيدة والذكريات الحلوة، ولا يبقى في عمرنا وأيامنا سوى الحسرة والتعاسة والكآبة .. النكد تصرف غير مباشر يعبر عن غياب الاستقرار الأسري والتناغم الزوجي وتبخر أحلام السعادة التي راودتنا طيلة فترة الخطبة .. إنه نذير خطر وأمارة شؤم على بيوتنا وأسرنا، ورغم أنه يبدو في ثورات متقطعة من الغضب والنفور إلا أنه يمكن أن يتحول إلى مشكلة مزمنة يصعب التخلص منها إلا بالانفصال.   
أسباب ودوافع
النكد أقوى الوسائل وأمضى التصرفات التي تستخدمها الزوجة عندما تريد أن تقول شيئاً ما لزوجها تعلم من خلال تجاربها الحياتية معه بأنه لن يتجاوب معها. وكثيراً ما يؤدي غياب قنوات التواصل الحواري بين الزوجين إلى لجوء الزوجة لافتعال المشاكل لإثارة هذا «الرجل المتبلد» الذي لا يحرك ساكناً ولا يكترث بمشاعر زوجته ولا معاناتها. ومن المعروف عن المرأة بأنها حساسة لا تقوى على كتمان مشاعرها؛ فهي سريعة التأثر وسرعان ما تعبر عن دواخلها من ضغوطات ومشاعر سواء سلبية أو إيجابية، وربما هذا ما يجعل تصرفاتها تصنف في قائمة النكد.
والبعض يرجع النكد إلى معاناة الزوجة من النظرة الدونية من قبل زوجها، وإحساسها بأن حقوقها مهضومة لمجرد أنها أنثى، وأنها غير قادرة على جني أي مكتسبات، مما يجعلها تلجأ للشكوى وتصبح كثيرة التذمر والصراخ لعلها تجد متنفساً عن إحبطاتها.
ولاشك أن للنشأة والتربية علاقة بهذا السلوك؛ فالتي تكبر وهي تشاهد أمها تستخدم هذا الأسلوب مع والدها تتشرب هذه السلوكيات وتبدأ لا شعورياً بتقليد أمها، كما تلعب نصائح الصديقات -التي لا يجب الأخذ بها دوماً- دوراً في استخدام «النكد» كأسلوب لتحصل الزوجة المهضومة على ما تريد من زوجها.
أيضا تتسبب الرتابة والملل اللذان يخيمان على عش الزوجية في إشاعة جو النكد. وقد يكون النكد بسبب طبيعة المرأة العاطفية الحالمة التي تصطدم بالواقع حين تواجه الحياة الأسرية حيث تعتقد الكثيرات أن الزواج شهر عسل دائم، ورومانسية لا تنتهي، وحين تدخل هذا العالم وتلمس حجم المسؤوليات الملقاة عليها وصعوبة الحياة بشكل عام يصيبها الاكتئاب ويدخل النكد حياتها الذي ينعكس تباعاً على الزوج والبيت والأطفال أيضاً.
سيناريوهات كارثية
غالبا ما يحمل الزوج زوجته كل المسئولية في نكدها، ويندهش ويتسائل لماذا هي نكدية؟ ولماذا تختفي الابتسامة من وجهها معظم الوقت ويحل محلها الغضب والوعيد؟! ولماذا هي لا تتكلم؟! لماذا لا ترد؟! والحقيقة أن هذا الزوج لا يعرف أن زوجته بصمتها الغاضب إنما هي تدعوه للتفاعل معها وتفهم دواخلها .. إنها تصدر إليه رسالة سلبية، ولكن هذه هي طريقتها لأنهما لم يتعودا معا على طريقة أكثر فاعلية في التفاهم.
يقول المختصون: يقلق الزوج ويكتئب كرد فعلي على نكد الزوجة، ثم يغلي في داخله، ثم ينفجر، وتشتعل النيران، أما الزوجة فتصمت وتتجاهله لتثيره وتحرق أعصابه وتهز كيانه وتزلزل إحساسه بذاته كي يسقط ثائراً هائجاً وربما محطماً .. عندها تهدأ الزوجة داخلياً ويرضيها زلزلة زوجها حتى وإن ازدادت الأمور اشتعالاً وشجاراً، وهذا هو شأن التخزين الانفعالي للغضب.
بذلك تكون الزوجة قد نجحت في استفزازه إلى حد الخروج عن توازنه، لأنها ضغطت بأهم شيء يألم رجولته وهو «التجاهل» .. ولكن هذه ليست حقيقة مشاعرها فقط، بل هي تغلي أيضاً لأنها غاضبة، غاضبة من شيء ما، ولكنها لا تستطيع أن تتكلم. فهذا هو طبعها. ربما يمنعها كبرياؤها، فهذا الزوج يخطئ في حقها وهو لا يدري أنه يخطئ، وأن أخطاءه ربما تكون غير إنسانية. ربما هو يتجاهلها عاطفياً.. ربما بخله يزداد.. ربما بقاؤه خارج البيت يزداد بدون داع حقيقي.. ربما أصبح سلوكه مريباً.. ربما...وربما.. وربما.
ولكنه لا يدري، أو هو غافل، أو هو يعرف ويتجاهل. وهو في كل هذا لا يشعر بمعاناتها، أي أنه فقد حساسيته، ولكنها لا تتكلم ولا تفصح عن مشاعرها الغاضبة ..ربما لأنها أمور حساسة ودقيقة، وربما لأن ذلك يوجع كرامتها، وربما لأنهما لم يعتادا أن يتكلما، ولهذا فهي لا تملك إلا هذه الوسيلة السلبية للتعبير بل والعقاب.
وإذا بادل الزوج زوجته صمتا بصمت وتجاهلا بتجاهل فإن ذلك يزيد من حدة غضبها وربما تصل هي إلى مرحلة الثورة والانفجار فتنتهز فرصة أي موقف -وإن كان بعيداً من القضية الأساسية- لتثير زوبعة .. لقد استمر في الضغط عليها حتى دفعها للانفجار، وضغط عليها بصمته وتجاهله رداً على صمتها وتجاهلها، وتلك أسوأ النهايات أو أسوأ السيناريوهات.
هذا الأسلوب يؤدي إلى تآكل الأحاسيس الطيبة، ويقلل من رصيد الذكريات الزوجية الحلوة، ويزيد من الرصيد السلبي المر. وتسير الحياة خالية من التفاهم وخالية من السرور ويصبح البيت جحيم. فتنطوي الزوجة على نفسها واهتماماتها الخاصة، ويهرب الزوج من البيت، وتتسع هوة كان من الممكن ألا توجد لو كان هناك أسلوب إيجابي للتفاهم.
والخطأ الأكبر الذي يقع فيه الزوجان أن يجعلا المشاكل تتراكم بدون مواجهة، بدون توضيح، بدون حوار بصوت عال هادئ، بدون أن يواجه كل منهما الآخر بأخطائه أولاً بأول، بدون أن يعبر كل منهما عن قلقه ومخاوفه وتوقعاته وآلامه وهمومه.
قد يكون تجاهل الزوج لمتاعب الزوجة ليس عن قصد أو سوء نية أو خبث، ولكن لأنه لا يعرف، لا يعلم، لأنها لم تتحدث إليه، لأنها لم تعبر بشكل مباشر. ربما لأنها تعتقد أنه يجب أن يراعى مشاعرها دون أن تحتاج هي أن تشير له إلى ذلك، ربما تود أن يكون هو حساساً بالدرجة الكافية، ربما تتمنى أن يترفع عن أفعال وسلوكيات تضايقها وتحرجها. وهذا جميل وحقيقي، ولكن الأمر يحتاج أيضاً إلى تنبيه رقيق.. إشارة مهذبة.. تلميح راق، كلمات تشع ذوقاً وحياء دون مباشرة. ولا مانع وخاصة في الأمور الهامة والحساسة والدقيقة من المواجهة المباشرة والحوار الموضوعي.
وينبغي أن لا يخاف أي من الزوجين تطور الحوار إلى قليل من الانفعال، فالشجار ليس بداية النهاية‏..‏ بل بالعكس بداية استقرار الحياة الزوجية‏,‏ فعقب كل شجار يسعى الزوج والزوجة جديا للتوفيق بين طباعهما وميولهما‏,‏ واحتياجاتهما‏,‏ وطموح كل منهما في الحياة،‏ والشعور بخطر المنازعات الزوجية علي مسيرة الزواج.
الحوار أفضل وسيلة
أفضل وسيلة لتسوية أي خلاف ينشأ بين الزوجين هي المناقشة الهادئة بالمنطق والحجة‏,‏ ومراعاة كل منهما ظروف صاحبه‏,‏ وأيضا تنازل كل طرف عن جزء من رغباته للوصول إلي منتصف الطريق‏.‏ ومعظم المشاكل بين الزوجين تنبع من اختلاف البيئة التي ينشأ فيها كل منهما‏,‏ واختلاف الطباع والعادات والميول وغير ذلك‏.‏ وتعتبر النظرة الواقعية للزواج هي المدخل الحقيقي لحل أية مشكلات تواجه الزوجين في بدء حياتهما الزوجية‏..‏ النظرة الواقعية التي تري حقيقة الزواج وأنه ليس مجرد شهر عسل دائم‏,‏ بل حياة مشتركة فيها الحقوق والواجبات وفيها أيضا المسئوليات‏.‏
ولذلك فعلي الزوجين أن يسلمان في أوائل عهدهما بالزواج بأنه لا مفر من المنازعات‏،‏ ثم يتفقان علي أسلوب المناقشة بينهما‏,‏ والطريقة التي سوف تتبع في حل خلافاتهما‏..‏ فهناك فارق كبير بين أن يختلف رجل مع امرأته علي موضوع معين‏,‏ ثم يجلس الاثنان معا ويبحثان خلافاتهما بهدف الوصول إلي حل لها‏..‏ وبين أن يختلف الزوجان ثم يتضح أن سبب الخلاف هو رغبة كل منهما في فرض شخصيته أو كلمته علي الآخر‏.‏
 وأسوأ ما يمكن أن يحدث بين زوجين أن ينشب بينهما نزاع في مكان عام‏,‏ أو أمام الأقارب أو الأصدقاء‏,‏ وما قد يترتب علي ذلك من إفساح مكان للغرباء للتدخل ونصرة رأي أحدهما علي الآخر‏,‏ وتكون النتيجة هو أن يتمسك كل طرف برأيه في محاولة لحفظ ماء الوجه‏,‏ فضلا عما يثيره هذا التدخل من شعور في نفسهما معا بأنهما أصبحا غريبين‏,‏ وما يتركه ذلك من رواسب يكون لها أسوأ الأثر في مستقبل العلاقة الزوجية .. فالأفضل أن أي شجار بين الزوجين يجب أن يسوى بينهما دون أن يتركا المجال لأحد مهما كانت علاقته بالطرفين بالتدخل لفض هذا النزاع.
المصادر
·         في بيتي مرض اسمه النكد الزوجي      د. عادل صادق
·         قناع القبح.. كثيراً ما تستخدمينه!
·         كوني واقعية‏..‏ قليل من النكد‏..‏ ينقذ الحياة الزوجية      نورا عبد الحليم

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com



التفاؤل .. أكسير الأوقات العصيبة



ما أجمل أن ترتبط النفوس بالخير وتنعقد عليها همتها، وما أجمل أن تتفائل بالأحسن لتجده بعون الله وممده ولطفه، فانشراح الصدر بالخيرات من أعظم أسباب استقرار النفس ودمومة فاعليتها، الأمر الذي يضعها على جادة الاستفادة والإفادة، وتصير رقما مميزا في المعادلة البشرية بعطائها الفريد وبصماتها المميزة .. يقول روبرت شوللر: (إن الأوقات العصبية لا تستمر إلى الأبد، لكن الأقوياء يستمرون).
من حسنات التفاؤل أنه دليل حسن ظنك بالله عز وجل، ويجلب السعادة إلى النفس والقلب، وفي الفأل الحسن تقوية للعزائم وانطلاقا إلى الأمام، وباعثاً على الجد والأمل، فلولا الأمل لبطل العمل، وفي التفاؤل أيضا إقتداء بالسنة المطهرة، وأخذا بالأسوة الحسنة، حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتفاءل في حروبه وغزواته وفي شأنه كله. 
والتفاؤل يوحد قوة الروح وقوة الجسد، ومن استقرار الروح تزدهر الصحة النفسية التي ترتبط غاية الارتباط بقدرة الشخصية على التوافق مع نفسها ومجتمعها الذي تعيش فيه، وهذا يؤدي - إن شاء الله تعالى - إلى التمتع بحياة هادئة سوية، مليئة بالحماس، وخالية من الأسى والاضطراب والتشاؤم.
التفاؤل يعني أن يرضى المرء عن نفسه، وأن يتقبل ذاته، كما يتقبل الآخرين، وتغيب عن سلوكياته اضطرابات التوافق الاجتماعي أو السلوكيات الشاذة، بل يسلك في تصرفاته السلوك المعقول المتسم بالاتزان والمتصف بالإيجابية والقدرة على مواجهة المواقف ومجابهة المشاكل التي تقابله في مختلف نواحي حياته.
  يقول عالما النفس (بايلس) و (سيلجمان) مؤسسا حركة علم النفس الإيجابي «الواعدة»: (إنّ التفاؤل دفاع جيد ضد التعاسه، وإن التفاؤل يمكن أن يُتعلم)
كما يعتقدان أن الفرد عندما تتوفر لدية متطلباته الحياتية الأساسية من طعام يشبعه وبيت يؤويه، فإن ما يفيض من مال لا يزيد إلا قليلاً من سعادته، ولكي يكون سعيداً بجد علية أن يبحث عن الحياة المفعمة بالمعاني الإيجابية والأفكار التفاؤلية.
وبناءً على هذا الطرح فالصحة النفسية لا تعطى للفرد، ولكنه يكتسبها بجده واجتهاده وتوفيق الله تعالى له، فكل فرد مسئول عن صحته النفسية وعن نموها، فإذا رأينا الأمور بصورة ايجابية تفاؤلية أو صورة سلبية تشاؤمية فإنها تنعكس على شخصيتنا، وبالتالي هي التي ستحدد سلوكنا.
والتفاؤل والأمل يساعدا في الاستقرار النفسي الذي يتسم بتوقع النجاح والفوز في المستقبل القريب والاستبشار به في المستقبل البعيد .. ولا يكون ذلك إلا بالاعتماد والثقة في الله سبحانه وتعالى ثم الثقة في النفس.
وأعلى مراتب التفاؤل توقع الشفاء عند المرض، والنجاح عند الفشل، والنصر عند الهزيمة، وتوقع تفريج الكروب، ودفع المصائب والنوازل عند وقوعها .. فالتفاؤل والأمل عملية نفسية إرادية تولد أفكار ومشاعر الرضا والتحمل والثقة، وتبعد أفكار ومشاعر اليأس والانهزامية والعجز، وترقى بالإنسان إلى النجاح والتألق.
والتفاؤل ينشط أجهزة المناعة النفسية والجسدية، مما يجعل المرء على جادة الصحة والسلامة والوقاية، ويتفق علماء النفس على ضرورة أن يعيش الفرد يومه متفائلاً حتى في الظروف الصعبة، ولا يقلق على المستقبل، فلكل مشكلة احتمالات لحلها، والفشل يجب أن يؤخذ على أنه تجارب يستفيد منها المرء في المستقبل، وليست عائقا أمام تقدمه، ثم يحاول التحسين من إخفاقاته بهدوء وتعقل، فالمتفائل يفسر الأزمات تفسيراً إيجابياً، ويتلمح لطف الله تعالى فيها بالنظر إلى من هو أشد منه أزمة وبلاء، بل إن التفاؤل يبعث في نفسه الأمل في الله والثقة بالفرج والأمن والطمأنينة بمعية الله الرحمن الرحيم، وفي الحديث القدسي الشهير: «إنا عند ظن عبدي بي».
ومن ناحية أخرى يقول علماء النفس: علينا أن ندرك جيداً أنه لا إفراط ولا تفريط .. صحيح أن المتفائل بالخير يجده، ولكن الأحوط أن لا يفرط أو يغالي في التفاؤل، لأنه قد يدفع بالفرد إلى المغامرة، والاستهانة بأخذ الحيطة والحذر في دروب حياته.
وكذلك يعتبر التشاؤم في نفس الوقت مظهراً من مظاهر انخفاض أو اعتلال الصحة النفسية لدى الفرد، لأن التشاؤم يستنزف طاقة الشخص، ويقلل من نشاطه، ويضعف من دوافعه وتفكيره، ويبعده عن مظان الأمل والسعادة والثقة بالنفس والنجاح، ولذلك فإن التفاؤل من مظاهر الصحة النفسية الجيدة ، لكن لا يكتمل التفاؤل إلا بحسن التوكل على الله عز وجل، الذي له ملك السماوات والأرض، والإيمان بالقدرة الإلهية العظيمة التي تسير كل شيء.  
وخلاصة القول أن التفاؤل هو مفتاح الصحة والسعادة والنجاح، وهو الذي يؤكد الذات ويزيد الثقة بها، ويمنح الشعور بالمقدرة والتحكم والسيطرة على التصرفات الحالية والمستقبلية، ويعطي المرء الاستقلال الفكري والنفسي الذي يتيح له الإمساك بمفاتيح الشخصية وعدم تركها للآخرين حتى لا يكون قشة في مهب الريح.
كما أن التفاؤل يكسب المرء القدرة على تجاوز الأفكار السلبية وكسر حلقاتها وتغيير اتجاهها، وتنمية الأفكار الإيجابية والارتفاع بالقدرات الكامنة فينا كي لا يقع في براثن الإحباط والتشاؤم.
إن المتفائل الحقيقي محب على الدوام لا يعرف الحسد والحقد والكراهية التي نهى عنها ديننا الحنيف، والمتفائل عندما يتخفف من هذه الأثقال التي تعوق كل انطلاقة سيكون حراً فاعلاً.
والتفاؤل مسلك يفرضه الإيمان بالله والرضا بقضائه وقدره، أما التشاؤم فلا يستقيم مع صريح الإيمان، وعليه فإن تحول المتشائم إلى متفائل ممكن إذا تمت له الهداية واتبع الطريق الصحيح بعد التوكل على الله، ولا شيء مستحيل أمام هذا التحول إذا صدقت النوايا وحسنت ثقتنا في المولى عز وجل .. فكن متفائلاً وابتعد عن التشاؤم، وابتسم فإن الحياة لك ولمن حولك.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com


الانسجام بين الزوجين .. خطوة بخطوة


الانسجام بين الزوجين معناه أن يتصرف الزوجان باتجاه واحد حيال مؤثر معيّن، وأن يتعاونا على قطع مرحلة الحياة معًا على درب واحد .. ورغم أنه تعريف سهل وبسيط، لكن وجوده على أرض الواقع يقتضي مزيداً من الجهود، من الزوجين خاصة لأنهما صاحبا المسئولية المباشرة، ومن المجتمع عامة لأنه هو المربي والموجه الكبير، فطبيعة حياتنا تجلت فيها قيم الاستسهال وعدم مواجهة المشكلات بشكل حقيقي، بل وعدم فهم ماذا تعني الأسرة؟! وما السبيل لاستقرارها؟! ولذلك عندما يرتبط الزوجان ويواجهان مشكلات الزواج - حتى لو كانت تافهة - فلا يستطيعان تحملها، وبالتالي تحدث الخلافات التي يمكن أن تؤدي إلى الانفصال.

·    لابد من أن يدرك الزوجان أولاً معنى الزواج، وما هي منظومة الأسرة ؟ وكيف يتم الحفاظ عليها؟ قبل الارتباط بشريك الحياة. فغالبا ما يعتقد الزوجان في بداية حياتهما الجديدة بأن الارتباط المتوج بالحب القوي لا تنجم عنه حاجات لأمور ومفاهيم أخرى، وهذا مطب عميق قد يخلق الكثير من الأزمات، فلابد من الوضع في الاعتبار أن العلاقة الزوجية ليست علاقة عادية أو مؤقتة، بل هي علاقة تحكمها العديد من العوامل: كالود والمرحمة. والتحاور والتفاهم. والمسؤولية والإمكانية. والإرشاد والتناصح. والتسامح والعفو .. إن العلاقة الزوجية المتينة قائمة على التفاهم والوضوح والتضحية، والتسامح والتجاوز عن الهفوات، والتغاضي عن الزلات، وكلها أمور تساهم في استمرارها بحب ومودة واحترام، أما إن قامت العلاقة بين الزوجين على الأنانية والعناد وتصيد الأخطاء والمشاجرات المستمرة على كل صغيرة وكبيرة، فإن ذلك يسرع بتصدع الأسرة، ويشتت شمل أفرادها، وقد يقضي على كيانها بالكلية.
·    من المهم أن لا نجعل من اختلاف الطبائع «شماعة» نعلق عليها فشلنا الأسري، فرغم أن طباع البشر تختلف من بيئة إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر، ومن تقاليد وثقافة إلى تقاليد وثقافة أخرى، لكن يبقى الإنسان هو المحور في كل الأحوال وفي جميع الاتجاهات، فالتغيرات الاجتماعية، والتأثيرات المناخية، والعادات والتقاليد، لا تمنع في أي حال من الأحوال لغة التفاهم بين الناس، فكيف تمنع تفاهما تراضى عليه امرأة ورجل، وتوافقا من خلاله على علاقات زوجية يتولد عنها نشوء مجتمع صغير، يُصنع بهدوء وروية، ويعكس صورة الزوجين معا، ورؤيتهم التصحيحية لما هو سيئ ويجب تغييره في مجتمعهم.
·    يُظهر الانسجام النفسي بين الزوجين مدى قدرتهما على تخطي المسافات بينهما، بمسؤولية تامة تحكمها علاقات «الصراحة، والمصارحة» في كل شيء وفي مختلف المواضيع، وخصوصا العلاقات التي لها صلة بشخص كل واحد منهما. أكان ذلك على صعيد حاجة الشريك من الشريك الآخر، أم على صعيد احترام حاجات كل شريك في إطار حوار بناء بأسلوب لبِق جذّاب، يسوده جو من الاحترام والتوقير خاصة للزوج لأن حقه عظيم.
قال ابن الجوزي -رحمه الله-: " عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: قالت ابنة سعيد بن المسيب: ما كنا نكلّم أزواجنا إلا كما تكلّمون أمراءكم. وعنه - أيضاً - قال: قالت امرأة سعيد بن المسيب: ما كنا نكلّم أزواجنا إلا كما تكلّمون أمراءكم: أصلحك الله، عافاك الله" .. يجب أن يقرّب كل حوار بين الزوجين، سواء بتوضيح غامض، أو إفادة علمية، أو تعاون بشأن تربية الأطفال، أو كشف النقاب عن موضوع مختلف عليه. ومشكلة المشاكل أن يعتقد أحدهما أنه أفهم من الآخر فيقف حياله موقف المعلم المتعالي. أو أن يكون أحد الزوجين يعشق السكوت، والآخر ميال إلى حب الكلام. أو أن يصعّد أحدهما الحوار ليجعله صراخاً، يكتنفه بعض عبارات العنف اللفظي.
·    تغيير الأدوار داخل الأسرة، وخروج بعض الزوجات إلى العمل، ومساهمتهن بجزء من راتبهن في المنزل، وفي نفس الوقت لم يواكب هذا تغيير في تعامل الزوجين مع بعضهما، جعل ثقافة الندية عند البعض هي السائدة، مما أدى إلى زيادة الصراع داخل الأسرة.
·    الزواج يعني نوعاً من الشراكة.. الشراكة في كل شيء .. شراكة تقوم على الاشتراك في الأهداف .. الاشتراك في المواقف، والتعاون والتضامن في حل المشاكل التي تعترض أحدهما باعتبارها همّاً مشتركاً يستلزم موقفاً مشتركاً وموحداً، يحاول الرجل أن يجهد نفسه في العمل من أجل توفير متطلبات أسرته، وتحاول الزوجة -من خلال التدبير والتوفير- تسيير شؤون منزلها وفق ما هو متاح من ميزانية، وبذلك تكون قد تضامنت مع زوجها في حل المشاكل وتذليل الصعاب.
·    الحياة بحر متلاطم الأمواج، زاخرة بألوان المحن التي تزلزل القلوب، ولذا فإن على الزوجين الوقوف معاً في مواجهة ما يعترضهما من أمواج، وأن يبتعدا عن التشاؤم ويتقبلا الواقع بنفس راضية بالالتزام بأوامر الله تعالى الذي أمر بالحرص على حقوق العشرة، وأن يخلعا رداء الكبر والتعنت، ويرجعا إلى الله لحل الخلاف، ويتفنن كل منهما في خلق جو من التراحم والتواد والألفة، والأهم من ذلك أن يتشاركا في تلاوة القرآن والأذكار لتطمئن القلوب.. {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد: 28]
·    السعادة الزوجية هدف يسعى إليه كل من يقدم علي خطوة الزواج؛ فالهدف من إنشاء هذه العلاقة أصلاً هو الاستقرار النفسي والوصول إلى حالة الأمن العاطفي، لكن في نفس الوقت علينا أن نعترف بأن السعادة الزوجية مفهوم نسبي لا يسهل قياسه وتعميمه، وهو يعني عموما رضا الزوجين عن حياتهما الزوجية بشكل عام وبدرجة عالية من جميع النواحي، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط.
·    أضخم العقبات في طريق تحقيق الانسجام بين الزوجين هو عدم وجود أحلام جديدة وأهداف طموحة مشتركة يسعيان لتحقيقها، فقبل الزواج كان لهما حلم وحيد هو الارتباط، فلا بد أن تستمر الأحلام والطموحات البناءة بعد الزواج.
·    يجب أن يكون الإنسان على طبيعته لا يبالغ في التجمل ولا يكذب خاصة قبل الزواج، فأقنعة ما قبل الزواج يوشك أن تسقط بعده، ويظهر كل واحد للآخر بالصورة الحقيقية، التي ربما تكون سببًا من أسباب هروب الانسجام بينهما.
·    من أقسى الأمور التي تعكر صفو الحياة الزوجية، البوح بسر دفين، أو الكشف عن شيء مخفي، وهذا أمر في غاية الخطورة، قد يؤدي إلى تفجير الثقة بين الشريكين، ويأتي الشجار لزيد الوضع تأزماً.
·    الخلافات والمشاكل الزوجية أمر عادي وطبيعي جداً في كل البيوت تقريباً، وهي لا تعني أن صرح الود والانسجام بين الشريكين قد انهار، فالخلافات لا تفسد للود قضية كما تقول القاعدة المعروفة، ويمكن أن نرفض وأن نقول «لا» ولكن بدبلوماسية وبعد تفكير وروية، وقد نحتاج لوقت أطول للتفكير في الموضوع ومن ثم إعطاء رأينا النهائي، وما أجمل أن نتبع كلمة «لا» بشرح مبسط ومختصر لسبب الرفض، أما شجاعة الاعتذار عند إدراك الخطأ فهي صفة النفوس الكريمة، لذلك ينبغي أن يكون لدينا الشجاعة في الاعتراف به والاعتذار قبل أن نأوي إلى الفراش، لأن ترك الأمر للغد قد تزيده تعقيدا ويصعب الاعتذار في هذه الحالة.
·    استغلال الجدال الدائر حول موضوع معين لتوجيه ضربات دنيئة للآخر، وتذكيره بعيوبه وسلبياته وإخفاقاته وفشله لا يؤدي أبداً إلى الوصول إلى حل، بل قد يزعزع أسس العلاقة ويدمرها، لأنه يعبر عن استعداد الشريك الذي يقوم بذلك للنزول إلى مستويات دنيئة لأذية الآخر، أو لمعاقبته على أمور سابقة بشكل قاسٍ ومؤلم.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com


الجمعة، 16 مايو 2014

النكسة العربية الراهنة

هناك حالة الهزيمة التي أصابت النظام العربي الرسمي في تركيبته القطرية والتي لا يخدمها المد القومي ، وتتبرأ من الحس الوطني لأنها فقدت عذريتها على مذبح الانقياد للسياسات الأمريكية ، والضعف والخنوع لحالة التغول الصهيوني الذي أصبح في نظرها حقيقة واقعة ، ولا بد من التعامل معه على أساس نفي طبيعة الصراع بتحويله من صراع وجود إلى صراع حدود ، مما دفع بهذا الكيان التمادي في عدوانيته على شعب فلسطين دون اعتبار لأي رد فعل من النظام العربي الرسمي ، لا بل اخذ يسعى لان يجعل أوامره تعليمات وأوامر ، لا بد من العمل على تنفيذها من قبل النظام العربي الرسمي المهزوم ، مما دفع إلى جرأة الأقلام العربية المأجورة على العمل على انتهاك الشرعية الوطنية والقومية ، التي كانت تضبط عملية الصراع مع العدو الصهيوني


الدكتور غالب الفريجات

الشخصية الفاشلة



خلق الله تعالى العباد وجعل أحوالهم جارية على سنن قدّرها وقضاها. فمن سنن الله تعالى، سنة المداولة  {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] فالفاشل قد ينجح .. والناجح قد يفشل .. تلك سنة جارية، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا! ولذلك ليس الفاشل من يقع في الفشل .. فتلك سنة، إنما الفاشل من يقع فيه ثم هو يرتضيه .. قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 17- 18]
والشخصية الفاشلة تقف حجر عثرة أمام تقدم صاحبها ورقيه، وتبدل أفراحه أتراحاً، وتترك عمره بلا ثمر ولا حصيلة، ويحدد لها علماء النفس بعض السمات التي تتصف بها:
·   النظرة التشاؤمية هي الغالبة عليها في كافة تصرفاتها وقناعاتها. باطنها مملوءة بالانتقام والعدوان، وفي أكثر الأحيان لا تستطيع أن تنفذ ما تريد، وينعكس ذلك في كلماتها وآرائها.
·   صاحب هذه الشخصية لا يقيم علاقات اجتماعية مع الناس، فطابع العزلة والانفراد هو السمة الغالبة لديه، نتيجة عدم الرغبة في تحمل المسؤولية، وقد تكون تعبيراً عن الترفع والاعتداد بالنفس مما يدفعه إلى السلبية إلا إذا جاءت الأمور طبقاً لرغباته، وقد تكون صفة الانطوائية ناجمة عن شعوره بالنقص من الآخرين وما يولده ذلك من مشاعر العنف والقسوة تجاه ذاته ومعاقبتها لأنه لا يستطيع مجاراة الناس ممن يقدمون لبعضهم البعض أجمل الابتسامات والتمنيات بالخير عندما يلتقون، ويكنون لهم أعظم الأمنيات بالتوفيق، فصاحب الشخصية الفاشلة يضمر الكره بسبب عقدة النقص التي تلازمه، وعقدة الحقد على كل ما هو مفرح وناجح، فينعكس هذا السلوك السلبي على قسمات وجهه وإيماءاته التي يقرأها الناس، فيتخذ حينئذ العزلة والابتعاد والسلبية تجاه الآخرين.
·   موقف الحذر من المشاركة فيما يهم الناس في أفراحهم و أحزانهم، حتى ولو كان بالتعبير السطحي، وإظهار مظهر من مظاهر المشاركة الوجدانية كما يفعل عامة البشر أثناء الأفراح أو المصائب والشدائد التي تبتلى بها عائلة ما.
·   ضعف الفعالية في كافة مجالات الحياة، بل إنها شخصية لا ترى للنجاح معنى، أو ليس عندها مشروعاً اسمه النجاح، وتحاول إفشال مشاريع النجاح. لا تؤمن بمسيرة الألف الميل التي تبدأ بخطوة، بل ليس عندها همة الخطوة الأولى، ولهذا لا تتقدم ولا تحرك ساكناَ وإن فعلت في مرة توقفت مئات المرات. كما أنها لا ترى أن هناك فراغاً يجب أن تملأه وأن يكون لها دورا تؤديه.
·   ليس للالتزام والانضباط معنى أو قيمة في قائمة أولوياتها، فلا تتأثر بالمواعظ ولا تلبي أي نداء ولا تسمع التوجيهات النافعة.
·       دائماً تقوم بدور المعوق والمشاغب بكل ما هو تحت تصرفها أو ضمن صلاحياتها.
·   شخصية مطعمة بالحجج الواهية والأعذار الخادعة بشكل مقصود. وهي دائمة الشكوى والاعتراض والعتاب والنقد الهدام. وإذا ناقشت موضوعا ما ناقشته بغضب وتوتر والانحيازية لذاتها ومصالحها.
إن الهمة العالية مطلب عظيم يتمناه أصحاب النفوس الكبيرة التي تتوق إلى المعالي، وقوة الإرادة هي وقود هذه الهمة العالية، فبدون هذا الوقود – بعد توفيق الله عز وجل – لن يتم لهذه الهمة منالها ومبتغاها، ولعل خير شاهد على ذلك همة العلماء وطلبة العلم وكيف أنهم استطاعوا تحقيق أعمال وكأنها أشبه بالخوارق، وكانت تلك الإرادة الصلبة التي رُدفت بهمة عالية طريقاً لذلك.
ومشكلتنا الشائعة أن البعض منا يتصور في نفسه قصوراً متوهماً، وكأن أصحاب الإنجازات ليسوا من البشر، فإذا نظر إلى حافظ القرآن، أو إلى طالب متفوق في دراسته، أو إلى مبتكر، أو إلى عالم، أو إلى خطيب، أو إلى أي إنسان متميز .. قلل من نفسه واتهم ذاته بعدم القدرة على مقارعة هؤلاء، واستمر على ما هو عليه في مكانه لا يتقدم إن لم يكن يتراجع! فهذا وأمثاله ندعوهم دعوة صادقة للتوكل على الله أولاً، ونفض غبار الأوهام وارتداء رداء قوة الإرادة بعزيمة تتهاوى معها كل المثبطات والعوائق، وسيلاحظون بإذن الله الفرق قريباً.
أننا نعيش جميعاً بواسطة التركيبات أو الأوامر الذاتية طيلة حياتنا، وأحياناً ما نعيش بتوكيدات سلبية مثل "أنني لا أجيد صنع شيء " أو "أنني لا أستطيع أن أتحدث أمام الجمهور" أو "أن لي ذاكرة ضعيفة تنسى كثيراً" .. وهكذا، فعقلنا الواعي بمثابة البستان، أما عقلنا اللاواعي «الباطن» فيمثل "البستان نفسه"، وأي شيء نزرعه أو نبذره في بستاننا سيثمر، والأفكار سرعان ما تتحول إلى واقع ملموس .. إذا ما فهمنا هذا جيداً فستدرك أننا قد برمجنا عقولنا لكي تفكر بطريقة خاطئة، وبالتالي لكي نتقدم علينا أن نكتب توكيداً نصيغه على هيئة تصريح بما سنبرمج عليه أنفسنا في الواقع، بل نكتب عدة توكيدات لكل هدف، فإذا كنت -على سبيل المثال- تود أن تتحمل الناس أكثر فإنك ستكتب قائلاً: "إنني دائماً أتحمل الناس" أو " في كل يوم يمر عليّ أصبح أكثر تحملاً " .. وهكذا في كل أمر، وبذلك نتحرر من قيود الأفكار السلبية وانعكاساتها على واقعنا العملي.  

د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

الحب ما نأتي منه وما نذر



الحب فطرة إنسانية، وحاجة وجدانية ونفسية، فالعواطف والمشاعر هي التي تجعل حياتنا سعيدة مشرقة، وإلا كيف ستكون الفتاة أمًا وزوجة؟ ويكون الشاب أبًا وزوجًا؟! فبالحب تغفر الزلات، وتقال العثرات، وتشهر الحسنات، ويوم يغيب الحب تضيق النفوس وتتولد المشاكل والخصوم. ومما لا شك فيه أن الحياة الزوجية المبنية على الحب والتفاهم بين الزوجين يُكتب لها النجاح والسعادة والاستمرارية. ولكن يبقى السؤال: متى يكون هذا الحب؟ وكيف يبدأ ويزدهر بصورة عفيفة يقبلها العرف والشرع؟

إن الحب لا يتكون داخلنا فجأة، أو بمجرد نظرة نجد أنفسنا غرقى فيه !! إن هذا النوع من الإعجاب الرومانسي الحالم الهش إن وجد إذا اصطدم بواقع الحياة، وتم الزواج على أساسه فقط ينتهي بالفشل حتما. 

أما الحب الذي يبدأ تدريجياً بالميل العاطفي ثم الود والقبول وفق أسباب منطقية، ويرتقى تدريجياً بالعشرة الزوجية فهو «حب واقعي» تجد فيه نفسك تحب زوجتك بجميع ما فيها من مميزات، ومتقبلاً وراضياً بعيوبها وهي كذلك أيضا.

وأنجح زواج هو الزواج الذي يقوم على التكافؤ أولا ثم الحب ثانيا، لأن الحب الرومانسي المجرد يذهب سدى بعد فترة قصيرة من الزواج، ويحل محله نوع آخر من الحب أكثر هدوءًا وأقل سخونة، هو حب من نوع جديد مبني على ما يحمله كل طرف تجاه الآخر من احترام وشعور بالتكافؤ والتآزر. 

وتؤكد الإحصائيات أن الزواج التقليدي من أثبت وأصمد أنواع الزواج مقارنة بالزواج الذي تم عن طريق «الحب العذري» كما يقولون عنه.. ونعني بالتقليدي، الزواج الذي يقوم على أسلوب من التعارف والتشاور مع الأهل، وترشيح وتواصل علني بين الشاب والفتاة في حضور الأهل، وللأمر بعد ذلك أن يسير في المسار الطبيعي من قبول عاطفي، واقتناع عقلي يتنامى بعد الزواج، بالتفاهم والمودة والتسامح والتنازل المتبادل.

فقد جاء في إحصائية مصرية أن 88% من الزيجات التي تتم نتيجة الميل العاطفي البحت انتهت بالطلاق، بينما لم تنته بالطلاق سوى 12% من الزيجات التقليدية التي تتم بمشاركة أهل الشاب وأهل الفتاة. 

كما تقول دراسة أعدها "د. إسماعيل عبد الباري" ـ أستاذ علم الاجتماع-: "إن ثلاثة أرباع حالات الزواج التي تمت بعد قصة حب فشلت تماما وانتهت بالانفصال بين الطرفين، أما الزواج الذي يتم عن طريق الخاطبة أو الأقارب والأصدقاء والجيران فإن نسبة نجاحه تتعدى 95 %".. ومرجع ذلك إلى أن الذَين يتزوجان نتيجة الميل العاطفي – ويسمونه الحب - لا يبصران صفات كثيرة يجب أن يعرفها كل منهما عن الآخر.. إنهما ينظران بعين العاطفة وحدها، وعين العاطفة لا ترى كل شيء، فإذا ما تم الزواج وهدأت العاطفة المتأججة، صحت عيون أخرى، وصارت ترى ما لم تكن تراه عين العاطفة. 

يقول الدكتور "صول جوردون" - الأستاذ المحاضر في جامعة (سيراكيوز) الأمريكية: "حين تكون في حالة حب فإن العالم كله - بالنسبة إليك - يدور حول شخص من تحب، ويأتي الزواج ليثبت عكس ذلك، ويهدم جميع تصوراتك، بعد أن تكتشف أن هناك عوالم أخرى كان لابد أن تنتبه لوجودها .. إنها عوالم المفاهيم والقيم والعادات ".

ويضيف جوردون متسائلا: " لماذا يكون الزواج أكثر نجاحا حين لا يسبقه ما يسمى الحب؟

ويجيب فيقول: "مع الميل الشديد لا يستطيع الشاب أو الفتاة أن يقيّم مختلف جوانب شخصية الآخر، ولا يستطيع أن يتعامل معه بعقلانية، لأنه دائما يجد التبريرات لما يفعله الآخر، وفي أحسن الأحوال يأمل في أن كل شيء سوف يتغير بعد الزواج، ولكن الوقائع أثبتت أن ذلك غير صحيح، لأن كلا الطرفين حين يتعودا الاستحسان من الآخر لا يمكن أن يتحمل النقد منه أو اللوم بعد الزواج حول وضع معين، يعرف يقينا أنه لم يضايقه من قبل، والدليل أنه لم يعترض عليه، ولم يضع ملاحظة ما حوله".

ويدندن جوردون حول هذا المعني بقوله: "حين يسيطر الحب في العلاقة، فإن الواحد لا يرى الآخر في الحقيقة بل في إطار من المثاليات، ولذلك فهو يتجنب الانتقادات ويتجنب حتى إثارة أي موضوع يشعر أنه لا يروق له، وهكذا يستمر حبا سطحيا لا يرى الواحد في الآخر إلا أحلامه وأمانيه، فلا يستطيع -من ثم- أن يفكر فيه وفي تصرفاته بعقلانية حقيقة". 

ويؤكد ذلك المفهوم الدكتور "جوردون" في دراسة ميدانية له موضحا أن 85% من زيجات الحب والغرام تنتهي بالطلاق، أو بالمشكلات التي تنغص حياة الزوجين، وتذهب ما كان بينهما من حب؛ بينما نجد في المقابل أن الزيجات القائمة على العقل والاختيار التقليدي نجحت واستمرت". 

ويفسر "جوردون" ذلك بأن "النوع الأول من الزيجات تظهر العيوب بجلاء بعد الزواج بعد أن تكون اللحظات الجميلة ذابت والعواطف تبخرت والمشاعر الرقيقة ذهبت أدراج الرياح، وهو زواج يؤخر إلى الوراء لأن المتحابين يهملان عملهما أو دراستهما وعلاقاتهما الاجتماعية، ويقضيان معظم الوقت في مطارحة الغرام وتبادل عبارات الهيام، فتكون النتيجة أن 85% من زيجات الحب تنتهي بالطلاق والفشل، بينما لا تتجاوز تلك النسبة 5% في الزيجات التقليدية التي تعتمد على العقل والتريث، ولا تستند إلى الاندفاع العاطفي فتنهار عند أول منعطف".

هذا ومن جانب آخر فقد ذكر باحثون بريطانيون في دراسة حديثة: أن الحب بالفعل أعمى! سواء كان حب الأم لطفلها الوليد أو لوالده. حيث أظهر مسح بالأشعة لأدمغة عشرين من الأمهات الشابات أن هناك منطقة معينة بالمخ تنشط عندما يتطلعن لأطفالهن الرضع بنفس طريقة نشاطها عند التطلع إلى صور أحبائهن من الأزواج، وأن المنطقة بالدماغ المسئولة عن التفكير النقدي تتوقف عن العمل آنئذ. وهذه المنطقة تمثل النظام المسئول عن التقديرات السلبية، بحيث تمنع الإنسان من اكتشاف العيوب.

وقديما كانت العرب في الجاهلية إذا أحب رجل امرأة وعشقها، فإنه لا يتزوجها في الغالب، حتى لا يخفت وهج ذلك الحب أو يزول بالكلية، وعندما جاء الإسلام عكس هذا المفهوم تماما، فحثّ كل متحابين على ضرورة الزواج، كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم  : "ما رأيت للمتحابين مثل النكاح " ، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ‏[الروم:21].. فسرها ابن كثير بقوله: "وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة، والرحمة وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها أو رحمة بها أو للألفة بينهما وغير ذلك" 

وذلك بلا شك معنى أشمل وأرقى وأسمى بكثير من حب تلك الصور الخيالية التي تصورها لنا الأفلام والروايات.

إن الحب يجب أن يكون أساساً رئيسياً في الزواج .. الحب الذي يعني جاذبية متبادلة بين شخصين، ولهذه الجاذبية كيانها الخاص في حياتهما، وليس مجرد رغبة جنسية فقط، فمثل هذه الرغبة موجودة عند جميع البشر، ولكنها لا تكون حباً إلا إذا تميزت في شخص معين مميز في أعيننا عن بقية الناس، وأضيف إليها صفات الوفاء والولاء والارتباط، والإيمان العميق والاحترام المبني على الثقة. 

وهذا لا يعني مطلقاً أننا نقيم من «الحب» أساساً وحيداً للزواج الناجح، فرغبة الوالدين ورضاهما ومشورتهما من أنفع الأمور للفتيات والفتيان، ولها أهميتها في كل زواج متين الأواصر. فقد يبدي الوالدان ملاحظات قيمة لا يستطيع الشاب أن يراها، لما لهما عمق المعرفة بالحياة ورصيد من التجارب والخبرة يفتقدها الشباب في مقتبل العمر.

 

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com


السداد في القول .. منحة الرب لأوليائه



السداد في القول من شيم الأبرار، وشعار الأطهار، وتوفيق من العزيز القهار، القائم على كل نفس بما كسبت، وهو ثمرة مجاهدة طويلة، ومذاكرة للعلم مديدة، فالعلم يهذب المنطق ويجلو الفكرة ويسدد البيان، فالحمد لله الذي خلق فهدى وأنعم فأجزل النعم.

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم مخاطبا عباده المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 69-70]، ويقول سبحانه: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9]
هاتان الآيتان الكريمتان اختصتا بمصطلح قرآني وأدب رباني لم يرد في غيرهما من آيات الذكر الحكيم، وهو خلق «السداد في القول».
وفي اللغة: السداد والسدد: الاستقامة. والسَّدادُ: إصابةُ القَصد. وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض. قال ابن فارس: "ومن ذلك السَّديد، ذُو السَّداد، أي الاستقامة كأنّه لا ثُلْمة فيه". فالسداد بالمعنى العام هو التوفيق للصواب وإصابة القصد في القول والعمل.
غير أننا إذا تأملنا نصي ورود المصطلح نلاحظ أنهما يشتركان في أمور هي:
-      ارتباط السداد بالقول في الآيتين معا.
-      الدعوة إلى القول السديد مسبوقة في النصين بالدعوة إلى التقوى.
-      أن المأمور بالسداد هم المؤمنون لا غيرهم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا} أي: في كل ما تأتون وما تذرون، لاسيما في ارتكاب ما يكرهه {قَوْلاً سَدِيداً} أي: قويماً حقاً صواباً.
قال القاشاني: السداد: في القول، الذي هو الصدق والصواب، هو مادة كل سعادة، وأصل كل كمال؛ لأنه من صفاء القلب وصفاؤه يستدعي جميع الكمالات، وهو وإن كان داخلاً في التقوى المأمور بها، لأنه اجتناب من رذيلة الكذب، مندرج تحت التزكية التي عبر عنها بالتقوى، لكنه أفرد بالذكر للفضيلة، كأنه جنس برأسه، كما خص جبريل وميكائيل من الملائكة.
والقول يكون بابا عظيما من أبواب الخير ويكون كذلك من أبواب الشر. وفي الحديث: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) [أحمد والترمذي] فبالقول السديد تشيع الفضائل والحقائق بين الناس فيرغبون في التخلق بها، وبالقول السيئ تشيع الضلالات والتمويهات فيغتر الناس بها ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} فجعل صلاحَ الأعمال وغفران الذنوب متوقفاً على سداد القول. وذكر {لَكُمْ} مع فعلي {يُصْلِحْ} {يَغْفِرْ} للدلالة على العناية بالمتقين أصحاب القول السديد كما في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1].
{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} "والطاعة بذاتها فوز عظيم. فهي استقامة على نهج الله. والاستقامة على نهج الله مريحة مطمئنة. والاهتداء إلى الطريق المستقيم الواضح سعادة بذاته، ولو لم يكن وراءه جزاء سواه. وليس الذي يسير في الطريق الممهود المنير وكل ما حوله من خلق الله يتجاوب معه ويتعاون كالذي يسير في الطريق المقلقل المظلم وكل ما حوله من خلق الله يعاديه ويصادمه ويؤذيه! فطاعة الله ورسوله تحمل جزاءها في ذاتها؛ وهي الفوز العظيم، قبل يوم الحساب وقبل الفوز بالنعيم. أما نعيم الآخرة فهو فضل زائد على جزاء الطاعة. فضل من كرم الله وفيضه بلا مقابل. والله يرزق من يشاء بغير حساب". [في ظلال القرآن]
قال -صلى الله عليه وسلم-:
(لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ) [أحمد] فالتحرّي في المنطق منهج الصادقين، وطريقة المؤمنين الصالحين، ومن علامات فضل الإنسان وصلاحه: «صلاحُ قوله وفعله»، ومن لم يعتنِ بما يقول ويعاتب نفسه على زلات لسانه فهو ناقص الدين والعقل والتجربة.
قال أبو جعفر محمد بن يعقوب: كل صواب من القول ورث فعلا صحيحا فهو حكمة.
ومن الأدعية التي يرجى نفعها في هذا الأمر ما علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- عليا -رضي الله عنه- أن يدعو به: (اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، وبالسداد سداد السهم). وفي رواية: (اللهم إني أسألك الهدى والسداد) [مسلم].
قال القاضي: أمره بأن يسأل اللّه الهداية والسداد، وأن يكون في ذلك مخطراً بباله أن المطلوب هداية كهداية من ركب متن الطريق وأخذ في المنهج المستقيم، وسداداً كسداد السهم نحو الغرض، والمعنى أن يكون في سؤاله طالباً غاية الهدى ونهاية السداد.
نماذج طيبة
كان الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله رجلاً صالحًا عاقلاً، وقورًا كاملاً، مفرط الذكاء، وأكثر ما كان من صفاته بعد سيادته في العلم وانقطاعه له ما كان من زهده وورعه؛ إذ كان متقللاً من الدنيا جدًّا، متقشفًا متعبدًا، صبورًا على خشونة العيش وضيقه، وكان يقول: "إني لأغلق عليَّ بابي فما يجاوزه همي"
وليس أدل على ذلك مما حكاه عنه تلميذه النضر بن شميل حيث قال: "أقام الخليل في خُصٍّ من أخصاص البصرة، لا يقدرُ على فَلْسَيْنِ، وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال" أي كان الناس يأكلون الدنيا بعلمه - رحمه الله -، كان بعضهم إذا أخذوا العلم عنه قربهم الحاكم وصاروا من حاشيته.
أرسل الأمير إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي - رحمه الله - ليخبره إن كان يريد منه أن يصله بشيء، فقال له الخليل: "أنا مستغنٍ عنك بالذي أغناك عني".. فانظر إلى بليغ قوله وسداد رأيه رحمه الله.
ومن حكايات زهده أن سليمان بن عليٍّ والي البصرة وجَّه إليه يلتمس منه الشخوص إليه وتأديب أولاده نظير راتب يُجرِيه عليه، فأخرج الخليل إلى رسول سليمان خبزًا يابسًا، وقال: ما عندي غيره، وما دمت أجده فلا حاجة لي في سليمان. فقال الرسول: فماذا أبلغه عنك؟ فأنشأ يقول:
أبلغ سليمان أني عنـه في سعـةٍ *** وفي غِنًى غير أني لسـت ذا مـالِ
سخَّي بنفسيَ أني لا أرى أحـدًا *** يموت هزلاً ولا يبقي على حـالِ
والفقر في النفس لا في المال نعرفه *** ومثل ذاك الغنى في النفس لا المـالِ
فالرزق عن قَدَرٍ لا العجز ينقصـه *** ولا يزيـدك فيه حَـْولُ محتـال
فقطع عنه سليمان الراتب، فقال الخليل:
إن الذي شقَّ فمي ضامن *** للـرزق حتى يتوفـاني
حرمتني خيرًا قليلاً فما *** زادك في مالك حرمـاني
فبلغت سليمان، فأقامته وأقعدته، وكتب إلى الخليل يعتذر إليه، وأضعف راتبه، فقال الخليل:
وزَلَّة يكثر الشيطان إن ذكرت *** منها التعـجب جاءت من سليمـانا
لا تعجبَنَّ لخيرٍ زلَّ عن يـده *** فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا
ومن ذلك أيضا ما رواه ابن الجوزي في أخبار الظراف والمتماجنين: قال ثمامة: "دخلت إلى صديق أعوده، وتركتُ حماري على الباب، ولم يكن معي غلامٌ يحفظه ثم خرجت، وإذا فوقه صبيٌّ، فقلتُ: أركبتَ حماري بغير إذني؟ قال: خفت أن يذهب فحفظته لك. قلت: لو ذهب كان أحب لي من بقائه. قال: إن كان هذا رأيك فيه، فاعمل على أنه قد ذهب، وهبه لي، واربح شكري. فلم أَدْرِ ما أقول"

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com