الأربعاء، 13 فبراير 2013

الثورة المصرية وسياسة دغدغة المشاعر


المتابع لأحوال القيادة المصرية بعد ثورة 25 يناير المباركة يجد أنها تسير عكس الاتجاه المراد منها والمؤمل فيها، بل لا أكون متجنيا إذا قلت أنها ثورة حدثت على غير رغبة من هذه القيادة، لكن الموجة كانت أكبر من أي أحد، والطوفان الثوري الشعبي ما كانت لتردعه طلقات المدافع ولا قاذفات الصورايخ، فآثر الجميع ركوب الموجة لا الوقوف أمامها، إلا أنهم تناسوا أن الإنجازات المطلوبة والطموحات المرجوة سوف تكشف المحب الصادق من المحب المزيف.

هذه ليست قراءة تشاؤمية ولا تحليل معادي لرموز النظام الجديد، ولكن للكلام شواهد وللتحليل برهان من وقائع عديدة ومواقف مديدة، تثبت حقيقة ما قررناه، من أن القيادة الحالية بعد الثورة تتعامل مع الظروف بنوع من الاستيعاب والامتصاص لا بنوع من الرغبة في التغيير والتطوير، ومن أبرز المواقف والشواهد على هذا الطرح، ما يلي -ودوما الأفعال خير برهان من الأقوال-:

- أولا: مسرحية محاكمة الطاغية حسني مبارك، وكيف تمت بصورة سينمائية بموافقة وتأيد وتبريك من النظام الحكم الحالي، وبادئ ذي بدء لابد أن نصرح بأن مبارك لم يفر كما فر آخرون إلا بعد تطمينات ووعود من العسكر أنه لن يمس له جانب، فمبارك الغارق في وحل الفساد ما كان يوما بالشخصية المناضلة التي تصمد في وجه العواصف.. لكن لما كانت الموجة الشعبية الرافضة لمكثه بشرم الشيخ وترك محاكمته كانت موجة أكبر من العسكر، اضطروا للرضوخ لرغبة الجماهير كي لا يتهمهم أحد بسوء الظنون، خاصة وأنني ذكرت أن المرحلة القادمة بشواهدها العملية لا القولية سوف تكشف زيف الزائفين، لكن تمت المحاكمة بصورة كلها مولاة وتبعية للطاغية المخلوع، فها هو ينقل بطائرة خاصة وسيارة إسعاف فارهة وتكلفة محاكمة ثلاث مليون جنيها، ويظهر على سرير مريضا عليلا رغم أنه من ستة أشهر فقط كان واقفا كالأسد المغوار، وكانت صحته طيلة ثلاثة عقود سر من أسرار الدولة، حتى أني أذكر أنه ذهب لألمانيا وأجرى جراحة وعاد ولا نعرف ما هي طبيعة هذه الجراحة.

ظهر مبارك واستقبله ابنه علاء المتهم الذي كان يتحرك في قاعة المحكمة بكل حرية، ووقف في القفص أمام والده والابن الآخر من الخلف في ترتيب مستفز كي يمنع عدسات المصورين من اقتناص صورة للوالد، واكتفي وزير الداخلية بعد هذا المشهد بتهدئة مشاعر الشعب، وقرر فتح تحقيق حول حرية حركة علاء أثناء المحاكمة، ومن قبل فتح تحقيق حول أداء الضباط التحية العسكرية للطاغية حبيب العادلي وزير الداخلية السابق وهو في قفص الاتهام، وطبعا ذهبت هذه التحقيقات سدى، ولا نعلم عنها شيء، إلا أن اللافت في مسرحية المحاكمة أن السلطات باتت عاجزة عن الحد من نشاط فلول النظام داخل قفص الاتهام، فقررت سرية المحاكمات بعد جلستين فقط، بدعوى مناقشة قضايا حساسة تمس الأمن القومي، والكل يعلم أن المسألة طبيخ في طبيخ، وأن مجرد دخول مبارك القفص تضحية غالية ليس من المفروض أن يطالب الشعب بعدها بأي مطالب.

- ثانيا: مرت أشهر ولم يتغير شيء، وثار الشعب مرة أخرى في ميدان التحرير، فقام رئيس الوزراء بالاستجابة للموجة الشعبية وغير الوزراء والمحافظين ثم مر الشهر تلو الشهر ولم نرى شيئا إيجابيا يذكر، اللهم إلا بعض الرتوش البسيطة من تحسين الأجور رغم لهيب الأسعار، وتخفيض ثمن حصة التموين الرمضانية إلى النصف رغم أن مكونات التموين المصري من الرداءة التي تجعله يناسب طعام الكلاب لا البشر، المهم أن الحكومة نجحت في امتصاص الموجة مرة ثانية، وعزلوا وزير وأتوا بنسخة أخرى مكررة ويبقى الحال كما هو عليه.

- ثالثا: قصة القتلى الستة من جنودنا البواسل على الحدود الإسرائيلية بنيران الغدر الصهيوني والتي كانت ستمر مر الكرام لولا اعتصام شباب الثورة الأبطال أمام السفارة الإسرائيلية بالدقي –بارك الله في سعيهم وخطواتهم-، الأمر الذي حرك القيادة واجتمع مجلس الوزراء طيلة أربعة ساعات -تصوروا أربع ساعات- للخروج برد يرضي الثوار في المقام الأول وليس يحافظ على كرامة مصر أساسا، ولكن كما يقولون: «تمخض الجبل فولد فأرا» وحتى لم تستطع القيادة سحب السفير المصري من تل أبيب، وأذكر أنه خلال التظاهرة الرائعة أمام السفارة الإسرائيلية بالدقي خرج لواء من قادة الشرطة العسكرية وامتطى مدرعة وأخذ يخدر المشاعر ويطلب منهم التروي والتحلي بالصبر وسياسة ضبط النفس ... وغيرها من المسكنات التي تعودت الحكومة على استخدامها، لكن الثوار الشرفاء هتفوا به أن ينزل، ونزل سيادة اللواء خالي الوفاض في منظر لا يحسده عليه أحد، فبوركت يا أردوغان الذي وقفت في حادثة السفينة مرمرة كالأسد الحقيقي تنافح عن دماء شعبك بكل شرف.

من خلال جولاتي الميدانية، وحواراتي مع كافة أطياف الشعب من رئيس البنك إلى الموظفين في كافة القطاعات الحكومية إلى رجل الشارع البسيط، وحتى سائقي التاكسي الذين أركب معهم، أجمع الجميع أنه لن يتغير شيء، والمتفائل منهم قال لي أننا نحتاج لعشر سنوات على الأقل لكي تنهض مصر، وذلك ببساطة أننا وإن كنا قطعنا رأس الأفعى، فمازال الجسد ينبض ويتحرك، والفساد متشعب في كافة أجهزة الدولة لدرجة لا يحدها حد.

وهكذا نجح النظام الحالي في تسريب طيف من اليأس في النفوس، وهو المطلوب في المرحلة الحالية، لكن بقيت المعضلة التي تبحث القيادة عن حل لها، وهي كيف توقف الثورات والمراجعات الشعبية لكل المواقف الهزيلة للحكومة، وهم يراهنون على عامل الوقت والزمن، خاصة وأن قدرة الثوار على التجمهر لابد وأن تفتر تدريجيا، وبالأخص إذا تبعها فشل في تحقيق النتائج المرجوة من قبل القوى الثورية كما حدث في المواقف التي ذكرناها، فمسرحية محاكمة مبارك مستمرة بسخافاتها، وتغير الوزراء والمحافظين لم يأتي بجديد، ومعاناة المواطن كما هي بل في ازدياد، والسفير المصري لم يسحب من إسرائيل ...

الرهان فعلا على دغدغة المشاعر، حتى إذا فترت الهمم وضعف اللهجة الثورية والقدرة على التجمع التظاهري ممكن تدخل الجهات الأمنية لفض الاعتصامات البسيطة تحت أي دعوي من الإخلال بأمن البلد، أو ضبط كمية من السلاح مع المعتصمين أو غيرها من المبررات المعروفة لدى الجميع.

إن من أكبر المشاكل التي سببها النظام السابق أنه ما كان يصعّد مسئولا رفيع المستوى إلا بقرار أمني، وهذا يعني أنه لو كان من مرتادي المساجد، أو صاحب آراء إصلاحية لا تروق للنظام، أو غيرها من النواحي الإيجابية التي من الممكن أن تعري الطغمة الحاكمة، فهذا لا يصعد، وبالتالي خلت الساحة للوصوليين والمنتفعين وأصحاب الصفقات المشبوهة، وهم الآن من يتصدروا غالبا الواجهة السياسية في مصر، وهم للأسف من يتم اختيار القيادة الجديدة منهم، وأظن أنها المعضلة الكبرى، فما سمعنا أبدا عن وجوه جديدة لها تاريخ مهني نظيف، أو أفكار ابتكاريه راقية، لكنه إما مستشار سابق أو لواء متقاعد أو ..أو.. ممن تربوا وتغذوا على موائد النظام البائد، ورضعوا من لبنه الفاسد، ونبتت لحومهم من سحت ماله، وممن لا يفهمون أبجديات الإدارة الناجحة ولا فقه المرحلة الحالية والمقبلة.

وللأسف أستطيع أن أقول أن النظام السابق يستنسخ نفسه من جديد، ويعول على دغدغة المشاعر حتى يستطيع التمكن منها واستيعابها بل وقنصها، فلا تفكر في المراجعة الثورية ولا تستطيع تجميع نفسها مرة أخرى لكي تراقب عمل هذا النظام.

 


د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

 

        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق