الجمعة، 9 مايو 2014

تحقيق العصبية الجماهيرية للجاهلية

وكما يكون الارتكاز على بساطة الجماهير في الإضلال.. يكون الارتكاز على تحقيق العصبية الجماهيرية للجاهلية.. إن تحقيق عصبية العامة للحكم الجاهلي مهمة صعبة، ولكن الجاهلية تمارسها بكل دقة.
ونموذج تلك الممارسة هو الممارسة الفرعونية..
وعناصر تلك الممارسة هي أن يشعر العامة أنهم أصحاب السلطة «شركاء في القرار»، وهذه هي فكرة فرعون عندما قال: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110].
استيعاب: المشاركة في اتخاذ القرار..
المجالس النيابية..
الرأي في النكسة..
الرأي في الاتحاد الاشتراكي..
ويبلغ إحساس العامة بالسلطة الكاملة عندما يقول لهم فرعون: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} [غافر: 26].. إن فرعون يقول للعامة: ذروني! مع أنه لا يوجد من يستطيع أن يمنعه.. يطلب فرعون من العامة أن يتركوه.. يطلب التفويض الشعبي في اتخاذ القرار المناسب تجاه موسى، وأن يشعر العامة أنهم أصحاب المصلحة {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} [الأعراف: 110].
أن يشعر العامة أنهم أصحاب السياسة {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى} [طه: 63].. سياستكم ومذهبكم السياسي.
أن يشعر العامة أنهم أصحاب القضية والمبدأ {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} [غافر:26].
أن يشعر العامة أنهم حماة الواقع وأصحاب الإصلاح.
إن أهم عناصر العصبية هي إنشاء الخوف على النظام الحاكم في نفوس الناس؛ ولذلك يعبر الناس عن الخوف قائلين: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ} [الأعراف: 127].
وحينئذٍ يكون واجب النظام هو طمأنة الناس: {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}.
ومن أهم عناصر العصبية أن يشعروا بأنهم محور النظام، ومن هنا كان الضمير يعود على الناس: «أرضكم طريقتكم دينكم...».
قال تعالى: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ المَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ} [الزخرف: 51-56].
ولما كان الزخرف جزءًا من الواقع.. كان خطاب فرعون هروبًا من الحق في متاهات الواقع، فيقوم خطابه على المسلمات الواقعية لتحل محل مسلمات الحق..
فكان أول ما فعله: نداؤه في قومه، والكثرة لها رونق عند النداء، وأثر في العقول، وتلك طبيعة العقل الجماعي الباطل الذي يعتبر الجمع في ذاته معيارًا للحق..!
{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ}.. وهكذا يستمد الشرعية لحكمه من استقرار وضعه.. {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}.
وحركة الأنهار من تحته تساهم مساهمة ضخمة في تأكيد معنى السيادة والاستقرار.. {أَفَلَا تُبْصِرُونَ}.
تضليل.. واستفزاز لقبول الضلال.. {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ}.. ولا بد أن المقارنة ستكون لصالحه عندهم؛ لأنه ملكهم ورمز حياتهم ومثال قوتهم.. وهذا ما فعله فيهم وبهم.
وبذلك يتبين أن إطار التعامل الجاهلي مع الجماهير يقوم على البساطة المرتكزة على سذاجة الجماهير في إضلالهم وتحقيق عصبيتهم للضلال عن الحق.
التصور السياسي للحركة الإسلامية

الشيخ/ رفاعي سرور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق