عندما نتطرق لأزمة الثقافة
العربية المعاصرة لا نقصد التجريح أو التشهير، بل المقصود عرض لمسيرة النخبة
المثقفة التي تضخمت في الإعلام العربي (مصر نموذجا)، وأخذت حيزا وزخما كبيرا، فرصد
واقع هذه النخبة يشير إلى أن وراء الأكمة شيئا ماكرا يدبر لهذه الأمة، سواء كان
هذا التدبير داخليا أو خارجا، إلا أن المحصلة أن أكثرية هذه النخبة المثقفة لم تكن
على المستوى المطلوب الذي يرضاه الدين والعقل والعرف، وأنها أقحمت المجتمع العربي في
أمور منافية لعقيدتنا الصافية وأعرافنا الراقية وتقاليدنا السامية، بل وصدرت لنا
من غثاء الغرب الفكري والسلوكي الكثير والكثير في الوقت الذي كنا في أشد الحاجة
لتتعرف على مقومات النهضة العالمية والاستفادة من خبرات الشعوب المتقدمة في
مسيرتها التنموية، في إطار ثوابتنا الدينية الإسلامية الغالية.
لما توفى سيد كراوية أشهر عازف
طبلة في مصر، والذي عمل مع جميع راقصات مصر الشهيرات، كتب (مصطفى أمين) الصحفي
ورئيس تحرير ومؤسس جريدة «الأخبار» المصرية العريقة .. كتب: أنه لو كان له ولد
لعلمه ليكون عازف طبلة تقديرا للدخل الكبير!! .. المقاييس عنده مادية بحتة .. هذا
تصريح قطب من أقطاب الصحافة العربية
وإذا كان
الغراب دليل قوم .. يمر بهم على جيف
الجلاب
مصطفى أمين الذي دخل في السبعين
من عمره، ومع ذلك يتخذ أسلوب القصة الجنسية المكشوفة إطارا لبث سمومه وأهوائه،
وأبرز كتاباته بعد خروجه من السجن «سنة أولى حب» وغيرها من الأعمال الأدبية
المشبوهة.
قال تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ
فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ
نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا
فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [فاطر:37]
تبنى مصطفى أمين فكرة «تحرير
المرأة قلبيا» وإشاعة الحب بين الرجل والمرأة حتى يكون في حياة كل شاب أمرأة، ويسفه
مطالب تطبيق الشريعة، ويسقط عمدا من مذكرات الزعيم المصري (سعد زغلول) 150 صفحة عن
تجربة سعد مع القمار، علما بأن والدته هي بنت أخت سعد زغلول.
وكان مصطفى أمين بارعا في
القدرة على تمجيد الحاكم، والقدرة أيضا على تدميره بعد زواله، وقد كتب ألوف
المقالات عن الملك فاروق تمجيدا وتشريفا وإعلاء، ثم هدمه بعد ذلك وكشف عوراته،
وكذلك فعل مع عبد الناصر تبجيلا قبل أن يسجنه، وتحقيرا بعد خروجه من السجن بعدما
مات جمال.
ولقد نشر (محمد حسنين هيكل)
مقالات مصطفى وعلى أمين فى تمجيد الملك فاروق، والهجوم على حزب الوفد، كما نشر
مقالاتهما فى تمجيد الرئيس عبد الناصر، حتى قبل القبض على مصطفى أمين بأيام معدودة.
كما اتهم هيكل مصطفى أمين أنه
يجيد فبركة الأكاذيب، ويصدقها، ويزيد عليها، وأنه يلعب على كل العصور.
وأشتهر عن مصطفى أمين العمل
الدءوب مع أحزاب الأقليات ومع الملك ضد حزب الوفد لتحطيمه، وكان يرأس تحرير مجلة
أسبوعية مصورة، يكتب فيها مقالات خفيفة مضحكة بإمضاء مستعار (مصمص) .. وعرف القراء
مصمص الذي كان يضحكهم بالحديث عن البنت التي خربشته من تحت المائدة أمام الضيوف،
ويضحكم بالحديث عن بدانته التي تضايقه أثناء الرقص.
ودفعه الطموح أن يرأس تحرير
جريدة يكون هو صاحبها، رغم أن الكل يعلم أن إصدار جريدة ليس أمرا سهلا، لأن هذا
يتطلب أموال طائلة، ولم يكم مصطفى أمين يملك سوى قلمه وقلم شقيقه (على أمين)، بل
لم يكن يمتلك شيئا عندما حزم أمتعته وجمع أوراقه وغادر دار الهلال، حيث اختلف مع
أصحابها لأنه أراد أن يجعل مجلة «الأثنين» مجلة تنطق بلسان السعديين.
وما لبث أن حدث اجتماع بين
مصطفى وعلى أمين وبشوات القصر الملكي، حيث رسمت سياسة جريدة «أخبار اليوم»
الوليدة، وفي لمح البصر تم تجهيز كل شيء، وصدرت الأخبار واختاروا المادة الصحفية
التي تثير انتباه الشعب، من أمثال: لماذا ساءت العلاقة بين القصر والنحاس باشا.
وكان لنفوذ الجريدة الواسع
آنذاك في الدوائر البريطانية والأمريكية أثره في تقديم أخبار جديدة لفتت الأنظار
وشدت القراء إليها.
يقول (محمد حسنين هيكل) فى
كتابه عن الأخوين مصطفى وعلي أمين: إن دار أخبار اليوم تم انشاؤها بأموال
المخابرات الأمريكية، بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أيقنت الولايات المتحدة
بخروجها منتصرة من الحرب، بدأت إنشاء سلسلة من دور النشر الصحفية التى كان عليها
أن تروج لسياسة الولايات المتحدة، ونمطها فى الحياة، وتدافع عن توجهاتها ومصالحها.
وتم إلقاء القبض على مصطفى أمين
فى 21 يوليو 1965 متلبسا مع مندوب المخابرات الأمريكية (بروس تايلور أوديل) فى
حديقة منزل مصطفى أمين، وأثبتت الوقائع والأدلة عن القضية التى كانت تتابعها أجهزة
المخابرات المصرية، أن مصطفى أمين يتجسس على مصر لحساب المخابرات المركزية
الأمريكية.
من جهة أخرى أكد (صلاح نصر)
رئيس المخابرات المصرية في كتابه «عملاء الخيانة وحديث الإفك» وهو كتاب صدر في عام
1975 أن مصطفى أمين جاسوس فعلاً، وشرح بالتفصيل علاقة الصحفي الشهير مصطفى أمين
بالمخابرات الأمريكية، والأكثر من ذلك ذكر صلاح نصر أن جهاز مكافحة التجسس كان
يحتفظ بملف لمصطفى أمين حول علاقته بالمخابرات الأمريكية حتى من قبل ثورة يوليو
1952.
كما نشر (هيكل) وثيقة من 60
صفحة، بخط يد مصطفى أمين، تتضمن رسالة منه للرئيس عبد الناصر، يعترف فيها بعمالته
للأمريكان، ويطلب العفو من الرئيس.
وبعد خروجه من السجن كتب مصطفى
أمين سلسلة روايات من سنة أولى سجن، إلى سنة تاسعة سجن، وفيها لم يقدم دليلا، أو وثيقة
واحدة تبرئه من تهمة العمالة، والتجسس للأمريكان.
وتتركز مسيرة مصطفى أمين
الصحفية على عدة محاور، كان قد صرح بها، من أهمها:
- محاربة
التعصب الديني وتجديد الأزهر.
-
المناداة
بتحرير المرأة قلبيا، لأن الحب الطاهر -برأيه- لايزال جريمة يعاقب عليها المجتمع،
فقد كان يرى المجتمع المصري مجتمعا لا روح فيه لأنه خال من المرأة، والشاب المصري
لا شخصية له بزعمه لأنه ليس في حياته صديقة.
-
تشجيع المرأة
على المطالبة بحقوقها السياسية، وتولي الوظائف، وأن ترث كما يرث الرجل تماما.
-
العوة إلى
اتحاد شرقي (وليس اتحاد إسلامي) على غرار الولايات المتحدة الأمريكية.
-
صاحب فكرة الأعياد الغربية كعيد الأم وعيد الأب وعيد الحب، والترويج لها.
هذا هو نجم الصحافة العربية
الذي يؤكد أنه حضر ثورة 1919 رغم أنه ولد سنة 1916، ولقد كان أجدر بالسجن الذي آوى
إليه تسعة أعوام أن يدفعه لأن يغير مسار حياته الصحفية إلى خدمة القضايا العليا
للحياة الإنسانية، ولكنه لم يفعل، ولم يعتبر، بل خرج من السجن ليكتب قصصا جنسية
أشد عنفا وعمقا مما كان يكتب من قبل.
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق