الجمعة، 14 يونيو 2013

انتخابات وسخافات




شاءت الأقدار أن تكون محافظتي (الغربية) في المرحلة الثالثة والأخيرة من الانتخابات البرلمانية الأولى بعد قيام ثورة 25 يناير المباركة، الأمر الذي جعل الجميع يستفيد كثيرا من تجربة المرحلة الأولى والثانية، بل لا أكون مجحفا إذا قلت أن الكثيرين من المترددين في اختياراتهم قد توجهوا إلى أحضان حزب الحرية والعدالة وحزب النور بعد الفوز للتيارات الإسلامية الساحق في المرحلتين السابقتين، ولم ينخدعوا بهذا السعار الإعلامي على القنوات الفضائية الليبرالية التي لم تكف عن التهويل والتخويف من صعود الإسلاميين، حيث غلبت لغة الواقع كل اللغات، وعلا صوت الجماهير على كل الأصوات.     
لقد لاقت الانتخابات البرلمانية إقبال جماهيري منقطع النظير، وشفافية ونزاهة ربما لم تشهدها الأمة المصرية من عهود سحيقة، حتى شهادة كل المراقبين الدوليين تجمع على أن كل المخالفات المرصودة لا ترتقي لمستوى الشبهات.
لكن على صعيد «السلوكيات والأخلاقيات» كان هناك شأنا آخر .. شأنا فكريا وأخلاقيا كان له جانبا مشرقا، وجوانب أخرى مظلمة تبعث على الحزن والحسرة.
فأبرز الجوانب الناصعة التي شاهدها الكل، هي تلك الرغبة الجماهيرية العارمة في التغيير وتحمل المسئولية في اختيار مرشحيهم، يحدوهم الأمل في غد أفضل، وتداعب أخيلتهم الأماني الجميلة والأحلام الوردية عن شكل مصر الجديدة، وهي تشق طريقها نحو النهوض والرقي والتقدم والازدهار.
أما تلك السخافات التي حدثت فكان أبرزها هذا الكم الرهيب من الأسماء المجهولة تماما لدى الأوساط الاجتماعية والشعبية، والتي أقدمت على ترشيح نفسها، دون وزن جماهيري يذكر أو تاريخ سياسي يرصد، وكأن هذه الأسماء لم تتفهم بعد أن الدنيا تغيرت، ومصر لم تعد كسابقتها، وتغيرت معها المفاهيم والأعراف التقليدية في العملية الانتخابية، فلا يكفي أن ينخدع المرشح بحسن سيرته الشخصية في قريته الصغيرة أو شعبيته العالية بين زملائه في العمل، أو الترشح لمجرد الدعاية والشهرة، أو ممارسة الفكر الانتخابي العتيق في أن كثرة الترشيحات دورة انتخابية تلو الأخرى سيكتب لها النجاح يوما ما.
بل أسخف من هذا الحدث، ترشيح فلول الحزب الوطني السابق أنفسهم، رغم أن الشعب يرفضهم، ولم ينجح منهم في المرحلة الأولى والثانية إلا عدد ضئيل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة .. وأعود وأتساءل، لماذا يشتهي البعض الرسوب والفشل، ولماذا يصر آخرون أن يحرجوا أنفسهم، لدرجة أن أحد المرشحين لم يحصل إلا على صوت واحد هو صوته نفسه، حتى زوجته المطلقة رفضت التصويت له؟!
ومن السخافات: تلك الفوضى الإعلانية التي عاشتها مصر طيلة فترة الانتخابات، فلقد تكاثرت الملصقات على الحوائط بصورة همجية وغوغائية غاية في الابتذال، وشوهت واجهات المحلات، وضج الناس بالشكوى، حيث يفاجأ صاحب البيت أو الدكان في الصباح بكم رهيب من الملصقات، وضعت خلسة في جوف الليل أو بعد الفجر، ولم يكتف أنصار المرشح بملصق واحد على الحائط، بل لابد من عدة ملصقات متجاورة، حتى وصل الأمر أن المرشحين صاروا يضعون ملصقاتهم فوق ملصقات بعضهم البعض، وتحولت الجدران بعد الانتخابات إلى واجهات شوهاء من الورق المتقطع والمتعفن، في منظر مقذذ، يعكس مدى الهمجية التي انتابتنا، واختفاء اللمسات الحضارية والجمالية عن حياتنا.
ومن السخافات: ما أعلنه الائتلاف العام لشباب الصوفية ورابطة شباب الصوفية في مصر عن تقديم الدعم لقوائم «الكتلة المصرية» في المرحلتين الثانية والثالثة من الانتخابات البرلمانية، وكذلك دعم مرشحي الكتلة على النظام الفردي بكافة محافظات مصر في المرحلتين الثانية والثالثة.
وجاء ذلك الموقف بعد الاستفتاء الذي طرحه محمد سليم توفيق الأشعري، عضو الهيئة العليا لأتلاف شباب الصوفية بمصر. وذكر الأشعري أن الاستفتاء جاء بناء على رغبات شباب الطرق الصوفية، وذلك لدعم أحد الأحزاب في المرحلتين القادمتين بعد فترة انعزال طويلة للصوفيين بمصر عن العمل السياسي، وذلك للمشاركة في بناء الحياة السياسية في مصر بعد الثورة.
أليس هذا غريبا وعجيبا أن تدعم الصوفية ذات التوجه الديني حزب ليبرالي أسقطه الكثيرون من حساباتهم بعد انكشافه مصادر تمويله، مما أدى لتراجعه إلى المرتبة الرابعة وصعود حزب الوفد، بعدما كان متصدرا في المرحلة الأولى المرتبة الثالثة، الأمر الذي جعله يستبدل شعاراته الانتخابية قبيل المرحلة الثانية بعد اكتساح الإسلاميين للمرحلة الأولى وحصولهم على أغلب المقاعد، ونهج نهج الإسلاميين في دعايتهم الانتخابية، واستبدلوا شعارهم الانتخابي من «لا علمانية ولا دينية مصر مدنية ديمقراطية» إلى «مع بقاء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»، وكتب على إعلان آخر «القرآن .. دستورنا» فيما أعتبره البعض ارتداء لعباءة الدين لخداع المصريين.
فهل هذا هو مفهوم الولاء والبراء الذي تعلمناه من ديننا وعلى أيدي مشايخنا، خاصة وأن التيارات الإسلامية كانت أولى من غيرها بالدعم والتأييد.
ومن طريف المواقف أن أحد مرشحي «الكتلة المصرية» لما عاين سقوط حزبه من أعين الجماهير، أعلن البراءة من الحزب، وأجرى في شوارع دائرته الانتخابية سيارات بمكبرات صوت تعلن هذا الموقف، وكأنه بهذا الأمر سيكتسح نتائج الفوز، لكنها كانت حيلة ساذجة لم تقنع طفل صغير ولا رجل كبير.
أما الفجيعة العظمى فهي تلك المناوشات التي حدثت بين أكبر تيارين إسلاميين، وأقصد تحديدا أنصار مرشحي حزب الحرية والعدالة وحزب النور، وأشهد الله أن هذه المشاكسات كانت من فعل الصغار، وتبرأ منها الكبار من مشايخ وقيادات من كلا الجانبين.
وإن كان قصدنا التحذير لا التشهير، خاصة وأن هذه المناوشات رصدتها بعض القنوات الفضائية، ومواقع الإنترنت، فلا يسعني سوى التدليل ببعض المواقف التي كان أبرزها في محافظة الغربية بمدرسة السادات الثانوية بنات بالدائرة الثانية بلجان (417-419) حيث رصد المراقبون حدوث مشاجرات بين مندوبي مرشحي الحرية والعدالة والنور السلفي بسبب التواجد داخل اللجان والتأثير على الناخبين.
وفي محافظة شمال سيناء بلجنة مدرسة أبو نحيلة الابتدائية بدائرة العريش بلجان (65-69) حدثت اشتباكات بالأيدي بين أنصار حزب النور السلفي وأنصار حزب الحرية والعدالة داخل اللجان بسبب الدعاية الانتخابية.
وأنا في أشد العجب والدهشة .. لماذا يدمن البعض الفرقة، وتصعب عليهم الوحدة والألفة، رغم أن الهدف واحد والقصد نبيل، ولماذا لا تتسع الصدور للفروق بين البشر، خاصة وأن الناس لا تستوعب ولا تقبل أبدا أي تجاوز من الذين يحملون شعار الدين، لأنهم بأعينهم النموذج والقدوة والمثل.
ولقد وصف الكاتب البريطاني الكبير (روبرت فيسك) الانتخابات المصرية بأنها لمحة من لمحات الديمقراطية الحقيقية، ولكن يبقى التحدي القائم- بحسب الكاتب-: هل ستكون تلك الانتخابات مدخلا لديمقراطية حقيقية؟ وهذا كلام يضع الأمور على المحك الحقيقي.
إن الواجب والعقل والمنطق والدين يرفض أي تفرق بين الكتل الإسلامية داخل البرلمان الجديد، لأنه ليس من صالح أحد، ولن يقبل به أحد، وما حدث في هذه الانتخابات من تجاوزات ربما يهونها أنها حدثت من شباب صغار أخذتهم الحمية العصبية، لكن لو حدث هذا بين الكبار تحت قبة البرلمان، فلا أقل من أن تنهار القيمة السامقة لهذا الدين في مخيلة الناس، وقدرته على سياسة الدنيا، فضلا عن أن أعداءه كثر، والغيظ يملأ صدورهم على هذا الاكتساح الرائع للتيار الإسلامي، وهم يتربصون أي «هفوة» لكي يتخذونها ذريعة لصب جام غضبهم، وهذا معلوم ومعروف للجميع، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل سننجح كتيارات إسلامية في أن نتجاوز خلافاتنا الشكلية وأن نكون لحمة واحدة، أم يصير حظنا من كل هذا المشوار الطويل، الشعارات الجوفاء والسجالات الكلامية. وهذا ما لا يقبله أحد   

         

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق