الأحد، 6 أكتوبر 2013

حتى الملك فهم الدرس خطأ!!


طالعتنا وكالات الأنباء بخبر عن عودة «ملك الإنسانية»!! إلى بلاده بعد رحلة علاجية، وكان مجمل الخبر كما يلي: 
عاد العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى بلاده بعد ظهر الأربعاء بعد غياب دام نحو ثلاثة أشهر أجرى خلالها عمليتين جراحيتين في الظهر بنيويورك أمضى بعدها فترة نقاهة واستكمال للعلاج الطبيعي في قصره بالمغرب، وذلك في ظل تغيرات سياسية وحركات احتجاجية واسعة في المنطقة.
وبينما كانت الطائرة الملكية تحط على أرض مطار الملك خالد في الرياض، كان رجال يرقصون رقصة العرضة التقليدية فيما اصطف الأمراء والوزراء وأعيان المملكة لاستقبال الملك.
ووقفت نساء بالعباءات السود والنقاب في مكان منفصل وحملن الأعلام السعودية وصور العاهل السعودي احتفاء بعودته.
وفي موازاة هذه الأجواء الإقليمية، أمر العاهل السعودي بمناسبة عودته إلى المملكة بسلسلة تقديمات اجتماعية بينها زيادة للأجور في القطاع العام، ومن أبرز هذه التقديمات تثبيت علاوة غلاء معيشة بنسبة 15% ودعم رأس مال صندوق التنمية العقارية وميزانية الهيئة العامة للإسكان.
وأمر الملك أيضا برفع رأس مال البنك السعودي للتسليف والادخار، وبرفع الحد الأعلى لعدد الأفراد في الأسرة التي يشملها الضمان الاجتماعي من ثمانية أفراد إلى 15 وتقديم دعم مالي للأندية الأدبية والرياضية. كما أمر بالإفراج المشروط عن سجناء الديون.
وأعلن ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز يوم السبت يوم أجازة في السعودية للاحتفال بعودة الملك تضاف إلى إجازة نهاية الأسبوع الخميس والجمعة.
ومن المنتظر أن يعلن الملك السعودي عن تشكيل حكومي جديد لانتهاء مدة الحكومة الحالية منذ أكثر من أسبوعين واتخاذ عدد من القرارات الإصلاحية إضافة إلى قرارات تتعلق بمشاريع تنموية جديدة وتقليص حجم البطالة في المملكة المنتج الأول للنفط في العالم .. انتهى الخبر
وقفات ووقفات -مع هذا الخبر الميمون!!- تتوارد على الفكر، وتشي بالحزن على بقايا أصحاب السمو والفخامة الذين ترجموا الأحداث الأخيرة في مصر وتونس وليبيا واليمن ترجمة مبتذلة لا تليق بشعوب اختارت الكرامة والحرية ولم ترض بغيرها بديلا.
أصحاب السمو لم يعوا الدرس جيدا، ورأوا أنها ثورات بطون خاوية تخمدها لقمة عيش وحفنه دراهم، وغضوا الطرف عن القهر والكبت والتوزيع غير العادل للثروات والدول البوليسية وكثرة الخطوط الحمراء في بلادهم والتي تطال الملك نفسه والأمراء والحاشية وحاشية الحاشية والقائمة تطول وتطول
- أول وقفة شدت انتباهي هي: أين كان الملك؟ .. كان الملك -يا سادة- في رحلة علاجية في أمريكا!! رغم أن قياداتنا عودونا أنهم عندما يفتتحون كافة مستشفيات البلاد لا يفوت مدير المستشفى أن يشيد بالإنجازات الملكية أو الرئاسية فيها حتى باتت تضارع وتواكب التقدم الطبي والعلمي في أرقى الدول الأوروبية، ورغم هذا فصحة الملك تبرهن على كذب كل هذه الدعاوى، فما إن يصاب كبراؤنا بنزلات البرد وما فوقها إلا ويهرعون إلى الخارج، فالمغامرة والمقامرة لأبناء الشعوب المضللين المخدوعين، أما الذات الملكية فهي ذات مقدسة لا تحتمل المجازفة.
- الوقفة الثانية عن فترة النقاهة التي قضاها «ملك الإنسانية» في قصره بالمغرب، وأتساءل، لماذا المغرب بالذات؟! وهل القصر الملكي هذا هو غير القصر الذي قضى فيه ولي العهد فترة نقاهته بعد علاجه من السرطان بأمريكا، أم أن الملوك الفضلاء اقتصدوا في معيشتهم واشتروا قصرا واحدا فقط بالمغرب لنقاهتهم؟!!، ولماذا لا يبلغ التقتير أشده وتقضون نقاهتكم بقصر الملك الراحل «فهد» بأسبانيا المجاورة؟! ولا داعي لشراء قصر إضافي بالمغرب. ثم من أين لكم كل هذه القصور، وهل دخل الملك يكفي لشراء قصور خارج بلاده فضلا عن القصور داخلها.
متى نعرف أن الرؤساء والملوك هم مجرد موظفون لخدمة شعوبهم لا لامتطاء أكتافهم وبعثرة ثرواتهم .. متى يحاسب أصحاب الفخامة سواسية كما يحاسب سائر الناس، وكما يرتضيه شرعنا وديننا وقيمنا الأصيلة، وكما يحدث في كافة المجتمعات المتقدمة، بل إن محاسبتهم حق آكد وفرض واجب لخطورة منصبهم، وحساسية قراراتهم، ورحم الله عمر بن الخطاب حيث روى البخاري في تاريخه الكبير وغيره "أن عمر بن الخطاب قال في مجلس، وحوله المهاجرون والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟ فقال ذلك مرتين، أو ثلاثا: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟ فقال بشير بن سعد: لو فعلت ذلك قومناك تقويم القِدْح ـ أي عود السهم ـ فقال عمر: أنتم إذاً أنتم ."
هذا هو عمر رضي الله عنه الكبير، صاحب التاريخ العريق والسيرة العدلية، فما بالنا فيمن هم دونه في القدر بمراحل ومراحل.
إن ما قدمه آل سعود للملكة لا يتركز إلا في توحيد الأب الأكبر الملك عبد العزيز لأطراف الجزيرة العربية، وقد نال شرف قيادة تلك الدولة الكبيرة تقديرا له على ذلك، بل وسماها على اسم عائلته، وبذلك وفى أهل الجزيرة له الجميل، لكن ليس معنى هذا أن يعتلي رقابهم أبناؤه وأحفاده طيلة العمر، في نظام عقيم لا يقوم على اختيار الأكفاء بل كبراء السن من أبناء العائلة المالكة، وكي لا أكون جائرا فليقدم لنا السادة الملوك شهاداتهم وخبراتهم ويستعرضوا قدراتهم كي تقتنع بهم شعوبهم التي ما اختارتهم يوما من الأيام في استفتاء شعبي حر ونزيه.  
- الوقفة الثالثة: هل هذا السخاء الملكي هو المطلوب من الملك تجاه شعبه؟ أم أنه التفاف لتثبت حكمه؟ وهل العروش المجاورة التي انهدمت على رءوس ملوكها هي بسبب المجاعات فقط، أم أن للأمر خلفيات أعمق وأكبر وإن ظهرت لبادي الرأي أنها ثورات حركتها البطون الجائعة والجيوب الخاوية لا أكثر ولا أقل.
نعم لا ننكر أن شظف العيش كان المحرك الأول الذي أوقد شرارة الثورات، لكن لا يغيب عن الفاحص أيضا أن ثمة عوامل متشابكة دفعت بلهيب الثورة في كافة الأرجاء من كبت للحريات، وتقديس للقيادات، وحالة الانسداد السياسي، وغياب الشفافية، والفساد المالي الإداري، والتخلف التصنيعي والإنتاجي عموما .. والكثير من الملفات الشائكة التي يعتبر فتحها ضربا من الجنون والمغامرة.
فهل يستطيع الملك مثلا أن يجيب عن تساؤلات حول أعداد الأسرة الملكية من الأمراء والأميرات الذين ملئوا الآفاق، بل ويخبرنا عن أنشطتهم وممتلكاتهم داخل وخارج المملكة.
وهل يستطيع الملك أن يخبرنا عن كيفية توزيع ثروة البلاد، وخطط ملوك آل سعود المستقبلية لمرحلة ما بعد النفط.
وهل تستطيع القيادة السعودية تفسير تراجع مستوى المملكة المهني والإنتاجي -غير النفطي- وغياب الأيدي العاملة السعودية المدربة، حتى صرنا في بلد أقل ما فيه أنك تدخل أي من أسواقها وكأنك في «دكا» لا في السعودية.
كنت أتمنى من الملك المزيد من الحريات والمزيد من المصانع والمزيد من دعم البحث العلمي الحقيقي والمزيد من تدعيم لشعار «صنع بالسعودية».
كنت أتمنى أن تدعم السواعد المنتجة لا أن ترسخ ثقافة الاستهلاك والاسترخاء.
كنت أتمنى القضاء على موجات التغريب التي ستغرق المملكة بمن فيها.
كنت أتمنى عودة الملك لرحاب علماء الدين الذين هم من خير العلماء على وجه الأرض، وهم كنز المملكة الحقيقي وليس النفط الزائل.
كنت أتمنى عودة أساطين الفتوى لفتاويهم التي هي نبراس الأمة، وعودة موقع «الإسلام سؤال وجواب» للعمل كما كان، وعودة نصف مليون فتوى لموقع «الإسلام اليوم».
كنت أتمنى مفاهيم جديدة وأفكار رشيدة وليس مزيدا من تدعيم السبات والترف الهش الذي تعاني منه المملكة.
كنت أتمنى إنسان جديد وروح جديدة تعي الدرس جيدا
لكن خابت الآمال
فمتى الرحيل أيها الملك؟

د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق