الأحد، 25 ديسمبر 2016

الكذب في الحياة الزوجية




الكذب وعدم المصارحة من أهم أسباب ضعف الثقة بين الزوجين، فالزوجة إذا اعتادت الكذب وعدم الاعتراف بالخطأ تعطي الدليل لزوجها على ضعف ثقته بها وبتصرفاتها وعدم تصديقها إن كانت صادقة، والزوج الذي يكذب يعطي الدليل كذلك. ولو عمّت المصارحة بينهما لاختفت المشاكل وتلاشت فانعدام الثقة يولد الشك والغيرة ويفتح أبوابا لا يحمد عقباها.

لو نظرنا إلى العلاقة الزوجية على وجه الخصوص باعتبار الأسرة أهم مؤسسة اجتماعية، نجد أن تأثير الكذب من شأنه أن يهدم بناء هذه المؤسسة، أو في أقل الأحوال يهدد أمنها واستقرارها بصفة مستمرة، وعلى هذا الأساس فإنه لا يمكننا أن نتحدث عن كذب أبيض وآخر أسود! إذا ما أردنا لهذه المؤسسة أن تكون مبنية على أساس سليم وأن تكون مخرجاتها سليمة، وتشكل عناصر بناء صالحة في المجتمع. ولا يكاد يختلف اثنان على أن الصراحة هي قوام الحياة الزوجية والأسرية السليمة وأنه لا غني عن المصارحة بأي شكل من الأشكال، ذلك أنها ضرورية جدا لقيام حالة التفاهم وخصوصا المودة وبناء وتعزيز الثقة بين الزوجين.
لماذا يكذب الأزواج
يرى البعض أنه نادرا ما يلجأ الرجل الشرقي للكذب على زوجته؛ نظرًا لاعتزازه بنفسه، ولأنه لا يهاب زوجته وقليلاً ما يضع خاطرها في الاعتبار، أما المواقف القليلة التي يضطر فيها للكذب، فهي غالبًا تتعلق بمشكلة بين الزوجة وأهل الزوج، فلأن الرجل دائمًا منحاز إلى أهله، ولأن الزوجة لا بد أن تكون مخطئة، فإن عليه أن يكذب حتى يصل إلى هذه النتيجة.
بينما يرى آخرون أن هناك كثير من الرجال يكذبون بشأن علاقاتهم النسائية، وليس الكذب في إخفاء مثل هذه العلاقات فقط، ولكنهم أيضًا يدعونها، فهناك زوج يوهم زوجته بتعدد علاقاته النسائية وأنه كما يقال "ساحر النساء"، في حين لا يكون له أي علاقة على الإطلاق. يفعل ذلك من أجل أن يثير غيرة زوجته، ويستكشف مدى حبها له، وهذا ما يضايق الزوجة؛ لأن أكثر ما يجرح المرأة ويهين مشاعرها أن تدرك أن هناك امرأة أخرى في حياة زوجها؛ لذا ينبغي على كل رجل أن يختبر مشاعر زوجته تجاهه بطرق أخرى أكثر لياقة.
أما الزوجة فغالبًا ما تخشى الكذب؛ لأنها تخاف عواقبه إذا ما علم به الزوج، وإن اضطرت له فيكون بشأن أبنائها بسبب عاطفتها نحوهم، وإن كان ذلك قد يسبب عواقب وخيمة على الجميع. وبعض الزوجات تضطر للكذب على زوجها في بعض المواقف، خاصة عندما يسألها عن شيء يخص أهلها لا تحب الإفصاح عنه، فتلجأ لمغايرة الحقيقة حتى تخرج من الموقف دون خسائر على علاقتها بأهلها أو بزوجها.
رأي الشرع
لم يرد في الشرع ما يباح فيه الكذب إلا في ثلاثة أمور: الحرب، والإصلاح بين الناس، وكلام الزوج العاطفي لزوجته، أي أن يضع الزوج على الزوجة ما ليس فيها من صفات، وهو ما يتعلق بمبالغة الزوج في مغازلتها والثناء عليها، وهذا الكلام نوع من المجاملة الرقيقة والجميلة التي تجذب المرأة وتترك في نفسها تأثيرا قويا ينعكس على سعادة الأسرة كلها، فهذا كذب تحبه المرأة من زوجها، وهنا يكون هدف الزوج من الكذب التمسك بزوجته والرغبة في إسعادها من أجل المنفعة العامة للأسرة وحفاظا على ديمومة العلاقة الزوجة وضمان استمرارها ونموها.
أيضا قد يكون التظاهر والكذب بهدف الحفاظ على كيان الأسرة ومصلحة الأبناء وحفظ الأسرار والخصوصيات؛ منعا لخلاف قد يحدث بين الزوجين أو بينهما وبين الآخرين، أو إصلاحا لخلافات قائمة بالفعل .. فإن ذلك يكون مباحا، ولكن في أضيق الحدود حتى لا تتحول إلى عادة.
فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)، فالكذب ليس فيه الأبيض والأسود، وإن كان رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- قد أباح الكذب في حالات قليلة ومعروفة؛ فهو يهدف بذلك إلى مصلحة ما، دون ضرر ولا ضرار، ولكنه عندما يصبح عادة ومنهجا للحياة فهذا يرفضه الإسلام، وعلاج هذه المشكلة يتمثل في العودة إلى مبادئ الإسلام الذي جعل من الزواج سكنا ورحمة ومعاشرة بالمعروف، والذي أوجب على الزوج إكرام زوجته إذا أحبها، وعدم ظلمها إذا كرهها؛ فعندما نتبع هذه القيم والمبادئ فلن تكون هناك حاجة للادعاءات والتحايل.
سوء العاقبة
عندما يكتشف أحد الزوجين كذب الآخر لا يكون اكتشافه بسبب تفوق ذكائه، ولكن الظروف دائمًا ما تكون مسئولة عن كشف الحقائق، وعادة ما يكون الطرف الذي يشك في كلام الآخر باستمرار هو الطرف الأكثر كذبًا، وعمومًا يمكن التسامح إذا كان الكذب في أمور بسيطة، وإذا كان هناك أساس قوي من المودة، أما إذا غاب الحب وكانت العلاقة الزوجية متصدعة من الأساس فإنه في تلك الأجواء يمكن أن يؤدي الكذب إلى حدوث الانفصال؛ لأنه يسبب حالة من فقد الثقة بين الطرفين.
لا للكذب
معرفة الزوجين بمهارات الحوار والمصارحة سبب من أسباب نجاح الزواج وديمومته .. فما هي الكلمات التي يقولها كل طرف للآخر وقت الخلاف؟ وكيف يصارح كل طرف الآخر بما يغضب الآخر لو سمعه ؟ وكيف يتعامل أحد الطرفين مع الطرف الآخر الصامت والكتوم؟ وما هي الكلمات التي تغيظ الطرف الآخر أو تهدئ من روعه؟ وما هي أفضل الأوقات للمصارحة وإخراج ما في النفوس؟.. أسئلة كثيرة مهمة لنجاح أي علاقة سواء أكانت علاقة زوجية أم علاقة صداقة أم غيرها، ويمكن للزوجين أن يتعلما هذه المهارات من خلال الاحتكاك اليومي ومعالجتها.
أيضا يجب أن يساعد الزوجان بعضهما في ذلك، بأن يعطي كل منهما للآخر الفرصة كاملة لكي يظهر على طبيعته، ويترك النقد المستمر والتعليقات المؤذية ومحاولة التفهم والتعرف والسماح وترك "الأنا" واستبدال "نحن" بها وبذل الجهد لتقويم العلاقة.
وأخيرا، من الملاحظ دائما أن غالبية الناس يعلق أسباب المشاكل عند حدوثها لهم على غيرهم، فدائماً نسمع عبارة: أبي هو السبب، أو أمي، أو المدرسة، أو أبنائي أو الحكومة .. دائماً يردد الناس هذه العبارات، والتي يحب فيها الشخص أن يخلي نفسه من دائرة المسؤولية، ويعلق فشله على الآخرين، ولكن هذا تصرف الضعيف والإنسان السلبي، أما الشخص الإيجابي فهو الذي يلتفت إلى نفسه وإلى ذاته عند حدوث أي مشكلة له، وهذا ما نريده للزوجين عندما يخوضان أي مشكلة زوجية أن يستفيدا منها، فيكون من فوائد هذه المشكلة أن يلتفتا إلى نفسيهما، ويحاسبانها، وأن يكتشفا الخلل الشخصي، ثم يبدءان في وضع خطة لتطوير نفسيهما لمواجهة المشاكل المستقبلية، ولهذا فإننا نقول إن من منافع المشاكل الزوجية أن يتعرف الزوجان على قدراتهما الخاصة ويسعيا لتطويرها.

 

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com




الجمعة، 11 نوفمبر 2016

جرح الطلاق النفسي لا يستثني الرجال




«الطلاق» الكلمة الكئيبة، والمضمون المعبر عن فشل التوافق، والشبح الذي يورق الحياة الزوجية .. أبغض الحلال عند الله تعالى، لكنه في بعض الأحيان قد يكون الحل الوحيد والمثالي لمشكلات زوجية استعصت على الحل، حيث استحالت الحياة والعشرة .. ورغم جرحه وألمه فالطلاق لا يعني نهاية المسيرة سواء للرجل أو المرأة. ومهما كانت الحالة، فالانفصال يعني أسوأ لحظات الزواج وأكثرها كآبة, ويترك في النفس جرحا يطال «الرجل» كما يطال «المرأة»، على عكس ما يتوهم البعض أن الخاسر الأكبر في كل الأحوال يكون المرأة فقط.
دراسات غربية وعربية
الآراء التي تزعم بأن الرجل بعد الطلاق «أسرع على التأقلم في الحياة»، «وأقدر على تجاوز المحنة» ما هي إلا معتقدات منبثقة من إرث ثقافي خاطئ، لأن الرجل مثله مثل المرأة كلاهما يتأثر جدا بالحدث، وهناك عوامل خارجية وأخرى داخلية تؤثر على تكيف الفرد للموقف، أهمها تاريخه الشخصي، وكيفية نمط حياته، والخبرات السابقة، بالإضافة إلى الثقافة والبيئة الاجتماعية التي تحيط سواء بالرجل أو المرأة والتي لها دوراً رئيسيا في مدى تأثر كل منهم بالآثار النفسية السلبية الناجمة عن الطلاق.
تقول أحد الدراسات الغربية التي أجرتها مجلة «صحة الرجال» على شبكة الإنترنت: إن أول رد فعل للرجل بعد انتهاء العلاقة، هو سرعة الخروج مع أصدقائه وسرعة الارتباط بأخرى، فحوالي 26% من الرجال يتعالى على ما حدث، وكأنه يحتفل مع أصدقائه، وأن الموضوع برمته غير مهم.
وهؤلاء شكلوا أقلية، لأن 36% من المشاركين في الدراسة، قالوا: إنهم يودعون طليقاتهم بابتسامة لامبالاة، وكلا النسبتين تمثل شكلا من أشكال الأقنعة الزائفة التي يخفي بها الرجال مشاعرهم الحقيقية، لأنهم لا يستطيعون التعامل مع آلامهم أو غضبهم أو إحباطهم، وقد لا يتنبه الرجال إلى حالة الوحدة، إلا بعد تخطي المرحلة الأولي من ردود الفعل الأولية، فيبدءون في الحداد على حياتهم.
أما النساء فلا يضيعن الوقت، وفور انتهاء العلاقة يبدأن في البكاء، ثم يبدأن مرحلة الحديث مع الأخريات بصراحة عن مشاعرهن بعد الطلاق .. إنهن يواجهن الأحزان فوراً -كما أكدت الدراسة- الأمر الذي يساعدهن علي التخلص من المحنة بشكل أسرع، وتفريغ شحنة الانفعالات بصورة إيجابية، عكس الرجال الذين يكبتون مشاعرهم فتظل تنتقل معهم في سراديب حياتهم.
كما وجد باحثون أن 95٪ من الرجال المطلقين يغيرون مسكن الزوجية، ولايحبون العيش فيه بعد الانفصال. فنفسية الرجل ووضعه الاجتماعي ليسا بالقوة المعتقدة كما هو متعارف، فهو غالبا ما يشعر بالفراغ والوحدة بعد الطلاق.
من ناحية أخرى أكدت دراسة ميدانية مصرية أجراها باحثون في قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس بمصر، أن معظم الرجال الذين سبق لهم خوض تجربة الزواج وفشلوا فيها، معرضون للإصابة بالاضطرابات النفسية جراء هذا الفشل، وأن «الرجل المطلق» يعاني غالباً من عدم القدرة على التكيف اجتماعياً بعد الطلاق، كما يواجه صعوبات في خوض التجربة مرة أخرى باعتباره رجلاً «له ماض».
معاناة صامتة
«ينبغي على الرجال دوما ألا يفصحوا عن أحاسيسهم وخصوصا الحزينة؛ خشية أن ينتقص هذا الإفصاح من رجولتهم» .. تلك هي الستارة الزائفة التي تختفي ورائها مشاعر الرجل بعد الطلاق، خاصة أن عادات المجتمع لا تسمح للرجل بإظهار ضعفه وحاجته للمرأة لأنه ببساطة «رجل»، ولأن مجتمعاتنا رجولية بالدرجة الأولى، الأمر الذي يحتم على الرجل كتم أحزانه، والمعاناة من حالة احتقان نفسي داخلي غير مأمونة العواقب.
أي أن الرجل المطلق يعاني في صمت، ويتألم بدون صوت، ويقاسي جرح الماضي زمنا طويلا بلا بوح، لأن المجتمع ونظرة الرجال لبعضهم البعض جعلت الرجل لا يجسر على البوح بآلامه وخسائره.
أما أطباء الصحة النفسية فيؤكدون بحسب مجلة «الصدى»، أن السبب الآخر الذي يضايق الرجال بعد الطلاق ليس فقط فقدان دورهم كأزواج، ولكن خسارتهم لدورهم كآباء، فالأم تلعب بعد الطلاق دور الأب والأم معاً، أما الزوج فيخسر دوره كأب.
وعن الانعكسات المرضية العضوية يذكر د.مصطفى الحاروني أستاذ علم النفس التربوي بجامعة حلوان المصرية أن الطلاق يعد منجما للأمراض ولايستثني الرجل من الآثار النفسية والاجتماعية المدمرة. وأكثر الأمراض شيوعا لدى هؤلاء هي: الإرهاق المزمن، القرحة، تساقط الشعر، أمراض القلب، والأمر اض الجلدية (الحساسيات).
حالات صعبة
إذا لا شك أن الزوج يتأثر عاطفيا بالطلاق، بل وقد يصاب بأعراض وأمراض نفسية وعضوية، خاصة في حالات معينة تزيد الموقف صعوبة، أهمها:
- مبادرة الزوجة بطلب الطلاق، سواء باللجوء لفسخ العقد لخلل في جانب الزوج، أو حتي في طلب المخالعة من أجل عتق نفسها من الارتباط بذلك الزوج.
- وجود أبناء محصلة ذلك الزواج، فلا مكان إطلاقا للطلاق الذهني أو النفسي بين الزوجين عند وجود الأبناء.
- طول مدة الحياة الزوجية التي قضاها الزوجان معاً، فلا يزال شبح الزكريات يؤرق الطرفين إذ إنهما قضيا زهرة حياتهما معا.
- تأخر الدخول في تجربة الزواج مرة أخري بعد الطلاق، نتيجة العزوف والكره للجنس الآخر.
- الطلاق بعد الخمسين بالنسبة للرجل يكون شديد الوطأة عليه بخلاف الطلاق في مقتبل العمر.
- عند ملاحظة الرجل المطلق للحساسية الكبيرة والتحفظ المفرط عند التعامل مع الزملاء، وخصوصا لدى دخوله منازلهم، حيث ينظر إليه الجميع كشاب أعزب، بفتقد لزوجة تعصمه وتصونه وتعفه.
وإن كان هذا لا ينفي وجود آثار إيجابية يمكن أن تحدث نتيجة للطلاق، فقد يدفع الرجل الإحساس بالفشل إلى الثورة على نفسه، فيحاول التركيز في عمله وإثبات ذاته والتغلب على مرارة التجربة وقسوة الزكريات.
الكل يخسر
الفرد حين ينوي الطلاق يكون تفكيره قائما على الخلاص، لكن ما يشعر به عقب ذلك من وحدة وعدم استقرار يضعه في أتون حياة صعبة. فلا شك أن كل الأطراف يكون خاسرا، حيث تفقد الزوجة الدعم والأمان والحماية التى يوفرها لها الزوج، وهو الآخر يخسر الحضن الدافىء والسكن النفسي والراحة التى تحققها لها زوجتة، علاوة على عودتة مرة اخرى لحياة العزوبية، وعدم وجود من يهتم بشئونه، وبعض الرجال يهرب من خيال زوجته السابقة بالزواج السريع من امرأة أخرى ليسترد جزءا من اعتباره وكبرياءه المحطم، ولكن الحقيقة التي لامناص منها أن الزوج يدخل في دوامة المقارنة مابين طليقته وزوجته الجديدة، خاصة لو كان مغرما بطليقته.
وتزداد المشكلة تعقيدا عندما يوجد أطفال، فإلى جانب تشتتهم بين الأبوين، فإن الأب مطالب بالانفاق عليهم ورعايتهم عن بعد وهو عبء عسير آخر يتحمله.
ولا شك أن التأثير سلبي وكبير على الاطفال سواء عاشوا مع أمهاتهم أو آبائهم، لأن الأسرة هي أول بقعة ضوء تتجلى فيها للطفل القيم والنظرة إلى العالم، وتسمح للصغير بالنمو والحفاظ على التوازن والاستمرار، والطلاق يشوه في داخل الطفل نقاءه وعالمه المثالي فيسيطر عليه الحزن والقلق، وقد يحدث هذا شرخا في نفسيته يحمله معه إلى الكبر فيصبح انطوائيا ويفقد الطموح ويتراجع وينهزم أمام أقل الصعاب، وأكبر الآثار سلبية على أطفال المطلقين عندما يحاول أحد الطرفين تشويه صورة الآخر أمام أبنائه، كأن يقول الأب لأطفاله: إن أمكم لا تحبكم، وهي امرأة لا تصلح كزوجة وأم .. الخ، أو تحاول الأم أن تزرع الكراهية في نفوس الأبناء تجاه أبيهم، وما أقساها من سلوكيات انتقامية خاطئة كفيلة بأن تدمر حياة هذه البراعم الغضة، وتؤثر على مستقبلهم.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com











الأحد، 23 أكتوبر 2016

الانتحار الزوجي




«الانتحار» كلمة لا تقتصر على الهدم المتعمد للبدن وإزهاق الروح عن قصد، بل إنها تمددت وانتشرت لتشمل كثير من القضايا الفكرية والنفسية والاجتماعية وحتى الطبية، فالانتحار الفكري يعني الشطط العقلي والشذوذ الفكري والميل للجحود والكفران، والانتحار النفسي يعني الاستسلام لأزماتنا النفسية والعاطفية حتى تحطم كل ما نملكه من إرادة، بل وحتى علماء الطب والتغذية يعنون بالانتحار وجوها أخرى كالإسراف في تناول الدهون المشبعة أو المخللات أو الأطعمة الحريفة وما أشبه ذلك.
وفي الحياة الزوجية كان لعبارة «الانتحار» نصيب ومدلول، فالانتحار الزوجي هو مجموعة من السلوكيات الزوجية السلبية الكفيلة بتدمير تلك العلاقة الحميمية والعاطفية بين الزوجين وإصابتهما بنوع من الجفاء والجحود الذي قد يفضي -لا قدر الله تعالى- إلى الانفصال.
من أشهر مظاهر الانتحار الزوجي «كثرة التشكي» خاصة من قبل الزوجات التي يكاد لا يرضيها شيء ولا يعجبها تصرف، وقد تكون الشكوى من قلة ذات يد الزوج أو من سلبيته أو من إهماله أو من غيرته ... ورغم أن لكل منا عيوبه والشكوى منه واردة لكن الأمر هنا يخرج عن حد الاعتدال المقترن بطلب الكمال الذي هو من المحال.
فكم هو مزعج للزوج أن لا يجد في حديث زوجته إلا المرارة الدائمة من تصرفاته، ولا حوار لها صباح مساء إلا عن سلبياته وسقطاته .. وكأنه كتله سلبيات!، وكأنه لا يملأ عينها ولا يشغل وجدانها، وكأنها تريد أن توصل له رسالة بندمها على الاقتران بمثله، أو أنها كل شيء ولا شيء سواها، وبدونها تتعثر الأسرة ولا تخرج من كبواتها، ويزيد الطين بلة والعلاقة جفوة لو خرجت هذا الأمواج المتتابعة من الشكاوي خارج حدود الأسرة للأقارب والجيران وصديقات العمل، وكم هو قاس على مشاعر الزوج أن لا يقابل أحد من معارفه إلا ويجد منه الملامة وربما التوبيخ من تصرفاته مع زوجته التي فضحته عند القاصي والداني. 
هذا في الوقت الذي يحتاج فيه الزوج إلى أن يشعر من زوجته بجدارته كزوج وأب وربان أسرة، فهذا من شأنه أن يشبع رجولته ويرضي قوامته التي فطره الله عليها .. إن الزوجة كثيرة الشكاية زوجة متسخطة على أقدار الله، تنشد الكمال فيمن حولها، رغم أنها في نفسها غير ذلك، ورحم الله أحد السلف حيث يقول: يبصر أحدكم القذة في عين أخيه، ولا يبصر الجذع في عين نفسه.
وما يقال على بعض الزوجات يقال أيضا على بعض الأزواج، لكننا لو نظرنا بعين الإنصاف لحرصنا كل الحرص على مشاعر بعضنا البعض، وخير من الشكوى وتوصيف الأخطاء، النظر في كيفية معالجتها وفق طبيعة الطرف الآخر، فمن الناس من تجدي معه النصيحة، ومنهم من يحتاج لأن نتمثل نحن أمامه نموذجا مثاليا ليقتدي بنا، ومنهم من يحتاج لتدخل ذوي المكانة من الأقارب، ولله في خلقه شئون، أما أن يحملنا الضجر على أن نرى شريك العمر كله عيوب! وأنه لا تجدي معه حلول! فهذا انتحار بالبطيء لن نجني منه إلا الدمار.
إن الحياة الزوجية «شركة» لها طبيعة خاصة جدا، فهي لا تحب أن تخرج أسرارها خارج سياجها الأسري إلا في أضيق الأمور والحدود، وكم هو مزعج بل ومؤلم لشريك العمر أن يرى سلبياته على الملأ فما بالنا لو اقترنت بالتضخيم والمبالغة التي من شأنها أن توغر الصدور وتقتل المحبة.
والشركة الزوجية لا تحب أن يتعالى فيها أحد الشريكين على الآخر، وأن يرى أحدهما أنه كان بالإمكان أن يتزوج الأجمل أو الأغنى أو الأعلم أو الأقوى .. إنها قاصمة الظهر أن تعيش مع إنسان مجبر أن يعيش معك أو يتأفف من القرب منك أو يتحسر على لحظات الأنس التي يقضيها معك .. إن حواجز التعالي أو الكبر في الحياة الزوجية من شأنها أن تعلو وتعلو حتى تحجز تماما بين الطرفين فيصبح كل منهما لا يرى الآخر في حياته، ويعيش معه حالة من الطلاق الروحي مما يؤذن بوقع الطلاق الحقيقي بسبب أصغر شرارة وأقل هفوة. وفي الحديث الشريف: «لا يفركن مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها غيره» [رواه مسلم وأحمد]
والشركة الزوجية لا تحب المنافسة الضروس بين الشريكين، خاصة لو كانت الزوجة عاملة أو عالمة أو لها فضل ميزة على الزوج، فهذا التنافس من شأنه أن يقلب ساحة الأسرة إلى ساحة سجال ونقاش دائم، وترى هذا النوع من الزوجات لا تلبي لزوجها طلبا -ولو صغر- إلا بعد طول مناقشة وجدال ولدد .. إن الحب الحقيقي يقوم على نكران الذات والتفاني في إسعاد الآخر، وحينها تجد سفينة الزوجية تسير سلسة سهلة، أما العناد وكثرة المحاورة والمخالفة فهي نذير خطر، أقل ما فيه أنه يشحن القلوب بالبغضاء، فما تلبث شرارة الفرقة أن تنفجر لأتفه الأسباب، فيصبح الناس يتعجبون ممن طلق زوجته لأنها لم تعد له طبق الحلوى الذي يفضله أو لم تشتر له الأغراض التي طلبها أو غيرها من الأمور البسيطة التي لا تستحق كارثة كالطلاق، لكن لو نظرنا بعين التأمل لوجدنا أنها مواقف بسيطة لكنها تخفي ورائها تراكمات ومشاحنات وسجالات وتناقضات وخلافات.
إن الحكماء يقولون: العافية كلها في التغافل، والمتغافل سيد قومه، وفي الحديث الشريف: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» [رواه الترمذي] قال المناوي: وكان -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس عشرة لهم حتى أنه كان يرسل بنات الأنصار لعائشة يلعبن معها، وكانت إذا وهبت شيئاً لا محذور فيه تابعها عليه، وإذا شربت شرب من موضع فمها، ويقبلها وهو صائم، وأراها الحبشة وهم يلعبون في المسجد وهي متكئة على منكبه، وسابقها في السفر مرتين فسبقها وسبقته ثم قال: «هذه بتلك»، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة، وفي الصحيح أن نساءه كن يراجعنه الحديث.[فيض القدير للمناوي]
والشركة الزوجية لا تحب المقارنة مع أطراف خارجية، وهذا من المروءة وحسن الخلق الذي أوصانا به النبي -صلى الله عليه وسلم- .. فإياك عزيزي الزوج أن تعقد مقارنة بين زوجتك وبين فتيات الإعلانات أو الممثلات على مرأى ومسمع منها، بل وفي قرارة نفسك تأدبا مع الله الذي يعلم السر وأخفى، وإياك عزيزتي الزوجة أن تعقدي مقارنة بين زوجك وبين أحد الغرباء تمدحين على مسمع منه في الغريب صفات لا توجد في زوجك .. إنها قاصمة الظهر التي تستجلب ظلال الكآبة والوحشة على القفص الذهبي والعش الزوجي، وكم هو صعب على النفس أن تحس بالدونية، لكن المؤمن يرى أن الحياة جملة من الأرزاق فالصحة رزق والجمال رزق والعلم رزق والزوجة رزق والزوج رزق .. ومن رضي بما قسم الله له كان أغنى الناس.
والشركة الزوجية لا تحب أن يعشش فيها الشعور بالتقصير .. فحذار أن يشعر أحد الشريكين الآخر بأنه مقصر معه عاطفيا أو وجدانيا فهذا من شأنه أن يؤجج نار العناد ويزيد التقصير تقصيرا قد يصل إلى حد الجحود والجفاء .. إن لغة الإطراء تفتح القلوب المغلقة، وتؤجج المشاعر النائمة، وتضفي على حياة الزوجين مسحة رومانسية دافئة، والكلمة الطيبة صدقة، وأولى الناس بالصدقة ذوي القربى، وما أجمل أن تقترن تلك الكلمات الندية بالهدية التي لها مفعول السحر، بل هي السحر الحلال الذي يؤثر القلوب ويلين القاسي ويقرب الجافي، وهي تعبير عملي على الاهتمام وتفقد مواطن راحة الشريك وسعادته وكفاها من صفات كفيلة بأن تزيل الغشاوة التي صنعتها السنون، والرتابة الزوجية التي زرعتها الأيام مع طول العشرة. 
والشراكة الزوجية لا تحب التبذير ولا الإسراف المادي .. إن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت، وكم من العثرات التي تعتري مسيرة الزوجين، فإذا خيمت على الأسرة ساعة العسرة وضاقت اليد عن تلبيه المتطلبات توتر المشاعر وبدأت الاتهامات والتلاومات، وانفتحت على الزوجين أبواب الاستدانة التي هي هم بالليل وذل بالنهار، كل هذا بفعل نظرتنا القاصرة في إدارة ميزانية الأسرة والسير بمبدأ «عيش اللحظة» وكأن الحياة تصفو دائما وتحلو على طول الطريق وهيهات هيهات.
إن الزوجة العاقلة هي من تحسب للأيام حسابها وتزن للأحداث بميزانها، وتدير أسرتها ماديا بتعقل بلا إفراط ولا تفريط، حتى إذا ألقت الأيام بعسرها على زوجها، وجد زوجة تمد له يد العون مما ادخرته لهذه الخطوب .. حينها تحلو في عينه، وتجلو في نظره، ويزداد رصيد الحب في قلبه لأنها كانت نعم السند وخير المعين، والناس مواقف، وخير الأصحاب أنفعهم لصاحبه.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com