الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

جامعة عربية من خشب


لكم أنا في أشد الحيرة والعجب من أمر جامعتنا العربية العصماء ومبادرتها حيال الانتفاضة السورية، بل وسائر القضايا العربية المصيرية .. ومنشأ العجب هو الاستيقاظ المفاجئ -دون سابق إنذار- لقادة الجامعة من سبات طويل وعميق، ومحاولة هوجاء لارتقاء صهوة الجواد العربي الأصيل، والركض به من أجل تحرير القضايا المتأزمة التي تنتاب عالمنا العربي بين الفينة والفينة، هكذا وبدون سياسات ولا تحضيرات ولا اتفاقيات دفاعية ولا اقتصادية ولا اجتماعية مسبقة.
ومع غياب الثقل العربي والدور الفاعل للجامعة العربية في كافة الأصعدة،  كان من المنطقي أن يسقط الفارس الغير مدرب من على فرس التحرير في أول ركضة، ولا نرى له مشاهد تذكر سوى مشاهد السقوط، ولا نسمع له دويا سوى دوي الاستنكارات والتنديدات.
لكن أعجب العجب أن الفارس العربي لا يتعلم الدرس أبدا، وفي كل أزمة يتناسى ضياع هيبته وغياب ثقله السياسي والقيادي، ويعاود امتطاء جواد التحرير مرة أخرى ليخوض به معارك هي أكبر بكثير من حجمه وقدراته، متغافلا عن اللحظات أو الثواني القادمة التي سوف تكشف للجميع خيبته وعواره.
فبعد ثمانية أشهر من انتفاضة السوريين سقط خلالها أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة شهيد من بينهم 187 طفلا، أفاقت الجامعة العربية من غفوتها المزمنة، واجتمع مجلسها الموقر ليقدم مبادرة لحل الأزمة السورية دون أي أوراق ضغط يملكها، أو آليات عملية يتبناها في حالة تنصل القادة السوريون من هذه المبادرة، والمضحك في الأمر تصريح السيد أحمد بن حلي، نائب الأمين العام للجامعة العربية، بأن السلطات السورية أمامها 15 يوما لتنفيذ بنود الخطة التي اقترحتها الجامعة لحل الأزمة السورية قبل بدء الحوار بين النظام والمعارضة الذي سترعاه الجامعة في أروقتها.
خمسة عشر يوما -يا سادة- ونزيف الدم الهادر مستمر، وعشرات القتلى والجرحى يوميا يسقطون على أيدي عساكر النظام والشبيحة، لكن الجامعة لا تلتفت إلى مثل هذه الأمور البسيطة بنظرها، وترى أن الموقف من التعقيد والصعوبة الذي يحتاج من النظام السوري لأسبوعين كي يرد فقط على المبادرة العربية.
وكما هو متوقع، فقد تلاعب النظام السوري بالجامعة، ورد بالموافقة الغير مشروطة!! وفي اليوم التالي سقط عشرين شهيدا بحسب ما أوردته وكالات الأنباء، في مسرحية تافهة من المسرحيات المبتذلة التي عودناها النظام العربي البائد.
ويكاد يجمع المراقبون أن الجامعة العربية لا تملك شيئا يذكر من خيارات الضغط أو العقوبات ضد النظام السوري، اللهم إلا الاعتراف بالمجلس الانتقالي، وبعض العقوبات الاقتصادية، وحتى تلك الخيارات لن تتفق كل الدول العربية على تنفيذها، فالقادة العرب عودونا دوما أنهم اتفقوا فقط على أنهم لا يتفقوا.
إن الجامعة العربية ولدت من رحم أنظمة عربية فاشلة، فمن الطبيعي أن تأتي ككيان مسخ مشوه لا حيلة له، بل من الطبيعي أن تتوالى إخفاقاتها الواحدة تلو الأخرى، أمام أمة عربية مثقلة بالهموم والقضايا الكارثية المزمنة، والتي تحتاج لجهود جبارة ومخلصة فوق مستوى ألف جامعة من أمثال الجامعة العربية، الأمر الذي جعل المواطن العربي ينفض يده من تلك الجامعة الشلاء، ولا يعول عليها كثيرا في شئونه.
وليس بخاف على أحد أن الأنظمة العربية الدكتاتورية المنتظرة في قائمة ربيع الثورات العربية تبحث عن حل جذري وفعال حيال لو تفجرت الثورة الشعبية في بلدها، وتحاول دراسة التجربة التونسية والمصرية والليبية واليمنية والسورية، في محاولة لإيجاد الورقة الرابحة في هذه التجارب، غير متغافلة عن إمكانية الاقتباس من كل تجربة على حده.
ففرار بن علي في تونس ربما يكون الحل الأخير والبعيد جدا لهذه الأنظمة، لكنه عموما شيء وارد وممكن حدوثه رغم استبعاده، لذلك بدأت تلك الأنظمة في تبني بعض آلياته، وهو ما كشفت عنه صحيفة «ميلليت» التركية عن أن دولارات العرب والأجانب بدأت تتدفق وتصب في البنوك التركية في أعقاب التوتر والاشتباكات والاضطرابات التي عاشتها العديد من الدول العربية بعد موجة ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا, وعدد آخر من الدول الخليجية.
وأما التجربة المصرية بالتنحي لابد أن يتزامن معها الضمانات الموثقة والمغلظة بعدم المتابعة القضائية حال التخلي عن الكرسي، وهذا ما أكده التصرف المراوغ لرئيس اليمن في محاولة للحصول على هذا الضمان الجوهري.
وأما التجربة السورية القائمة على العنف والحلول الأمنية فما زالت -حتى اللحظة- هي الورقة الرابحة التي تثبت أركان النظام الذي لا يرى إلا وجوده فقط حتى لو أباد كل السوريين عن بكرة أبيهم.
فهل يُعقل بأنظمة تبحث عن مخرج لنفسها أن تتبنى في جامعتها العربية العصماء حلا لدكتاتورية النظام السوري، فمجمل القول أن فاقد الشيء لا يعطيه، ولسان حال هذه الأنظمة يتمنى أن ينجح أحدها في إيجاد وسيلة فعالة لإطفاء شرارة الثورة كي تحذو حذوه وتقتفي أثره.

 

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com

  


  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق