الجمعة، 9 مايو 2014

معركة المصطلحات السياسية

وأساس المعركة هو تحديد النظرية السياسية بمناهج ومصطلحات غربية. والمثال التاريخي على ذلك تحليل كل ظواهر الدعوة الإسلامية بالمناهج الغربية، وهذا التحليل ليس مجرد محاولة للمعرفة ولكنه التفاف حول الدعوة ووضعها في ميزانهم الفكري والمنهجي، وإعطاء الانطباع بأنها ظاهرة خاضعة للدراسة ومحكومة الاحتمالات، وهي فكرة شيطانية قديمة حاولتها أقوام جاهلية سابقة منذ هود صلى الله عليه وسلم؛ حيث حاولوا تفسير الرسالة والدعوة بأنها مجرد إصابة من الآلهة ولا تخرج عن حدود ذلك وليس هناك تفسير غيره: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ..}.
ولكن الموقف الصحيح هو فرض واقع الرسالة عليهم بأن يدخلهم معه في شهادته عليهم بالبراءة من الشرك.
فبدلا من أن تدخل الرسالة في ميزانهم.. أدخلهم هم في ميزانه: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [هود: 54].
إن تفسير الوحي والرسالة هو أن بعض آلهة الجاهلية أصابت النبي بسوء!!
وهذه المعركة موضوعها الرئيسي محاولة الجاهلية وضع الطرف الإسلامي في ميزانها التصوري، مثلما كانت الشيوعية تفسر الحركة الإسلامية تفسيرا ماديًّا، وأن الصراع بين الإسلام والجاهلية صراع طبقي.
ومتابعة بداية ظهور المصطلحات المعادية يحتم الحساسية الشديدة في قبول أي مصطلح لم يرِد فيه نص شرعي.
مثل قبول تسمية الشورى ديمقراطية؛ هو الذي انتقل إلى مصطلح الإسلام الديمقراطي، والذي يعني: أن هذا الدين بكليته ديمقراطي، مما أنشأ بدوره مصطلح الاعتدال الذي تحول إلى «الإسلام المعتدل»، والذي أظهر بدوره مصطلح التطرف والإرهاب والإسلام السياسي.
والخط الأساسي لمعركة المصطلحات هو تفريغ التصور الإسلامي من مضمونه العقدي الصحيح.
فالمصطلح الشرعي الصحيح «الحاكمية» يتحول إلى مصطلح «تقنين الشريعة»، الذي تحول بدوره إلى: «تنقية القوانين»..!
والمقصود من «الإنسانية» القضاء على حقيقة الولاء للدين.
والمقصود من «الثقافة» تحول الدين إلى ظاهرة فكرية.
والمقصود من «الآخر» القضاء على المفاصلة.
إن محاولة إبعاد التصور «الإسلامي» عن واقع الناس هي مهمة جاهلية أساسية تظهر في كل المواقف والأفكار السياسية الجاهلية..
حتى عندما تضطر الجاهلية إلى التسليم بأي مرحلة قد تصل إليها الحركة الإسلامية فإن هذه المحاولة لا تختفي.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما هاجر إلى يثرب سماها المدينة؛ لكن المنافقين في إطار مواجهة النتائج التي وصلت إليها الدعوة يحاولون الرجوع بها إلى مرحلة ما قبل الهجرة؛ من خلال التسمية القديمة، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13].
وهناك مصطلحات مشتركة، قد تُقرر من جانب النظرية الإسلامية من حيث اللفظ؛ فيصير الأمر الخطير أن تفهم بمدلولها في السياسة الجاهلية، مما يصير به الأمر أشد خطرًا؛ أن تفرض هذه المصطلحات بمدلولها الجاهلي فتنتفي دلالتها الصحيحة في النظرية الإسلامية، ولهذه المصطلحات أمثلة مشهورة أهمها مصطلح الثورة والحرية.
فالثورة في النظرية الجاهلية.. تعني بصورة مطلقة «رفض الواقع.. الغضب.. العنف».
وهي أبرز عناصر أي ثورة جاهلية، ولعل أوضح أمثلتها الثورة الفرنسية التي حدثت خلالها أهوال تاريخية تفوق مآسيها مأساوية الأوضاع التي جاءت الثورة للقضاء عليها.
فإذا انتقلنا بمصطلح «الثورة» إلى النظرية السياسية الإسلامية فإننا نرى وجودًا لعناصر مصطلح الثورة ولكنه وجود صحيح.
حيث نرى الرفض موضوعيًّا.. والغضب واعيًا.. والعنف منضبطًا..
فإذا ما أصبح مصطلح «الثورة» بهذه العناصر الصحيحة كان من الجائز اعتباره مصطلحًا من مصطلحات النظرية السياسية الإسلامية.
حيث سيكون الرفض الموضوعي للواقع في التغيير، والغضب الواعي في التعامل، والعنف المنضبط في المواجهة.
فالثورة الإسلامية ليست مجرد رفض للواقع، ولكن للباطل في هذا الواقع، بحيث إذا كان في هذا الواقع حق.. أخذت به الثورة الإسلامية، وأقره الإسلام، وأصبح جزءًا من نظامه..
وأما الغضب فهو قمة الوعي؛ لأنه غضب لله.. وليس غضبًا شخصيًّا يفقد فيه الغاضب وعيه ويصبح إغلاقًا..
وأما العنف فهو الأمر المنضبط بسياسة القوة وأحكامها الشرعية..
وبذلك يتحقق مصطلح الثورة الإسلامية بمنطلق خاص للتغيير، يتميز بالحسم الواعي المتأني.
والتقابل المطلق بين النظرية السياسية الإسلامية والجاهلية يقتضي الحذر الشديد من المحاولة الخاطئة للخلط بين مصطلحات النظرية السياسية الإسلامية وغيرها..
ابتداءً بالمصطلحات الضخمة كالثورة.. وانتهاءً بأدق التعبيرات البسيطة مثل رفض تعبير «الإمبراطورية الإسلامية» بدلًا من «الخلافة»..
مرورًا بأمثلة الخلط بين المفاهيم الإسلامية وغيرها، مثل الخلط بين الشورى والديمقراطية.. بما بينهما من فوارق جوهرية محددة، حتى في العناصر المشتركة بينهما؛ فالشورى قائمة على إجماع الرأي، وكذلك الديمقراطية، ولكن لصاحب الرأي في الشورى اعتبار كبير في هذا الإجماع.. وليس إجماع الهمج الرعاع أتباع كل ناعق؛ كما في الديمقراطية

التصور السياسي للحركة الإسلامية

الشيخ/ رفاعي سرور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق