الاثنين، 8 أبريل 2013

روائع الكتابات من وحي ربيع الثورات العربية (3)


كثير من كتبوا عن ربيع الثورات العربية، لكن القليل منهم من خط بقلمه في لحظة صدق وإبداع جميل العبرات التي لمست كبد الحقيقة، وعميق التحليلات التي كانت هداية للمسترشدين، وخاطبت الحروف الموزونة المشاعر بجاذبية منقطعة النظير .. ولما كانت الكلمات الرائعة أغلى من الذهب، رأيت أن أجمعها في عقد فريد يلذ بمعايشته المطالع، ويأنس بحروفه المتابع، ويختصر للمنتفع الوقت والجهد.

 

·   خُلع مبارك من منصبه بعد (18) يومًا، بعدما استفرغ كل الجهود والمحاولات والتكتيكات، وبعدما استعان بأهل الخبرة وعلماء النفس والسياسة والاجتماع و... فخاض معركة نفسية، ومعركة ترويعية، ومعركة تنازلية، لكن ما كان ذلك كله ليفتّ في عضد شعب مقهور مغلوب على أمره. الجيش المليوني ما أغنى عنه شيئًا، والحرس الجمهوري والأمن المركزي وأمن الدولة ما أغنى عنه شيئًا، والشرطة والمخابرات العسكرية والأجهزة الأمنية كلها ما أغنت عنه شيئًا، علمًا أن عددها يتجاوز المليونين على أقل تقدير. سقط حسني وذهب غير مأسوف عليه.[د. عبد الله بن صالح الخليوي]

·   مضت ثلاثون عامًا بعجرها وبجرها كأنها ساعة من نهار، ذهبت لذاتها وبقيت حسراتها، ولعل الله عز وجل كتب له أن يتجرع مرارة فقد السلطة ما بقي له من عمر قبل أن يرتحل عن دنيانا الفانية، تمامًا كما حدث مع نظيره زين العابدين بن علي، أما ابنه المدلل المبجل جمال مبارك فقد تبخّرت أحلامه، ونكص على عقبيه وطرده أبوه من منصبه، وضحى به، لكن الأَضحية لم تكن مجزية، فلفظها الشعب لكونها عوراء عرجاء كسيحة مريضة. [د. عبد الله بن صالح الخليوي]

·   مصر عصية على القراءة، ولا تقبل التأويل والتحليل، لأنها قادرة على مفاجأة العالم بكل ما لديه من أجهزة الاستخبارات والتجسس .. إنها قادرة على صناعة يوم عبورٍ جديد، لتفرض على التاريخ، أن يبدأ التأريخ من جديد، لعصرها الجديد، وفصلها الجديد، حتى لو نصبوا حولها مليون «خط برليف» وكل أسوار الحديد.[ زياد علان العينبوسي]

·       الشعب المصري صنع تاريخاً مجيداً في تاريخ الكفاح السلمي فاق به كل الثورات السابقة التي كان للجيش أو العنصر الخارجي كلمة الفصل في تحديد مصيرها، بما فيها ثورة تونس المباركة، فالشعب المصري وحده كان اللاعب الوحيد والفاعل علي الساحة، طاشت مؤامرات سليمان المخابراتية، وفشلت خطط صفوت الشريف الشيطانية، وحتى عناد وصلابة مبارك الشهيرة لم تصمد أمام العزيمة الأسطورية للشعب المصري الذي أصر على الحياة فكان له ما أراد.[شريف عبد العزيز]

·   النظام المصري -وليس الشعب المصري الذي رفض التطبيع ولا يزال- ارتمى في أحضان عدو مصر الصهيوني منذ ذلك التاريخ وحتى اندلاع تلك الثورة المصرية الرائعة، وهذا هو سر هلع العدو الصهيوني على فقدان ذخره الاستراتيجي في المنطقة ومناوراته بل مؤامراته المحمومة ضد الثورة. [د. صبري حافظ]

·   إن اعتماد أنظمة الحكم العربي على قواعد بدائية شديدة التخلف في إدارة مجتمعاتها من قبيل: تصفية النخب، والاعتماد شبه الكامل على الحلول الأمنية، والركون لمبادئ عديمة النفع الاجتماعي، كمبدأ الولاء قبل الكفاءة، وتعمد تقسيم المجتمع إلى موالاة، ومعاداة على أسس قبلية وعائلية وجهوية وطائفية وأثنية، وتغليب فئة على أخرى، وإحاطة الرجل الأول في النظام بطوق محكم من جيله (الفريد) وسيطرة ذلك الجيل بانتهازية على كل أو جل المؤسسات الحيوية في البلاد، في ثبات مقيت للوجوه يقطع دورة الإحلال الطبيعي بين أجيال المجتمع، وكذلك ضَعضعة التعليم، وخلخلة الثقافة، والاعتماد على الشعر الشعبي والغنائي في تلميع وتأليه رأس النظام، حيث تتمركز جل السلطات، والتخوين المطلق للنقد، والنقد البناء، ثم دخول رجال أعمال فاسدين على خط إدارة الخطط التنموية تمكنوا من استخدام نفوذهم في الإتْيان بعناصر أقل كفاءة للجهاز التنفيذي لاستخدامها في إنجاز صفقات الفساد، وما أدت إليه من اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في المجتمعات العربية من دون استثناء، ثم الاستخفاف بمشاعر ومستوى فهم المواطن في الأداء السياسي والاقتصادي الداخلي والخارجي للدولة، وتغليب الشّخصَنَة على المصالح الإستراتيجية للبلاد، كل ذلك يدخل في إطار الأمِّيَّةْ السياسية التي أدت إلى اتساع الهوة بين الحاكم والمحكوم.[الهشــيم ورياح التغيير،بريني خليفة ابريني]

·   وما تناثر من شرر النار التي اشتعلت في جسد (اَلبوعزِيزي) سيكون كافيا لحرق كل العواصم العربية، ليس فقط لأَنها نَار مباركة؛ ولكن أيضاً لأن الاستبداد في مواجهة الجُمُوع لَم يَكن يَوماً إلا هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاح. [الهشــيم ورياح التغيير،بريني خليفة ابريني]

·   ومن الأمور التي أفرزتها هذه الثورة المباركة أيضا، ما رأيناه من فرسان قد نزلوا الساحة بعد انتهاء المعركة وسقوط الطاغية، هؤلاء الفرسان الذين يفضلون دائما القتال في الميدان الخالية؛ حيث يخرجون من جحورهم بعد الإعصار، يخرجون بعد أن أمنوا علي أرواحهم ومناصبهم وزعاماتهم ودنياهم، ليلوحوا بحدهم وحديدهم وأسلحتهم الخشبية في وجه الخواء، ويتشحون بلباس الشجاعة والجسارة، لينالوا من غنيمة القتال، ويركبون على أكتاف المجاهدين الشرفاء الذين قاموا بأفضل الجهاد، كلمة حق عند سلطان جائر، فتراهم يتحدثون عن مآثرهم وانجازاتهم، وكيف قاتلوا؟ وكيف صبروا؟ وكيف فعلوا وصالوا وجالوا؟ وهم لا يدرون أن الشجاعة تكون وقت المواجهة، وقت ما يقول المؤمنون هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، ليس بعد انتهاء القتال وانهزام الأعداء.[ فرسان الوقت الضائع، شريف عبد العزيز]

·   ينسب لونستن تشرشل قوله بأن الطغاة يركبون ذهاباً وجيئة، نموراً يخافون أن ينزلوا من على ظهورها لأنهم يعرفون أن النمُّور جائعة. دعنا نضيف على ما قاله تشرشل بأنُ النمور الجائعة في بلاد العرب قد أصبحت الشعوب الثائرة وأنها ستأكل راكبيها. [عندما تسد المنافذ أمام الشعوب، د. علي محمد فخرو]

·   قال لي أحد أصدقائي ذات يوم قبيل سنين: «لا يوجد حاكم عربي انتخب واختير من شعبه بانتخابات حرة ونزيهة!!» - صدق - فكل أتى من دبابة أجيرة أو ناقة العشيرة أو بدعوة دينية خبيثة يضع خروج الناس عليه عصيانا لإرادة الرب كي يحكم الحظيرة!! أم: «إذا الشعب يوما أراد الحياة ..فلا بد أن يستجيب البقر!!» [جيفارا: 'الثورة كالدراجة.. إذا توقفت سقطت' .. باسل الزير]

·   سقوط مبارك ونظامه هو سقوط مرحلة بكاملها، سقوط ما يسمى بمحور الاعتدال، سقوط اتفاقات كامب ديفيد وكل ملحقاتها المذلة للعرب والمسلمين، وإنهاء مرحلة التغول الإسرائيلي التي جعلت الأنظمة العربية تركع أمام المسئولين الإسرائيليين وتستجدي السلام معهم، وتتنازل عن ما تبقى من فلسطين من أجل نيل رضاهم.[عبد الباري عطوان]

·       تستند إسرائيل في قوتها العسكرية والأمنية إلى عدد من العوامل الإستراتيجية وهي:

أولا: الاعتماد على الذات. لا يثق اليهود من ناحية العقيدة اليهودية بأي أحد حتى لو بدا حليفا في مرحلة من المراحل. يعتبر اليهود أنفسهم شعب الرب الوحيد، ولا شعب لهذا الرب غيرهم، وذلك وفق نص التوراة التي بين أيديهم القائل: "أنتم شعبي الوحيد" باقي الأمم والشعوب عبارة عن نجس، وهي عبارة عن عبيد على صورة بشر، ولم يخلقها الرب إلا لسببين وهما معاقبة بني إسرائيل بهم عندما يكون بنو إسرائيل في معصية الرب، والتلذذ بالانتصار على هؤلاء العبيد عندما يكون شعب الرب في طاعته. الرب لا يجيز التعامل مع الشعوب الأخرى إلا بالقتل أو الطرد أو الاستعباد لأنها شعوب قذرة تعمل دائما على إغواء اليهود وإبعادهم عن وصايا الرب العظيمة.

على ذات النمط، لا تثق إسرائيل إلا بنفسها، وتنص عقيدتها الأمنية على أن عليها تطوير ما تحتاجه من أسلحة ومعدات حتى لا تقع تحت رحمة أحد من صناع السلاح. ولهذا عملت إسرائيل على تطوير القنبلة الذرية، ومختلف أنواع المعدات الصاروخية والإلكترونية لكي تحقق استقلالها في تسليح جيوشها البرية والبحرية والجوية والفضائية والدفاع الجوي.

ولم تتوقف إسرائيل عن تطوير طائرة ليفي المقاتلة إلا بعدما قدمت لها الولايات المتحدة مختلف أنواع الضمانات حول تزويدها بآخر ما في الترسانة الأميركية من طائرات حربية. وما من شك أن إسرائيل قد حققت إنجازات ضخمة في هذا المجال، ولديها من العلماء والمختبرات والإرادات ما يمكنها من الاستمرار في التطوير بخاصة في مجالات التسليح الإلكتروني.

ثانيا: تطوير اقتصادها بحيث لا تبقى صاحبة يد سفلى تستعطي من هنا وهناك. وقد تطور اقتصادها إلى درجة أنها تفوقت في مجالات عدة منها الصناعات الإلكترونية والهندسة الوراثية والمجوهرات. صحيح أن إسرائيل تحصل على مساعدات مالية من الولايات المتحدة الأميركية، ومن جمعيات يهودية، لكن ذلك من قبيل زيادة الخير، وليس لأنها غير قادرة اقتصاديا.

ثالثا: يتطلب التسليح والتطوير الاقتصادي البنية المعرفية والعلمية، وإسرائيل تحرص دائما على البحث العلمي، وعلى المساهمة في المعرفة العالمية وليس فقط الاستفادة من هذه المعرفة.

رابعا: الدعم الغربي، بخاصة دعم الولايات المتحدة لها في كافة المجالات الأمنية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية والعلمية... إلخ. لقد حازت إسرائيل، وما زالت على الدعم الغربي إلى درجة أنها أصبحت تعرف كقطعة من العالم الغربي المتمثل بأوروبا الغربية والولايات المتحدة، أو كأنها الربيبة المدللة التي يهبون لنجدتها والوقوف معها في السراء والضراء.

خامسا: العمق الإستراتيجي العربي والذي يعتبر أهم هذه الأبعاد بالنسبة لإسرائيل وأكثرها خطورة على الفلسطينيين والعرب. لقد وفرت الأنظمة العربية على مدى عشرات السنوات الأجواء المناسبة لكي يبقى العرب ضعفاء أمام إسرائيل، ولتلحق بهم الهزيمة تلو الأخرى على أيدي عسكر الصهاينة، ذلك لكي يصل الجمهور العربي في النهاية إلى نتيجة مفادها أنه لا أمل في قتال إسرائيل، وعلى العرب والفلسطينيين أن يستسلموا لإرادتها ويقبلوا بها ويرتضوا بما تقدمه لهم من خير أو ضرر.

من الممكن لأي دولة تملك الإرادة أن تطور الكثير من أجل مواجهة العدو، لكن أن تضمن تعاون عدوها معها، فهذا أمر لا يعرفه التاريخ. تصنيع السلاح، وتطوير الاقتصاد، والحرص على المنهجية العلمية والتطوير العلمي، والإصرار على البناء الذاتي ليست أمورا تعجيزية لا تقدر عليها الأمم، لكن المعجز أن تصنع عدوا يعمل سمسارا على شعبه لصالحك. [عبد الستار قاسم، الجزيرة نت]

 


جمع وترتيب


د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق