الثلاثاء، 12 مارس 2013

حيثيات قوانين السنن الإلهية 2


بسم الله الرحمن الرحيم
حيثيات قوانين السنن الإلهية

في الأمم والجماعات والأفراد 2

 

لله تعالى سننا في كونه لا تتغير وفي خلقه لا تحابي أحدا، إنها المقياس الذي نقيس به مقدار التزامنا، والمعيار الذي نعرف به مدى تفريطنا، والميزان الذي نحكم به على كافة الأمور، ولذلك كان فلاح البشرية معقود على مدى اهتدائها بهدي هذه السنن والامتثال بأحكامها، وأن لا نخرج على حيثياتها لكي تسير لها الأمور سيرا متزنا في طريق الله المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا التواء.

القانون الأول «قانون التماثل والأضداد»


   ·   مادة 1: لا يستوي الخبث والطيب، قال تعالى: {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون} [المائدة:100]، وقال تعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} [ص:28]، وقال تعالى: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون} [القلم:35-36]

  ·    مادة 2: سنة الله لا تفرق بين متماثلين ولا تسوي بين متضادين، فهو سبحانه وتعالى كما يفرق بين الأمور المختلفة فإنه يجمع ويسوي بين الأمور المتماثلة فيحكم في الشيء خلقا وأمرا بحكم مثله، وقد بين سبحانه وتعالى أن (السنة) لا تتبدل ولا تتحول في غير موضع. والسنة: هي العادة التي تتضمن أن يفعل في الثاني مثل ما فعل بنظيره، ولهذا أمر سبحانه وتعالى بالاعتبار، فقال: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} [يوسف:111] والاعتبار أن يقرن الشيء بمثله فيعلم أن حكمه مثل حكمه (1)  

  ·    مادة 3: عاقبة الظلم تصيب كل ظالم، قال تعالى: {ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكم ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} [هود:100-102] وقال تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها} [محمد:10] وقال تعالى: {ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين} [المرسلات: 16-18]

  ·    مادة 4: لا مساواة بين المؤمن والكافر وإن عمل خيرا، فأعمال الخير من الكافر لا تقوى على محو جريمة كفره وجحوده لله، فيبقى المؤمن ومعه حسنة الإيمان أرجح دائما من الكافر، قال تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين} [التوبة:19]

   ·   مادة 5: أعمال البر تتفاضل، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل أي العمل أفضل؟ فقال: (إيمان بالله ورسوله) قيل ثم ماذا؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) قيل ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور) (2) وعنه أيضا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) (3) وعلى هذا فعند التزاحم وتعذر عمل الاثنين يقدم الأفضل على المفضول، والراجح على المرجوح، والأهم على المهم، والأحب على المحبوب

القانون الثاني «قانون الترف والمترفين»


   ·   مادة 1: المترفون أسرع الناس في تكذيب الحق ورده، وهذا في المترف الذي أبطرته النعمة وأطغته، قال تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [سبأ:34 –36]

    ·  مادة 2: المترفون أصحاب منهج فاسد في الحياة، فالمترفون لا يهتمون إلا بملاذ الدنيا وشهواتها وجمع المال لذلك ولو كان هذا على حساب الآخرة، ولا يهمهم ما يكون في الناس من منكرات فهي لا تقلقهم ولا ينهون عنها، قال تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين} [هود:116]

    ·  مادة 3: هلاك الأمم بفسق مترفيها، قال تعالى: {وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون} [الأنبياء:11-15]، وقال جل ذكره: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا} [الإسراء:16]

القانون الثالث «قانون الطغيان والطغاة»


    ·  مادة 1: الطغيان نوعان: طغيان النعمة، وطغيان السلطة، فعن طغيان النعمة قال تعالى: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} [النحل:112] وقال تعالى: {وكم من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين} [القصص:58] وأما في طغيان السلطة فقد ضرب الله له مثلا بفرعون أعتى الطغاة فقال جل ذكره: {هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى اذهب إلى فرعون إنه طغى} [النازعات:15-17]، وعن طغيان فرعون قال عز وجل: {واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق} [القصص:39] وأخبرنا تعالى عن طرفا أقواله وأفعاله الشنيعة {فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى} [النازعات:22-23] وقال: {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} [غافر:29]  


    ·  مادة 2: سنة الله في إهلاك الطغاة لا تتخلف، قال عز وجل: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك صوت عذاب إن ربك لبالمرصاد} [الفجر:6-14] وقال في فرعون: {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى} [النازعات:25-26]

القانون الرابع «قانون الذنوب والسيئات»


   ·   مادة1: من يعمل سوءا يجز به، قال تعالى: {من يعمل سوءا يجز به} [النساء:123] قال القرطبي: وقال الجمهور لفظ الآية عام، والكافر والمؤمن مجزي بعمله السوء (4)


  ·               مادة 2: كل نفس بما كسبت رهينة، فلا يؤاخذ أحد بذنب أحد، قال تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام:164] 

   ·   مادة 3: جزاء السيئة سيئة مثلها، فالجزاء بقدر السيئة لأن الزيادة على مقدار ما تستحقه السيئة من جزاء ظلم، والظلم لا يجوز حتى مع الظالمين، قال تعالى: {من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها} [غافر:40]، وأما الزيادة على ما تستحقه الحسنة فهي زيادة فضل محمودة.


   ·   مادة 4: الذنوب تضعف مقاومة المؤمن للشيطان، قال تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم} [آل عمران: 155] أي بسبب ما كسبوا من السيئات حدث ضعف في النفوس وفتحت ثغرة فيها تسلل منها الشيطان فقدر على استذلالهم بالتولي عن القتال، وقال بعض السلف: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإن من جزاء السيئة السيئة بعدها. وفي الحديث: (تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربدا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ) ‌(5)

  ·    مادة 5: الذنوب سبب المصائب، قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [الشورى:30] وقال تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} [آل عمران:165]

  ·    مادة 4: إقرار المنكر يستوجب عقابا عاما، قال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديد العقاب} [الأنفال:25] وجاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال في هذه الآية: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب (6) وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه) (7)

  ·    مادة 5: الذنوب مهلكة للأفراد والأمم، قال تعالى: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لهم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} [الأنعام:6] وقال جل شأنه: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من واق} [المؤمنون:21]

 

الهوامش والمصادر

استلهمنا فكرة هذا المقال من كتاب السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية، للدكتور / عبد الكريم زيدان – مؤسسة الرسالة – بيروت – الطبعة الثالثة 1998

       1.       مجموع فتاوى ابن تيمية، ج13 /ص 19

       2.       رواه البخاري – كتاب الإيمان رقم 25

       3.       رواه مسلم – كتاب الإيمان رقم 51

       4.       تفسير القرطبي ج5 ص 396

       5.       رواه أحمد عن حذيفة (صحيح) حديث2960 في صحيح الجامع.‌

       6.       تفسير ابن كثير ج2 ص229، تفسير القرطبي ج7 ص391

       7.        رواه أحمد عن أبي بكر (صحيح) حديث 1974 في صحيح الجامع

 


د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق