الاثنين، 4 فبراير 2013

أحوالنا وأحوالهم


عندما دشن ألبرت آينشتاين نظريته «النسبية» في ورقته الشهيرة التي كان قدَّمها عام 1905م ذكر أن سرعة الضوء 300 ألف كلم في الثانية. وقال إن الجسيمات التي لها كتلة، لا بد أن تكون بسبب كتلتها أقل سرعة من الفوتونات الضوئية التي تكون الأشعة الضوئية وكتلتها معدومة. وقرر أنه لكي تفوق سرعة جسيم ما سرعة الضوء، فيجب أن تكون كتلته معدومة، وهذا يحتاج إلى طاقة هائلة إن لم تكن لا نهائية لكي يتجاوز هذه السرعة.

ظلت هذه النظرية العتيدة صامدة أمام البحث العلمي لمدة قرن كامل. لكن مؤخرا حدثت مفاجأة علمية فريدة، فجرها علماء في مختبر «سيرن» الذي تشرف عليه المنظمة الأوروبية للبحث النووي، وهو أكبر مختبر في العالم تُشغِّلهُ هذه المنظمة، واهتمامه هو فيزياء الجسيمات. ويقع بين حدود سويسرا وفرنسا. معظم نشاط هذا المختبر ينصبُّ على مصادم الهايدرون الكبير، وهو حلقة وضعت بعمق 100 متر تحت الأرض، ومحيط هذه الحلقة 27 كلم.

ما يهمنها في أمر مختبر «سيرن» هو أن مجموعة من علمائه بالتعاون مع مجموعة من علماء المختبر الإيطالي لفيزياء الطاقة العالية في (جران ساسو)، قاموا بتجربة استمرت سنوات ثلاث .. التجربة أن يطلق العلماء في سيرن بسويسرا في مسرع الجسيمات، جسيمات (النيوترينو)، لتسافر مسافة 730 كم، وتصل إلى جران ساسو، حيث تنتظرها أجهزة مستكشفة تستقبلها، حيث بينت النتائج أن الجسيمات كانت تسير بسرعة أكثر من 300 ألف كلم في الثانية!

وجسيمات النيوترينو، هي أحد الجسيمات تحت الذرية، تشبه الإلكترونات التي نعرف، غير أن النيوترينو جسيم معتدل الطاقة، ليس بسالب ولا موجب وكتلته تقترب من الصفر.

إن جسيمات النيوترينو تعبر أجسامنا كل يوم وتخرج منها من غير ما نشعر ومن غير أن تتأثر أو أن يتبدل في هذه الجسيمات شيء. تنتج هذه غالباً بسبب الإشعاع أو التفاعلات النووية كتلك التي تحدث في الشمس لتمدنا بالطاقة والحرارة، وتنطلق من الشمس إلى الأرض قرابة 65 مليار نيوترينو كل ثانية.

إذا .. ترنحت النظرية النسبية بعد أن بنينا عليها الكثير من النتائج والتطبيقات في حياتنا، وأصبحنا اليوم في معضلة قد تضطرنا لإعادة الكثير من الحسابات والتعريفات والأساسات العلمية من جديد.

سقت هذه الحادثة العلمية الفذة لمحاولة تصوير ما يحدث في الغرب من ثورة علمية، وما الذي يشغل فكر ووجدان المجتمعات المتقدمة، وأن العالم بأرجائه قاطبة يتسارع نحو التنمية والرقي بخطى ثابتة.

في المقابل، يتبادر إلى الذهن سؤال عن ما الذي يشغل بالنا في منطقتنا العربية، وما هي القضايا الملحة التي تفرض نفسها علينا باحثة عن حل .. ولو أخذنا «مصر» نموذجا فلا أقل من أن نذكر في عجالة بعض الإحصاءات والتقارير الرسمية ليستبين لنا الفارق بين عيشهم وعيشنا، وحالهم وحالنا.

فمن بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر - وهو جهاز حكومي- ومن تصريحات وزير الصحة المصري في عهد المخلوع مبارك خلال مؤتمر طبي في يوليو 2010 ، نسوق بعض الوقائع.

أولا – (الأحوال الصحية):

حيث أن منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحية المصرية أكدت التدهور السريع في الوضع الصحي في مصر، بل أن هناك أمراض تم تسجيل مصر بأنها تمتلك أعلى نسبة في العالم فيها.

- أمراض القلب: عدد مرضى القلب في مصر يبلغ 8 ملايين.

- مرضى ضغط الدم: يصل عددهم إلى 20 مليوناً أي نسبة 25%من الشعب المصري.

- السرطان: تضاعف 8 مرات .. أعلى نسبة في العالم.

- الذبحة الصدرية:20% من الحالات شباب تحت الأربعين.

- البلهارسيا: 25-30 % وهي أعلى نسبة في العالم.

- السكري: 8 ملايين، 10% تقريبا من عدد السكان، أعلى النسب في العالم.

- التهاب كبدي: 13 مليون.. منهم 9مليون التهاب من الدرجة C القاتل، 60 %من المرض ينتقل للناس من المستشفيات، وهي أعلى النسب في العالم - حسب منظمة الصحة العالمية.

- فشل كلوي: 800.000 مواطن بنسبة 1% من الشعب المصري، أعلى نسبة في العالم.

- شلل الأطفال: موجود في 6 دول في العالم فقط منهم مصر.

- الاكتئاب: 20 مليون مواطن.

- أمراض نفسية (أخرى): 6 ملايين.

- التدخين: 13 مليون مدخن ينفقون 1.3 مليار دولار سنويا 60% من البالغين مدخنون.

- التلوث: أعلى نسبة في العالم .. تلوث للهواء ومياه الشرب.

- الإنفاق الحكومي: 10 دولار للفرد سنوياً.

ثانيا – (الأحوال المالية)

- ديون: 1254 مليار جنيه (223 مليار دولار) منها 35 مليار دين خارجي و188 مليار ديون داخلية.

- الفقر40% من الشعب تحت خط الفقر، أقل من1 دولار في اليوم.

- نقود مهربة: 300 مليار دولار خرجت من البلاد خلال السنوات الماضية.

ثالثا- (الأحوال الاجتماعية)

- القضايا: هناك 20 مليون قضية بالمحاكم .. أقدمها معروض أمام المحاكم منذ عام 1938 حتى الآن.

- البطالة: بلغت 15% من القادرين على العمل .. حوالي 4 ملايين شاب عاطل عن العمل.

- الانتحار: هناك 130الف محاولة انتحار تنتهي بـ 3000 قتيل سنويا.

- حوادث الطرق: هناك 6 آلاف قتيل سنويا نتيجة حوادث الطرق و 35000 مصاب.

- الطلاق: يبلغ من 28 %-30 % بمعدل 240-250 حالة يوميا، وعدد المطلقات في مصر يزيد على 2.5 مليون سيدة.

- العنوسة: 13 مليون عانس في مصر، 6 ملايين منهن فوق 35 عاما.

- الهجرة: 4 ملايين مهاجر: 820 ألفاً من الكفاءات، 2500 عالم في تخصصات شديدة الأهمية.

- الأُمية (الحالية): 26 % من الشعب المصري.

- عمالة الأطفال: نصف مليون طفل يعملون في ظروف صعبة.

- الأطفال المشردون: 565 ألف طفل تتنوع فئاتهم بين مرتكب جريمة أو فاقد الأهلية.

- أطفال الشوارع: تقرير الأمم المتحدة: 100 ألف طفل.

- عشوائيات: بلغ عدد سكانها حوالي 8 ملايين مواطن، موزعون على 794 منطقة سكنية بكافة إنحاء مصر.

- سكان المقابر: 1.5 مليون مصري يعيشون في مقابر القاهرة حسب الإحصائيات الرسمية.

- موظف الحكومة: تحت خط الفقر ويؤخذ منه ضرائب (ستة جنيهات متوسط دخل الموظف يومياً(
- المخدرات: فقد أكد تقرير للمجلس الوطني لمكافحة إدمان المخدرات انتشار الإدمان بشكل فاحش في مصر وأن عدد المدمنين، وصل إلى 6 ملايين، مشيراً إلى أن 439 ألف طفل يتعاطون المخدرات بشكل منتظم في مصر يكلف الدولة 6 مليار دولار سنوياً في تجارة المخدرات.

رابعا- (الأرض الزراعية):

تم تجريف 1.2 مليون فدان أرض خضراء من 5000 سنة من أصل 6 مليون فدان- 20% من إجمالي الأراضي الزراعية الخصبة .

إن هذه البيانات الرسمية لتصور بجلاء حجم الهوة الكبيرة بين الواقع وبين المفترض الذي ينبغي أن نكون عليه، ولذلك ليس بغريب ولا عجيب أن تحتل قضية التنمية أولى اهتمامات صناع القرار المصري بعد ثورة 25 يناير، لكن الغريب والعجيب أننا جماهيريا لم نتجاوز حتى الآن حدود الكلام والمهاترات الحوارية والجدل السياسي العقيم الذي يتبناه إعلام الرفاهية الذي لا يلمس أرض الواقع ولا يتعايش مع محن الجماهير.

من الغريب والعجيب في ظل هذه الأزمات أن نجد القنوات المشبوهة لا شغل لها إلا قضايا ملك اليمين، وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنيل من شخص زوجه وأبناء د. محمد مرسي –حفظه الله- في سيل من الأكاذيب حول لجنة الامتحان الخاصة بابن الرئيس واللقاء السري مع الغنوشي وإهداءه قلادة الجمهورية، وأن الرئيس لا يستطيع شرب الشاي بدون إذن المجلس العسكري .. وغيرها من المهاترات الكلامية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

والسؤال الآن: متى سنعمل؟

إن الكلام بضاعة الأقزام، والأقزام لا يبنون مجدا، وقد كان غاندي يقول: «كثيرون حول السُلطة، وقليلون حول الوطن». ويقول جون دريدن: «الأخطاء كالقش دائماً ما تطفو على سطح الماء، أما من يبحث عن اللؤلؤ فعليه الغوص في الأعماق».

هل من المعقول أن نحمل د. مرسي فوق ما يحتمل، ففي حين يخوض معاركه مع النهضة والتنمية وتأسيس دولة مدنية حديثة، نشتت جهوده بمعارك إضافية مع إعلام الفلول ومروجي الإشاعات ومحترفي المهاترات.

إن مصر تمر بمرحلة عبث وهرج إعلامي جد معوق لمسيرتها، وهي تحتاج للضرب بيد من حديد لكل من يجيد فن الافتراءات، فهل نحن متيقظون لهذا الطابور الخامس الخفي والهش في نفس الوقت، قبل أن يصير القشة التي تقصم ظهر البعير.

 


د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق