الجمعة، 19 يونيو 2015

أهلا أهلا يا رمضان




رمضان ضيف عزيز، وزائر لا يقدم علينا إلا مرة في العام، قدومه قدوم اليمن والخير والبركات، بما يحمله من هدايا ونفحات وعطايا وهبات، ففي رحابه ترفع الدرجات وتغفر الزلات، وشوق أهل الإيمان له لا يحده حد، وفرحتهم بقدومه لا يصفها وصف، وهم فيه بين خشوع صائم ودمعة تائب وتلاوة قرآن ومرافقة الأخوان في ساحات القيام.
رمضان هل هلاله، وخيمت ظلاله، وهيمن جلاله، وسطع جماله، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185].
قال الشاعر:
أهلاً وسهلاً بالصيام ** يا حبيبا زارنا في كل عامْ
قد لقيناك بحبٍ مفعم ** كُل حب في سوى المولى حرامْ
فاقبل اللهم ربي صومنا ** ثم  زدنا من عطاياك الجسامْ
لا تعاقبنا فقد عاقبنا ** قلق أسهرنا جنح الظلام
قال ابن رجب: "وكيف لا يُبشّر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟ وكيف لا يُبشّر المذنب بغلق أبواب النيران؟ وكيف لا يُبشّر العاقل بوقت يُغلّ فيه الشيطان، ومن أين يشبه هذا الزمان زمان؟"
وقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا جاء رمضان، فُتحت أبواب الجنة، وغُلقت أبواب النار، وصُفّدت الشياطين) وزاد في رواية للترمذي وابن ماجه وغيرهما (وينادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة).
والصوم درب الصالحين وشعار المتقين، على مر العصور والدهور .. ولولا أنه عبادة محبوبة لله تعالى، عظيمة القدر، لا غنى للخلق عن التعبّد بها، وعما يترتب عليها من الثواب والجزاء، وما يحصل لهم من المصالح الكثيرة في الدنيا والآخرة ما فرضه الله عز وجل على جميع الأمم وأتباع الشرائع، فهو من الشعائر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان .. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].
فرمضان هدية السماء، وبركة أهل الأرض، وخير يفيض لعمر مديد .. قال صاحب القول السديد، والشرع المجيد، والمبعوث رحمة للعبيد محمد صلى الله عليه وسلم:
-      «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه].
-      «من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، كان حقا على الله أن يدخله الجنة هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها» [البخاري].
-      «فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة» [متفق عليه].
-      «الصيام جنة، وحصن حصين من النار» [رواه أحمد].  
-      «الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها» [رواه البخاري].
-      «إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم» [متفق عليه].
-      «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة» [رواه أحمد].
-      «عليك بالصوم فإنه لا مثل له» [رواه النسائي].
-      «ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله» [رواه مسلم].
-      «من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصوم الدهر» [رواه مسلم]
-      «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعده بشهرين فذلك صيام السنة» [صحيح الجامع:3851].
-      «ينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة» [رواه الترمذي].
ويقول وكيع -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}[الحاقة:24] هي أيام الصيام.
ورمضان من أرجى أوقات إجابة الدعاء، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد قال -صلى الله عليه وسلم-: (لكل مسلم دعوة مستجابة، يدعو بها في رمضان) وفي رواية صحيحة للبزار: (وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة)، وإذا وقعت هذه الدعوة وقت الصيام، وبخاصة قبيل الإفطار، كان ذلك أرجى وأحرى بقبولها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا تُردّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم) [ابن ماجه والترمذي]
وشهر رمضان العمرة فيه تعدل أجر حجة: فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لامرأة من الأنصار: (ما منعك أن تحجّي معنا؟) قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه لزوجها وابنها وترك ناضحًا ننضح عليه. قال: (فإذا كان رمضان اعتمري فيه؛ فإن عمرةً فيه تعدل حجة) [البخاري ومسلم]
قال النووي: "أي: تقوم مقامها في الثواب، لا أنها تعدلها في كل شيء، بأنه لو كان عليه حجة فاعتمر في رمضان لا تجزئه عن الحجة".
وقال الطيبي: "أي: تقابل وتماثل في الثواب؛ لأن الثواب يفضل بفضيلة الوقت".
إن رمضان موسم من مواسم الخير، وسوق من أسواق البر، وفيه ربح ما بعده ربح، وتجارة لا تساويها تجارات الدنيا. ومن الحرمان أن تمر هذه النفحات الإيمانية والعطايا الربانية دون أن يكون للمرء نصيب منها.
ورمضان أنفع داء لدواء القلوب، فلا دواء أنفع للقلب من خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلو البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين .. ومن المعلوم أنها تجتمع قاطبة في رمضان، فأنعم بها غنيمة باردة، بعمل قليل وربح جزيل، خاصة يوم لقاء رب العالمين {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88-89]
وصدق من قال: "رمضان ليس مثله في سائر الشهور، ولا فضلت به أمة غير هذه الأمة في سائر الدهور، الذنب فيه مغفور، والسعي فيه مشكور، والمؤمن فيه محبور، والشيطان مبعد مثبور، والوزر فيه مهجور، وقلب المؤمن بذكر الله معمور، وقد أناخ بفنائكم وهو عن قليل راحل عنكم شاهد لكم وعليكم .. ماذا كنتم تصنعون ؟!"

د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق