الأربعاء، 24 أبريل 2013

المليك والخطوات الغير محسوبة


الجميع في أشد الدهشة من تصرفات أبناء سعود في المنطقة العربية خلال هذه الأيام بقيادة هذا المليك الذي يلقي بكل ثقله في أحضان الأمريكان غير مقدرا للعواقب ولا حاسبا لحساب الربح والخسارة الذي يسير به كل العقلاء، فضلا عن الرؤساء الأوفياء لبلادهم وشعوبهم.

منطقة الخليج العربي على شفا حرب طاحنة بين إيران من جهة والغرب من جهة أخرى، في معركة لن يسبق لها مثيل في منطقة العرب، بل لم تكرر منذ الحرب العالمية الأخيرة، لأنها وببساطة ليست معركة تقليدية بين عربي هزيل وغربي قوي كما شاهدناها في حرب الكويت أو غزة .. إنها حرب بين قوتين لا يستهان بهما، فإيران ليست كالعرب الضعفاء الذين بلغوا من الضعف درجة أنهم لا يقفون في المواقف العالمية وحدهم، بل لابد من تحالف روسي أو أمريكي، أما إيران فهي قوية بترسانة سلاحها الفتية التي صنعتها سواعد أبنائها الأبطال، وبالمناسبة فأنا لست شيعيا، ولا مروجا للمذهب الشيعي، وأنا منهم في هذه القضية العقائدية براء.. لكننا نتكلم عن قدرات دولة ليست سهلة في حجمها، والغرب يعرف هذا تماما، وإلا لما أحجم حتى اليوم عن ضرب الترسانة النووية الإيرانية، خاصة وأنه يعلم جيدا أن الذراع الإيرانية طويلة جدا، وستطال صواريخها العمق الاستراتيجي لكل أعداء إيران، أو على الأقل لكل مصالح هؤلاء الأعداء في المنطقة.

ورغم هذا فنذر الحرب قائمة في ظل السعي الحثيث للدول الغربية على تحجيم النشاط الإيراني عبر منظومة من العقوبات السياسية والاقتصادية، وآخرها فرض الحذر على النفط الإيراني، ومع التداعيات الرهيبة لهذا القرار يتعاظم شبح الحرب.

فأخطر هذه التداعيات هو ارتفاع سعر النفط العالمي نتيجة غياب الحصة الإيرانية (2 مليون برميل يوميا) مما يفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية المتفاقمة بالأساس، لكن خرج علينا هذا المليك المندفع، وبإيعاز بل وبأوامر من أمريكا، بالتعهد بتعويض النقص في الإنتاج من آبار النفط السعودي، غير متفطن هذا الساذج أنه بهذا التصرف وضع نفسه في مواجهة مع إيران، وأشعل نار حرب لن تنفعه فيها الولايات المتحدة نفسها، خاصة وأن السعوديين لا يقارنون بالقوة الإيرانية على الإطلاق، حيث أنهم لم يتجاوزا حتى الآن إتقان طبخ الكبسة وعمل السنبوسة، فما بالنا بحرب ضروس تدور أحداثها بالوكالة عن الغرب الذي لا يريد أن تقوم لنا قائمة أبدا، وقديما قالوا: «قطع الأرزاق من قطع الأعناق».

هذه الشهامة العربية الجوفاء رأيناها أيضا في حرب الكويت وليبيا، وكأن هذا المليك يتلاعب بثروة شعبه الموشكة أصلا على النفاد، والأبحاث الغربية نفسها على قدم وساق للحصول على مصادر طاقة بديلة، والقادة العرب لا يملكون في المدلهمات إلا البذل وبسخاء من ثروات بلادهم.

ورغم التجربة الأمريكية القاسية في العراق وأفغانستان، فإن اتجاه الولايات المتحدة قد ترسخ في الآونة الأخيرة على عدم الزج بأبنائها في أي حروب قادمة، وتبني سياسات «الحرب بالوكالة»، كما جري في اليمن وباكستان ضد تنظيم القاعدة، لكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية صار من الصعب أيضا سياسة الحرب بالوكالة، حيث عجزت اقتصاديات الدول الغربية في ظل الأزمة الرأسمالية الحالية على التوفية بمتطلبات هذا النوع من الحروب الذي يحتاج دعما ماديا سخيا للطرف المحارب ومده بالسلاح والمعلومات، وهذا من شأنه أن يرهق الميزانية الغربية المرهقة أصلا.

وهذه أيضا صعوبة تضاف لصالح الإيرانيين في أزمتهم مع الغرب، فضلا عن قدراتهم التسليحية الجيدة .. كل هذا تطلب من الغرب البحث عن متهور يقود الحرب بالوكالة وينفق عليها في ذات الوقت!!، ولا أفضل طبعا من شيوخ الخليج الموالون للغرب والاقتصاديات الخليجية التي تتمتع بفوائض الميزانيات، خاصة وأن إشعال مثل هذه الحرب ينطوي على ربح دائم للغرب، أما الخسارة فتتحملها المنطقة العربية التي تعودت على الخسائر دوما، قادة وشعوبا، فإن من شأن هذه الحرب لو نجحت أن تكسر شوكة الإيرانيين وتستنزف ثروات الخليج، وفي الوقت ذاته تجنب الغرب الخسائر البشرية في صفوف جيوشه فضلا عن تشغيل آلاف المصانع التي تعمل في السلاح ومتعلقاته والتي تدر أرباح فلكية للاقتصاديات الغربية المتعثرة.

إن إيران وإن كانت لها أطماع في المنطقة إلا أنها ليست ببشاعة الأطماع الغربية عند المقارنة بينهما، والضير الأكبر لامتلاك إيران سلاحا نوويا يقع على الغرب بالدرجة الأولى، ونحن كعرب لن يصيبنا منه إلا غباره، فلا داعي لإشعال عداوة لا ناقة لنا فيها ولا جمل، أما قيادة حرب لا تعنينا وتستنزفنا من الألف إلى الياء فتلك حماقة لا نجدها في ماض ولا مستقبل لأي شعب أو قائد، فهل ينحاز شيوخ الخليج لشعوبهم ويجنبوها بحق الأمانة التي أوكلها الله لهم ويلات وويلات؟ أم أن موالاة الغرب لديهم صارت إدمانا لا فكاك لهم منه، وصارت الجفوة بينهم وبين شعوبهم عميقة لا يقربها شيء، وصدق -صلى الله عليه وسلم-: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم و يحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم».     

 

د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

 

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق