الجمعة، 29 أغسطس 2014

مقاومة غزة .. وضوح الرؤية والهدف



«الاحتلال لن يعوض إخفاقه في الحرب على طاولة المفاوضات» .. بهذه العبارة الناصعة التي أطلقها (إسماعيل هنية) بدأت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في أول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني على أرضية المقاومة الصلبة التي لم تعهدها إسرائيل من قبل .. بدأت المقاومة نضالها السياسي مرفوعة الرأس واضحة الرؤية والهدف .. بدأت واضحة وفي النور لا كما تعودنا سلفا على المباحثات العربية الإسرائيلية طيلة عهودها السابقة، حيث البنود السرية واستمرار التفوق الصهيوني بشروطه التعجيزية، والدعم الأمريكي السافر والخضوع العربي المخزي.
والمفاوضات مع الصهاينة ليست بالأمر الهين، فمع التفوق العسكري لدولة الاحتلال تمتلك أيضا براعة سياسية مكنتها من عزل مصر عن محيطها العربي والإقليمي وإخراجها من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي من خلال اتفاقية (كامب ديفيد)، والشيء نفسه يقال عن (اتفاقية أسلوا) للحكم الذاتي المحدود التي عقدتها مع منظمة التحرير الفلسطينية ثم تملصت إسرائيل من هذه الاتفاقية ولم تنفذ استحقاقاتها التي تقود لإقامة دوله فلسطينيه مستقلة بحدود الرابع من حزيران 67 كاتفاق إطار لمدة خمس سنوات انتهت بنهاية 1999، ولا يفوتنا (اتفاقية وادي عربه) بين الأردن وإسرائيل حيث الاعتراف المتبادل، هذا فضلا عن تمكن حكومات الكيان الإسرائيلي من إقامة العديد من العلاقات غير مباشره مع العديد من الدول العربي، ونسج خيوط لعلاقات اقتصاديه واستثماريه في العديد من الدول العربية بحيث تمكنت بهذه الاتفاقات من اختراق قرار الجامعة العربية بمقاطعة إسرائيل اقتصاديا.
اليوم الأمر يختلف، فالمفاوضات تلت عملية حربية إسرائيلية تدميرية لكل شيء في غزة، استخدمت خلالها خمسة آلاف طن متفجرات (ما يعادل 12 قنبلة ذرية)، ولكنها لم تؤت أكلها، وخرجت منها إسرائيل ولم تنتصر وغزة لم تنهزم.
هذا فضلا عن أن الجيش الصهيوني قد تآكلت لديه قوة الردع منذ عام 2005 وما تلاه من نصر (حزب الله) بلبنان 2006 ، فأخذ العبرة من مغامرة (الجرف الصامد) بسرعة بعد أن لم يحترم قدرات الخصم بشكل كاف، وتراجع بقواته البرية إلى الوراء وأكمل عدوانه بسلاحه الجوي فقط بعد أن خسر بريا ما خسر، وأسر من جنوده من أسر.
كما بدأت المفاوضات بتوحد كامل لكل الفصائل الفلسطينية المقاومة .. توحد في الرؤية والقرار، وتبصر تام لمناورات العدو الذي يحاول المماطلة لكسب مزيد من الوقت الذي يمكن أن يفجر الأوضاع الشعبية في غزة إثر الوضع الكارثي هناك، ورغم استبعاد هذا الأمر مع اصطفاف الشعب الفلسطيني خلف المقاومة إلا أن المقاومة أعلنت مؤخرا أن الهدنة الثانية لن يعقبها أي هدنة أخرى، وتعول المقاومة على حرب استنزاف طويلة الأمد لا تجعل الصهاينة ينعمون بالراحة في ظل منظومة صواريخ يغطي مداها كافة الأجواء الإسرائيلية، فضلا عن تعطل المطارات والموانئ وإرهاق الاقتصاد الإسرائيلي وتأجيج الحرب النفسية على المواطن الإسرائيلي. علاوة على أن الوضع الدولي لن يسمح بمجازر إسرائيلية طويلة الأمد.
ويشار إلى أن حرب الاستنزاف ستربك سير التعليم في السنة الدراسية الوشيكة، وستؤدي لتراجع عدد السياح، وتكلف إسرائيل دفع تعويضات هائلة للمتضررين منها. ووفق وزارة المالية الإسرائيلية، فقد بلغت تكلفة الحرب على غزة حتى الآن أكثر من ثلاثة مليارات دولار، وتؤكد وزارة السياحة أن أعمال المرافق السياحية تراجعت بنسبة 90% منذ بدء العدوان.
إن الشروط التي تضعها المقاومة بفتح المعابر وإنشاء ميناء بحري ومطار لا يمكن لإسرائيل الموافقة عليها لأن هذا من شأنه أن يعزز من قدرات حماس الحربية، وكل ما تستطيع أن تقدمه دولة الصهاينة هو دعم مادي سخي، وموافقة على إعادة إعمار غزة، وتحسين المرافق والإمدادات الحياتية اليومية بها، وتوسيع رقعة الصيد في المياه الفلسطينية .. كل هذا كنوع من شراء البطون واللعب على وتر المعاناة.
لكن المأزق الإسرائيلي يكمن في أن أوراق الضغط التي تملكها المقاومة اليوم تختلف خاصة مع توحد القوى السياسية المفاوضة وتماسك نسيجها رغم أن أطرافا حاولت تشتيتها ومنعت مشعل وهنية من قيادتها على مائدة التفاوض، على أمل شراء ولاء بعضهم لكن الأمر كان صادما والمؤامرة كانت مكشوفة والفشل كان حليفها.
كانت رؤية المقاومة واضحة في عدم الموافقة الإسرائيلية على نزع سلاحها الذي حمى الهوية الوطنية الفلسطينية، وشكّل صمام أمان لحقوق الشعب الفلسطيني، ورسم حدوداً وخطوطاً وقواعد للموقف السياسي الواعي والمستثمر لحصاد المقاومة على الأرض، والمتناغم معها في خدمة المشروع الوطني في التحرر والاستقلال.
كانت رؤية المقاومة واضحة عندما قررت أن «المكتسبات لابد أن تكون على قدر التضحيات»، وأنها تدرك جيدا -ويدرك العدو معها- أن من يريد الشهادة صعب المغامرة معه، وأن التفوق الحقيقي للمقاومة في روحها المعنوية العالية التي لا يتمتع بها الجندي الصهيوني، خاصة وقد تسربت أنباء عن تهرب البعض من الخدمة العسكرية وإطلاق آخرين الرصاص على أصابع أقدامهم للتنصل من دخول الحرب، وغيرها من المواقف التي تصب في غير صالح حرب إسرائيلية طويلة الأمد.
        

 د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق