الخميس، 11 أبريل 2013

روائع الكتابات من وحي ربيع الثورات العربية (4)


كثير من كتبوا عن ربيع الثورات العربية، لكن القليل منهم من خط بقلمه في لحظة صدق وإبداع جميل العبرات التي لمست كبد الحقيقة، وعميق التحليلات التي كانت هداية للمسترشدين، وخاطبت الحروف الموزونة المشاعر بجاذبية منقطعة النظير .. ولما كانت الكلمات الرائعة أغلى من الذهب، رأيت أن أجمعها في عقد فريد يلذ بمعايشته المطالع، ويأنس بحروفه المتابع، ويختصر للمنتفع الوقت والجهد.

 

·   ببساطة يعرف الإنسان العربي أكثر مما مضى بأن حكامه ليسوا صادقين وأن ادعاءاتهم حول الإنجازات ليست سوى كذب وأن اتصالاتهم بمن يعادي الشعوب العربية هي ليست سوى عمالة وليست تعبيراً عن إرادة وطنية، وأن سرقتهم للمال العام أصبحت معروفة ومفضوحة.

كذلك تعرف الشعوب أن هنالك طرقاً جربت للتخلص من الطغاة والحكام التابعين لتعليمات الـ(سي آي أي) والموساد، أو التي تعمل على سرقة الشعوب ومقدراتها لأجل العائلة والطغمة وحتى القبيلة، كما تعرف الشعوب العربية أن هنالك وجهاً وطريقاً ووسائل لرسم مستقبل أفضل: سياسياً، وثقافياً، واقتصادياً، ووطنياً وقومياً، وأن أفضل الطرق لذلك تبدأ بثورة حقيقية ترسي أسس ديمقراطية لا بديل عنها للتعبير عن الإرادة الوطنية الحقيقة.[أسعد غانم، عن مقال: زلزال القاهرة يبشر بفجر طال انتظاره]

·       ولقد مثلت ثورة 25 يناير تغييرا ثقافيا إنسانيا وحضاريا وتاريخيا للثورات حيث كانت ثورة قيمية وأخلاقية تتسم بالمبادئ والشمول والاتساع والزخم الشعبي غير المعهود، علاوة على الطهارة الثورية وقدرتها على تحرير وحدات مجتمعية كاملة بعيدًا عن الطائفية والإثنية.[محمد المدهون، عن مقال: زغرودة أم الدنيا]

·   يذهب المؤرخ الأميركي كرين بريتون في كتابه "تشريح الثورة" إلى أن الثورات تولد من الأمل لا من اليأس، على عكس ما يتصوره كثيرون. صحيح أن عمق الإحساس بالظلم وعمومه في المجتمع شرط سابق على كل ثورة، كما لاحظ عبد الرحمن الكواكبي، لكن تحويل هذا الإحساس بالظلم إلى أمل في التغيير وإيمان بإمكانه هو الذي يفجر الثورات. [محمد الشنقيطي، عن مقاله: منطق الثورات ومآلها]

·       يتأسس منطق الثورات السلمية على مبدأين اثنين:

(المبدأ الأول): أن السلطة المستبدة ليست جسدا واحدا أصم، وإنما هي بناء ديناميكي مركب، وهي لا تتحكم في الناس إلا لقبولهم بذلك. لذا فإن الثورة لا تحتاج إلى مواجهة النظام القمعي مواجهة مباشرة، وإنما يكفيها أن تحرمه من التحكم في المجتمع، وتظهر عجزه أمام العالم. فالتحكم هو رأسمال الحاكم المستبد، فإذا فقد التحكم في حياة الناس فقد الثقة في نفسه، وأصبح سقوطه محتما.

ويستخدم هشام مرسي ووائل عادل وأحمد عبد الحكيم في كتابهم المشترك "حرب اللاعنف" –وهو من منشورات أكاديمية التغيير- مصطلحا بديعا للتعبير عن هذا المبدأ، وهو مصطلح "التجويع السياسي". فالثورات السلمية لا تهدم النظام المستبد مباشرة، وإنما تستنزفه من خلال حرمانه من دعم بعض مكونات سلطته، فينهدُّ البنيان الاستبدادي من تلقاء ذاته.

(المبدأ الثاني): أن العنف الدموي المباشر ضد السلطة المستبدة ليس خيارا مناسبا، والمقاومة السلمية أجدى وأبقى. وقد بين المنظِّر السياسي الأميركي جين شارب في كتابه المعنون "من الدكتاتورية إلى الديمقراطية" أن الثورات السلمية تنبني على فكرة "البطولة الهادئة" التي ترفض الرد على عنف الاستبداد بعنف مضاد. فالانجراف إلى العنف الدموي يمنح الاستبداد أخلاقية الرد العنيف، ويسبغ على تمسكه بذاته طابعا شرعيا.

لكن الثورات السلمية ليست مبرأة من العنف بإطلاق، ولا من الممكن أن تكون كذلك، بحكم تعرضها لعنف السلطة المستبدة. بيد أن عنف الثورة السلمية عنف رمزي ودفاعي، لا يستهدف القتل أو الأذية الجسدية كما يفعل المستبدون، وإنما يستهدف زعزعة إيمان المستبد بنفسه، وإضعاف ثقة الناس فيه وفي بقائه، تمهيدا لتفكك سلطته في النهاية. [محمد الشنقيطي، عن مقاله: منطق الثورات ومآلها]

·   أحيانا تنجح الثورة في معركة الهدم، فتهدُّ النظام القائم هدًّا، لكنها تفشل في معركة البناء، ويقطف ثمارها آخرون من فلول النظام القديم، أو من المتسللين تحت غبار المعركة. وأسوأ ما يصيب الثورات أن يصادر ثمارها متسلقون في جنح الظلام، فيحيلونها نسخة منقحة من النظام الاستبدادي القديم، أو أن يتحول بعض مَن أشعلوا الثورة إلى وقود للثورة المضادة، جرَّاء أنانية سياسية مزمنة، أو لمجرد سوء التفكير والتقدير.

إن غاية الثورات الشعبية ليست استبدال حكام بآخرين، بل حكم الشعب نفسَه بنفسه، وبناء فضاء مفتوح يملك آليات التصحيح الذاتي سلميا، ويقسِّم الحرية والعدلَ بعدلٍ. فالحذرَ الحذرَ من التنافس على مغانم الثورة، أو رفع المطالب الجزئية في لحظات الحسم الكلية. فغاية الثورة تحرير الشعوب لا حكمها. [محمد الشنقيطي، عن مقاله: منطق الثورات ومآلها]

·   ستستمر إسرائيل بمراكمة القوة، لكن ذلك الضعف العربي الذي حماها وراهنت عليه قد أفل، أو أن طريق أفوله ليس طويلا. لقد واجهت إسرائيل مقاومة عربية شديدة في لبنان وفلسطين غزة، وبدت عليها الحيرة والتخبط، فماذا هي فاعلة إذا كانت الخيانة العربية في طريقها إلى التقلص والزوال؟ عهد الضعف العربي قد ولى، ومعه انهار العمق العربي الإستراتيجي لإسرائيل. [عبد الستار قاسم، الجزيرة نت]

·   الآن -وبعد الذي جرى في تونس ومصر- يدرك الإسرائيليون أن الباب قد انفتح على مصراعيه أمام عصر الشعوب. وعندما يحدث ذلك، فإن كل البضاعة التي راجت منذ العام 67 لن تغدو قابلة للتداول في الشارع العربي، ذلك أن جماهير الأمة العربية والإسلامية لم تقتنع يوما بأن بالإمكان التنازل لليهود عن 78% من فلسطين، فضلا عن القبول بالتنازلات التي قدمها المفاوض الفلسطيني "الكريم" في جلساته التفاوضية. [ياسر الزعاترة، الجزيرة نت]

·   لقد فهم المواطن العربي الرسالة التي وجهها له التونسيون والمصريون، بأن لا مساومة مع الاستبداد، وأن الاعتراض على الوضع القائم يجب أن يبقى ساخناً حتى إرساء قواعد نظام ديمقراطي جديد، دون أن يقود ذلك إلى الإخلال بالأمن والاستقرار. ما يعني تصعيد الضغوط السلمية وبأشكال متنوعة، كالتظاهرات السلمية والاعتصام في الساحات العامة وغيرها، لانتزاع التنازل تلو التنازل من أهل الحكم.[الشارع العربي وانتفاضتا تونس ومصر .. أكرم البني]

·   لا يصح بالرغم من تشابه ما تكابده وتعانيه شعوبنا العربية، استنساخ التجارب والتغني بأمل تكرار ما حصل في تونس ومصر، فلكل مجتمع خصوصيته وطرائقه المبتكرة في خط طريق الإصلاح الديمقراطي، لكن يكفي هاتين التجربتين فخراً، أنهما أنعشتا الأمل بالتغيير وأزاحتا عن الصدور حالة قاتلة من اليأس والإحباط، وساعدتا في تنامي يقظة الشعوب ودرجة تحسسها لمصالحها، وقالتا بصوت واحد إن الديمقراطية صارت في مجتمعاتنا العربية أشبه بمسلمة لا خلاف على مشروعيتها وراهنيتها، وأن شرط تقدمها يحتاج إلى الارتقاء في المسؤولية والقدرة على التحرر من كوابح الماضي وبخاصة إنشاء وعي جديد يمتلأ ثقة بالناس وبدورهم في عملية التغيير ويأخذ هدف نصرة قواعد الحياة الديمقراطية كنافذة للخلاص من أزماتنا لا مجرد وسيلة لتحقيق مصلحة ضيقة أو هدف سياسي عابر. [الشارع العربي وانتفاضتا تونس ومصر .. أكرم البني]

·   لا بدّ من الحذر من أنصاف الانتصارات، لأنها قد تكون وجهاً آخر لأنصاف الهزائم؛ وأنصاف الهزائم قد تكون مدخلاً لإضاعة ما تحقق من مكاسب أو انتصارات جزئية.[مصر وتونس.. الملائكة لم تضع أسلحتها.. محسن صالح]

·   لا ينبغي لقوى التغيير والإصلاح أن تتواضع عندما تتاح لها فرصة الإشراف على عملية التغيير وتنفيذها. ليس هذا موضع الزهد في المناصب، بل هو موضع ملء الثغرات بصنف «القوي الأمين»...، وليس هذا موضع ترك "مباهج الدنيا"، لأن الذي سيأتي لملء المواقع (إن تركها المخلصون) هم أولئك الذين أفسدوا علينا دنيانا وربما آخرتنا طوال العقود الماضية. [مصر وتونس.. الملائكة لم تضع أسلحتها.. محسن صالح]

جمع وترتيب


د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق