الجمعة، 8 فبراير 2013

أزمة رئيس مصر القادم


مع بداية فتح باب الترشح لانتخابات رئيس مصر القادم تطل على مصر أزمة من نوع جديد تضاف إلى كم أزماتها الرهيب من سياسية واجتماعية واقتصادية.

وجوهر الأزمة ينحصر في عدم ظهور الشخصية التي تجتمع عليها غالبية الآراء وتستحوذ على القلوب، رغم أن موعد الانتخابات الرئاسية على الأبواب، ويفصلها عن أيامنا أشهر قليلة، بل إن الأحداث المأساوية الأخيرة في مجزرة بورسعيد، واستمرار أزمات الغاز والبنزين وتدني مستوى الخدمات رغم مرور أكثر من عام على الثورة .. كل هذا جعل المواطن المصري البسيط يعزف عن السياسة والحديث عنها، خاصة وأن القنوات المحلية الإخبارية صار شغلها الشاغل إحداث الزوبعات السياسية وتهيج الرأي العام ببرامج حوارية لا عمل لها إلا التحليلات والانتقادات والتوقعات ولا شيء يتغير على أرض الواقع، حتى ترسخ في حس غالبية المصريين البسطاء أن السياسة مجرد كلام في كلام.

ومما زاد الطين بلة «حكومة الجنزوري» الضعيفة، والتي برهنت الأحداث المتعاقبة أنها لا تختلف كثيرا عن حكومة عصام شرف سابقتها، وصار الطابور الخامس والذي يسميه المصريون «اللهو الخفي» أكثر حركة وإفسادا وتخريبا دون أن ينجح أحد في تحديده ماهيته بالضبط، أو القبض على عناصره المفسدين، لدرجة أن لجنة تقصي الحقائق التي أرسلها مجلس الشعب لبورسعيد لم تأت بجديد عما ذكره الإعلام، والكل أجمع على تورط الأمن وعناصر من فلول الحزب الوطني في التخطيط والتحريض والتمويل لهذه المجزرة الكروية التي راح ضحيتها 75 من شباب مصر، لكن وللأسف لم يحدد أحد الفاعلين الحقيقيين، ومازالت النيابة تتولى التحقيقات كالعادة، الأمر الذي جعل أحد المحللين السياسيين يصف مجلس الشعب بمجلس الخطباء.

مسألة ضعف حكومة الجنزوي المتراخية داهية كبرى أصابت المواطن المصري بالإحباط رغم أنه جاء لإنقاذ حكومة شرف الضعيفة، ومعه كل الصلاحيات لترتيب الأوضاع كما يحلو له، لكن أثبتت الأشهر الماضية أن هناك نوعا من الوهن الخفي يصيب مفاصل تلك الحكومات بالعرج، والغريب في القضية أن هذا الوهن لا يعرف أحد أسبابه ولا مبرراته، وبات مقررا في حس الناس أن يد تخريبية تعمل في الخفاء، وهي يد قوية وذات نفوذ، والبعض يرجعها للمجلس العسكري والآخر يحيلها إلى لواءات وزارة الداخلية من الموالين لمبارك ووزيره العدلي، لكن تبقي الحقيقة غائبة.

وعموما الإنجازات التي تحققت انحصرت في تفريق سجناء سجن طره من أزلام النظام السابق في مختلف سجون مصر، وتجهيز مستشفى طره لنقل المخلوع إليها، وهذه الإنجازات رغم أنها لا تعني المواطن الكادح في شيء، إلا أن ثمنها كان فادحا من دماء 75 شاب قتيل.

خلاصة الأمر أنه بعد مرور عام من الثورة المصرية بات المشهد السياسي باهتا، والأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في تصاعد، وما يحاك في الخفاء أكبر مما هو باديا في الواقع، وكلها أمور محصلتها فتور الحس السياسي عند المواطن المصري، وكل هذا صب بدوره في موضوع المرشح الرئاسي القادم، فباتت غالبية الجماهير غير معنية بهذا الأمر.

وفي مجمل المشهد يبقى اللاعب الرئيس محصورا في الناخب الإسلامي سواء من حزب الحرية والعدالة أو حزب النور السلفي، لأنه ناخب صاحب قضية تاريخية مفادها أن الخير في سياسة الدنيا بالدين، ولذلك اقتصرت مشاركة التصويت في انتخابات مجلس الشورى الأخيرة على هذا الناخب، لأن المواطن العادي غير مقتنع إطلاقا بجدوى هذا المجلس، إلا أن هذا الناخب الإسلامي أيضا مشتت، فالنور السلفي يدعم المرشح الإسلامي حازم صلاح أبو إسماعيل، في حين يرفض الإخوان تماما أي مرشح إسلامي تجنبا للصدام مع القوى الغربية المتربصة أساسا بمصر، وهذا من شأنه أن يفتت الأصوات الرئيسية في هذا الموضوع.

أما آخر الأزمات فتكمن في عدم نجاح الإخوان شعبيا وحدهم في دعم المرشح الذي يقترحون لرئاسة مصر، لأن المصريون ليسوا كلهم من جماعة الإخوان المسلمين، وهذا الاكتساح الانتخابي الذي حققه حزب الحرية والعدالة لا يعني بالضرورة أن غير الإخوان لم يشاركوا في هذا النجاح، وهذا أمر معلوم جيدا، فالإخوان لا يملكون تنظيميا هذا الكم الهائل الذي اختارهم، وإنما تركز النجاح بالأساس على تدين الشعب المصري وحرصه على أن يتولى زمام أموره من يتقي الله تعالى فيه، وإن كان البعض أعرض عن السلفيين لتشددهم كما يرى من وجهة نظره، فهو بالتالي انتخب الإخوان الأكثر مرونة كما يحلو أن يصفهم البعض، إلا أن كل هذا لا يصب بالضرورة في مصلحة من يزكيه الإخوان لمنصب الرئاسة، لأن الفتور السياسي السالف الذكر سيؤثر سلبا على العدد الذي انتخب الإخوان في مجلس الشعب.

الخلاصة أن موضوع الرئاسة فقد زخمه المطلوب، وأطراف العملية الانتخابية لا يملكون حسم الأمر وحدهم، فإذا أضفنا إليه غياب الشخصية المتألقة التي تبهر العقول والقلوب، صارت كلها أزمات بعضها فوق بعض تزيد من صعوبة اختيار رئيس قادم لمصر.

      

د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق