الجمعة، 8 مارس 2013

العرب ظاهرة صوتية


في تصريحه الأخير على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» اتهم الفريق (ضاحي خلفان)، القائد العام لشرطة دبي، الإخوان المسلمين بالتآمر على قلب أنظمة الحكم بدول الخليج العربي، وقال ما نصه: «نعم، أنت لم تر شيئا منهم، لكن المتقصي لاجتماعاتهم السرية يدرك أنهم يتآمرون على قلب أنظمة الحكم الخليجية لتكون رهينة للمرشد». ثم ما لبث أن استأسد خلفان وهدد باعتقال الشيخ القرضاوي على أثر استهجان فضيلته طرد مائة أسرة سورية من الإمارات لأنهم تظاهروا ضد جرائم بشار الأسد في سورية.

هذه التصريحات النارية للفريق خلفان أرجعها البعض من الهواجس والمخاوف المتزايدة لدى حكام الخليج من تسرب الثورات العربية إلى دول الخليج، ومما يؤكد هذا التحليل ما تسرب إعلاميا من أن الإمارات دعمت حملة ترشيح (عمر سليمان) رئيس المخابرات المصرية لمنصب الرئاسة بـ 75 مليون دولار.

وكي لا يتهمنا أحد في تحليلاتنا بالتحيز لجماعة الإخوان المسلمين، ندع المواقف تتكلم فهي أبلغ في الإقناع وأقرب لحسم نقاط الخلاف .. حيث شاءت الأقدار أن يعقب هذا الموقف الهجومي للإمارات على لسان قائد شرطتها، زيارة رئيس إيران (أحمدي نجاد) لجزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة من قبل بلاده منذ عام 1971. ووصف الإعلام الإيراني زيارة أرفع مسئول إيراني للجزيرة منذ احتلالها في زمن الشاه محمد رضا بهلوي, بأنها أتت "ضمن جولة للرئيس في ساحل إيران المطل على الخليج". وزاد حسين أمير عبد اللهيان -مساعد وزير الخارجية- برفض الاحتجاجات الإماراتية على الزيارة, ووصفها بأنها "شأن داخلي إيراني".

وهنا اختفى صوت الفريق خلفان (رجل أمن وحراسة المؤسسات السياحية الإماراتية)، وأبان الموقف عن حجمه الطبيعي، وأنه ليس سوى جزء من المنظومة العربية الصوتية، في عالم لا يعترف بالضعفاء حتى وإن كانوا أثرياء، ولم تملك الإمارات من أمرها شيئا سوى الشجب والاستنكار على لسان وزير خارجيتها، ثم انتفضت بصولة كصولات الأسود واستدعت سفيرها (سيف الزعابي) من إيران للتشاور!!. كما واستدعت الإمارات السفير الإيراني لديها (محمد علي فياض) وسلمته مذكرة احتجاج على الزيارة!! وشاطر وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الإمارات محنتها باستنكارهم الحاد من فوق كراسيهم الفخمة للزيارة، واعتبارها عملا استفزازيا!!.

وهذا دفع صناع السياسة الإيرانية إلى إصدار بيان شديدة اللهجة يقرر أن سيادة إيران على الجزر الثلاث أمرٌ ثابت وغير مطروح للحوار والنقاش، وأن الحديث والاعتراض الخليجي على زيارة نجادي لجزيرة "أبي موسى" يعتبر تدخلا في الشأن الإيراني الداخلي. وقال (رامين مهمان برست) الناطق باسم الخارجية الإيرانية: "إن انتساب الجزر الثلاث للتراب الإيراني أمر ثابت وغير مطروح للحوار".

فما كان من خلفان أن خرج عن صمته ليُضحك العالم منه، بعد أن أكد أن نشر قوات إيرانية في جزر الإمارات المحتلة هو دليل خوف إيران من الإمارات دون أدنى شك، وقال عبر تغريداته في موقع "تويتر": "لو كانت الإمارات تريد حرباً لأحرقت كل أخضر ويابس على الجزر .. لكن نحن ميالون إلى الحلول السلمية مع كل جار"، مشيرا إلى أن الإمارات دولة قوية جدا!!.

وأوضح خلفان أن احتلال إيران للجزر الثلاث كان في وقت ليس للإمارات فيه جيش، وقال "نعم احتلتها قبيل ساعات من إعلان الدولة.. دولة ما عندها جيش، وقوة إيران آنذاك الخامسة على مستوى العالم، اليوم الوضع مختلف"!!

وأضاف: "الإمارات قوة جوية حق وحقيقة، وسلاح الجو الإماراتي ضارب". واستدل على أن قوة سلاح الجو تعني قوة الجيش بقوله: "يقول كلوب باشا في مذكراته: تفوق إسرائيل الجوي في جميع حروبها هو سبب انتصارها على الأمة العربية".

يشار إلى أن إيران استحوذت على جزء من جزيرة أبو موسى وفق تفاهم مع الشارقة لتقاسم السيادة رعته بريطانيا, لكنها بعد قيام الجمهورية الإسلامية ابتلعت الجزيرة كلها، وأقامت فيها منشآت عسكرية وخيرت سكانها العرب بين الرحيل أو الجنسية الإيرانية. وفي الفترة ذاتها اجتاحت إيران جزيرتي طنب الكبرى والصغرى التابعيتين لرأس الخيمة, وانتزعتهما عنوة منها.

ونظرا لأن طهران تعتبر أن الجزر الثلاث المتحكمة بمدخل الخليج العربي "أرض إيرانية خالصة" فإنها كررت رفضها كل دعوات الإمارات لإيجاد حل لقضية الجزر عبر التفاوض أو التحكيم الدولي.  

ثم أين زئير الفريق خلفان من قضية اغتيال محمود المبحوح –أحد قيادي حركة حماس البارزين- التي لم تقدم فيها أجهزته الأمنية سوى كشفا تليفزيونيا عن القتلة وتصوير تحركاتهم، لكن أين هم؟ وما هي الجهود التي بذلت للقبض عليهم حتى الآن؟ .. لا شيء يذكر.

وأنظر مثلا للتصريحات الأخيرة لرئيس أركان الجيش اللبناني اللواء الركن (وليد سلمان): أن الجيش اللبناني على جهوزية تامة لمواجهة أي عدوان إسرائيلي!!. هذا تعقيبا على تقارير إعلامية إسرائيلية أشارت إلى أن السلطات الأمنية الإسرائيلية هدّدت لبنان باستخدام القوة ضد المظاهرات المقرر إجراؤها على الحدود المشتركة في ذكرى في «يوم الأرض» في 30 آذار (مارس).

بل الأعجب التأكيدات العنترية لخبير عسكري مصري: أن الحديث عن استهداف الكيان الصهيوني لشبه جزيرة سيناء لا يؤثر ولا يهز الجيش المصري، وأنه قادر على سحق أي عدو. وأشار إلى الخسائر الفادحة التي تكبدها جيش الاحتلال الصهيوني في غزة وجنوب لبنان، فكيف إذا واجهت جيش مصر وهو أقوى جيش في المنطقة!!.

ويكشف (ويكيليكس) عن محصلة مفادها أن الأنظمة العربية بشكلها الحالي، لا إستراتيجية واضحة لديها، بل هي تخدم إدامة السيطرة الأميركية على المنطقة فقط لا غير. في نفس الوقت تصر أمريكا على وصف التعاون العربي بوصف التابع وليس الحليف!!

إن الوضع العربي يدعو للشفقة، ولا يزيد على الظاهرة الصوتية، فكلمة العرب ليست مسموعة عالميا، لأنها بدون رصيد، بل لا يحسن العرب حتى توظيف أرصدتهم الشعبية والنفطية ولا معابرهم المائية ولا سائر ثرواتهم الطبيعية، في تفعيل دورهم الإقليمي والعالمي. هذا فضلا عن حاجتهم لتطبيع أوضاعهم الداخلية لتقوية الجبهة الوطنية.

لكنهم في نفس الوقت بارعون في الجدالات والتحليلات والاستنكارات، وأسود فقط على بني جلدتهم، مصداقا لقول الشاعر:

أسد علي وفي الحروب نعامة .. فتخاء (ناعمة) تطير من صفير الصافر

 


د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق