الخميس، 3 مارس 2016

تاريخ الإرهاب الدولي .. مذبحة زنجبار (1)



تقع (زنجبار) في شرق إفريقيا، وتتشكّل من عدد من الجزر في المحيط الهندي قُبالة سواحل دولة (تنزانيا)، وتبعد عن السواحل الأفريقية قرابة 35 كيلو مترًا، وأكبر جزرها جزيرتا: زنجبار، وبيمبا، أما البقية فهي جزر صغيرة تتوزع حول جزيرة بيمبا.
دخل الإسلام أرض زنجبار (أندلس أفريقيا) منذ القرن الأول الهجري، وكانت تُدعى «برّ الزنج» ثم صار اسمها زنجبار، وقد حكمها العرب العُمانيون، قبل أن يتم ضم الجزيرة قسرًا بمعاونة الاستعمار مع منطقة "تنجانيقا" عام 1964م، ليتم تشكيل ما تُسمَّى اليوم بدولة تنزانيا.
ففي عام 1698م عاد العمانيون وسيطروا على زنجبار مجددا، وذلك في عهد السلطان (سلطان بن سيف اليعربي) الذي قام بطرد البرتغاليين بعد احتلال دام 200 عام، وأعاد حكم العُمانيين العرب لها.
أحدث العمانيون نهضة شاملة في زنجبار حيث طوروا نظام التجارة والاقتصاد والمحاصيل، مع تحسين المزارع لزراعة التوابل والقرنفل والثوم، حتى أعطي لها لقب «جزر التوابل»، لينافس «جزر الملوك» المستعمرة الهولندية بإندونيسيا.
وكان لزنجبار تجارة أخرى وهي العاج الذي يؤخذ من أنياب الفيلة التي تقتل في بر أفريقيا، أما المصدر الثالث للتجارة فهو تجارة الرقيق، حيث كان الآلاف من سكان المناطق المجاورة يؤسرون ويباعون كعبيدٍ على أرض الجزيرة، كما أدى ذلك إلى استقبال زنجبار كغيرها من الموانئ الأفريقية لأعداد كبيرة من تجار العبيد القادمين من أوروبا وأمريكا تحديداً.
واستمر تواجد العمانيون إلى أن جاء أهم حاكم لزنجبار (سعيد بن سلطان البوسعيدي) الذي أصدر عام 1818م أمرا بنقل مقر إقامته من عُمان إلى زنجبار! وأصبحت سلطنة (عُمان وزنجبار) تدار من زنجبار، حيث تم بناء عدد من القصور والمنشآت المهمة لهذا الغرض مما أحدث طفرة في تطور هذه الجزيرة من الناحية العمرانية والاقتصادية.
وفي عهد السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي حصل اتفاق على وجود بريطاني في الجزيرة، وفي عام 1856 توفى السلطان (سعيد) وهو على ظهر الباخرة البريطانية (فكتوريا) عندما كان في جولة بحرية، حيث نقل جثمانه ودفن في زنجبار.
استلم الحكم بعده ابنه الأكبر (ماجد) وكان يمتاز بشخصية هادئة مسالمة ومتسامحة، وخلال فترة حكمه وبإقناع من بريطانيا، انفصلت زنجبار وبشكل غير تام عن حكم سلطان عُمان. وهذا بالضبط ما خططت له بريطانيا على نار هادئة، وعمقت الخلاف بينه وبين أخوه (برغش) الذي سعى للإطاحة بحكم أخيه، وقد كان برغش بن سعيد متهورا شديدا في رأيه، ودائم الانتقاد لسياسة أخيه ماجد، واستمر الخلاف بينها إلى أن توفى السلطان ماجد سنة 1870م حيث تولى الحكم بعده أخوه برغش، وخلال حكمه ازداد تدخل بريطانيا في شؤون الجزيرة.
وفي سنة (1890) توفى السلطان برغش وخلفه أخوهم (علي)، وهنا كشرت بريطانيا عن أنيابها! وأعلنت الوصاية [أي الاحتلال] لزنجبار، والذي استمر لمده تزيد عن سبعين عاما استنزفت خلالها خيرات هذا البلد الغني.
وعندما أرادت بريطانيا الانسحاب، قامت كعادتها بترتيب خطة تستطيع بها البقاء الفعلي بعد خروجها ظاهريًّا، فكانت المؤامرة التي دبّرتها للإطاحة الكاملة بالحكم العربي الإسلامي عام 1964م، من خلال سياسة «فرِّقْ.. تَسُدْ»، فعمدت إلى تكوين حزبيْن سياسييْن يفرِّقان بين المسلمين من أصل عربي والمسلمين من أصل أفريقي؛ تمهيدًا لحرب أهلية تطيح بالعرب المسلمين وحكمهم.
استقلت زنجبار كسلطة ذات سيادة في (ديسمبر 1963)، وكان حاكمها في تلك الفترة (جمشيد بن عبد الله)، وأجريت انتخابات حرة فاز بها (حزب زنجبار الوطني) بقيادة (علي محسن) وأغلب أعضاءه من عامة الشعب ذوي الأصول العربية والشرقية، وخسر في هذه الانتخابات (الحزب الأفروشيرازي) والذي كان يمثل الأصول الأفريقية والشيرازيين بزعامة (عبيد كرومي)، ولكن بتحريض من بريطانيا ومؤامراتها ساعدت الأخير وحزبه على القيام بثورة دموية ضد السلطات الدستورية، وبالفعل حصلت المذبحة؛ حيث سادت الفوضى، وقام بعض المأجورين من الأفارقة بقيادة الأوغندي المسيحي (جون أوكيلو) بهجوم شامل على عرب زنجبار، وانتهى الأمر باستشهاد أكثر من عشرين ألف عربي مسلم. ولم يبق من الخمسين ألف عربي بالجزيرة (سدس السكان) سوى 12 ألفا من فرط التهجير القسري والترويع.
تم الاستيلاء على زنجبار، وألغيت نتيجة الانتخابات، وفر آخر سلطان عربي (جمشيد) إلى خارج البلاد، وذلك في شهر (يناير1964) أي بعد أقل من شهر من استقلال زنجبار عن بريطانيا.
وتسلم (عبيد كرومي) -وهو للأسف مسلم- الحكم في البلاد، وفي نفس التوقيت تم الإعلان عن اتحاد فيدرالي بين أرخبيل زنجبار وتنجانيقا لتتشكل منهما ما يعرف الآن (تنزانيا) وعاصمتها دار السلام.
كانت مذبحة المسلمين من أصول عربية مذبحة بشعة بكل المقاييس حيث تم أخذهم بالآلاف إلى مقابر جماعية مجهزة خصيصاً لهم، وقال الكاتب (يوسي ميلمان) في مقال نشره بجريدة هآرتس بتاريخ 7 أغسطس 2009 أنّ الانقلاب العسكري ضد حكم المسلمين -والذين كانوا يمثلون الأغلبية بنسبة 70%- كان بمشاركة المخابرات الصهيونية، وذكر أسماء ضباط المخابرات الذين شاركوا في هذا الانقلاب.
بعد الانقلاب قام القس النصراني (جوليوس نيريري) بتولي الحكم في تنزانيا بدعم من الغرب، ودعم هذا القس الماركسية، وألغي الكثير من الشعائر الدينية الإسلامية الخاصة بالغالبية العظمي في زنجبار، حتى أنّه أصدر قرار يُجبر المسلمات على قبول الزواج من النصارى، ويعتبر رفض ذلك جريمة ولها عقوبة جنائية، وفي خلال عملية الانقلاب دخل مرتزقة أوغنديين كانوا يتبعون لجوليوس نيريري وقاموا بمذبحة بدأت بقتل خمسة آلاف مسلم وأحرقوا جثثهم.
ولعل من الصعب تخيُّل ما حدث للعرب المسلمين على يد مسلمين مثلهم، بعد أن عاشوا سويًّا قرابة مائة عام، يربط بينهم عامل واحد هو «الدين» الذي يرفعونه فوق كل اعتبار، لكن بالنظر إلى الأسباب التي رسمت هذه الواقعة، فإننا نجدها تعود إلى أسباب خارجية متمثلة في:
-      سياسة التنصير التي عملت على إثارة النعرة العنصرية بين المسلمين خاصة، بعد أن أشاع الاستعمار بين الأفارقة أن العرب كانوا من تجار الرقيق، في تجاهل للاتفاقية التي وقعها السلطان (سعيد بن سلطان) مع بريطانيا لإلغاء هذه التجارة التي كان يقوم عليها الغزو الغربي.
-      مطامع دول الجوار، وخاصة كينيا وتنزانيا في ضم زنجبار إليها واستقطاعها من حكم الدولة العُمانية، بجانب رغبة الدول الغربية في تقويض الإسلام في زنجبار وخاصة نظام الحكم؛ لأنها كانت بوابة إفريقيا الشرقية، ومنها دخل الإسلام إلى معظم الدول الإفريقية الشرقية والوسطى.

 

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق