الأربعاء، 13 فبراير 2013

روائع الكتابات من وحي ربيع الثورات العربية (1)


كثير من كتبوا عن ربيع الثورات العربية، لكن القليل منهم من خط بقلمه في لحظة صدق وإبداع جميل العبرات التي لمست كبد الحقيقة، وعميق التحليلات التي كانت هداية للمسترشدين، وخاطبت الحروف الموزونة المشاعر بجاذبية منقطعة النظير .. ولما كانت الكلمات الرائعة أغلى من الذهب، رأيت أن أجمعها في عقد فريد يلذ بمعايشته المطالع، ويأنس بحروفه المتابع، ويختصر للمنتفع الوقت والجهد.

 

·   لقد رفعت الأجيال التي تعرضت لمختلف أنواع الدعاية السياسية الداخلية رأسها، وعبر الشعب الذي عاش خانعاً غلباناً مغلوباً على أمره، مقزماً، مدجناً يؤمن أن قدره أن لا يكون حراً مختاراً أو بالأحرى يؤمن بأن حرية الاختيار التي لم يذقها يوماً ليست حقاً من حقوقه بل لا تعدو أن تكون كلمات جوفاء بعيدة عن الإحساس بالوجود وبالكرامة، عبر هذا الشعب الخط الفاصل ما بين ظلام عصر الرعايا نحو بهاء شمس المواطنة التي حتماً لن تحرقه بل ستملؤه نوراً وضياءً. [سامر عطاس، عن مقال: أكبر انتصار شعبي في تاريخ العرب: تونس ومصر تغيران مصير الأمة، جريدة القدس العربي اللندنية]

·   وأخيراً وعى الشارع العربي وترجم وعيه تحركاً هادراً وعى بأن الكرامة واحدة لا تتجزأ وبأن أساسها الحق هو الحرية وبأنهما يسودان ولا يساد عليهما وبأنهما عماد الحياة القادمة للشعوب العربية ومصدر قوتها. وربما أدرك هؤلاء الشباب حقيقة مقولة أحد المفكرين حين قال بأن الإنسان يثور عندما يجد أنه لن يخسر شيئاً بثورته إلا قيوده. وإن كانت محركات العقل السياسي العربي، كما رآها أحد أبرز الفلاسفة العرب في العصر الراهن هي القبيلة والغنيمة والعقيدة - فإني أبشر الدكتور عابد الجابري - رحمه الله- بأن الحال قد تغير الآن فالشعبان الكريمان في تونس ومصر قد أدخلا مصطلحي الكرامة والحرية إلى قاموس مفردات الشارع العربي وأحالاها إلى أهم محرك للعقل السياسي العربي في عصرنا الجديد الذي بدأ للتو. [سامر عطاس، عن مقال:أكبر انتصار شعبي في تاريخ العرب: تونس ومصر تغيران مصير الأمة، جريدة القدس العربي اللندنية]

·   الشعب ينظر بأسى لحكومة بلا وطعم ولا لون ولا رائحة.. فقدت القدرة على الفعل.. ولم يعد لها أي رد فعل.. الشعب كان يريد إسقاط النظام.. لكنه لم يتوقع سقوط البلاد.. الشعب كان يريد تغيير النظام.. لكنه لم يتمن انتشار انعدام النظام.[ثورة في مهب الريح، جريدة القدس العربي اللندنية]

·   تعيش النخبة المصرية والعربية حالة مهلهلة ومهترئة، ومن رحم هذه النخبة تخرج قادة أركان الجيوش وقادة الأسلحة. تربى هؤلاء وأولئك مدنيا وعسكريا على عقيدة «الأنانية» التي تمجد الأنا، وتضخم الذات، وتعلى الإنجازات بالغة التفاهة، وتعظم من قيمة الرغبات، وتعلى قيمة الرصيد المصرفي والمكانة الاجتماعية، وتحتكم إلى لغة الجيب وقانون البطن في ترتيب الأحلام والمطامح الشخصية بالطبع، وتجعل منها مقاصد عليا للحياة، ومن ثم ارتبطت البزة العسكرية بمظاهر التكبر والعنجهية والغطرسة، وحتى أبناء العسكر جيشا وشرطا، اعتادوا مثلا خلال حكم المخلوع أن يصطحلوا بطاقة الوالد أو يضعوا رمز الهيئة على السيارة، ومن ثم عند اللزوم عليك أن تنتظر قول الباشا: «إنت عارف أنت بتكلم مين؟» [محمد فوزي عبد الحي]

·   واليوم وبعد الثورة ولسوء حظ المصريين يُفرض عليهم الخيار بين بدائل عسيرة، فإما أذناب النظام وإما من يعيشون خارج العالم ويعتقدون أنه بإمكاننا طرد بني قريظة بمجرد ثبوت خيانتهم، وهم يجهلون قراءة الخريطة المعاصرة، فقد مات الأنصار وأبناء الأنصار وفني المهاجرون، وبنو قريظة يحكمون الآن أمريكا، ويزلزلون عروش حكومات أوربا، بل ويعلمون أولادهم هنا في أمريكا اللغة الصينية ليكونوا مؤهلين لاختراق المارد الصيني عما قريب.. كما أن الناتو يتربص بنا الدوائر، وأموال العم سام تدغدغ مشاعر البؤساء من قبيلة عبد الله بن أبي - زعيم المنافقين-، ومنظر الدولارات يسيل له لعاب الطفيليين من أرباع المثقفين وفاقدي الهوية وفاسدي الانتماء، وكثير ما هم في أرض مصر. ومن ثم، يجب استخدام لغة أخرى للتعامل مع الوضع الراهن، نريد مصر قوية وموحدة خارج حسابات النخبة ودون اعتبار للمكاسب الضيقة التي تراود خيال الطامحين. [محمد فوزي عبد الحي]

·   إن الإرادة الشعبية أشد أثرا في سير الأحداث من تخطيط السلطات وتفكير النخب، فللأمم عقل جمعي وهو أقوى من الجيوش ومن الدعاية الإعلامية ومن كل السلطات، ولا يمكن التأثير جذريا في حركة الأمم والشعوب من دون فهم العقل الجمعي هذا، كما أننا لا نستطيع التنبؤ بمستقبل هذه الأمم إلا باستصحاب البوصلة الداخلية الكامنة في الذاكرة التراكمية. [وضاح خنفر، الرئيس السابق لقناة الجزيرة]

·   كل مشروع تغيير إصلاحي يتصادم مع الخصوصية الثقافية والدينية لأي شعب أو أمة أولاً يتواءم معه فإن احتمالات فشله وسقوط أصحابه أقرب من فرص النجاح مهما تضمّنت أجندة تلك المشاريع أفكارًا إنسانية نبيلة كإطلاق الحريات والقضاء على الاستبداد؛ لأن البيئة المستهدفة ستشعر أنها بين خيارين أحلاهما مرّ: إما الوقوف ضد حركة التغيير والإصلاح خشية على خصوصيّتها وهويتها الدينية والثقافية، أو السير في حركة تغيير مجهولة المآلات، وفي حالة نجاحها ستكون الضريبة تبديل وتشويه هويتها الدينية والثقافية، وفي النهاية ستتمسك بالخيار الذي يبقي على خصوصيتها وكينونتها الدينية مهما كانت ضريبته كبقاء الاستبداد أو تقليل قبضته بشكل جزئي أو وقتي. [وليد الهويريني]

·   بالنظر إلى ما يتكشف للجماهير العربية يمكن القول، لا بل الجزم، إن أغلب النظم السياسية العربية قائمة على فكرة موروثة من الحقبة الاستعمارية، وهي فكرة الحكم من خلال الإدارة وليس من خلال القانون. ففكرة نمط الحكم من خلال الإدارة تُصنف الناس على أساس إعلان الولاء ولا تكترث بمفهوم الحق والواجبات والعقد، أي أن السيادة لا تتميز بالنظم التي يكرسها الدستور، بل بتعليقها لهذه النظم، على رأي الفيلسوف الألماني (كارل شميت)، وهذا يعني: أن نمط حكم الإدارة لا يقوم على حماية حياة وكرامة ومنزلة الإنسان بقدر ما يقوم على خلق مواطن مطأطأ الرأس ومُلغى، أي مواطن دون مستوى الوضع الاجتماعي. كما يعمل هذا النمط من الحكم في نفس الوقت على تعزيز وتكريس عامل الخوف في نفوس عامة الناس، الأمر الذي ينتج عنه خلل سلطوي قائم على سياسة السيطرة والتنكيل والإقصاء، وهو ما يعرف بالسلطة الغاشمة لكونها سلطة فوق القانون، أي أن العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم هي علاقة قائمة على الإخضاع بالقوة، ومن ثم فهي ليس سلطة بالمعنى القانوني وإنما سيطرة لا سلطة. فالسيطرة لا تتحول إلى سلطة إلا حين تكف الفئة الحاكمة عن التنكيل بمعارضيها، وتكتسب شرعية القبول والاعتراف من المحكومين أنفسهم، وليس من قبل القوى الدولية الفاعلة فقط «حكومات موالية» ففكرة نمط الحكم من خلال الإدارة وليس من خلال القانون شائعة ومكرسة من قبل أغلب النظم السياسية العربية المتناقضة، التي تظهر تناقضاتها من خلال تناقضات القبول والرفض في 'الحياة السياسية'، بين أولئك الذين سيتم قبولهم في الحياة السياسية، والذين سيتم إقصاؤهم، وهو ما يعرف باللعبة السياسية، وذلك من منظور «عملية التصنيف». تصنيف ليس من منظور ما هي الدولة ومن هو المواطن، أي من منظور المشاركة أو المساهمة في الحياة العامة، وإنما من منظور إعلان الولاء المطلق للحاكم، وبذلك أصبح إعلان الــــولاء للحاكم والمغالاة فيه من ذروة الفضائل كي يحــــظى الإنسان برعاية الحاكم، ومن لم يتمتع بهذه الرعاية يصنف على أنه عدو للدولة، على اعتبار أن الدولة هي الحاكم والحاكم هو الدولة. آليات وتقنيات أوجدتها الإدارة الاستعمارية في عهد الاستعمار الأوروبي لتمديد عمر المشاريع الاستيطانية الاستعمارية، ووظفتها الأنظمة السياسية العربية لتحقيق أطول عمر سلطوي في تاريخ البشرية. [د. عامر رمضان أبوضاوية]

·   الاحتلال الصهيوني يدرك تمامًا أنه أضعف من أن يواجه الخيارات الشعبية وأن الشباب العربي الحرّ والذي يصنع التغيير، يرفض أن تقوم بلاده بدور الحارس للاحتلال والراعي لجرائمه. إنّ الكيان العبري الذي يقف عاجزًا عن حسم مواجهته أمام حركات مقاومة لا تملك من القدرات المادية إلا الشيء اليسير، لهو أعجز من أن يتعامل في المنطقة بلغة الآمِر الناهي على قيادات تعكس المزاج الشعبي وتستمدّ قوتها من دعمه واختياره لها. [د. ياسر سعد]

·   الحرية والتحرير أمران متلازمان، فالأرض المحتلة المستعبدة للأجنبي لا يحررها الأذلة المستعبدون لأنظمتهم ومخابراتهم؛ والأرض يحررها الأحرار وليس العبيد. فالحر الذي تحرر من قيود الخوف، وشعر بمعاني العزة والكرامة، هو من يملك الإرادة، ومن يملك الشعور بالمسؤولية، ومن يملك القدرة على المبادرة، ومن يملك أدوات الإبداع. وليس استعادة الأرض وكرامة الأمة ممكنا لمن فقد كرامته، وليس تحرير الأرض مرتبطا بعبد يائس من الحياة، وإنما بِحُرٍّ يريد صناعة حياة جديدة له ولأمته. محسن صالح

·   النظام الذي يخاف من شعبه لا يستطيع أن يقوده في عملية تحرير، كما لا يستطيع أن يقوده في مشاريع نهضوية وحضارية. والنظام الذي يخيف شعبه، لكنه لا يخيف عدوه، لا يمكن أن يشكل أية حالة تحرير جادة، طالما أن سلاحه موجه نحو شعبه وليس نحو عدوه. وطالما بقي النظام خائفا من شعبه فسيظل أيضا خائفا من عدوه؛ لأنه يفتقد السند الحقيقي في المواجهة كما يفتقد الحضن الدافئ الذي يحميه ويدعمه ويرعاه. [محسن صالح]

·   إن عملية التحرير تعني تفجير طاقات الأمة وقدرتها على الإبداع، وهي عملية غير ممكنة إلا في أجواء الحرية، وهي غير قابلة للتنفيذ في أجواء الكبت والإرهاب. والأنظمة التي تقوم بإغلاق الأدمغة و"تعليبها"، أو سجنها، أو تهجيرها هي أنظمة تمنع أحد أهم وسائل استنهاض الأمة وتعبئتها ونهضتها وإعدادها لعملية التحرير.

لا يمكن الجمع بين أنظمة الاستبداد وبين مشاريع المقاومة والتحرير، لأن مشاريع التحرير هي بطبيعتها ضدّ القهر والظلم، ولأن أنظمة الاستبداد هي بطبيعتها أدوات للقهر والظلم.

إن من أسوأ ما قامت به الأنظمة الثورية أنها قتلت في الإنسان العربي ذلك الأسد الموجود في داخله، وجعلت مكانه أرنبا أو ظبيا أو عصفورا جفولا؛ وضعت في داخله رجل الأمن والمخابرات الذي يسلبه عقله وإرادته، ثم أبقت له ألفاظا كبيرة ضخمة ليتلهى بها: ثورة، تحرير، تقدمية، سلطة شعب...، لكن الويل له إن "صدَّق الكلام" وأخذ الأمور بشكل جاد، لأنه عند ذلك سيقبض عليه متلبسا بالعمالة والخيانة والرجعية، وسيعدّ من أذناب الاستعمار!! [محسن صالح]

·   على مدى سنوات طويلة درجت السلطات المصرية على التدرب ثلاث مرات في السنة على أوضاع من الانتفاضة الشعبية، الثورة المسلحة، المس بالزعماء، السيطرة على مؤسسات الحكم، ضعضعة أساسات الحكم وشل الدولة من خلال خروج الجماهير إلى الشوارع. دروس هذه المناورات يطبقها النظام المصري في الثورة الحالية. هكذا، مثلا، في أعقاب المناورات تقرر أنه في زمن الثورة الشعبية ينبغي توجيه السجانين إلى ترك السجون والسماح للسجناء ولاسيما الجنائيين بالفرار. وذلك شريطة أن يستخدموا القوة ضد الثوار في الشوارع. بالمقابل، يحظى أولئك السجناء الفارون بحريتهم. وبالفعل، هذا الفصل في استخلاص الدروس رأيناه في ميدان التحرير. كما أن إدخال الفرق العسكرية إلى القاهرة هو أحد الدروس التي كتبت في كتب المناورات هذه، وكذا استيلاء الجيش على الحكم في أوضاع الطوارئ، مع غياب الرئيس. مشكوك أن يكون مبارك ورجال الأمن الذين تدربوا على كل هذه السيناريوهات قد تصوروا سيناريو ثورة لا تديرها جهة مركزية، وفي نهايتها يطاح بمبارك ليس بالقوة بل بالاحتقار.

·   نعم انه الطوفان الشبابي يغمر البلدان العربية لتطهيرها من درن الأنظمة التي أفسدت البلاد والعباد وعاثت في الأرض وطغت وتجبرت وكاد قائلها يقول: «أنا ربكم الأعلى». بالله عليكم من كان سيعلم في نفس الحارة التونسية أن مواطنا عاديا حرق نفسه في دولة ينام رجال أمنها داخل أدمغة مواطنيها، دولة يحكمها أفظع جهاز قمع عربي وان كانت الفظاعة سمة مشتركة بين تلك الأجهزة العربية الرهيبة.

·   هكذا أشعل البوعزيزي النار في جسده المتهرئ لتلتهب جذوتها حارقة كل تابوهات الغطرسة والدكتاتورية العربية وملتهمة كل مشاعر الذل والخنوع والهوان والجبن في نفوس الشباب العربي، لاسعة بألسنتها الحارقة أساطين وعروش أمراء المؤمنين على امتداد القارعة العربية.

·   هرب زين العابدين جهارا نهارا باحثا عن عاصم من أمر الله، مانع من غضب الشعب، والمضحك المخزي لزين العابدين هو أن أسياد الأمس الذين يتبتل لهم باسترقاق الشعب ومحاربة شعائر الله تخلوا عنه بسرعة البرق بعد ذهاب نور السلطة الذي كان عليه، إنهم يخافون من ثورة الشعوب أن استضافوا دكتاتورا لا يملكون قدرة سحرية لتأمينه من صولة يد القضاء.

·   هناك طوفان من أسئلة التحدي يحاصرنا علينا أن لا ننشغل عنه بالرقص في ميادين التحرير زهوا ونشوة بنصر مبين، علينا أن لا نتوهم أن سدنة الأنظمة الفاسدة وخفافيش ظلامها سيتوقفون عن محاولات الالتفاف على الثورة وتفجيرها وهم من لهم باع واسع وعمر طويل في الدسائس والسيناريوهات المرسومة في الغرف المظلمة. وعلينا أن نمارس الثورة ونعيشها في جميع بلداننا العربية لكن بأسلوب ديمقراطي متحضر لا من اجل الإطاحة بهذا الرئيس أو ذاك بل لنشر ثقافة الإصلاح السياسي والتنموي ومحاربة الفساد والمفسدين، للخروج ببلداننا من براثين التخلف الحضاري والتنموي.

 

جمع وترتيب


د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق