الثلاثاء، 5 فبراير 2013

الأمور تسير إلى التعقيد


في أوج المخاض العربي الحالي لا شيء يلوح في أفق التنمية، وظلال فقر المواطن العربي لا تريد أن تراوح مكانها أمام وهج شمس الحرية، بل نسمع صراخا وعويلا ونرى دماء، والساسة يبشرونا بالمولود المنقذ الجديد، لكن يبدو أن الولادة متعسرة، وربما ستأخذ فترة أطول مما هو معهود، وأخوف ما نخشاه أن لا تتحمل الكيانات الاقتصادية العربية القائمة هذه الفترة الحرجة، فتخور قواها ويتوقف الطلق، ولا نرى ميلادا يذكر، بل وفاة في مخاض الحمل العسير، لنعود إلى نقطة الصفر من جديد، ونتلقى التعازي في موت أقطار عربية، بعدما راود أبنائها مزيج من الأمل والفرحة بميلاد جديد، وعهد سعيد.

العالم يتحرك نحو الأفضل

العالم مشغول بتعديل أوضاعه الاقتصادية، وتجاوز أزمة عالمية طاحنة، وسعي حثيث لاستقرار معيشة أفراده .. ففي أمريكا ارتفع حجم التوظيف في الاقتصاد الأميركي بنسبة عالية، وهو ما أدى لتقلص البطالة إلى أقل معدل لها منذ ثلاث سنوات واستقرت نسبتها في 8.5 % مقابل 8.7 % في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، مما يؤشر على تحقيق أكبر اقتصاد بالعالم زخما في التعافي من آثار «الأزمة المالية» العالمية.

وفي الهند قال رئيس الوزراء الهندي (مانموهان سينغ) إن اقتصاد بلاده سوف ينمو بنسبة 7 % في العام المالي الحالي الذي سينتهي في 31 مارس/آذار 2012، ومن المتوقع أن تزداد النسبة إلى 9 أو 10% في المدى المتوسط.

مشاغل من نوع آخر

في كل هذا الخضم الاقتصادي الهادر فإن للعرب شأنا آخر، واهتمامات مختلفة، فطريقهم لاستنشاق عبق الحرية شاق وأليم، وهذا له ضريبة اقتصادية باهظة، لن يدفع فاتورتها إلا المواطن المسكين.

ففي «اليمن» أظهرت إحصائية حديثة تراجع النشاط الصناعي والتجاري والزراعي في اليمن بـ70% منذ الاحتجاجات التي اندلعت، وهو ما ترتب عليه فقدان عشرات الآلاف من العمال وظائفهم بهذه القطاعات، فضلا عن خسارة الاقتصاد اليمني 17 مليار دولار.

ووفقا للإحصائية -التي نشرتها أسبوعية الأهالي اليمنية- فإن القطاع الخاص المنظم يستوعب نحو نصف مليون عامل، في حين يشغل القطاع العشوائي قرابة 1.5 مليون عامل، يعملون في قطاع البناء والتشييد والمهن الحرة.

وحسب الأسبوعية نفسها فإن الأزمة الاقتصادية الراهنة أجبرت الشركات العاملة في القطاع الخدمي على التوقف تماما، وتم تسريح 60% من موظفيها البالغ عددهم نحو مائة ألف شخص.

كما نبهت الإحصائية إلى تعثر المشاريع الحكومية الإستراتيجية المعتمدة في الخطة السنوية للمجالس المحلية والتي تشغل عمالة كثيرة، إلى جانب توقف الاستثمارات المحلية والأجنبية في القطاعين العقاري والسياحي.

وفي «سوريا» أقرّ وزير الاقتصاد والتجارة السوري (محمد نضال الشعار) بجسامة الأضرار الاقتصادية التي لحقت ببلاده ونجمت عن الأزمة التي تعيشها سوريا وما تتعرض له من عقوبات، معتبرا أنها انعكست على المرافق الأساسية والصناعة والتجارة.

وفي «مصر» تراجع الاحتياطي الأجنبي بنحو النصف وبقيمة 18 مليار دولار، منذ بداية العام الماضي عندما كان حجم الاحتياطي عند مستوى 36 مليارا. وحذر خبراء الاقتصاد من أن استمرار تراجع الاحتياطي الأجنبي سيدفع العديد من مؤسسات الائتمان الدولية لخفض التصنيف الائتماني لمصر، فضلا عن عدم قدرة البلاد على سداد ديونها أو قدرتها على دعم عملتها وارتفاع تكلفة الإقراض من الخارج، وقيام البنك الدولي بتعديل شروطه.

وفي «تونس» كشفت مصادر مطلعة بالبنك المركزي التونسي عن تراجع الإنتاج الصناعي التونسي بنسبة 12%، خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2011، مقارنة بنفس الفترة من 2010، وسجلت صادرات الصناعات المعملية نموا بنسبة 11.6%. كما تراجع النشاط السياحي بنسبة تتراوح بين 45 -50 % وفي حركة نقل المسافرين بنسبة 25%، وهذا ما جعل البلاد تخسر 7 آلاف موطن شغل شهريا وفق مصادر حكومية.

وشهد قطاع المناجم والفوسفات تراجعاً بنسبة 53% وبلغ العجز الجاري لميزان المدفوعات 2.5% مقارنة بالناتج الداخلي الخام مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، وتبلغ النسبة الحالية للتضخم 3%.

وتظهر معطيات البنك المركزي أن التحويلات المالية للتونسيين المقيمين بالخارج تراجعت في شهر أبريل 2011 بنسبة 12.5% وقد تقلص احتياطي البلاد من العملة الصعبة ليصل إلى10.5 مليار دينار تونسي أي ما يكفي لتمويل الواردات 118 يوما.

ويرجع الخبراء الاقتصاديون هذا الوضع الاقتصادي الصعب إلى الظروف السياسية والاجتماعية المضطربة التي تعيشها البلاد بعد ثورة 14 يناير.

الصعيد الميداني

فمن قراءة الأحداث يتضح أن الربيع العربي لن يطول كثيرا، ففي «اليمن» مازال على عبد الله صالح في قصره يمسك بزمام الأمور هو وأقاربه، والمبادرة الخليجية حبر على ورق، والاحتجاجات الشعبية في الشارع متواصلة دون ظهور أي بارقة أمل في انفراج الأزمة، خاصة وأن حكومة الوحدة الوطنية في اليمن أقرت مؤخرا مشروع قانون يمنح لصالح ومن عمل معه في جميع أجهزة ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية خلال فترة حكمه حصانة من الملاحقة القانونية والقضائية.

وفي «سوريا» كشفت مصادر استخباراتية أن الرئيس السوري بشار الأسد وعائلته وجنرالات الجيش الموالين له تركوا دمشق وانتقلوا للإقامة في منطقة جبلية تضم الطائفة العلوية، وفقا لما نقله موقع «دبكا» الإسرائيلي. وذكر الموقع أن المنطقة الجبلية هي جبال الأنصارية الواقعة في شمال غرب سوريا، وهي سلسلة جبال ممتدة على ساحل البحر المتوسط، حيث يدير الأسد وأتباعه من هناك قمعهم لمعارضيه؛ لضمان بقاء حكمه.

وأوضحت أن وحدات سلاح الهندسة السوري تعكف منذ منتصف شهر ديسمبر المنصرم على تدشين عدد من الوحدات العسكرية والمعسكرات بعضها على سفح الجبال، بالإضافة إلى جزء آخر في باطن الجبل، فضلاً عن بناء العديد من النقاط الحصينة المضادة للدبابات، ومستودعات الأسلحة والوقود والأغذية في باطن الجبل، وبطاريات صواريخ مضادة للطائرات.

فيما أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن أسطولا روسيا رسا في القاعدة البحرية بطرطوس. ونقلت الوكالة عن العقيد البحري الروسي (ياكوشين فلاديمير اناتوليفيتش) رئيس الوفد العسكري الذي يزور طرطوس تأكيده «متانة العلاقات التاريخية التي تجمع بين روسيا وسوريا».

وترفض روسيا رفضا قاطعا أي تدخل في الأزمة السورية، واستخدمت حق النقض ضد مشروع قرار في مجلس الأمن ينص على إمكانية فرض حظر على تسليم الأسلحة إلى سوريا التي تعد روسيا أبرز مزوديها منذ الحقبة السوفيتية.

في حين رأت دراسة إستراتيجية إسرائيلية، أصدرها مركز أبحاث الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، أن التدريبات السورية الأخيرة، التي أجراها الجيش العربي السوري، هي رسالة عرض عضلات من الرئيس بشار الأسد، ورسالة تؤكد قوة سورية العسكرية، إلى العرب وإلى تركيا وإلى المجتمع الدولي برمته مفادها أن سورية لن تسمح بأي حال من الأحوال تكرار السيناريو الليبي، أي السماح لطائرات حلف شمال الأطلسي بقصف العمق السوري لإسقاط الأسد، كما حدث مع العقيد معمر القذافي.

ولاحظت الدراسة، أنه خلافًا للماضي، فإن السوريين اهتموا جدا بأن تقوم وسائل الإعلام بتغطية التدريبات الثلاثة، في الوقت الذي كانت فيه بالماضي تتستر وتتكتم على تدريبات من هذا القبيل، لافتةً إلى أن بعض المنظومات التي شاركت في التدريبات تُشكل خطرا إستراتيجيا على الدولة العبرية، وتجعل كل منطقة في العمق الإسرائيلي في مرمى الصواريخ السورية المتطورة جدا

وبرأي الدراسة فإن أخطر ما تم عرضه ومشاركته في التدريب هو الصاروخ (اونيكس ـ ياخونت( الروسي لتدمير السفن البحرية في ظروف عمليات التشويش اللاسلكية الالكترونية المعادية. وقد بدأ العمل على تصنيع هذا الطراز من الصواريخ في مطلع ثمانينات القرن الماضي تحت إشراف كبير المصممين (يفريموف)، ومن مميزات الصاروخ: مدى الإطلاق إلى ما وراء الأفق، الذاتية التامة للاستخدام القتالي (أطلق وانس)، تغيير ارتفاع التحليق من المنخفض إلى العالي ثم إلى المنخفض، إمكانية الإطلاق من شتى الوسائل بما فيها السفن بكافة أنواعها والغواصات والمنصات الأرضية والطائرات، وصعوبة اكتشافه من قبل الرادارات الحديثة ( تكنولوجية ستيلس).

ومن أهم صفات الصاروخ أيضا سرعته التي تفوق سرعة الصوت بمقدار 2.6 مرة مما يقلل من تعرضه للاعتراض والتدمير من قبل وسائل الدفاع الجوي الحديثة. ويزود هذا الصاروخ البالغ وزنه ثلاثة أطنان برأس راداري يوجه ذاتيا يزن 200-300 كجم، وبوسعه تدمير الطرادات الحديثة على مدى يصل إلى 300 كم، أما عدة صواريخ من هذا النوع فبوسعها تدمير حاملة طائرات بكاملها. وقالت الدراسة أيضًا أن الخبراء لا يتوقعون أن يشهد الصاروخ مثيلا له في العالم خلال السنوات العشر القادمة على أقل تقدير.

كما يمكن أن يحل صاروخ (ياخونت) محل صاروخ (غاربون) الأمريكي الصنع في سفن تلك الدول، أما بالنسبة لإسرائيل، فتقول الدراسة، إن نصب هذا الطراز من الصواريخ على شواطئ سورية يجعل من جميع المناطق في إسرائيل، من الشمال حتى تل أبيب في مرماه، بالإضافة إلى ذلك، عبرت الدراسة عن خشية صناع القرار من نقل المنظومة المذكورة إلى حزب الله اللبناني، كما فعلت سورية في الماضي عندما مدت الحزب بمنظومةC-802))

وفي حال نشر المنظومة على السواحل اللبنانية فإن جميع المناطق في إسرائيل ستُصبح في مرماها، وعلى كل الأحوال، رأى الخبراء الإسرائيليون، إن هذه المنظومة تشكل تحديًا إستراتيجيًا كبيرًا للجيش الإسرائيلي، وبالتالي يتحتم على الجيش البحث عن الوسائل لصد هذه المنظومة الخطيرة جدًا على أمن الدولة العبرية، وخلصت الدراسة إلى القول إن قيام سورية باستعمال هذه الصواريخ في الفترة الحالية بالذات خلال التدريبات الأخيرة تثير العديد من التساؤلات، مذكرة بأن روسيا تملك في سورية أكبر قاعدة بحرية عسكرية، وذلك في ميناء طرطوس، ولن تسمح لنفسها، في نزاعها الحالي مع الغرب، فقدان هذه القاعدة الإستراتيجية.

إضافة إلى تقرير بعثة المراقبين من جامعة الدول العربية جاء مخيبا للآمال حين أعلن أن النظام السوري تعاون جزئيا، الأمر الذي يحمل في مضمونه عجز المنظومة العربية عن إسعاف سوريا الجريحة، وهذا ما توقعه الكثيرون، في ظل الكيانات العربية المترهلة.

وأخيرا في «ليبيا» حيث أكد محمود جبريل -رئيس الحكومة الليبية السابق- وجود عملاء لمخابرات كل دول العالم تعمل داخل الصعيد الليبي، بينما تستمر الصعوبات التي تواجه السلطات الليبية الجديدة في فرض الأمن في البلاد، مشيرًا إلى التذمر المتزايد في أوساط جنود الجيش الليبي على إثر تأخر في تلقي الرواتب.

هذه الوقائع تبرهن على ضبابية الأحداث لا تشاؤمية الكاتب، فالوضع فعلا غير مطمئن، وما زال طواغيت العرب على استعداد تام لأن تفنى شعوبهم عن بكرة أبيها ولا يتزحزحون عن كراسيهم قيد أنملة، أما الخسائر البشرية فليست في حساباتهم، خاصة أنه من السهولة عليهم تجديد قطيع الغنم، حتى لو اضطرهم الأمر لاستيراده من الخارج.

د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق