ابتداء من الحضانة التي كان أشهر شعاراتها: «يا رب احفظ
بابا جمال»..
ومرورا بالمرحلة الابتدائية ذات المناهج المشحونة
بالأفكار الاشتراكية وشخص عبد الناصر..
والمرحلة المتوسطة التي تتواصل فيها المناهج الموجهة،
وتكون فيه الرحلات الإجبارية إلى الهرم والسد العالي؛ لربط الشباب تاريخيا
بالفراعنة بناة الهرم، وحاضرا بالزعيم باني السد..
وانتهاء بالجامعات التي فرغت فيها
قاعات المحاضرات، بعد توزيع الطلبة على الرحلات والمؤتمرات والمعسكرات ومسيرات
التأييد والبيعة مدى الحياة للزعيم الملهم..!
كان الأستاذ الجامعي الملحد.. هو النموذج الاجتماعي
لشباب مصر..
وكان الكتّاب الذين يكتبون القصص التي تتضمن القيم
والمفاهيم والتقاليد المعادية للإسلام هم رموز الأمة..
ومن القصة إلى الفيلم، من أجل صناعة مجتمع كافر بكل
أبعاد الكفر الصريح..
جميع الكتاب والمفكرين والصحفيين ملزمين بالهجوم على
الإخوان كرمز للدعوة، وكان هذا الهجوم هو الإذن الرسمي بالدخول في أي مجال
إعلامي..
كانت البراعة والعبقرية تقاس بمستوى هذا الهجوم
المفروض..
وهكذا كان التعليم.. وهكذا كان الإعلام والثقافة..
كانت المؤسسات الدينية جميعها وبكل توجهاتها -وبلا
استثناء- تجتمع وتتفق وتنطلق عندما تكون المهمة هي الإنكار وبشدة على الإخوان أو
أي عمل من أعمالهم..
وفي المقابل كان التدين يعني التصوف، وكانت كل المحاولات
السياسية لإثبات تدين القائمين على السلطة هي زيارة ضريح الحسين!
وكان الانتماء للدين لا يعني سوى أخذ العهد على شيخ من
شيوخ الطرق الصوفية!
وفي ذلك الوقت كان الشباب المواظب على الفرائض يبحثون له
عن راقٍ، يتهامسون حوله: هل به مس؟
كان الشباب المواظب على الفرائض يصلي الفجر سرًّا دون أن
ينتبه إليه أحد، بعد انتشار إشاعة تقول أن من يصلي الفجر يقبض عليه..
كان كافيا لفض أي تجمع.. أن تحاول شرح آية: {وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} [المائدة:
44]..!
كان الناس يشيرون إلى أحد البيوت قائلين: البيت ده فيه
واحد من الإخوان!
ومن هذا الواقع كانت المواجهة..
وكان طرف المواجهة مع هؤلاء الشباب هو التنظيم الناصري..
مجتمع له تنظيمه الداخلي «الاتحاد الاشتراكي العربي»،
على رأسه لجنة مركزية كل عضو من أعضائها كتلة لحمية حاقدة على الإسلام..
تنظيم كرأس الإخطبوط الجاثم بجسده فوق قلب مصر، يعد النبض،
وتمتد أطرافه فوق كل أطرافها، لينقل الحركة والهمس، فلا عزبة ولا كفر ولا نجع ولا
قرية.. إلا وترى فيها لافتة الشؤم: الاتحاد الاشتراكي العربي..!
مجتمع ينتمي إلى الاشتراكية المتمكنة التي فرخت كوادر
مغسولة المخ تحت مظلة الدراسات السياسية التي أنشئت لها خصيصًا كلية أو مغسلة
الاقتصاد والعلوم السياسية، التي لا يلتحق بها إلا أصحاب أعلى درجات الثانوية
العامة، لدراسة الإخوان أعداء الثورة.. من خلال المناهج ورسائل الماجستير
والدكتوراه.
مجتمع له زعيمه.. الذي اجتمعت فيه كل خصائص الزعامة
القومية، صوت وصورة.. من يؤيده عالميًّا: الكتلة الشرقية، ودول عدم الانحياز
علنًا، وأمريكا والغرب سرًّا.
مجتمع.. له شعبه الذي كانت تتعلم
فيه الأجيال النطق على حروف كلمة جمال، مرورًا بكل المواهب الشعبية التي جمعها
جهاز إعلامي أقنع الشعب بأن هزيمة 1956 كانت انتصارًا، رغم ضياع قرية أم الرشراش
سابقًا -إيلات حاليًا!-، وشرم الشيخ،
وفقد القدرة على التحكم في مضيق تيران، وزرع القوات الدولية في سيناء للمرة
الأولى..!!
ثم رتب هذا النظام الفاجر
الاحتفالات بعيد النصر من تاريخ ضياع الأرض، وجعله إجازة قومية تتعطل فيها المصالح
والهيئات الحكومية والمدارس!!
حتى الفن: ابتداءً بالأراجوز.. وانتهاءً بالمسرح
والسينما!
ابتداءً بالمنولجست... وانتهاءً بأرقى القصائد التي جعلت
السد معجزة
عبد الناصر... معجزة ليس لها أنبياء.
عبد الناصر... معجزة ليس لها أنبياء.
ثم إثبات النبوة لصاحب المعجزة التي ليس لها أنبياء على
لسان الشاعر الذي قال في عزاء جمال بعد موته: «قتلناك يا آخر الأنبياء!!».
والذي «ساب له في يده مصر أمانة».
والذي بلغ أن جعل لعيد الثورة صلاة.. «في صلاة العيد:
عيد الثورة بناجيك.. يا رب».
مجتمع له زعيمه الذي أعلن قرار ضرب سوريا بعد حركة
الانفصال وإنهاء الوحدة.. فصفق الناس تصفيقًا حادًّا ملتهبًا..!
ثم قرر في نفس الخطاب عدم ضرب سوريا لأن الدم العربي لا
يسفك بيد عربية.. فصفق الناس تصفيقًا، كان أيضًا حادًّا وملتهبًا..!
التصفيق على التناقض.. التصفيق على أي شيء.. التصفيق
وحسب..!
وبعد أي خطاب تنزل المانشتات المكتوبة قبل الخطاب:
صدى عالمي.. وزارات العالم الخارجية ومراكز البحوث
العالمية تحلل الخطاب.. انخفاض سعر الدولار.. الجيش الإسرائيلي يرفع حالة
الاستعداد القصوى..
لقد كان العالم وراء عبد الناصر في حربه على الإسلام،
فكانت المرحلة الناصرية الاشتراكية..
ولم تقف حرب عبد الناصر على الإسلام عند حدود مصر:
- انضم إلى الحبشة في عدوانها الصارخ على إريتريا..
- وانضم إلى القبارصة اليونان في نزاعهم مع القبارصة
المسلمين، وجعل الأزهر يستقبل مكاريوس عدو الكيان الإسلامي للأتراك..
ولكي لا يتم استثارة الشعور الإسلامي.. كان لابد أن تتم
هذه الحرب بأداة معادية للدين، تقضي عليه دون كشف الوجه الصليبي في العداء..
فعندما انضم إلى الهند في خصومتها المُرَّة ضد باكستان
المسلمة.. كان ذلك تحت مظلة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز التي تبناها عبد الناصر
مع نهرو..
وتحت نفس المظلة تم غض الطرف عن المذابح التي أقامها
الصرب لمسلمي البوسنة تحت قيادة تيتو..
وعندما انضم عبد الناصر إلى تنجانيقا –أحد أقاليم
تنزانيا حاليًا- وغض الطرف عن المذبحة الشنعاء التي أوقعتها بشعب زنجبار المسلم،
ورحب آخر ترحيب بنيريري السفاح تحت مظلة الاشتراكية، حيث كان نيريري يتظاهر
بالاشتراكية وهو قسيس كاثوليكي!!
لقد كان عبد الناصر حريصًا على ألا تكون صورته معادية
للإسلام حتى يتمكن من القضاء علية دون إثارة النخوة الإسلامية في الدفاع عن
الدين..
وكانت مراعاة هذه النخوة بالتأكيد على الإيمان بوجود
الله والرسالات السماوية، والفرق بين الاشتراكية والشيوعية..
كما كانت هناك عدة قرارات مواكبة لضرب الإسلام، منها
إنشاء إذاعة القرآن الكريم، وإنشاء دار التحرير التي طبعت كتب التراث «كتاب
الشعب»، وذلك إلى حين.. حتى يتم قتل الشعور الإسلامي..
التصور السياسي للحركة الإسلامية
الشيخ/ رفاعي سرور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق