يملك
العديد من مفكرينا السياسيين رؤية جيدة لواقع الحال الذي يمر بأمتنا، هذه الرؤية
من الرصانة والعمق ما يجعلها إضاءات نحن في أمس الحاجة لها في ظل هذه الأحداث
الهادرة التي تموج بالأوطان الإسلامية
خاصة والعالمية عامة، لذلك رأيت أن أقتطف طرفا من هذه الرؤى، وأجمعها في نظم نضيد،
لتكون عونا للمسترشد، ونبراسا للمقتدي، لكن لا يفوتني أن أذكر أنها اجتهادات بشرية
ربما يعتريها بعض المآخذ، وهذا ما لا ينكره البصير، فأسأل الله أن يعم النفع بها،
ويجنبنا الزلل، إنه نعم المولى ونعم النصير.
·
في الوقت الذي
جرى فيه تنشيط وتعزيز دور (مجلس وزراء الداخلية العرب) لم تحظ معاهدة الدفاع
المشترك والتعاون الاقتصادي الموقعة عام 1950 أي منذ أكثر من 60 عاما باهتمام أو
عناية تذكر، الأمر الذي بدا قاطعا في التدليل على أمن الأنظمة والحكام ظل طول
الوقت مقدما على ما عداه، بما في ذلك الدفاع المشترك أو التعاون الاقتصادي
المنشود.
والسبب
في ذلك مفهوم، إذ إن الدفاع المشترك يهم الأوطان والتعاون الاقتصادي في مصلحة
الشعوب، وذلك كله يتراجع أمام أمن الحكام والأنظمة.
وإذا
جاز لنا أن نتصارح أكثر فلا مفر من الاعتراف بأن ذلك الدور ظل محصورا في ملاحقة
الإسلاميين الناشطين والمعارضين المعتدلين منهم والمتطرفين. [الأمن الفكري أم
الأمن الغذائي. فهمي هويدي]
·
في يوم تنصبه
في العشرين من يناير/كانون الثاني 2009 قال باراك أوباما "أقول لأولئك الذين
يتشبثون بالسلطة من خلال الفساد والخداع وقمع وإسكات المعارضة: عليكم أن تعرفوا
أنكم في الجانب الخطأ من التاريخ, ولكننا على استعداد لأن نمد أيدينا إليكم إن
كنتم ترغبون في تخفيف قبضتكم", ولكن من الذي شدد وقوى من قبضة الأنظمة
العربية ضد شعوبها؟ وأية عقود أو شركات دفاع أميركية ساعدت في بناء تلك القبضة,
وبأي قدر من المساعدات العسكرية الأميركية, وبأي قدر من زيادة التسلح الإسرائيلي؟
[مصر والإمبراطورية الأميركية، ماكسميليان فورت]
·
حماية رهانات
أميركا عن طريق الوقوف على بعد واحد من كافة الأطراف والمعسكرات, والحفاظ على
اتصالات مع كافة القطاعات المختلفة من المجتمع, مؤكدة على الاستقرار حينما تكون
هناك إمكانية أو احتمال نجاة النظام, والتأكيد على "الانتقال المنظم"
حينما يبدو التغيير محتملا, إنه خليط بين الواقعية وانتهاز الفرص والتدخل دون أن
يتبين أنها تتدخل, إنها سياسة خارجية قليلة التكاليف عن طريق الاحتفاظ بقنوات
اتصال مفتوحة وإيجابية (مع مبارك, ومع القوات المسلحة, وحركة 6 أبريل, والبرادعي،
وحتى الإخوان المسلمين). [مصر والإمبراطورية الأميركية، ماكسميليان فورت]
·
سرعان ما
اتضح، في شوارع المدن العربية الثائرة، في خطوط الاصطدام بين قوات الأنظمة الحاكمة
وشعوبها، أن التيارات الإسلامية تتمتع بأغلبية واضحة، وأنها تتحمل العبء الأكبر من
مهمات الثورة والتغيير. في الفضاء المكاني الفسيح للمدينة العربية، لعبت المساجد
دور مواقع التجمع والانطلاق الرئيسة للشعوب الناهضة من أجل التغيير وبناء مستقبل
جديد. وفي الفضاء الزماني الفسيح للثورات، برزت أيام الجمعة، بدلالاتها الرمزية
والفعلية، باعتبارها موعد التعبير الأبلغ والأكثر تأثيراً عن إرادة التغيير. يلعب
الشبان الإسلاميون الدور الأبرز في تنظيم حركات الاحتجاج المصرية والسورية
والتونسية والأردنية واليمنية والمغربية، ويقود إسلاميون مثلهم الجهد العسكري
المقاوم في جبهات القتال الليبية. ليست هذه قوى 'إقامة الدولة الإسلامية'، الشعار
الذي لعب دوراً هائلاً في معارضة الأنظمة الحاكمة طوال عقود، وفي تفاقم حال
الاستقطاب العربية، في آن واحد. هذه إسلامية من نوع جديد، إسلامية حاضنة، ومتصالحة
مع التاريخ. [ولكن ما الذي يريده هؤلاء الثائرون العرب فعلا؟ د. بشير موسى نافع]
·
من الصعب
قراءة حركة الثورة العربية الراهنة بمعزل عن الإهانة الكبيرة التي تحملها العرب
خلال القرن الماضي، الانتهاك الكبير والبشع لبلادهم ومصالحهم ومقدراتهم، وتقسيم
بلادهم بدون أي اعتبار لإرادة الناس وحاجاتهم؛ المشروع الصهيوني، والدعم الغربي
الهائل الذي وفر له طوال عقود، من أجل استباحة كل ما يحرص العرب عليه ويقدسونه؛
السيطرات المختلفة على الثروات العربية، وإهدارها السفيه في استثمارات خارجية
وبرامج تسلح لا تصلح للدفاع عن قرية، ناهيك عن وطن؛ الصراعات البينية المتواصلة
بين الدول العربية، حول ما يستحق وما لا يستحق، التي دفعت الشعوب ثمنها دائماً؛
حالة التخلف والانهيار البالغة التي وصلت إليها الثقافة ومؤسسات التعليم العربية؛
العودة الصارخة لقوى الغزو والاحتلال إلى الأرض العربية؛ الاستهانات المتلاحقة
بالكرامة الإنسانية، التي تعرض لها العرب طوال عقد من 'الحرب على الإرهاب'؛ ونعم،
حملات التقويض المخططة وغير المخططة التي استهدفت الموروث الإسلامي القيمي للشعوب
العربية. [ولكن ما الذي يريده هؤلاء الثائرون العرب فعلا؟ د. بشير موسى نافع]
·
ورد في دراسة
أعدها الباحث بنيامين شفارتس تحت عنوان: 'تأثير النظام العالمي على مصالح
إسرائيل ومصر في كامب ديفيد 1987 'عدد فيها الفوائد التي عادت على إسرائيل من وراء
اتفاق السلام مع مصر فقال:
' علاوة
على (متابعة) سياسة 'فرق تسد' التي حرصت إسرائيل على تنفيذها داخل العالم
العربي، يبدو أن إسرائيل استفادت من اتفاق السلام مع مصر على مستوى أكثر أهمية .
'من
الناحية العسكرية المجرّدة، طالما أن مصر وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، لم تعد
تلك الدولة تشكّل خطرا على إسرائيل. إضافة إلى ذلك، فإن اتفاق السلام أوجد حاجزا
داخل العالم العربي، وقلص من احتمال التعاون بين دول تنتمي إلى كتلتين متنازعتين ضد إسرائيل.
فحالة اللاحرب هي مصلحة مماثلة تخلق تعاونا نسبيا بين لاعبين: إسرائيل
ومصر. الوضع الجديد (بعد كامب ديفيد) وفّر الأمن لإسرائيل .
'من
الناحية الاقتصادية، فان اتفاق كامب ديفيد ساعد إسرائيل على تخصيص
موارد أقل لأغراض الأمن، لأن الحرب تحولت من ساحة متعدد الجبهات، إلى جبهة واحدة
في مواجهة سورية.
وجاء في
الدراسة أيضا أن ميزانية الدفاع الإسرائيلية بلغت قبل كامب ديفيد نسبة 40% من الميزانية
العامة، وتقلصّت بعدها إلى 10% ولا سيما أن ميزانية الأمن كانت تشكّل عبئا
باهظا على إسرائيل، وخصوصا في ساحة متعددة الجبهات.
وخلصت الدراسة
إلى القول: 'حققت إسرائيل مصلحة أمنية مهمة بواسطة توقيع معاهدة سلام مع أكبر دولة عربية،
وبواسطة تقسيم العالم العربي. وعلى الرغم من أن اتفاق السلام أجبر (بيجن) على تقديم
تنازلات: إعادة سيناء ومصادر النفط والمطارات وتفكيك مستوطنات رفح، ولكن المعادلة
بالنسبة إلى بيجن كانت ببساطة: 'خسر سيناء وربح أرض إسرائيل'. والمقصود هنا بالطبع
مقايضة سيناء بالضفة الغربية .
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com