الخميس، 16 مايو 2013

أمريكا فوق كل المصريين


في خمس سيارات تابعة للسفارة الأمريكية بالقاهرة، وصل مطار القاهرة بعد ظهر الخميس (1/3/2012) سبعة عشر أجنبيا متهمين في قضية إدارة منظمات حقوقية وتلقي أموال من الخارج بدون تصريح من السلطات المصرية، وضمت المجموعة متهمين أجانب آخرين من جنسيات غير أمريكية من النرويج وصربيا وألمانيا (9 أمريكيين، 8 أوروبيين)، وبرفقة مسئولين من السفارة الأمريكية لمساعدتهم في إنهاء إجراءات سفرهم تمت مغادرتهم على متن طائرة عسكرية وصلت مساء الأربعاء قادمة من قبرص، بإشراف إحدى الجهات الأمنية السيادية وبتوجيهات من المجلس الأعلى للقوات المسلحة مباشرة.

يأتي ذلك بعد أن رفعت محكمة مصرية قرار المنع من السفر الذي كان مفروضا على النشطاء، في القضية التي اتهم فيها 43 ناشطا مصريا وأجنبيا بتلقي تمويل أجنبي لأنشطتهم دون الحصول على ترخيص حكومي لعملهم.

وبدوره قال رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار (عبد المعز إبراهيم) لوسائل إعلام محلية إن القضية نقلت من محكمة الجنايات إلى محكمة جنح، وبالتالي فالحد الأقصى للعقوبة عن التهم الموجهة للنشطاء هي الغرامة وليس السجن، وأن كل متهم أراد رفع حظر السفر عنه دفع مبلغ مليوني جنيه كفالة، مما أفاد خزينة الدولة بـ 32مليون جنيه!! .. وكأن الكرامة الوطنية يمكن أن تقايض بالأموال.

وكان المستشار (محمد محمود شكري) رئيس دائرة محكمة جنايات شمال القاهرة التي تنظر القضية، قد أعلن مؤخراً تنحي الدائرة عن نظر القضية لاستشعارها الحرج، وأشار إلى أنه سيتقدّم وعضو الدائرة المستشار عصام يماني والمستشار أشرف النمساوي، إلى مجلس القضاء الأعلى بمذكرة شارحة توضح الأسباب الكاملة التي دفعت الدائرة للتنحي عن نظر القضية.

ونقلت تقارير صحفية عن شكري قوله إن من أسباب تنحي دائرة المحكمة أنها فوجئت بطلبين مقدمين لها لإلغاء حظر السفر عن المتهمين الأميركيين والأجانب، وأن هذين الطلبين شملا طلب إلغاء المنع من السفر عن أشخاص لم يشملهم أصلاً قرار الإحالة في القضية، ووردت أسماؤهم فقط على سبيل الاستدلال في التحقيقات، كما يشمل أحد الطلبين المطالبة بإلغاء ترقب الوصول لمتهمين أجانب هاربين.

وأدَّت إحالة المتهمين إلى المحاكمة توتراً في العلاقات المصرية الأميركية، خاصة عقب تهديد نواب بارزين في الكونغرس الأميركي بوقف برنامج المساعدات المقدمة لمصر.

لقد كان الحدث مفاجئا، وفوق كل التوقعات، وصادما لكرامة الشعب المصري كله، الذي اعتبر ذلك مهانة له، وانتهاكًا للسيادة الوطنية المصرية، وانتقاصاً من استقلالية القضاء المصري وهيبته، وجرأة متهورة من المجلس العسكري الذي خضع بمذلة لا تليق به لضغوط الأمريكان، خاصة وأن المؤامرة التي تم اكتشافها كانت تستهدف مصر وتقسيمها وإشاعة الفوضى بها.

كما أثار الموقف ردود فعل غاضبة من قبل أعضاء بمجلس الشعب المصري وأحزاب سياسية وتطتلات إعلامية وقضائية، حيث تقدم نواب برلمانيون بطلبات إحاطة عاجلة إلى البرلمان لاستجواب رئيس الوزراء ووزيري العدل والخارجية والرد على أسئلة الأعضاء حول مبررات سفر المتهمين.

أما الجماعة الإسلامية، فقد أدانت في بيان الخميس ما وصفته بـ «تجاهل المجلس العسكري المطالبة بتبادل خمسين مواطنا مصريا في السجون الأمريكية من بينهم الشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن بالمتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي».

وقال (البدوي) رئيس حزب الوفد إن «العودة لنفس الحيل القديمة هو ما يجعل دولا كالولايات المتحدة تشكك وتبتز وتضغط، ويدركوا أن التغيير الذي ننشده مازال وليدا، وأن حجم المناورة مازال موجودا ومتاحا، وأن القرار المصري لا يزال تابعا وخانعا وذليلا، فوصلوا لقرار رفع حظر السفر عن المتهمين»

سردنا هذه الأحداث على سبيل التأريخ لهذه المهزلة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه الآن: لماذا أقدم المجلس العسكري على هذه الخطوة متحديا كل التيارات الشعبية والقانونية والإعلامية ؟!

هذا بتقديري له دافعان لا ثالث لهما:

(الأول): أن الأمريكان لديهم من المعلومات الاستخباراتية والأسرار الأمنية والعسكرية ما يدين قادة كبار في المجلس العسكري.

(الثاني): أن مؤامرة تلغيم الثورة المصرية حقيقة واقعية، وتشرف عليها جهات داخلية وخارجية.

فالدافع الأول ليس ببعيد عن مجلس عسكري ربيب العهد المباركي المشئوم، وكان دوره في الحياة السياسية المصرية ليس بعيدا عن السياسة العامة لمبارك وحاشيته، خاصة وأن عدم فرار المخلوع إبان ثورة يناير ارتكز على ضمانات من المجلس العسكري، بل يرى بعض المحللين ما هو أبعد من هذا، حيث يفسر انحياز المجلس العسكري للثورة ليس لوطنية أعضاءه، وإنما لوطنية الجيش المصري الذي كان من المرجح جدا أن ينحاز للشعب ويرفض أوامر إطلاق النار على المتظاهرين.

إضافة إلى هذا ما يتسرب من أخبار في كواليس السياسة المصرية حول طلب حصانة للقيادة العسكرية أو ضمانات بعدم المساءلة، أو ما يسمى بالخروج الآمن من الحياة السياسية، مما يؤكد أنه كان له دورا يخاف من مساءلته، وأن لقادة المجلس العسكري مثالب والأمريكان أعلم بها بحكم الصلات التاريخية بين الإدارات الأمريكية والمؤسسة العسكرية المصرية، ولقد استخدم الأمريكان هذه السقطات كورقة ضغط قوية كانت كفيلة بأن تتجاهل قيادة المجلس العسكري كل موجات الاعتراضات التي سوف تواجهها من جراء هذا الموقف المشبوه، وترضخ بمذلة لأوامر الأمريكان.      

أما مؤامرة تلغيم الثورة المصرية، فترجع بالأساس إلى نظرية «التلغيم قبل التسليم» التي أطلقها فضيلة الشيخ (رفاعي سرور) رحمه الله في تقيمه لدور الحكومة المصرية الحالية المسماة «حكومة الإنقاذ الوطني»، وجاءت التسمية أثناء اجتماع لمنتدى أهل الرأي؛ الذي يضمُّ في عضويته علماء وأكاديميين وباحثين وناشطين في المجالات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية.

ويقصد بنظرية التلغيم وضع عدة قرارات يكون تنفيذها عبأ على الحكومات المنتخبة المقبلة، لتخريب المراحل القادمة، وصنع عقبات في طريق النهضة الثورية، مثل زيادة الرواتب والمعاشات وتعيين المؤقتين مما يمثل عبأ على الميزانية المستقبلية، وتقنين مسألة أراضي وضع اليد، وهو ما سيضيع على الحكومة القادمة فرصةً كبيرةً في الاستفادة من العديد من الأراضي المصرية في فرص استثمارية تنهض بالوطن، ومنها أيضا تلويث سمعة القضاء وزرع نوعا من البلبلة داخل منظومته، فضلا عن فقد ثقة المواطن فيه بهذه الحادثة الفريدة في وقاحتها.

وراعي الشاة يحمي الذئب عنها .. فكيف إذا الرعاة لها الذئاب

 


د/ خالد سعد النجار


alnaggar66@hotmail.com

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق