السبت، 9 مارس 2013

حيثيات قوانين السنن الإلهية 1


لله تعالى سننا في كونه لا تتغير وفي خلقه لا تحابي أحدا، إنها المقياس الذي نقيس به مقدار التزامنا، والمعيار الذي نعرف به مدى تفريطنا، والميزان الذي نحكم به على كافة الأمور، ولذلك كان فلاح البشرية معقود على مدى اهتدائها بهدي هذه السنن والامتثال بأحكامها، وأن لا نخرج على حيثياتها لكي تسير لها الأمور سيرا متزنا في طريق الله المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا التواء.


القانون الأول: «قانون السببية»


  ¨   مادة 1: كل شيء بسبب، فمن أمثلة الأسباب المادية: قوله تعالى: {وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم} [البقرة:22]، ومن أمثلة الأسباب المعنوية، قوله تعالى: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} [الأنفال:29] وقال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: (فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب والله خالق الأسباب والمسببات) (1)


   ¨   مادة 2: الأسباب والمسببات من فعل الله تعالى، فهو تعالى خالق الأسباب والمسببات، ومعنى ذلك أن السبب إنما يعمل ويستدعي مسببه بموجب سنه الله ونفادها.


   ¨   مادة 3: المسببات تكون بأسبابها لا عندها، فالمسببات تحدث بالأسباب الموجبة لها لا أنها تحدث عند وجود هذه الأسباب، فالنار مثلا سبب الإحراق لما أودع الله فيها من معاني الحرارة المستوجبة للإحراق لا أن الإحراق يحدث عند وجود النار.


   ¨   مادة 4: كل سبب موقوف على وجود شروطه وانتفاء موانعه، فالأكل مثلا سبب للغذاء والشبع واستدامة الحياة، ولكن بشرط سلامة الأعضاء الضرورية لتلقي الطعام والاستفادة منه وانتفاء الموانع التي تعيق عمل هذه الأعضاء.


  ¨   مادة 5: لا يجوز إسقاط الأسباب بحجة الإيمان بالقضاء والقدر، قال -صلى الله عليه وسلم-: (اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة) ثم قرأ {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى}) (2)

  ¨   مادة 6 : تعاطي الأسباب لا ينافي التوكل، فحقيقة التوكل الثقة بالله والطمأنينة به والسكون إليه فالتوكل – كما قال الإمام أحمد– هو عمل القلب. (3)

 

القانون الثاني «قانون الهدى والضلال»


  ¨   مادة 1: هدى الله هو الهدى، قال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى} [البقرة:120] أي أن هدى الله هو الهدى الحقيقي الذي يصلح أن يسمى هدى وهو الهدى كله ليس وراءه هدى.

      ¨       مادة 2: هدى الله هو الإسلام، قال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق} [الفتح:28]

  ¨   مادة 3: من يترك هدى الله يتركه الله وما اختاره، قال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} [النساء:115] أي نتركه وما اختاره لنفسه، ونكله إلى ما توكل عليه.

  ¨   مادة 4: تهديد من يتبع غير هدى الله، قال تعالى: {ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} [البقرة:120]، وقال تعالى: {ولئن اتبعت أهوائهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا من الظالمين} [البقرة:145] فهذا خطاب للرسول -صلى الله عليه وسلم-والمراد به أمته.

  ¨   مادة 5: لا حزن ولا خوف على متبع هدى الله، قال تعالى: {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة:38]

  ¨   مادة 6: طيب العيش لمتبع الهدى، والعيش الضنك للمعرض عنه، قال تعالى: {قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} [طه:123-127]

القانون الثالث «قانون التدافع بين الحق والباطل»


  ¨   مادة 1: الغلبة للحق وأهله، قضت سنة الله تعالى في تدافع الحق والباطل أن الغلبة للحق وأهله وأن الاندحار والمحق للباطل وأهله، قال تعالى: {ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته} [الشورى:24] وقال: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق} [الأنبياء:18]

  ¨   مادة 2: سنة الله في نصر المؤمنين لا تتخلف، قال تعالى: {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} [الفتح 22-23]

  ¨   مادة 3: قد يتأخر نصر المؤمنين لنصر أكبر، كما نصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ومعه المؤمنين على قريش وفتحت مكة سنة ثمان للهجرة ولم يحصل النصر التام إلا بعد مضي أكثر مدة نبوته -صلى الله عليه وسلم-.

  ¨   مادة 4: قد يسبق نصر المؤمنين أذى من العدو وغلبة له، قال تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين} [آل عمران:139-141]

القانون الرابع «قانون الابتلاء»


  ¨   مادة 1: الابتلاء يكون بالشر وبالخير، قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} [الأنبياء:35]

  ¨   مادة 2: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) (4)

القانون الخامس «قانون الظلم والظالمين»


  ¨   مادة 1: إن الله لا يفلح الظالمون، قال تعالى: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون} [الأنعام:135]

  ¨   مادة 2: سنة الله مطردة في هلاك الأمم الظالمة، قال تعالى: {ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} [هود:100-102]

  ¨   مادة 3: تبقى الدولة مع الكفر ولا تبقى مع الظلم، قال تعالى: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} [هود:117] ( بظلم ) أي بشرك وكفر، والمعنى: إن الله تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين، إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم يعامل بعضهم بعضا على الصلاح وعدم الفساد (5)

القانون السادس «قانون الخلاف»


  ¨   مادة 1: الخلاف شر، قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} [آل عمران:103] وقال -صلى الله عليه وسلم-: (عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة) (6)

  ¨   مادة 2: الخلاف مهلك للأمم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا) (7)

  ¨   مادة 3: الخلاف إما خلاف تنوع أو خلاف تضاد، فاختلاف التنوع هو مالا يكون فيه أحد الأقوال مناقضاً للأقوال الأخرى بل كل هذه الأقوال صحيحة ثابتة كوجوه القراءات الثابتة المتواترة، أما اختلاف التضاد فهو أن يكون كل قول من أقوال المختلفين يضاد الآخر ويحكم بخطئه أو بطلانه وهو يكون في الشيء الواحد.

  ¨   مادة 4: خلاف التضاد إما خلاف سائغ غير مذموم، أو خلاف غير سائغ مذموم، فمن أمثلة الخلاف السائغ غير المذموم الاختلاف في رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه، واختلاف المطالع في رؤية الهلاك، أما الخلاف الغير سائغ المذموم، فهو المخالف لأصول الإيمان إجمالا وتفصيلا وللأمور المعلومة من الدين بالضرورة كما هو حادث في آراء غلاة الجهمية والقدرية والفلاسفة والرافضة والمتصوفة. 

 


الهوامش المصادر


استلهمنا فكرة هذا المقال من كتاب السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية، للدكتور / عبد الكريم زيدان – مؤسسة الرسالة – بيروت – الطبعة الثالثة 1998

(1)  مجموع الفتاوى لابن تيمية ج8 ص70 

(2)   رواه مسلم عن على -رضي الله عنه- كتاب القدر رقم 4786

(3)   مدارج السالكين – ابن القيم ج1 ص 114

(4)  رواه الترمذي (صحيح) حديث 992 صحيح الجامع

(5)  تفسير الرازي ج18 ص 76

(6)  رواه أحمد والترمذي عن عمر -رضي الله عنه- (صحيح) حديث 2546 صحيح الجامع 

(7)  رواه البخاري عن ابن مسعود – كتاب أحاديث الأنبياء رقم3217

 


د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق