الجمعة، 12 أبريل 2013

المسيرة العسيرة


 كشف النتائج الأولية لأول انتخابات رئاسية مصرية حرة بعد ثورة 25 يناير .. كشفت عن حجم المأزق الفكري الذي تمر به مصر، بل وربما الشعوب العربية قاطبة .. هذا المأزق الذي ينطوي على موهبة العرب الوحيدة التي يمارسونها باقتدار، ألا وهي فن التشرذم والتفرق وإعجاب كل ذي رأي برأيه، الأمر الذي وصل لدرجة أن تستنسخ الثورة رموز النظام الذي قامت عليه.

لقد جاءت النتيجة صادمة لدرجة كبيرة في أن يخوض جولة الإعادة مع مرشح التيار الإسلامي (د. محمد مرسي) رمز الفلول الأكبر (الفريق أحمد شفيق) الذي تربطه برموز النظام السابق علاقة وطيدة وجدانيا وفكريا وتمويليا، وهو ما صرح به شفيق أكثر من مرة بأن مبارك مثله الأعلى.

فجميع التوقعات كانت مرجحة التيار الإسلامي باقتدار، حتى شرفاء الأمة الذين لا يرغبون في التيار الإسلامي كان أمامهم المرشح (حمدين صباحي) المحسوب على التيار الليبرالي الناصري والمشهود له بسجل سياسي تاريخي ناصع البياض، هذا فضلا عن (د. عبد المنعم أبو الفتوح) الذي يقف في المنتصف بين الإسلاميين والليبراليين، ولا أنسى الدكتور العوا.

إذن القائمة الشريفة كانت وافرة ومتنوعة، مما يتيح لجموع الشعب الثائرة والتي أضناها المرض والفقر أن تختار بحرية بين العديد من الرموز الناصعة.

لكن أن تتخطى القوى الانتخابية الشعبية كل هذا، وتذهب لدعم جلاديها المنغمسين في الفساد، فهذا له دلالات جد خطيرة، ومحطة فارقة هامة في العملية الديمقراطية الفاشلة التي كتبنا عنها مقال سابق بعنوان (عوار الديمقراطية) استنكرنا فيها تحديد مصير أمة من قبل شعب يعاني 40% منه من الأمية، وباقي أفراده لا يملكون -في الغالب- من المؤهلات الثقافية والمعرفية ما يؤهلهم لحسن الاختيار، فضلا عن مساواة الصوت الانتخابي بين أستاذ في العلوم السياسية -مثلا- مع صوت راقصة أو شاب مدمن مستهتر.

عموما قراءة الواقع في ضوء النتائج الحالية يكشف العديد من الأمور:

1- كما حذرنا في مقالنا (الخطأ التاريخي) وحذر غيرنا من خطورة الفرقة والتشرذم .. إن تشتيت الأصوات الإسلامية –وهي كتلة تصويتية حاسمة- بين مرسي وأبو الفتوح كان خطأ تاريخيا، فالفرقة كربة، وطالما نوهنا أننا لسنا بصدد استعراض برامج المرشحين بأكثر من اتحاد الأصوات خلف مرشح إسلامي واحد، مع الوضع في الاعتبار أن مرسي وأبو الفتوح من الإخوان المسلمين ويتبنون الفكر الإخواني قلبا وقالبا، وأن المجال للمفاضلة بينهما ربما كان مكانه في انتخابات الإعادة بينهما وليس في المرحلة الأولى المحفوفة بالمخاطر، وأظن أن تراجع أبو الفتوح الآن وإعلانه تأييد مرسي كانت خطوة متأخرة انتظرناها من نخبنا السياسية وعلمائنا الأجلاء.

2- تخاذل الصوت السلفي في هذه الانتخابات كان واضحا مما أضعف القوة التصويتية للتيار الإسلامي، وهذا برز بجلاء في محافظات الثقل السلفي كالإسكندرية وكفر الشيخ التي رجحت فيها كفة حمدين صباحي، وهذا يعطي دلالة أن قرار شيوخ التيار السلفي بدعم أبو الفتوح لم يلق صدى في نفوس عموم السلفيين، وأصابهم بنوع من الحيرة والحرج، فهرع كثير منهم إلى صلاة الاستخارة، وآخرون آثروا السلامة ولم يذهبوا للتصويت.

3- أن الإعلام الفلولي نجح إلى حد كبير في صرف الناس عن التيار الإسلامي، خاصة وأنه يخاطب شريحة جماهيرية أمية عريضة من السهل التأثير عليها لانعدام خلفياتها الثقافية والسياسية التي تحصنها من الشبهات الشواء التي تبناها هذا الإعلام الموالي للنظام السابق، كان من أبرزها أن الإسلاميين سيطروا على مجلس الشعب ولم يفعلوا شيئا رغم أن دور مجلس الشعب ينحصر في المهام التشريعية والرقابية وليس التنفيذية، ومن الشبهات تشويه سمعة التيار الإسلامي بادعاء رغبته في السيطرة على مفاصل العملية السياسية واحتكار السلطة وأن التنوع السياسي أسلم لمصر المستقبل. ولذلك كان من اللافت أن مؤيدي شفيق من طبقة الحرفيين والأميين أكثر منهم طبقة المثقفين والثوريين.

3- أن فلول النظام السابق باتوا أكثر تنظيما واستفادة من أخطاء الماضي حيث اعتمدوا على سياسة ترتيب الصفوف والدعم والإنفاق بسخاء لحملة شفيق بدلا من سياسة التخريب والحرائق وافتعال الأزمات الاقتصادية، ولذلك كسبت هذه الفلول أصوات النصارى قاطبة وأصوات منتفعي النظام السابق في محافظات الثقل كالمنوفية التي منها أغلب رموز النظام السابق.

4- أن نتائج الإعادة بين مرسي وشفيق أوقعت الكثير من القوى الثورية في بلبلة وحيرة لا توصف، خاصة القوى الثورية التي ترفض المشروع الإسلامي لكنها في ذات الوقت لا تقبل النظام السابق وفلوله، وهذا ما دفعها لاختيار صباحي أو أبي الفتوح أو حتى العوا، ولذلك بهذه النتيجة المحيرة وقعت في اضطراب، الأمر الذي دفع قوى شباب الثورة لإعلانها تأييد مرسي مقابل تعيين صباحي وأبي الفتوح نائبين للرئيس.

حاصل الأمر أن الفرقة كانت القشة التي استهان بها الكثيرون لكنها قصمت ظهر البعير بالفعل، وأننا بتنا الآن في أشد الحاجة لتآلف كل القوى الثورية حول نقطة واحدة، أما السذج الذين صوتوا لفلول النظام السابق فلا يسعني إلا أن أقول لهم:

إن الشعوب التي تتخلص من قيد القهر ثم تعود وتعقده على رقبتها من جديد لهي شعوب أجدر أن تمحى من جذورها، وتباد عن بكرة أبيها، وحق لها أن ترسف في أغلال العبودية أبد الدهر.

 

د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق