الجمعة، 26 أبريل 2013

إدمان الإنترنت بين الداء والدواء


يبدو أن الإنسان في القرن القادم سيكون أكثر تعاسة وشقاء من الإنسان في هذا القرن والسبب يعود ــ والله أعلم ــ إلى التقنيات الحديثة من آلات وأدوات ومخترعات، وهذه الأشياء ليست فقط قد تقود إلى تعاسة الإنسان بل إلى فنائه! فها هو الإنسان قد قاده الجشع أحيانا والشهوة أحيانا أخرى إلى عدم الاكتراث بمستقبله وبمستقبل البشرية جمعاء, فقد ملأ الإنسان الجو دخانا بعدما كان صافيا، ولوث الأكل بالمحسنات والملونات والهرمونات بعدما كان طازجا صحيا , وها هي الأشعة والإشعاعات الضارة والمختلفة حوله في كل مكان مما نتج عنه ليس فقط انتشار الأمراض الخبيثة التي تنذر بفناء هذا الإنسان الضعيف بل زيادة القلق على مصيره وحياته ومستقبل أجياله الأبرياء, وهنا وفي القرية الالكترونية فإنه يتعين التوضيح والتحذير من نتائج الإسراف في استخدام هذه الوسيلة الجديدة [ الإنترنت ] . فالإنترنت إذا لم يحسن الإنسان استخدامها فإنها قد تقود إلى الإدمان وإلى أضرار بالغة من إهدار الوقت وتضييع المصالح والأعمال وفقد الوظيفة أو التقصير في الواجبات أو الرسوب في الامتحانات, وهي لا تقتل الإنسان بل تقتل وقته، والإنسان إنما هو أوقات وإذا انقضت أوقاته انقضى عمره، ناهيك عن الأمراض النفسية والصحية المصاحبة لهذا الإدمان

ويرجع السبب في خطورة تلك الوسيلة الجديدة إلى الإسراف في استعمال ثلاث وظائف من وظائف الانترنت.
الأولى : وهي التصفح (
browsing ) للشبكة العنكبوتية (ويب) في غير حاجة ملحة حيث يقود حب الاستطلاع في الإنسان وسهولة التنقل في هذا العالم الفسيح إلى الانتقال من وصلة ( link ) إلى أخرى دون مراعاة للوقت الثمين والذي يمر مر السحاب، وخاصة إذا علمنا أن عدد الصفحات الموجودة على الانترنت كثيرة جدا إلى الدرجة التي يصعب تخيلها، وسرعة نمو هذه الصفحات في زيادة إلى درجة يستحيل الإنسان أن يمر بها جميعا في عمره القصير.

الثانية : البريد الالكتروني ( email ) وهي أيضا وظيفة أخرى قد تكون من وسائل تضيع الوقت وقتله وخاصة إذا لم يتحكم الشخص في استعماله وترشيد استخدامه، وهو يتحول إلى إدمان مع مرور الوقت ومع رغبة جامحة لاستخدامه وخاصة إذا اشترك الشخص في المجموعات الكثيرة من القوائم البريدية ومجموعات الأخبار  ( newsgroup ) , وبالنظر إلى اختلاف الوقت بين قارات العالم فإن الرسائل البريدية عادة ما تكون على مدار الأربع والعشرين ساعة وكامل أيام الأسبوع، فمثلا عندما يريد الشخص ترك الجهاز والذهاب إلى النوم سيجد أن أصدقاءه في أمريكا الشمالية قد استيقظوا لتوهم ليبادلوه الرسائل ويبدؤوا في التسلي والحديث معه وعندما يستيقظ عند الفجر باكراً سيجد أن أصدقاءه الآخرين في شرق آسيا مثلا في حمي الوطيس وفي عز الظهيرة, وبما أن الإنسان لا يستطيع العمل على مدار الساعة فإنه يتعين على الشخص أن يضع وقتا محددا فقط للرسائل لا يزيد عنه وإلا فقد تتحول هذه الأداة الحميدة إلى أداة ضارة ووبال على صاحبها بعدما كانت نافعة.
الثالثة : المحادثة (
chat) وهي الجريمة الكبرى من بين الوظائف الأخرى حيث تأكل الوقت أكلا لما، وتمر الدقائق وحتى الساعات أثناء استعمالها بسرعة جنونية قد تصل إلى إهدار اليوم كاملا وخاصة إذا دخل الفرد في نقاشات حية وعلى مدار الساعة مع أفراد على مستوى العالم في مواضيع شيقة ومحببة للنفس وبحرية تامة وهذه مصيبة عظمى أن يفقد الإنسان هذا الوقت الكثير. وللأسف فإن استخدامها قد وصل إلى حد الإفراط من قبل الكثير من الناس ولولا وظيفة المحادثات هذه لما رأيت مقاهي الانترنت عندنا تعج بالكثير من مرتاديها.
لذلك فإن أفضل طريقة للابتعاد عن مشاكل إدمان الانترنت هي الذهاب إليها عندما تكون الحاجة ماسة (وماسة فقط) ثم الخروج منها بسرعة (وبسرعة جدا).

وبوجه عام نقول أن إدمان الإنترنت ولله الحمد ليس في أغلب الحالات من أنواع الإدمان التي يصعب الخلاص منها أو علاجها، فلا تنطبق عليه مقولة أنه داء بلا دواء، وهناك عدة طرق للعلاج أول ثلاث منها تتمثل في ( تغيير الوقت الذي يدخل فيه الشخص إلى الإنترنت أو تأجيله بشكل أو بآخر ) والطريقة الثانية هي ( إيجاد بعض الموانع الخارجية كضبط ساعة منبهةٍ قبل بداية دخوله الإنترنت بحيث ينوي الدخول على الإنترنت ساعة واحدة ــ قبل النزول للجامعة مثلاً ـ حتى لا يندمج في الإنترنت )، والطريقة الثالثة هي ( أن يطلب من المدمن تقليل وتنظيم ساعات استخدامه بحيث إذا كان –مثلاً- يدخل على الإنترنت لمدة 40 ساعة أسبوعيًّا نطلب منه التقليل إلى 20 ساعة أسبوعيًّا، وتنظيم تلك الساعات بتوزيعها على أيام الأسبوع في ساعات محددة من اليوم بحيث لا يتعدى الجدول المحدد )

وإن كانت هذه الطرق الثلاثة ــ عادة ــ لا تكفي في حالة الإدمان الشديد ؛ بل يجب استخدام وسائل أكثر هجومية مثل الامتناع التام عن استخدام أكثر مجالات استخدامه للإنترنت في حين تترك له حرية استخدام المجالات الأخرى، فإذا كان المريض مدمنًا لحجرات الحوارات الحية نطلب منه الامتناع عن تلك الوسيلة امتناعًا تامًا في حين نترك له حرية استخدام البحث مثلاً، كما يستفيد البعض من وضع بطاقات يكتب فيها مساوئ الاستخدام المفرط للإنترنت وتعلق بجوار الجهاز، كما يمكن أن تساعد في العلاج مجموعات من الأفراد المشتركين في هذا النوع من المعاناة في دعم بعضهم البعض، وتسمى هذه المجموعات بمجموعات الدعم Support Groups  كما يحتاج الأمر في كثيرٍ من الأحيان إلى إشراك الأسرة كلها في العملية العلاجية، بل ربما في بعض الأحيان تحتاج الأسرة بأكملها إلى تلقي علاج أسري بسبب المشاكل الأسرية التي يحدثها إدمان الإنترنت بحيث يساعد الطبيب الأسرة على استعادة النقاش والحوار فيما بينها ولتقتنع الأسرة بمدى أهميتها في إعانة المريض ؛ ليقلع عن إدمانه.

المصادر

رياح التغيير إدمان الإنترنت        د, عثمان السلوم

إدمان الانترنت داء له دواء   د/ وائل أبو هندي

 

 


د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق