الخميس، 19 أبريل 2018

مقتطفات من روائع الكتابات السياسية (8)




يملك العديد من مفكرينا السياسيين رؤية جيدة لواقع الحال الذي يمر بأمتنا، هذه الرؤية من الرصانة والعمق ما يجعلها إضاءات نحن في أمس الحاجة لها في ظل هذه الأحداث الهادرة التي تموج  بالأوطان الإسلامية خاصة والعالمية عامة، لذلك رأيت أن أقتطف طرفا من هذه الرؤى، وأجمعها في نظم نضيد، لتكون عونا للمسترشد، ونبراسا للمقتدي، لكن لا يفوتني أن أذكر أنها اجتهادات بشرية ربما يعتريها بعض المآخذ، وهذا ما لا ينكره البصير، فأسأل الله أن يعم النفع بها، ويجنبنا الزلل، إنه نعم المولى ونعم النصير.
·       في الوقت الذي جرى فيه تنشيط وتعزيز دور (مجلس وزراء الداخلية العرب) لم تحظ معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي الموقعة عام 1950 أي منذ أكثر من 60 عاما باهتمام أو عناية تذكر، الأمر الذي بدا قاطعا في التدليل على أمن الأنظمة والحكام ظل طول الوقت مقدما على ما عداه، بما في ذلك الدفاع المشترك أو التعاون الاقتصادي المنشود. 
والسبب في ذلك مفهوم، إذ إن الدفاع المشترك يهم الأوطان والتعاون الاقتصادي في مصلحة الشعوب، وذلك كله يتراجع أمام أمن الحكام والأنظمة.
وإذا جاز لنا أن نتصارح أكثر فلا مفر من الاعتراف بأن ذلك الدور ظل محصورا في ملاحقة الإسلاميين الناشطين والمعارضين المعتدلين منهم والمتطرفين. [الأمن الفكري أم الأمن الغذائي. فهمي هويدي]
·       في يوم تنصبه في العشرين من يناير/كانون الثاني 2009 قال باراك أوباما "أقول لأولئك الذين يتشبثون بالسلطة من خلال الفساد والخداع وقمع وإسكات المعارضة: عليكم أن تعرفوا أنكم في الجانب الخطأ من التاريخ, ولكننا على استعداد لأن نمد أيدينا إليكم إن كنتم ترغبون في تخفيف قبضتكم", ولكن من الذي شدد وقوى من قبضة الأنظمة العربية ضد شعوبها؟ وأية عقود أو شركات دفاع أميركية ساعدت في بناء تلك القبضة, وبأي قدر من المساعدات العسكرية الأميركية, وبأي قدر من زيادة التسلح الإسرائيلي؟ [مصر والإمبراطورية الأميركية، ماكسميليان فورت]
·       حماية رهانات أميركا عن طريق الوقوف على بعد واحد من كافة الأطراف والمعسكرات, والحفاظ على اتصالات مع كافة القطاعات المختلفة من المجتمع, مؤكدة على الاستقرار حينما تكون هناك إمكانية أو احتمال نجاة النظام, والتأكيد على "الانتقال المنظم" حينما يبدو التغيير محتملا, إنه خليط بين الواقعية وانتهاز الفرص والتدخل دون أن يتبين أنها تتدخل, إنها سياسة خارجية قليلة التكاليف عن طريق الاحتفاظ بقنوات اتصال مفتوحة وإيجابية (مع مبارك, ومع القوات المسلحة, وحركة 6 أبريل, والبرادعي، وحتى الإخوان المسلمين). [مصر والإمبراطورية الأميركية، ماكسميليان فورت]
·       سرعان ما اتضح، في شوارع المدن العربية الثائرة، في خطوط الاصطدام بين قوات الأنظمة الحاكمة وشعوبها، أن التيارات الإسلامية تتمتع بأغلبية واضحة، وأنها تتحمل العبء الأكبر من مهمات الثورة والتغيير. في الفضاء المكاني الفسيح للمدينة العربية، لعبت المساجد دور مواقع التجمع والانطلاق الرئيسة للشعوب الناهضة من أجل التغيير وبناء مستقبل جديد. وفي الفضاء الزماني الفسيح للثورات، برزت أيام الجمعة، بدلالاتها الرمزية والفعلية، باعتبارها موعد التعبير الأبلغ والأكثر تأثيراً عن إرادة التغيير. يلعب الشبان الإسلاميون الدور الأبرز في تنظيم حركات الاحتجاج المصرية والسورية والتونسية والأردنية واليمنية والمغربية، ويقود إسلاميون مثلهم الجهد العسكري المقاوم في جبهات القتال الليبية. ليست هذه قوى 'إقامة الدولة الإسلامية'، الشعار الذي لعب دوراً هائلاً في معارضة الأنظمة الحاكمة طوال عقود، وفي تفاقم حال الاستقطاب العربية، في آن واحد. هذه إسلامية من نوع جديد، إسلامية حاضنة، ومتصالحة مع التاريخ. [ولكن ما الذي يريده هؤلاء الثائرون العرب فعلا؟ د. بشير موسى نافع]
·       من الصعب قراءة حركة الثورة العربية الراهنة بمعزل عن الإهانة الكبيرة التي تحملها العرب خلال القرن الماضي، الانتهاك الكبير والبشع لبلادهم ومصالحهم ومقدراتهم، وتقسيم بلادهم بدون أي اعتبار لإرادة الناس وحاجاتهم؛ المشروع الصهيوني، والدعم الغربي الهائل الذي وفر له طوال عقود، من أجل استباحة كل ما يحرص العرب عليه ويقدسونه؛ السيطرات المختلفة على الثروات العربية، وإهدارها السفيه في استثمارات خارجية وبرامج تسلح لا تصلح للدفاع عن قرية، ناهيك عن وطن؛ الصراعات البينية المتواصلة بين الدول العربية، حول ما يستحق وما لا يستحق، التي دفعت الشعوب ثمنها دائماً؛ حالة التخلف والانهيار البالغة التي وصلت إليها الثقافة ومؤسسات التعليم العربية؛ العودة الصارخة لقوى الغزو والاحتلال إلى الأرض العربية؛ الاستهانات المتلاحقة بالكرامة الإنسانية، التي تعرض لها العرب طوال عقد من 'الحرب على الإرهاب'؛ ونعم، حملات التقويض المخططة وغير المخططة التي استهدفت الموروث الإسلامي القيمي للشعوب العربية. [ولكن ما الذي يريده هؤلاء الثائرون العرب فعلا؟ د. بشير موسى نافع]
·       ورد في دراسة أعدها الباحث بنيامين شفارتس تحت عنوان: 'تأثير النظام العالمي على مصالح إسرائيل ومصر في كامب ديفيد 1987 'عدد فيها الفوائد التي عادت على إسرائيل من وراء اتفاق السلام مع مصر فقال:
' علاوة على (متابعة) سياسة 'فرق تسد' التي حرصت إسرائيل على تنفيذها داخل العالم العربي، يبدو أن إسرائيل استفادت من اتفاق السلام مع مصر على مستوى أكثر أهمية .
'من الناحية العسكرية المجرّدة، طالما أن مصر وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، لم تعد تلك الدولة تشكّل خطرا على إسرائيل. إضافة إلى ذلك، فإن اتفاق السلام أوجد حاجزا داخل العالم العربي، وقلص من احتمال التعاون بين دول تنتمي إلى كتلتين متنازعتين ضد إسرائيل. فحالة اللاحرب هي مصلحة مماثلة تخلق تعاونا نسبيا بين لاعبين: إسرائيل ومصر. الوضع الجديد (بعد كامب ديفيد) وفّر الأمن لإسرائيل .
'من الناحية الاقتصادية، فان اتفاق كامب ديفيد ساعد إسرائيل على تخصيص موارد أقل لأغراض الأمن، لأن الحرب تحولت من ساحة متعدد الجبهات، إلى جبهة واحدة في مواجهة سورية.
وجاء في الدراسة أيضا أن ميزانية الدفاع الإسرائيلية بلغت قبل كامب ديفيد نسبة 40% من الميزانية العامة، وتقلصّت بعدها إلى 10% ولا سيما أن ميزانية الأمن كانت تشكّل عبئا باهظا على إسرائيل، وخصوصا في ساحة متعددة الجبهات.
وخلصت الدراسة إلى القول: 'حققت إسرائيل مصلحة أمنية مهمة بواسطة توقيع معاهدة سلام مع أكبر دولة عربية، وبواسطة تقسيم العالم العربي. وعلى الرغم من أن اتفاق السلام أجبر (بيجن) على تقديم تنازلات: إعادة سيناء ومصادر النفط والمطارات وتفكيك مستوطنات رفح، ولكن المعادلة بالنسبة إلى بيجن كانت ببساطة: 'خسر سيناء وربح أرض إسرائيل'. والمقصود هنا بالطبع مقايضة سيناء بالضفة الغربية .

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com


فوضى الإستراتيجية العربية




«سأخون وطني» كتاب ماتع للكاتب الراحل محمد الماغوط، عرى فيه الوضع العربي الماضي والحاضر والمستقبل، ورغم أن الوضع العربي عريان بالأساس ويبيت أيضا بالعراء، إلا أن قلم الكاتب الساخر أضاف مسحة من الشجن والألم إلى هذا الوضع الكريه لكل نفسي عربي حر، وببراعة فائقة جرح محمد الماغوط الأنظمة العربية المهترئة والمتسترة وراء شعارات: الوطنية، والتنمية، والسيادة، والقيادة الرشيدة.
وفي هذه الأسطر نعيش مع مقتبسات من صفحات هذا الكتاب في محاولة لتجديد الوعي العربي، وتقديم عمل أدبي حكم عليه عمدا بالتهميش والغياب لأنه يسير عكس التيار ويتطرق إلى مساحات حساسة في أنظمة شمولية لا تقبل أي هفوة نقد، ولا تعترف إلا بأقلام التطبيل والتأليه والتوحيد.

يقول الماغوط:
الذي يزور المنطقة لأول مرة ويستمع إلى الإعلام العربي وهو يصب جام غضبه على السادات، ويعدد المآسي والويلات التي حلت بالوطن العربي بسبب بادرة السادات، يخيل له أن الوطن العربي كان جنة قبلها وصار جحيما بعدها، فهل هذا صحيح؟
هل كانت الوحدة العربية قائمة وجاءت المبادرة وقوضتها؟
 هل كانت القوات العربية على مشارف الأرض المحتلة وجاءت المبادرة وأوقفتها؟
هل كانت الاشتراكية العربية مطبقة وجاءت المبادرة وألغتها؟
هل كانت السجون العربية فارغة وجاءت المبادرة وملأتها؟
هل كانت الصحافة العربية حرة وجاءت المبادرة وقيدتها؟
هل كانت مظاهر النهب والرشوة والإهمال غير معروفة وجاءت المبادرة وابتدعتها؟
هل كان التهريب محرما فجاءت المبادرة وأحلته؟
وهل كان السير منظما فجاءت المبادرة وخربطته؟
إذا لماذا نضع «خرجا» على كتف السادات ونحمله كل أخطاءنا ورزايانا؟ ثم من هو السادات هذا؟ انه بنظارته وغليونه وتأتأته ليس بداية مرحلة جديدة في المنطقة بل نهاية مرحلة قديمة. وهو لم يأت بالمبادرة من جيبه، لأنها امتداد لما حولها وقبلها كما الكتف امتداد للذراع والذراع امتداد للأصابع والأصابع امتداد للسوط.
نعم إن السياط العربية القديمة في مصر وغير مصر هي التي وقعت المبادرة بالأحرف الأولى من زمن بعيد، وهي التي أوصلت السادات للحكم ليكمل المشوار ويكمل التوقيع.
والأرتال الطويلة التي اصطفت على جانبي الطريق من المطار إلى القاهرة لاستقباله بعد عودته من القدس المحتلة ليست جماهير الشعب العربي في مصر وغير مصر، بل هي آلات التعذيب بالكهرباء، أعقاب السجائر المطفأ على الصدور والظهور، كماشات قلع الأظافر، وناتشات الشوارب من الوجوه وناتشات الوطن من الدفاتر.
إنها أرتال قوانين الطوارئ وصرخات الليل الرهيبة، والهررة التي كانت تطلق داخل سراويل النساء الريفيات بتهمة الانتماء لهذه الأرض .. لهذه الأمة.
هي التي رقصت ودبكت على جانبي الطريق وحملت يافطات الترحيب بالمبادرة وبطل المبادرة، لأنه حامل رسالتها ومعقد آمالها.
ثم من يقتنع بهذا الغضب العارم على صحافة السادات وكتابه ومطربيه. وبهذه الدموع المنهمرة على الحريات وكم الأفواه في نظام السادات. والكل يعلم أن أي حاكم فرد في المنطقة حتى لو وقع على جدول الرواتب فعنده دائما نسخة بالكربون عن موسى صبري وأنيس منصور ومحمد عبد الوهاب. وعنده أيضا أهرامه وأزهره ليحلل ويبارك له خطوته الرائدة ومبادرته التاريخية هذه.
ثم ماذا فعلت الدول العربية الأخرى منذ سنين حتى الآن لإجهاض المبادرة ودرء أخطاءها عنها وعن شعوبها كما يقولون؟
هل كوفئ مجد وعوقب مهمل؟
هل انجزت معاملة؟ وأسعف مريض بأسرع من ذي قبل؟
هل توقف متطرف أو معتدل عن كرع الويسكي أو غير أنواعه؟
هل نقصت كباريهات الوطن طاولة واحدة وكازينوهات أوروبا زبونا واحدا؟
هل نقصت كهرباء التعذيب فولتا واحدا عما كانت عليه قبل المبادرة؟
ماذا فعلت معظم هذه الدول منذ سنتين حتى الآن سوى أنها صارت مركز تنبؤات: «مصر ستلعب دور الشرطي في النطقة» «السادات سيلعب دور الشاه في الخليج» «المبادرة ستربط اقتصاد مصر بالإمبريالية الأمريكية نهائيا». حتى بعض الدول النفطية دخلت هذا الباب وعلى الله الاتكال كأن اقتصادها مرتبط بجيفارا.
ثم «المؤامرة لن تمر» «سنحبط المؤامرة». فبالله عليكم مؤامرة من هذا النوع يدفعها  الشرق والغرب وعلى رأسهم أمريكا بالأيدي والأكتاف، كيف نمنعها ونحن غير قادرين على منع سيارة مخالفة؟
إن الذي سيقضي على العرب في المستقبل ليس الزلازل والبراكين والفيضانات. بل المزايدات.
لا توجد حرية .. توجد خطابات عن الحرية
لا يوجد تحرير .. توجد يافطات عن التحرير.
لا توجد رؤية واضحة للحاضر والمستقبل .. توجد مسلسلات بدوية لتعمية الماضي والحاضر والمستقبل.
لا يوجد شعر أو فن أو موسيقى .. توجد سميرة توفيق.
ومن لا تعجبه هذه الاستراتيجية العربية لمجابهة المبادرة وإحراز النصر، فليدق رأسه بالجدار الطيب بين لبنان وإسرائيل.

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com
      
   
             


المعضلة العربية وبنبرة يأس من المستقبل




«سأخون وطني» كتاب ماتع للكاتب الراحل محمد الماغوط، عرى فيه الوضع العربي الماضي والحاضر والمستقبل، ورغم أن الوضع العربي عريان بالأساس ويبيت أيضا بالعراء، إلا أن قلم الكاتب الساخر أضاف مسحة من الشجن والألم إلى هذا الوضع الكريه لكل نفسي عربي حر، وببراعة فائقة جرح محمد الماغوط الأنظمة العربية المهترئة والمتسترة وراء شعارات: الوطنية، والتنمية، والسيادة، والقيادة الرشيدة.
وفي هذه الأسطر نعيش مع مقتبسات من صفحات هذا الكتاب في محاولة لتجديد الوعي العربي، وتقديم عمل أدبي حكم عليه عمدا بالتهميش والغياب لأنه يسير عكس التيار ويتطرق إلى مساحات حساسة في أنظمة شمولية لا تقبل أي هفوة نقد، ولا تعترف إلا بأقلام التطبيل والتأليه والتوحيد.

عن المعضلة العربية، وبنبرة يأس من تغير قريب، يقول الماغوط:
أرسلت زفرة طويلة تحرك سفينة شراعية من مكانها، ويممت شطر المطبخ وأنا أعرج جسديا وفكريا، وجلست القرفصاء على عتبته مشيحا بوجهي بعيدا عن كل شيء، لأنني اكتشفت أن كل السنوات الخصبة التي قضاها أحدنا في الأمل والحماسة والجدل والمطالعة، والتمتمة كالمجانين في الشوارع الممطرة من أجل العدالة والحرية والحقيقة، ذهبت كلها ثمن طناجر كالحة وعصارات ليمون ومدقات ثوم وخراطات بطاطا ولعب أطفال معدنية تبدو وهي مستقرة في أي بيت عربي على البلاط أو تحت المقاعد أكثر طمأنينة وثقة بالمستقبل من الأطفال الذين يلهون بها وهم غارقون في النوم في أحضان أمهاتهم!
ويقول أيضا:
لو كنت أعرف أن التفاهة ستتفوق على النبوغ.
والكراسي المتحركة على النسور.
والقردة على الغزلان.
ونخالة القمح على لينين.
وجوارب النايلون على ماوتسي تونغ.
وضجة البورصة على أصابع شوبان.
  وأحمد عدوية على أحمد عرابي.
وبصمة الأمي على المعلقات السبع.
وأن زكريا تامر سيدور العالم متلمسا نظارته بيد والجدران بيد بحثا عن لقمته ولقمة أطفاله.
وأن ابن الشهيد كما خير بك سيعرج باكيا بين جمال الشارقة.
وأن أنسي الحاج سيقضي نصف يومه في تناول المهدئات لينام، ونصفه الآخر في تناول المنبهات ليستيقظ.
وأن عصام محفوظ سيهذي في شوارع باريس الخلفية عن ماركس، والمخابرات المركزية وفتة المقادم.
وأن عبد الوهاب البياتي الذي بنى كل أمجاده الأدبية والسياسية على أساس أن جميع أجهزة الأمن العربية والغربية والشرقية تطارده، لم يدخل مخفرا في حياته ولم يعترض طريقه ولو شرطي مرور.
وأن أمة الجاحظ وابن سينا وابن رشد وابن خلدون وابن المقفع وأبي العلاء المعري وأبي الأسود الدؤلي وأبي العتاهية .. سترتعد فرائصها من المحيط إلى الخليج من قارئ جريدة بالمقلوب عند منعطف أو في زاوية مقهى.
وأن العربي في نهاية المطاف، لن يستطيع أن يجابه أي شيء أو يهرب من أي شيء.
وأن انفجار الأدمغة بين صفوف هذا الجيل سيصبح من الحوادث اليومية كانفجار دواليب السيارات.
لو كنت أعرف كل هذا، ما كان لكل قوات الطوارئ الدولية أن تفك الاشتباك بيني وبين الداية التي ولدتني.
أما الآن وقد خبرت كل شيء،  وعرفت كل شيء، ماذا أفعل؟
إذا كتبت أموت من الخوف.
وإذا لم أكتب أموت من الجوع.
يقال إن الصعود إلى الجبل يتطلب بعض الانحناء.
وها أنا أنحني، ولكن لا انحناءة ذل، بل انحناءة تعب.
لقد تعبت من الكتابة والقراءة.
من الإقامة ومن السفر.
من الذكريات ومن الأحلام.
من التخلف ومن التقدم.
من اليمين ومن اليسار.
من خلافات المقاومة ومن تماسكها.
من أسمائها الحركية ومن أسمائها الصريحة.
من الاحتلال ومن الاستقلال.
من ثرواتنا القومية ومن دورنا الحضاري.
ولذلك سأنام على أول سرير أو رصيف يصادفني حتى يأتي من يوقظني بريشته لا بحربته.
ولكن قبل أن أدخل في سباتي الطويل هذا كالحشرة الأفريقية لابد لي أن أصرخ على مسامع العالم أجمع:
أيها الكتاب والشعراء والفنانون.
يا قراء القصص البوليسية
أيها المخبرون
يا رجال الانتربول في كل مكان
عبثا تبحثون عن الجريمة الكاملة، فما من جريمة كاملة في هذا العصر سوى أن يولد الإنسان عربيا. 
   

 

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com


يحيا النظام .. يعيش يعيش يعيش



أزمات نفسية تتابع ولا تكاد تنتهي، واكتئاب يخيم بظلاله السوداء على أفق النفوس والأحداث الجارية.
فنشرات الأخبار تنزف دماء عربية وإسلامية في مختلف الأصقاع، وأمم حازت سبق المجد في التاريخ تغلي مراجلها: سورية واليمن والعراق وليبيا وتونس ومصر .. ومستعمر الأمس عاد اليوم بخيله ورجله وصواريخه وطائراته ومدرعاته ومدمراته، يجرب كل هذا في قطيع الفئران العربية.
هل يصدق عقل أن:
اليمن السعيد يعاني من الكوليرا التي اجتثت جذورها في مجاهل أفريقيا منذ زمن!
وسوريا الشام سويت بالأرض بعدما كانت عامرة بالتراث وخيرة العاملين والمجاهدين.
والعراق صار فريسة للصفوية
وليبيا يؤرقها حفتر الإمارات
وتونس لم تحرك ساكنا
ومصر تتعثر في اقتصادها وماء نيلها وسجن شرفاءها وترهيب شعبها.
الشيعة يتمددون، والأكراد كعادتهم يقدمون رجالهم لمذابح الأمريكان تارة وللروس تارة، والسوريون ينزفون ويتشردون، والروهينجا يُعتصرون، واليمنيون محرومون.  
الأطباء وخبراء إدارة الذات لا يكفون من التحذير عن المنغصات السلبية على مريض الاكتئاب، خاصة وإن كانت تلك المنغصات هي سبب المباشر لهذا الاكتئاب.
ماذا أفعل أو أقدم غير حرق الدم وتلف الأعصاب واعتلال المزاج.
لماذا لا أنفض يدي من هموم هذه الأمة، وأتوقف عن مشاهدة نشرات الأخبار، وقراءة كتب أدب المعتقلات، ومطالعة ساسة بوست ونون بوست وعربي بوست وسائر البوستات كلها .. وأكف عن التدوين في فيس بوك وتويتر.
لماذا أدفع ثمن أخطاء أنظمة شمولية مستبدة عميلة من دمي وأعصابي ونفسيتي، وأنا لا أقدر أن أدفع تكليف طعامي إلا بشق الأنفس.
لماذا لا أعيش مثل هؤلاء الذين يرون الأحوال بلون وردي. وأرى التردي الاقتصادي أزمة وستعبر، والانقلاب على الشرعية خشية استحواذ الإخوان على السلطة، وبشار يحارب الإرهابيين، وحفتر يحول دون اقتناص ليبيا، واليمن والصومال متعودتان على مثل هذه الارتباكات.
لماذا لا أطرح القضايا المصيرية جانبا بعدما طرحتنا وبطحتنا، وأشاهد أفلام شارلي شابلن والكاوبوي والأكشن وبرامج الطبخ ومن سيربح المليون، وأتنزه في الحدائق على ندرتها، وأتسكع في الطرقات على قذارتها، وأجلس على المقاهي على كثرتها ألعب الدومينو وأنفق أوقاتي في أحاديث السمر والفكاهة.
وإن نبح علي عصب الثقافة أقرأ روايات اجتماعية وكليلة ودمنة والشاطر حسن وميكي، وإن حن الحنين للشعر فلدي المعلقات السبع أو حتى أشعار بيرم التونسي، وإن تعطشت للشعارات فعندي: الفنان الأسطورة والفنانة اللولبية واللاعب المعجزة والموسيقار المبدع، فشعارات: حقوق الإنسان والانبطاح العربي والتضامن العربي والقومية العربية والمهلبية والملوخية .. شعارات ليس ورائها سوى صداع الرأس وفوران الدم.
تحيا السلطة .. تعيش تعيش تعيش
يعيش الرئيس المؤمن
يعيش الملك المفدى
يعيش القائد الملهم
يعيش الواحد المفرد
سأرقص أمام لجان الانتخابات، وسأطرح التأزم والأزمات، وأتقن فن التبريرات، وأسير مع ركب المؤيدين والمطبلين والمهللين والمصفقين والموافقين والدستوريين والمخبرين.
لكن أصدقكم سرا.
كيف لمخيلتي أن تتجاوز صورة اغتيال الطفل محمد الدرة في فلسطين، وعتاب الطفل عمران السوري للأنظمة العربية، ومشاهد إلقاء الفوسفور الأبيض الحارق على غزة، وأكداس ضحايا غاز السارين في سورية، وأشلاء الموتى في رابعة، ومجاعات اليمن والصومال، ومجازر الروهينجا، والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بمقعده، والسادات بغليونه، وعبد الناصر بميكروفونه، والملك حسين بطائرته الخاصة، وصدام حسين بسيجاره الكوبي الفاخر.
كيف أستسيغ ميلاد «وزارة الترفيه» في بلاد الحرمين التعيسة، وسجن العلماء، وترهيب الشرفاء واغتصاب العفيفات.
كيف أتجاوز القضية الفلسطينية، والخوف من زوار الفجر ومن ظلمة المعتقل ومن البوح حتى بامتعاضي واعتراضي.
كيف أقتل الإنسان بداخلي لكي أعيش وهما اسمه الإنسانية؟!!!. 

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com

الاثنين، 9 أبريل 2018

مقتطفات من روائع الكتابات السياسية (7)




يملك العديد من مفكرينا السياسيين رؤية جيدة لواقع الحال الذي يمر بأمتنا، هذه الرؤية من الرصانة والعمق ما يجعلها إضاءات نحن في أمس الحاجة لها في ظل هذه الأحداث الهادرة التي تموج  بالأوطان الإسلامية خاصة والعالمية عامة، لذلك رأيت أن أقتطف طرفا من هذه الرؤى، وأجمعها في نظم نضيد، لتكون عونا للمسترشد، ونبراسا للمقتدي، لكن لا يفوتني أن أذكر أنها اجتهادات بشرية ربما يعتريها بعض المآخذ، وهذا ما لا ينكره البصير، فأسأل الله أن يعم النفع بها، ويجنبنا الزلل، إنه نعم المولى ونعم النصير.
·       إن إيران التي أنفقت ما أنفقت لتصدير ثورتها لم تفلح في هذا إلا بالخداع والعمل المخابراتي الطويل والإرهاب والحرب المباشرة وبالنيابة، وأما عالمنا العربي فما دفع أحد لأحد دينارا ولا درهما لنقل الشعلة من سيدي بوزيد إلى القاهرة فبنغازي وطرابلس وصنعاء وعدن، ثم دمشق وحلب وحماة؛ ما دفع أحد شيئا ليحدث هذا، لكنه الانبعاث التلقائي الذي إن عكس عمق الأزمة بين الأنظمة العربية وشعوبها، فقد عكس شيئا أخطر، وهو أن الهوية الواحدة ما زالت تجمع هذه الأمة، وكونها ممزقة وفي حال سياسية يرثى لها أقوى دلالة -حين يبدو منها هذا السلوك التجاوبي- على عمق الصلة بين أوصال هذا الوطن العربي المنكوب بالاستبداد وداعميه الخارجيين. [الأستاذ نبيل الفولي عن مقاله: الأقصى وواقعية الواقعيين]
·       إن الفهم النظري الصحيح لقضايانا، وفي مقدمتها الأقصى والقدس وفلسطين وشقيقاتها الجديدات في العراق وسوريا ومصر واليمن، واستيعابها على حقيقتها واجب لا يحتمل التأجيل، وأما ما يمكن أن نقدمه لها من أفعال فهو أمر يخضع لقاعدة التكليف بما يطاق.
بل هناك قواعد أصولية وفقهية أخرى عظيمة يمكن أن تمثل ضوابط مهمة هنا، مثل أن الأمر كلما ضاق اتسع، وأن الضرورات تبيح المحظورات، وأن المشقة تجلب التيسير، وغيرها من القواعد التي يجب فهمها على وجهها وتطبيقها في ظرفها، فلا يأتي أحد مثلا ويقول إن التطبيع مع إسرائيل ضرورة، أو إنني لا أستطيع أن أدعو للأقصى لأن لساني مشغول بالدعاء للأموي، أو لا أملك في قناتي الفضائية أن أتحدث عن القدس وسماء القاهرة وسيناء ملبدة بغيوم التوتر، أو إن المرابطين في باحات الأقصى وساحاته قد يتسببون في نشوب حرب دينية بيننا وبين إسرائيل!
ثم إن الواقعية تكون كلاما فارغا إن فُهمت على أنها انعزال كل وحدة سياسية في مشكلاتها ومصالحها الخاصة، فما من كيان سياسي إلا وتتجاوز مصالحه حدوده، وتهدده المخاطر من خارجه كما يتوقع أن تأتي من داخله. [الأستاذ نبيل الفولي عن مقاله: الأقصى وواقعية الواقعيين]
·       يقول الأستاذ عصام تليمة:
- القيادي الممتلئ يرى كل نقد له، إضافة له ولفصيله، وتصويب لقراراته، أو لتوجهه، ويراه مكسبا وربحا كبيرا يحرص على أن يظل دائم الوجود والطرح، ولذا رأينا معظم القادة الناجحين كلهم حرص على المشورة، والنقد ومراعاة ما ينتقده الناس فيهم، بينما القيادي الفارغ، أو قيادي الصدفة، يحسب كل صيحة عليه، وكل نقد هو تجريح في شخصه، يحيط نفسه بأمثاله من المهزوزين الضعفاء، ويخشى من ظهور أي شخص له كاريزما أو حضور، فهو وأمثاله خطر عليه.
- القيادي الممتلئ يرى قوته وقوة حضوره، سواء ظل قياديا أو ترك القيادة طواعية لغيره، لتدور عجلة الحياة، أما الفارغ فيرى أن الدعوة أو الكيان أو الدولة ستهدم، وستضيع لو تركها، لذا فليس مطروحا في ذهنه أن يكون سابقا، بل عليه أن يظل ممسكا بها، متشبثا بكل ما فيها ومن فيها، من المهد إلى اللحد، يكاد يظن أن حسابه في القبر سيكون أخف لو لقي ربه مسؤولا حاليا لا سابقا، يظن أن القيادة أشبه بذهب أمه الذي لا بد أن لا تورث لأحد إلا بعد وفاته.
- القيادي الممتلئ يريد من حوله أقوياء، وأصحاب رأي وحجة، وأخذ ورد، شركاء في صناعة القرار، وشركاء في تنفيذه، أما الفارغ فلا يريد حوله سوى حملة بخور، وماسحي أعتاب، وكهنة معبد، ليس لهم من الأمر سوى تنفيذه، لا رأي لهم ولا نقاش، صم بكم عمي فهم لا يرجعون.
- القيادي الممتلئ يمتلك الشجاعة فيواجه نفسه والجماهير، ويعترف بأخطائه، ويصارح بكل ما لديه، لا يخشى أحدا، ويمتلك شجاعة الاعتذار، ويعرف متى ينزل من سدة الموقع، لأن المرحلة لا تناسبه، ليس شرطا عن خلل فيه، بل لأن الموقف يحتاج دما آخر.
·       الإفراط في التفاؤل، والاستغراق في النشوة مقتل، وإغماض العيون عن ثعالب الشرق وذئاب الغرب في هذه المرحلة المصيرية انتحار، فثعالب الشرق تبحث عن أي ثغرة لاختراق الأسوار وتدمير المنجزات، وذئاب الغرب أيا كان خطابهم وشعاراتهم في هذه المرحلة لا يرغبون أن تشرق الشمس على الأمة العربية، ومن يقول غير ذلك عليه استفتاء التاريخ وقراءة المحطات المفصلية فيه ليتأكد من هذه الحقيقة. منذ وقوف اللنبي على ضريح صلاح الدين الأيوبي بعد الحرب الأولى حيث وكز الضريح الطاهر بقدمه قائلا: 'قم يا صلاح الدين فقد عدنا'، وحتى خطاب بوش الابن عندما أعلن الحرب الصليبية المعاصرة على أمتنا من بوابة العراق، وهم دائما يهجسون بالعودة من البوابات الأمامية عندما تكون أسباب قوتهم جاهزة، أو من البوابات الخلفية كما يحدث الآن في البلاد العربية التي تشهد حراكا ثوريا يسعى إلى التغيير.
والعاقل من اتعظ بالتاريخ الذي يصرخ الآن بقلق بالغ بحراس الثورات العربية من العقلاء أن انتبهوا فلا تسرقكم النشوة ولا تفرطوا في الثقة بالخطاب الغربي الذي آلمه كثيرا نجاح المصريين والتونسيين الذين اختطفت ثورتاهما النصر من بين أنياب الثعالب والذئاب فأدهشتهم وأربكتهم، لأنهم كانوا نائمين على واقع عربي لم يكن في حساباتهم أنه ماض نحو النصر. [د. أحمد عرفات الضاوي. عن مقال: إلى حراس الثورات: إغماض العيون عن ثعالب الشرق وذئاب الغرب انتحار ]

 

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com