لاشك أن الدور الإعلامي الإسلامي
يمثل ركنا أساسيا في بناء الأمة المسلمة، ووسيلة فرضت نفسها في التأثير سواء على
الجانب التربوي والتثقيفي والترفيهي أو في جانب حرب العقائد والأفكار ومعركة الوعي.
ولا ننكر أن مرحلة الضعف والتقهقر التي نمر بها كان لتقصير الإعلام الإسلامي دورا
فيها حيث بدت الساحة الإعلامية شبه فارغة، يصول ويجول فيها الإعلام التغريبي
والمستغرب، واقتصر دور الإعلام الهادف على نشاط محدود لم يلبي احتياجات المسلمين،
فضلا عن غياب دوره في الوقوف سدا منيعا أمام حملات التشكيك والتخريب العقدي
والثقافي والسلوكي .. إنها حالة من «العجز الإعلامي» حيث تواجد بصورة باهتة ضعيفة،
وكان أبعد ما يكون عن معارك الأمة وتحدياتها.
درر
مختارة
يقول د. نزار نبيل: "ومن
تمام الضعف الذاتي المقترن بالترهل الإداري الإسلامي عموماً، انساقت ثلة من
العاملين في درب الله بصوفيّة لا يقبلها الله، وانعزالية لا يقرها عقل ولا نقل،
واعتكافات طالت فترتها على القراءة ودراسة الحال، تاركة الساحة مفتوحة أمام كل
مجرمٍ حاقدٍ ليقتحم على الناس عقولهم، وليقودهم إلى حيث أراد".
ويقول الأستاذ عبد اللطيف حمزة:
"والشمولية في النظرة الإسلامية للإعلام لا تعني فقط هذا الامتداد في المكان
ليستوعب الدنيا كلها، وهذا الامتداد في الزمان ليحتوي البشرية في كل أجيالها، بل
هو أيضا منهج شمولي تتعدد زوايا الرؤية فيه لتشمل الإنسان في حياته العقلية وحياته
الوجدانية وحياته الجسدية".
أسس
إسلامية
ثمة مجموعة من الأسس الواجب
توفرها في الإعلام الإسلامي، يجب الالتزام بها، يوجزها الدكتور عبد الرزاق
الدليمي بقوله: "ضرورة الالتزام بفضيلة الصدق، والترفع عن ترديد كلّ ما يقال
حتى لا يدخل في دائرة الكذب المذموم، والتثبت والتبين باعتبارهما المصفاة الحقيقية
لكل خبر يسمعه المسلم، قبل أن يتفوه به أو يفكر في إذاعته، والإعراض عن اللغو
وتوسيع قاعدة الشورى، وعدم تكرار الشائعة عند تكذيبها، ثم لا بد من تنمية الثقة
بالله والإيمان به في نفوس الجمهور، كي يتجنّدوا لمقاومة الشائعة والعزوف عن
ترديدها، وضرورة البحث عن مصدر كلّ شائعة والقضاء عليها في جذورها ومنابعها
الأولى، حتى لا يستفحل أمرها ويعظم خطرها".
كما أن الإعلام الإسلامي إعلام
محترم نظيف يبتعد عن إثارة الغرائز وبواعثها، فهو «مؤثر لا مثير» فالكلمة منضبطة
والعدسة تنقل قدرة الله في خلقه وتجسد الواقع وتتفاعل معه دون إثارة للشهوات سواء
بالصورة الخليعة أو المشاهد المبتذلة أو المسامع الشهوانية.
محاور
ضرورية
لكن الإعلام الإسلامي لا يمكن
تحقيق هذا الدور الرائد إلا إذا تخلى عن الأنماط التقليدية، وأتقن فن الواقعية والمرونة
مع العطاء الممزوج بالتباينات الرشيدة، وفن إدارة الخلاف والاختلاف.
ويرى المختصون أن الدور المنشود
للإعلام الإسلامي يتمحور حول عدة محاور ضرورية:
·
مواكبة ومسايرة
المجريات العصرية بكل المتغيرات التي تجري فيه، والموائمة المستمرة بين الخطط
التفصيلية والتطورات الإعلامية السريعة.
·
التخفيف من
حدة الصراعات المذهبية، وتجنب الدخول في جدل عقيم حول الهامشيات، واعتماد مبدأ
الشورى بين فريق العمل الإعلامي على تنوع تخصصاته واتجهاته.
·
تقديم
البدائل الإسلامية، حتى لا يتم اللجوء إلى استيراد المادة الإعلامية من بيئات
وثقافات أجنبية مغايرة.
·
عدم
الاكتفاء بتحريك أوتار القلوب وإلهاب المشاعر؛ بل لابد أيضا من مخاطبة العقول، وتركيز
الأضواء على السلبيات وصفا وعلاجا، والتركيز على الأولويَّات، والارتفاع بوعي شباب
الأمة.
·
وجود «هيئة
شرعية» من جهابذة العلماء والفقهاء الشرعيين لمراجعة الأعمال الإعلامية وتنقيتها
من كل مخالفة دينية، بهدف تقديم مواد إعلامية إسلامية رصينة ومنضبطة وإلا اختل
ميزان المصداقية والمرجعية الإسلامية وهما من أهم الركائز التي يرتكز عليها الإعلام
الإسلامي وتجذب الجمهور إليه.
التمويل
قضية مصيرية
تظل مسألة «التمويل» من أهم
الدعائم للإعلام الإسلامي فلابد من البحث عن مصادر تمويل حرة بعيدة عن احتكار السلطة
الرسمية أو احتكار رأس المال الخاص، وذلك بإنشاء شركات إعلامية مساهمة، وعرض
الأسهم للتداول بيعا وشراء، حتى تتكامل العملية الإعلامية فيما يعرف بـ «إعلام
الجمهور» الذي يتحرر من الاحتكار والتبعية ويمس قضايا الناس بصورة واقعية دون قيود
أو ضغوط أو عوائق أو ولاءات خاصة.
ومن مصادر التمويل أيضا تبرعات
المحسنين والقادرين المتفهمين لأهمية ودور الإعلامي الإسلامي، وبالتالي بذل الغالي
والنفيس في سبيل تدعيم مسيرته الدعوية السامية، وهذا المفهوم لابد أن يعمم وينتشر
بين الناس –وتلك مسئولية المشايخ والدعاة- ولا يقتصر العمل الخيري على مساعدة
الفقراء والمحتاجين فحسب، فتوسعة مجالات الإنفاق تحتاج لتوسعة الأفق ابتداء
والإيمان بأن البر صوره تتعدد وكلها أطواق نجاه تنقذ الأمة ليس بدنيا واقتصاديا
فحسب، بل عقائديا وفكريا وغيرها من المجالات الضرورية لحياة كريمة.
السم
في العسل
في الآونة الأخيرة ومع بزوغ شمس
الصحوة الإسلامية المعاصرة، بدأت العديد من القنوات الإعلامية العلمانية بالعمل
على إذابة الحدود واختزال المسافات بين إعلامهم المشبوه وبين الإعلام الإسلامي، كنوعا
من التغرير بالبسطاء وإرضاء شريحة لا يستهان بها من الجمهور المتدين، وإعطاء تزكية
شكلية لإعلامهم المغرض، وبدأت عملية انسلاخهم من جلدتهم العلمانية الفجة باستقطاب
بعض العلماء والدعاة والمفكرين الإسلاميين كنوعا من إظهار الحيادية والتنوع
والتعددية، وتقديم وجبة دينية هامشية على الرغم من استمرارها في عرض كل ما يخالف
الدين في سائر خريطتها الإعلامية.
لذلك بات الحاجة ملحة لإعلام
إسلامي نقي مُنقى، يأخذ بحياة المسلم من كل أوجهها، ويخاطب مختلف الشرائح ويلبي
كافة احتياجاتها في وجبة إعلامية متكاملة لا تحوج المتلقي إلى اللجوء لأي رافد
إعلامي آخر يحمل الغث والثمين.
الإعلام
الشمولي
إعلامنا الإسلامي ينبغي أن يكون
قويا في الطرح، محتويا لأفراد المجتمع المسلم على اختلاف أعمارهم وثقافتهم، حريصا
على البرامج والخبرات التي تُعنى بالتقنية في كل مراحلها المتقدمة، مستقطبا لذوي
التخصصات والمهارات، ، قادرا على المنافسة، جريئا في عرض كافة القضايا، معتنيا
بمواجهة وتفنيد كل المؤامرات والشبهات التي يتبناها الإعلام المعاكس والمغرض،
كقضية تحرير المرأة أو الحجاب أو نظام الإرث أو العقوبات في الإسلام.
وأخيرا إعلاما قادرا على العطاء وتخريج
كوادر مدربة كصفوف احتياطية ومدد متجدد للرسالة الإعلامية وليس مرتكزا على شخصيات
بعينها أو نجوم محدودة العدد.
د/ خالد سعد
النجار
alnaggar66@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق