الخميس، 19 أبريل 2018

فوضى الإستراتيجية العربية




«سأخون وطني» كتاب ماتع للكاتب الراحل محمد الماغوط، عرى فيه الوضع العربي الماضي والحاضر والمستقبل، ورغم أن الوضع العربي عريان بالأساس ويبيت أيضا بالعراء، إلا أن قلم الكاتب الساخر أضاف مسحة من الشجن والألم إلى هذا الوضع الكريه لكل نفسي عربي حر، وببراعة فائقة جرح محمد الماغوط الأنظمة العربية المهترئة والمتسترة وراء شعارات: الوطنية، والتنمية، والسيادة، والقيادة الرشيدة.
وفي هذه الأسطر نعيش مع مقتبسات من صفحات هذا الكتاب في محاولة لتجديد الوعي العربي، وتقديم عمل أدبي حكم عليه عمدا بالتهميش والغياب لأنه يسير عكس التيار ويتطرق إلى مساحات حساسة في أنظمة شمولية لا تقبل أي هفوة نقد، ولا تعترف إلا بأقلام التطبيل والتأليه والتوحيد.

يقول الماغوط:
الذي يزور المنطقة لأول مرة ويستمع إلى الإعلام العربي وهو يصب جام غضبه على السادات، ويعدد المآسي والويلات التي حلت بالوطن العربي بسبب بادرة السادات، يخيل له أن الوطن العربي كان جنة قبلها وصار جحيما بعدها، فهل هذا صحيح؟
هل كانت الوحدة العربية قائمة وجاءت المبادرة وقوضتها؟
 هل كانت القوات العربية على مشارف الأرض المحتلة وجاءت المبادرة وأوقفتها؟
هل كانت الاشتراكية العربية مطبقة وجاءت المبادرة وألغتها؟
هل كانت السجون العربية فارغة وجاءت المبادرة وملأتها؟
هل كانت الصحافة العربية حرة وجاءت المبادرة وقيدتها؟
هل كانت مظاهر النهب والرشوة والإهمال غير معروفة وجاءت المبادرة وابتدعتها؟
هل كان التهريب محرما فجاءت المبادرة وأحلته؟
وهل كان السير منظما فجاءت المبادرة وخربطته؟
إذا لماذا نضع «خرجا» على كتف السادات ونحمله كل أخطاءنا ورزايانا؟ ثم من هو السادات هذا؟ انه بنظارته وغليونه وتأتأته ليس بداية مرحلة جديدة في المنطقة بل نهاية مرحلة قديمة. وهو لم يأت بالمبادرة من جيبه، لأنها امتداد لما حولها وقبلها كما الكتف امتداد للذراع والذراع امتداد للأصابع والأصابع امتداد للسوط.
نعم إن السياط العربية القديمة في مصر وغير مصر هي التي وقعت المبادرة بالأحرف الأولى من زمن بعيد، وهي التي أوصلت السادات للحكم ليكمل المشوار ويكمل التوقيع.
والأرتال الطويلة التي اصطفت على جانبي الطريق من المطار إلى القاهرة لاستقباله بعد عودته من القدس المحتلة ليست جماهير الشعب العربي في مصر وغير مصر، بل هي آلات التعذيب بالكهرباء، أعقاب السجائر المطفأ على الصدور والظهور، كماشات قلع الأظافر، وناتشات الشوارب من الوجوه وناتشات الوطن من الدفاتر.
إنها أرتال قوانين الطوارئ وصرخات الليل الرهيبة، والهررة التي كانت تطلق داخل سراويل النساء الريفيات بتهمة الانتماء لهذه الأرض .. لهذه الأمة.
هي التي رقصت ودبكت على جانبي الطريق وحملت يافطات الترحيب بالمبادرة وبطل المبادرة، لأنه حامل رسالتها ومعقد آمالها.
ثم من يقتنع بهذا الغضب العارم على صحافة السادات وكتابه ومطربيه. وبهذه الدموع المنهمرة على الحريات وكم الأفواه في نظام السادات. والكل يعلم أن أي حاكم فرد في المنطقة حتى لو وقع على جدول الرواتب فعنده دائما نسخة بالكربون عن موسى صبري وأنيس منصور ومحمد عبد الوهاب. وعنده أيضا أهرامه وأزهره ليحلل ويبارك له خطوته الرائدة ومبادرته التاريخية هذه.
ثم ماذا فعلت الدول العربية الأخرى منذ سنين حتى الآن لإجهاض المبادرة ودرء أخطاءها عنها وعن شعوبها كما يقولون؟
هل كوفئ مجد وعوقب مهمل؟
هل انجزت معاملة؟ وأسعف مريض بأسرع من ذي قبل؟
هل توقف متطرف أو معتدل عن كرع الويسكي أو غير أنواعه؟
هل نقصت كباريهات الوطن طاولة واحدة وكازينوهات أوروبا زبونا واحدا؟
هل نقصت كهرباء التعذيب فولتا واحدا عما كانت عليه قبل المبادرة؟
ماذا فعلت معظم هذه الدول منذ سنتين حتى الآن سوى أنها صارت مركز تنبؤات: «مصر ستلعب دور الشرطي في النطقة» «السادات سيلعب دور الشاه في الخليج» «المبادرة ستربط اقتصاد مصر بالإمبريالية الأمريكية نهائيا». حتى بعض الدول النفطية دخلت هذا الباب وعلى الله الاتكال كأن اقتصادها مرتبط بجيفارا.
ثم «المؤامرة لن تمر» «سنحبط المؤامرة». فبالله عليكم مؤامرة من هذا النوع يدفعها  الشرق والغرب وعلى رأسهم أمريكا بالأيدي والأكتاف، كيف نمنعها ونحن غير قادرين على منع سيارة مخالفة؟
إن الذي سيقضي على العرب في المستقبل ليس الزلازل والبراكين والفيضانات. بل المزايدات.
لا توجد حرية .. توجد خطابات عن الحرية
لا يوجد تحرير .. توجد يافطات عن التحرير.
لا توجد رؤية واضحة للحاضر والمستقبل .. توجد مسلسلات بدوية لتعمية الماضي والحاضر والمستقبل.
لا يوجد شعر أو فن أو موسيقى .. توجد سميرة توفيق.
ومن لا تعجبه هذه الاستراتيجية العربية لمجابهة المبادرة وإحراز النصر، فليدق رأسه بالجدار الطيب بين لبنان وإسرائيل.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com
      
   
             


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق